عنف ديني وعرقي في جغرافيا الإرهاب

من دولة مالي إلى نيجيريا

الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا يتفقد الدمار الذي سببه هجوم لقبائل الفولاني بعد إحدى عملياتها الإرهابية (رويترز)
الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا يتفقد الدمار الذي سببه هجوم لقبائل الفولاني بعد إحدى عملياتها الإرهابية (رويترز)
TT

عنف ديني وعرقي في جغرافيا الإرهاب

الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا يتفقد الدمار الذي سببه هجوم لقبائل الفولاني بعد إحدى عملياتها الإرهابية (رويترز)
الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا يتفقد الدمار الذي سببه هجوم لقبائل الفولاني بعد إحدى عملياتها الإرهابية (رويترز)

يؤشر مسلسل العنف غير المتناهي بكل من مالي ونيجيريا، على وجود أزمة في بنية الدولة؛ ما يمنح فرصاً كبيرة لانتشار الجماعات المتطرفة وبروز قيادات إرهابية، تحت يافطات عرقية ودينية.
وفي سياق هذا التناحر العرقي القائم، قُتل يوم 8 أبريل (نيسان) 2019 ما لا يقل عن 20 شخصاً، في أحدث هجوم قام به رعاة يشتبه في أنهم من الفولاني في قرية أنغوان أكو، بمنطقة كاجورو للحكم المحلي بولاية كادونا. ويعد هذا الحدث الدموي واحداً من المؤشرات المبرزة للتشابك العضوي بين الصراع العرقي والظاهرة الإرهابية، التي تعيشها دول الساحل وغرب أفريقيا.

جغرافيا المجازر
تأتي هذه العملية الإجرامية، لعرقية الفولاني المسلمة ضد قبيلة أدارا المسيحية، في إطار سلسلة من عمليات الاقتتال الديني والعرقي، الذي شهد تزايداً كبيراً منذ سنة 2012 بمنطقة الساحل، وبلغ حسب الأمم المتحدة ذروته سنتي 2016 و2018 بغرب القارة السمراء خصوصاً نيجيريا. غير أن مسار الأحداث الأخيرة، بكل من دولتي مالي ونيجيريا، يدل على حصول تحول نوعي في النزاع القائم، خصوصاً أن عرقية الفولاني بمالي، تناصر تنظيم محمد ممادو كوفا، بينما تعتبر الهوسا وتوابعها من الفولاني بنيجيريا من مؤيدي تنظيم «بوكو حرام».
في سياق هذا التحول النوعي، تفاجأ العالم بوحشية العملية الإجرامية التي أودت بحياة 160 شخصاً من الفولاني المسلمة، في مذبحة مروعة نفذها مسلحون من قبيلة الدوجون، العاملة بالصيد، ضد أهالي قرية أوجوساجو، في 23 مارس (آذار) 2019. ويبدو أن وحشية هذه العملية تعيد إلى السطح، ارتباط العنف القبلي والديني، بالتطهير العرقي، والممارسة الإرهابية.
وقد أشار إلى ذلك مراسل صحيفة «لوموند» الفرنسية بالقول إن المهاجمين «لم يتركوا أحداً، وعمدوا إلى حرق كل شيء بالبنزين وقتلوا كل شيء يتحرك بالأسلحة». وكان المهاجمون قد وصلوا إلى المنطقة بدراجات نارية فجراً وحاصروا المكان، قبل أن يفصلوا الرجال عن غيرهم ويقتلوا الجميع، ويحرقوا كل الأكواخ التي كان يسكنها القتلى.
وإذا كانت الفولاني، كما أشرنا أعلاه، تناصر فرع «القاعدة في المغرب»، فإن قبيلة الدوجون التي نفذت المجزرة الأخيرة، كونت بإشراف من دولة مالي ميليشيات مسلحة، غير خاضعة للجيش الرسمي. وبدأت هذه المجموعة العسكرية في الدفاع عن الدوجون منذ تأسيسها سنة 2016 تحت اسم «دانا أماساغو»، وهذا الاسم يحمل دلالة لا تخلو من نبرة دينية، حيث يعني «الصيادين الموقنين بالإله» بلغة الدوجون.
ويشار إلى أن الفولاني عرقية وقبائل مسلمة منتشرة في دول غرب ووسط القارة الأفريقية، مثل نيجيريا ومالي الكاميرون وغينيا والسنغال وموريتانيا، وعدد أفرادها نحو 40 مليون نسمة. وما زالت الفولاني تعيش على حياة الرعي والترحال، ما يسبب لها مشاكل مع القبائل الأكثر استقراراً، التي تمارس الزراعة.
وهذا ما يفسر الارتفاع المطرد لأعمال العنف والاقتتال بين هذه القبائل وغيرها بنيجيريا ومالي، غير أن هذا العامل لا يمثل السبب الوحيد، حيث نجد أن تداخل الفولاني مع الجماعات الإرهابية، يعكس من جهة، رغبة هذه العرقية في الدفاع عن مصالحها، وضمان حرية التنقل والأمن عبر طرق الصحراء المختلفة، التي تعرف مراقبة أو إشرافاً من تلك الجماعات المتطرفة في الساحل والصحراء، ومن جهة أخرى، فإن الفولاني تعتبر الأقرب لعرقية الطوارق بزعامة إياد أغ غالي زعيم تنظيم «نصرة الإسلام والمسلمين»؛ وهذا يفسر دخول كوفا أمير «جبهة تحرير ماسينا» بمالي، في وحدة اندماجية مع التنظيم الجديد لإياد أغ غالي، في مارس 2017.
وبالعودة للعملية المشار إليها، صباح يوم الاثنين 8 أبريل 2019 بشمال وسط نيجيريا، نجد أن شهود عيان يشيرون إلى أن المهاجمين كانوا يتواصلون بلغة الفولاني، ويرتدون الزي العسكري ومسلحين ببنادق كلاشنيكوف والسواطير والعصي، وقد أطلقوا النار بشكل عشوائي ولاحقوا الفارين في الأحراش، وقتل بعضهم هناك.
ورغم أن السكان أبلغوا السلطات النيجيرية الرسمية قبل أيام من وقوع الحادث بإمكانية حدوث مجزرة في المنطقة، فإن السلطات لم تعمد لنشر قواتها في التماس بين القبيلتين، بل إن الشرطة التي وصلت إلى منطقة العملية لم تتوغل في الأحراش وفضلت العودة لمقراتها المركزية بالمدينة. وربما هذا ما دفع دانلادي ياريما، الرئيس السابق لجمعية أدارا للتنمية إلى اتهام محافظ المنطقة، ناصر الرفاعي، بالتحيز والتلكؤ في معالجة الأزمة، وبالتالي تكرار ما حدث بمنطقة كاجورو في 10 فبراير (شباط) 2019، عندما هاجم رعاة من الفولاني أنجوان باردي، وهي جماعة من أدارا، في الليل، وقتلوا 11 شخصاً.
وكان رد فعل أدارا المسيحية عنيفاً، حيث قتلت في سلسلة من الهجمات نحو 131 شخصاً من الفولاني، كما أعلن محافظ المنطقة. كما أسفر هذا الاقتتال عن تشريد نحو 4 آلاف شخص، وهو ما دفع الوكالة الوطنية للطوارئ ووكالة الطوارئ الحكومية إلى المساعدة في إعادة بناء المنازل التي دمرت خلال الهجمات المختلفة على المجتمعات المحلية لتمكين المشردين داخلياً من العودة إلى ديارهم.

مواجهة الدولة للعنف
وعلى أثر مقتل 20 شخصاً في النزاع العرقي بشمال نيجيريا تدخل مجلس الشيوخ الفيدرالي، عبر خطوات عملية. فمن جهة أولى، عبر عن إدانته جميع أعمال القتل بالبلاد وعن قلقه المتزايد، من انعدام الأمن بنيجيريا. ودعا لخطوات عملية لاستتبابه، ومنها إنشاء شرطة الولاية للقضاء على العنف من جذوره.
ومن جهة ثانية، قرر مجلس الشيوخ لمعالجة الأحداث المؤسفة، لا سيما في ولاية زمفارا، تخصيص 10 مليارات نيرة في ميزانية 2019 (الدولار الواحد يباع بنحو 160 نيرة)، كصندوق تدخل لمعالجة مشكلة انعدام الأمن في الدولة، ودعماً لتلبية احتياجات المشردين داخلياً وغيرهم من الأشخاص المتضررين من أنشطة العصابات المسلحة في الدولة. كما دعا الحكومة الفيدرالية إلى تشكيل لجنة مخصصة تُعرف باسم المبادرة الرئاسية لولاية زمفارا، لإدارة الصندوق المذكور والمخصصات اللاحقة، التي ستدفع للصندوق.
يشار إلى أن هذا التدخل من المجلس جاء كذلك للتفاعل مع مقتل 33 شخصاً في 3 مناطق حكومية محلية بولاية كاتسينا، منهم 11 قتلوا من طرف من يطلق عليهم «قطاع الطرق» المسلحون. ورغم أن جهود المؤسسات الرسمية، تعزز ببعض جهود المؤسسات المدنية مثل منتدى أريوا الاستشاري وغيرها، فإن معالجة حالة انعدام الأمن المتزايدة في البلاد، تبدو بعيدة المنال، خصوصاً أن الدولة والجيش عاجزان عن فرض السيطرة على كل المناطق الشمالية بنيجيريا.
ولذلك تتجه الدولة لجهود الوساطة، ووجهاء القبائل، والرموز الدينية، ومن ذلك ما يشير إليه، تعهد الزعيم الديني الكبير للهوسا سلطان سوكوتو بحشد الحكام التقليديين الشماليين لدعم الشرطة في مكافحة اللصوصية المسلحة، وغيرها من الجرائم في البلاد.
على الجانب المالي، اتخذت الدولة المالية، منذ اليوم التالي للهجوم الوحشي على قبيلة الفولاني يوم 23 مارس 2019، إجراءات بعضها ذات طابع سياسي وبعضها عملي؛ فقد أقال الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا في اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء، بعض الوزراء و8 مسؤولين كبار؛ بدءاً من رئيس الأركان العامة، قبل أن يزور قرية أوغوساغو التي تعرضت للإبادة من جماعة «الصيادين الموقنين بالله».
من جهتها، أصدرت الحكومة المالية قراراً يتم بموجبه حل جماعة «الصيادين». وأوضح رئيس الوزراء المالي، سميلو بوبايي ماغا، أن قرار الحل هذا الغرض منه «التوضيح للجميع أن حماية السكان ستظل حكراً على الدولة».
غير أن قرار الحل هذا فهم منه أن هناك علاقة عضوية بين الجيش المالي وجماعة «الصيادين»، حيث سبق للفولاني أن اتهمت الجيش بالتواطؤ مع الجماعات المسلحة المهاجمة لها في عدة مواقع.
ويستند زعم الفولاني هذا على سماح السلطات والجيش لميليشيا «الصيادين الموقنين بالله» باستعمال الدراجات النارية رغم أنها محظورة بالمنطقة بقرار رسمي. كما أن الأمم المتحدة أشارت سنة 2018، إلى أن ميليشيا قبيلة الدوجون، تستخدم بشكل منتظم الأسلحة نفسها والذخيرة المستعملة من طرف الجيش المالي.
ويبدو أنه من الصعب إقناع جزء من الجيش المالي وقبائل الدوجون بأن الفولاني ليست عرقية وجماعة إرهابية، وذلك ما يضعف فرص السلام بين الجانبين، ويقضي على الاتفاق المبرم بين الطرفين بوساطة الحكومة المالية سبتمبر (أيلول) سنة 2018.
ويمكن القول، استناداً على الخبرة التاريخية، إن هناك علاقات جدلية بين الإرهاب والعنف الديني بنيجيريا ومالي، وأن كلاً منهما ينعش الآخر. كما أن ضعف الدولة زاد من قدرة التنظيمات الإرهابية على التلاعب بالنسيج القبلي والعرقي وتناقضاته؛ الشيء الذي يرهق الدولة ويخلق فراغاً أمنياً ومؤسساتياً واسعاً. ومن هنا تعمل التنظيمات الإرهابية على استغلال الوضع والدفع بالعرف المحلي والفكر الديني المتشدد للواجهة.

مالي تسابق الزمن
وفي إطار تكملة الإجراءات المصاحبة لمواجهة العنف والإرهاب بالساحل، ترأس الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا يوم 8 أبريل، في باماكو، دورة طارئة للمجلس الأعلى للدفاع الوطني، الذي يضم الوزير الأول وزير الدفاع والمحاربين القدماء ووزير الأمن والحماية المدنية والمسؤولين السامين للجيش. وقد خصصت الدورة الطارئة لدراسة دور العدالة في تثبيت الاستقرار في كل من ولايتي موبتي وسيغو، وتقييم تنفيذ خطة التأمين المندمجة لمناطق الوسط، وعملية «دامبي» التي وضعت سنة 2018 وتتكون من 4 محاور: هي الأمن والحكامة والتنمية الاجتماعية - الاقتصادية والتواصل. وتهم الخطة المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة وعمليات إرهابية، بقصد القضاء عليها خصوصاً في ولايات موبتي في الوسط وبعض مناطق شمال سيغو، وتومبوكتو وغاو في الشمال وكيدال في أقصى الشمال، وكوليكورو في الشمال الغربي.
*أستاذ زائر للعلوم السياسية - جامعة محمد الخامس


مقالات ذات صلة

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)
أوروبا القاتل النرويجي أندرس بيرينغ بريفيك (إ.ب.أ)

«سفاح النرويج» يطلب الإفراج المشروط للمرة الثانية

مَثُل القاتل النرويجي، أندرس بيرينغ بريفيك، الذي قتل 77 شخصاً في حادث تفجير وإطلاق نار عشوائي عام 2011، أمام المحكمة، الثلاثاء، لحضور جلسة استماع بشأن إطلاق

«الشرق الأوسط» (أوسلو)
شؤون إقليمية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان التقى حليفه دولت بهشلي الخميس الماضي وسط تأكيدات عن خلافات بينهما (الرئاسة التركية)

حليف إردوغان استبعد الخلاف معه... وهاجم مَن يخدمون «أولاد بايدن» بالتبني

أشعل رئيس حزب «الحركة القومية»، شريك حزب «العدالة والتنمية» في «تحالف الشعب»، جدلاً جديداً حول حلّ المشكلة الكردية في تركيا، ونفى وجود أي خلاف مع الرئيس إردوغان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.