هو منزل متواضع يقع في منطقة الأشرفية مقابل أحد المستشفيات، كرّسته صاحبته ريتا بولس لاستقبال الأشخاص المحتاجين والفقراء. فتحت عنوان «أنا كمان جعت» قررت ريتا أن تفتح أبواب بيتها أمام المعوزين الذين لا يجدون السبيل لتأمين لقمة عيشهم. فهو بمثابة «بيت الكل» الذي يقصده لبنانيون من الطبقة الفقيرة من كل حدب وصوب ليتزودوا بوجبة طعام مجانية تشبع جوعهم. «جاءتني هذه الفكرة إثر إصابتي بالمرض. يومها تعذبت كثيراً لتأمين لقمة العيش لأولادي الثلاثة، ولي طبعاً. وبعد أن انتهى علاجي؛ ولأنني (أنا كمان جعت) اتخذت قراري باستئجار هذا المنزل، وفتح أبوابه مجاناً أمام كل محتاج». تقول ريتا بولس في حديث لـ«الشرق الأوسط». وتضيف: «لم أكن أتوقع أن يقصدني يومياً نحو 200 شخص ليأخذوا زوادتهم من أطباق الطعام التي أحضّرها مع مجموعة من ربات المنازل، وغالبيتهن من جيراني. ومن ثم نَمَت هذه المبادرة بفضل نساء كثيرات يأتين من مختلف المناطق اللبنانية تطوعاً لهذا العمل».
ريتا التي بدأت بمبادرتها هذه بمفردها متأثرة بمسيرة الأم تيريزا، تطورت فكرتها مع الوقت وصار بيتها مركزاً يؤمّن المواد الغذائية وربطات الخبز والألبسة لكل من يقصدها. «بفضل أصحاب فندق خيّر في بدارو وشركات توزيع طعام أخرى توسع عملي الخيري هذا ليصبح بيت (أنا كمان جعت) جمعية بحد ذاته تعيل نفسها بنفسها من دون أي دعم من جهات رسمية. وحالياً أصبح ملاذاً لمن لا سقف له يأويه من برد الشتاء وحر الصيف. وصرنا نستقبل العشرات الذي خصصنا لهم الأسرّة والفرش ليناموا بسلام. فالجميع هنا يعمل بجهد متسلحاً بحب الآخر ومساعدتهم دون أي مقابل. فإن تدخل ولو (كمشة) فرح إلى قلوب هؤلاء يشعرنا بأننا من أغنى الأغنياء تماماً كالأم تيريزا التي نذرت نفسها لمساعدة الناس على اختلافهم».
أطباق موضبة بعلب بلاستيكية توزعها ريتا على كلّ من يطلب المساعدة في حين تترك ما تبقى من الطبخات في ثلاجة موضوعة في الخارج أمام المدخل الرئيسي للبيت.
«إنه مفتوح ليلاً ونهاراً؛ فالجائع لا يمكن أن نحدد له وقتاً معيناً كي يسدّ جوعه. وبعضهم يخجل من المرور بنا في النهار، ويفضّل أن يأخذ طبقه في عتم الليل دون أن يراه أحد. ومن هنا جاءت فكرة (ثلاجة الحي)».
لبنانيون من طرابلس ومن بيروت، ومن زحلة، وعالية، وبحمدون، وغيرها من المناطق اللبنانية يقصدون هذا البيت يومياً بعد أن أصبح عنواناً شهيراً يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام. فريتا بولس صاحبة الفكرة، وهي أم لثلاثة أولاد، فتحت أيضاً صفحة إلكترونية لها على موقع «فيسبوك» كي تستقطب أكبر عدد من الخيرين الذين يرغبون في مشاركتها هذه الطريق والتي تسميها «طريق السماء». وتعلّق: «هي طريق رائعة لمن يختارها، وأتمنى الوصول إلى مرحلة لا يبقى فيها أي لبناني جائع. فنحن في هذا البيت نستطيع أن نؤمّن الطعام للمئات، ولو كانت الجمعيات التي تدّعي قيامها بواجبها تجاه المحتاجين تترجم رسالتها الإنسانية فعلياً على الأرض لكنّا أشبعنا كل اللبنانيين، وأنهينا معاناتهم مع الجوع من زمان».
وتقدّم ريتا أطباقاً لبنانية شعبية معروفة كالمحاشي، واليخاني، والدجاج مع الأرز، والمقالي، والبرغل مع البندورة، والمجدرة، وغيرها. «هي أكلات نحضّر منها نوعين على الأقل يومياً يأخذها المحتاج مع صحن سلطة وفواكه. وكأنه يتناول الطعام في بيته تماماً. فالفكرة ترتكز على تأمين لقمة عيش مصنوعة بأيادي ربّات منزل يحضرنها تماماً كما في بيوتهن بنفس النكهة والدقة والتفاني».
لبنانية تفتح أبواب بيتها للفقراء تحت عنوان «أنا كمان جعت»
يقصدها نحو 200 محتاج يومياً
لبنانية تفتح أبواب بيتها للفقراء تحت عنوان «أنا كمان جعت»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة