الليالي المضيئة تهدد النظم البيئية

دراسة أشارت إلى أن الإضاءة الاصطناعية على الحيوانات باتت أمراً صعباً

الليالي المضيئة تهدد النظم البيئية
TT

الليالي المضيئة تهدد النظم البيئية

الليالي المضيئة تهدد النظم البيئية

في سنة 2017. ذكر باحثون أن أعداد الحشرات الطائرة في ألمانيا تراجع بأكثر من 75 في المائة خلال العقود الثلاثة الماضية.
هذه الخسارة المذهلة في أعداد الكائنات اللافقارية تصدرت عناوين الصحف، ودفعت البعض للتحذير من أن انخفاضاً كهذا يهدد الحياة على سطح الأرض بالفناء. السؤال الذي كان يطرحه الجميع: ما هي أسباب هذه الخسارة؟
ربما يكون تغير استخدامات الأراضي وتغير المناخ ورش المبيدات من بين العوامل التي تقف وراء ذلك، لكنها لا تكفي وحدها لتفسير هذا التراجع الكبير. فقد اكتشف عدد من الباحثين مؤخراً أن المناطق المنكوبة تعاني من مستويات عالية في الإضاءة الليلية، وربما يكون هذا التلوث الحلقة المفقودة من أجل حل اللغز.
تعد دراسة آثار الضوء الاصطناعي على الحيوانات أمراً صعباً. والخيار الأفضل لتقدير بصمة التلوث الضوئي هو البحث في الأماكن التي تعرضت مؤخراً للإضاءة الليلية. وهذا أمر متاح لأن مساحة الأراضي المضاءة بشكل مصطنع تزداد سريعاً. وكانت الزيادة بين سنتي 2012 و2016 بحدود 2.2 في المائة سنوياً، لا سيما في أميركا الجنوبية وأفريقيا وآسيا، التي تشهد اتساعاً في المساحات المنارة بفضل المصابيح الموفرة للطاقة والزهيدة الثمن. ويكفي النظر من شباك طائرة أثناء تحليقها ليلاً لملاحظة مدى اتساع المساحات المضاءة، حتى في مناطق كانت تعتبر نائية حتى وقت قريب.

- الجاذبية المميتة
في ثمانينات القرن التاسع عشر، لاحظ عالم الطيور السويدي الأميركي لودفيج كوملين أن برجاً مناراً يجذب إليه الطيور المهاجرة في المساء، وأن كثيراً من هذه الطيور لاقت حتفها بعد اصطدامها بأجهزة الإنارة أو الأسلاك الكهربائية المحيطة. ملاحظات كوملين كانت من بين أقدم التقارير لتأثير التلوث الضوئي في الأنواع الحية.
ومنذ ذلك الحين، عمل كثير من العلماء على تحديد أنواع الكائنات الحية التي تستسلم لجاذبية الضوء المميتة. ولعل أبرز الأمثلة وضوحاً هي مملكة الحشرات، التي تضم أنواعاً مثل العث والخنافس تتجمع حول مصابيح الشوارع والأضواء الكاشفة وغيرها من مصادر الإنارة الليلية.
ورغم أن العوامل الكامنة وراء ما يسمى بسلوك «الطيران إلى الضوء» لا تزال غير واضحة، فإن نتائجها على الحشرات موثقة جيداً، وهي تشمل زيادة معدلات الإصابة والإرهاق والافتراس.
يمكن أن تؤدي هذه الجاذبية المميتة إلى تجزئة موائل الحيوانات وتفتيتها، كما تفعل سلاسل المصابيح في تقييد حركة الكائنات الحية من مكان إلى آخر. في إحدى التجارب الحقلية، وجد فريق باحثين من معهد لايبنتز لبيئة المياه العذبة والمصايد الداخلية في برلين أن أضواء الشوارع يمكن أن تجتذب العث الذي يطير ضمن دائرة نصف قطرها 23 متراً من مصدر الضوء. وحيث إن أعمدة الإنارة غالباً ما توضع على مسافات تتراوح بين 20 و45 متراً، فإن مناطق التأثير المجاورة تتداخل وتشكل جدار جذب يمنع الحشرات من الانتشار في الطبيعة.
تستطيع بعض الكائنات الحية التكيف مع الضوء بمرور الوقت، مما يحد من تأثيره السلبي. في سنة 2016. اكتشف باحثون سويسريون أن أحد أنواع العث المنتشر في الأماكن الحضرية كان أقل تأثراً بالانجذاب نحو الأضواء، مقارنة بالنوع ذاته الموجود في المناطق الريفية المظلمة. ويبدو أن ضغط الاصطفاء الطبيعي لمواجهة الانجذاب نحو الضوء مرتفع للغاية، إذا كان التعرض مستمراً ومترافقاً مع ارتفاع معدلات الموت والإنهاك.حتى الآن، تعد فراشة العث هي المثال الوحيد الموثق على التكيف لمواجهة الضوء الاصطناعي. علماً بأن مستويات الضوء هي واحدة بين مجموعة من الخصائص التي تميز المناطق الحضرية عن المناطق الريفية، ولا يمكن استبعاد مساهمة الضوضاء وتلوث الهواء وغير ذلك من الضغوط البيئية في الدفع نحو حصول هذا التكيف.

- اضطراب الساعة البيولوجية
تملك معظم الكائنات الحية، من البكتيريا إلى البشر، إيقاعاً داخلياً يُعرف بالساعة البيولوجية، مما يساعدها في توفيق نشاطها الحيوي مع تعاقب الليل والنهار الذي يحدث مع دوران كوكب الأرض حول محوره. ويتأثر هذا الإيقاع بمجموعة متنوعة من الإشارات الخارجية، لا سيما الضوء. وعندما يتلاشى ظلام الليل بسبب الإضاءة الاصطناعية، يمكن للساعة البيولوجية أن تضطرب وتختل.
وتغير الليالي المشرقة توقيت الأنشطة اليومية التي تتحكم بها الساعة البيولوجية، مثل البحث عن الطعام والنوم. فبعض الأنواع الحية النهارية، مثل العصافير، قد تستمر في البحث عن الطعام إلى ما بعد موعد نومها المفترض، بينما تقضي الكائنات الحية الليلية كالفئران والخفافيش وقتاً أقل في الصيد وإيجاد الغذاء.
يمكن أن يشوه التلوث الضوئي الإيقاعات الموسمية أو تلك المرتبطة بمنازل القمر، بما فيها الأحداث البيولوجية الخاصة بالتكاثر والهجرة. وقد وجد باحثون من المعهد الهولندي للبيئة في واخينينغن أن مستويات الإضاءة الثابتة والمنخفضة تدفع طيور «البلاكبيرد» الأوروبية إلى البدء في دورتها الإنجابية قبل شهر من نظيراتها التي تعيش في الليالي المظلمة. كما وجد باحثون آخرون أن التلوث الضوئي يتسبب في تأخير الولادة لدى الحيوانات الجرابية كالكنغر، ويجعل الطيور المغردة تبيض في وقت أبكر، ويغير أنماط هجرة أسماك السلمون.
وتلعب الإضاءة الليلية دوراً مؤثراً في تغيير مستويات «الميلاتونين» في جسم الكائن الحي، وهو هرمون ينتج بشكل أساسي في الليل ويعد مسؤولاً عن تنظيم الإيقاع الحيوي. ومن المعروف أن إفراز هذه المادة الكيميائية يتراجع بوجود طيف الضوء الأزرق الذي ينبعث من الأجهزة الإلكترونية ومصابيح الدايود الباعث للضوء (أجهزة الليد). ونظراً لتكلفتها المنخفضة وتوفيرها في استهلاك الطاقة، تنتشر أجهزة «الليد» على نطاق واسع عالمياً، حيث تسجل الدراسات مستويات منخفضة من الميلاتونين جرى قياسها لدى البشر المعرضين للضوء الأزرق.
وتظهر التجارب في المختبر أن التعرض للضوء في الليل يمكن أن يثبط إفراز الميلاتونين لدى مجموعة متنوعة من الأنواع الحية، بما فيها الطيور والأسماك والحشرات. وعلى سبيل المثال، تحتفظ الصراصير التي تعيش تحت ضوء مستمر بمستويات منخفضة من الميلاتونين، مما يؤدي إلى ضعف في وظائفها المناعية مقارنة بمثيلاتها التي تتعرض للإضاءة لمدة 12 ساعة يومياً. ويمكن أن يعود التلوث الضوئي بمزيج من الفوائد والأضرار على الأنواع الحية. ففي دراسة نشرت سنة 2018، وجد باحثون أن تعريض العنكبوت الحائك الأسترالي للضوء ليلاً يجعله يصل مرحلة البلوغ بشكل أبكر، حيث يقل عدد التقشرات التي يواجهها أثناء النمو ويكون حجمه أصغر عند البلوغ ويضع كمية أقل من البيض. في المقابل، لاحظ الباحثون خارج المختبر وجود ميزة تعويضية تحظى بها العناكب التي تعيش تحت الضوء الاصطناعي، حيث تزداد حصتها الغذائية اليومية بسبب وفرة الفرائس التي تجذبها الأضواء.

- حلقة معقدة من التأثيرات
وتتسبب الإضاءة الليلية بسلسلة من الأحداث المتداخلة. ففي دراسة نشرت سنة 2018 في مجلة «نيتشر» عرض باحثون نتائج مراقبتهم للتفاعل بين الإضاءة الليلية والنباتات والكائنات الملقِّحة الليلية مثل العث والخنافس. وكان من بين هذه النتائج أن الكائنات الملقحة تتجنب زيارة النباتات المضاءة ليلاً، حيث انخفضت الزيارات بنسبة تتجاوز 60 في المائة، وتسبب ذلك في انخفاض الإثمار لدى النباتات المضاءة بمقدار 13 في المائة. هذا النقص في الإنتاج يمكن أن يؤدي إلى تراجع في أعداد الكائنات الملقِّحة النهارية، مثل النحل، التي تعتمد على النباتات كمصدر رئيسي للغذاء. ويؤدي التلوث الضوئي إلى تغير في إنتاجية النظم البيئية. ومن الملاحظ أن الكائنات الحية الدقيقة تنتج كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون تحت الأضواء الاصطناعية، ويعود ذلك على الأرجح إلى تواصل عملية التركيب الضوئي ليلاً. ويشير الباحثون إلى أن استمرار هذه الظاهرة على المدى الطويل يمكن أن يقلل من كمية الكربون المنبعثة من نظم المياه العذبة بمرور الوقت.
وبينما يكتشف العلماء مزيداً من الأدلة على أضرار الليالي المشرقة، يوجد توجه عالمي لإيجاد حلول تحدٍ من تأثير التلوث الضوئي. ففي هولندا، جرت إضاءة بعض المناطق بالضوء الأحمر بدلاً من الأبيض لمنع حدوث خلل في أعداد الخفافيش. لكن هذه المشكلة لا يمكن حلها فقط عن طريق تغيير لون الطيف. ومن الخيارات المتاحة الحد من الأوقات التي تضاء بها الشوارع من خلال وضع حساسات حركة على الطرقات، واستخدام الأغطية العاكسة بحيث لا يتسلل الضوء إلى السماء أو إلى الغابات المجاورة.
هذه الحلول في حد ذاتها ليست كافية لمواجهة تأثير الليالي المضيئة على نحو متزايد في جميع أنحاء العالم، ولا تملك الحيوانات القدرة على التكيف بسرعة كافية مع التغيرات التي يحدثها البشر على هذا الكوكب. ولعل قيامنا باتخاذ قرارات فردية وجماعية للحد من الإضاءة الاصطناعية سيكون أمراً حاسماً في جعل عالمنا أقل تلوثاً مما هو عليه الآن.

- بالتزامن مع مجلة «البيئة والتنمية»


مقالات ذات صلة

مصر: غالبية الدول تعتبر مشاريع قرارات «كوب 27» متوازنة

شمال افريقيا وزير الخارجية المصري سامح شكري (إ.ب.أ)

مصر: غالبية الدول تعتبر مشاريع قرارات «كوب 27» متوازنة

أكد رئيس مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب27) سامح شكري اليوم (السبت) أن «الغالبية العظمى» من الدول تعتبر مشاريع القرارات التي قدمتها رئاسة مؤتمر المناخ «متوازنة» بعدما انتقدها الاتحاد الأوروبي. وأوضح وزير خارجية مصر سامح شكري للصحافيين بعد ليلة من المفاوضات المكثفة إثر تمديد المؤتمر في شرم الشيخ أن «الغالبية العظمى من الأطراف أبلغتني أنها تعتبر النص متوازنا وقد يؤدي إلى اختراق محتمل توصلا إلى توافق»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. وتابع يقول «على الأطراف أن تظهر تصميمها وأن تتوصل إلى توافق».

«الشرق الأوسط» (شرم الشيخ)
بيئة البيئة في 2021... قصص نجاح تعزز الأمل في تخفيف أزمة المناخ

البيئة في 2021... قصص نجاح تعزز الأمل في تخفيف أزمة المناخ

شهدت سنة 2021 الكثير من الكوارث والخيبات، لكنها كانت أيضاً سنة «الأمل» البيئي. فعلى الصعيد السياسي حصلت تحولات هامة بوصول إدارة داعمة لقضايا البيئة إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة. كما شهدت السنة العديد من الابتكارات الخضراء والمشاريع البيئية الواعدة، قد يكون أبرزها مبادرة «الشرق الأوسط الأخضر» التي أطلقتها السعودية. وفي مجال الصحة العامة، حقق العلماء اختراقاً كبيراً في مواجهة فيروس كورونا المستجد عبر تطوير اللقاحات وبرامج التطعيم الواسعة، رغم عودة الفيروس ومتحوراته. وفي مواجهة الاحتباس الحراري، نجح المجتمعون في قمة غلاسكو في التوافق على تسريع العمل المناخي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق فرقة «كولدبلاي» تراعي المعايير البيئية في جولتها سنة 2022

فرقة «كولدبلاي» تراعي المعايير البيئية في جولتها سنة 2022

أعلنت فرقة «كولدبلاي» البريطانية، الخميس، عن جولة عالمية جديدة لها سنة 2022 «تراعي قدر الإمكان متطلبات الاستدامة»، باستخدام الألواح الشمسية وبطارية محمولة وأرضية تعمل بالطاقة الحركية لتوفير كامل الكهرباء تقريباً، فضلاً عن قصاصات «كونفيتي» ورقية قابلة للتحلل وأكواب تحترم البيئة. وذكرت «كولدبلاي» في منشور عبر «تويتر» أن «العزف الحي والتواصل مع الناس هو سبب وجود الفرقة»، لكنها أكدت أنها تدرك «تماماً في الوقت نفسه أن الكوكب يواجه أزمة مناخية». وأضاف المنشور أن أعضاء فرقة الروك الشهيرة «أمضوا العامين المنصرمين في استشارة خبراء البيئة في شأن سبل جعل هذه الجولة تراعي قدر الإمكان متطلبات الاستدامة» و«

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق بعد انخفاضها بسبب الإغلاق... انبعاثات الكربون تعاود الارتفاع

بعد انخفاضها بسبب الإغلاق... انبعاثات الكربون تعاود الارتفاع

انخفضت انبعاثات الغازات المسببة للاحترار العالمي بشكل كبير العام الماضي حيث أجبر وباء «كورونا» الكثير من دول العالم على فرض الإغلاق، لكن يبدو أن هذه الظاهرة الجيدة لن تدوم، حيث إن الأرقام عاودت الارتفاع بحسب البيانات الجديدة، وفقاً لشبكة «سي إن إن». وتسببت إجراءات الإغلاق لاحتواء انتشار الفيروس التاجي في انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 7 في المائة على مدار عام 2020 - وهو أكبر انخفاض تم تسجيله على الإطلاق - وفق دراسة نُشرت أمس (الأربعاء) في المجلة العلمية «نيتشر كلايميت شينج». لكن مؤلفيها يحذرون من أنه ما لم تعطِ الحكومات الأولوية للاستثمار بطرق بيئية في محاولاتها لتعزيز اقتصاداتها الم

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
بيئة 5 ملفات بيئية هامة في حقيبة بايدن

5 ملفات بيئية هامة في حقيبة بايدن

أعلن الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن أن وزير الخارجية السابق جون كيري سيكون له مقعد في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، وهي المرة الأولى التي يخصّص فيها مسؤول في تلك الهيئة لقضية المناخ. ويأتي تعيين كيري في إطار التعهدات التي قطعها جو بايدن خلال حملته الانتخابية بإعادة الولايات المتحدة إلى الطريق الصحيح في مواجهة تغيُّر المناخ العالمي ودعم قضايا البيئة، بعد فترة رئاسية صاخبة لسلفه دونالد ترمب الذي انسحب من اتفاقية باريس المناخية وألغى العديد من اللوائح التشريعية البيئية. وعلى عكس ترمب، يعتقد بايدن أن تغيُّر المناخ يهدّد الأمن القومي، حيث ترتبط العديد من حالات غياب الاستقرار

«الشرق الأوسط» (بيروت)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.