غزة تشهد ارتفاعا في أسعار اللحوم بعد أن دمرت الحرب مزارع الدواجن والمواشي

تاجر لـ {الشرق الأوسط} : لحوم الأنفاق كانت أرخص وأكثر جودة من تلك القادمة عبر إسرائيل

دمر العدوان الإسرائيلي أكثر من 80% من مزارع الدواجن في قطاع غزة («الشرق الأوسط»)
دمر العدوان الإسرائيلي أكثر من 80% من مزارع الدواجن في قطاع غزة («الشرق الأوسط»)
TT

غزة تشهد ارتفاعا في أسعار اللحوم بعد أن دمرت الحرب مزارع الدواجن والمواشي

دمر العدوان الإسرائيلي أكثر من 80% من مزارع الدواجن في قطاع غزة («الشرق الأوسط»)
دمر العدوان الإسرائيلي أكثر من 80% من مزارع الدواجن في قطاع غزة («الشرق الأوسط»)

لم يبق في غزة هدف حتى نالت منه الصواريخ الإسرائيلية وإن كان لا يتعلق بالبشر، بل حتى بالشجر والحجر وصولا إلى الدواجن والمواشي. وأدت الغارات الإسرائيلية المكثفة على القطاع، والتي استمرت أكثر من 40 يوما إلى نفوق عشرات آلاف الدواجن في المزارع المستهدفة، كما أدت لنفوق الآلاف من المواشي خاصة في مناطق شمال ووسط وجنوب غزة، حيث تنتشر أعداد كبيرة من المزارع مما تسبب في خسائر مادية فادحة لأصحابها.
أحمد الدنف، واحد من بين مئات تجار اللحوم في غزة، فقد جميع المواشي من أبقار وعجول وغيرها، نفقت جميعها جراء سقوط عدة قذائف وصواريخ إسرائيلية على المزرعة التي يملكها شرق بلدة جباليا شمال قطاع غزة.
عبر الدنف عن صدمته من هول ما شاهده بعد أن تغيرت معالم مزرعته التي طالتها المدفعية الإسرائيلية كما في الحروب السابقة أيضا. وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يستطع طوال الحرب الوصول إلى مزرعته حتى خلال الهدن التي كان يعلن عنها لأيام لمعرفة ما حل بها، لكنه نجح في ذلك أعقاب انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي توغل فيها ومنها المنطقة المحيطة بمزرعته.
وأشار إلى أنه لم ينجح في إخلاء المزرعة بسبب تطور الأحداث الميدانية بشكل دراماتيكي وإعلان الاحتلال الإسرائيلي بدء عمليته العسكرية بشكل مفاجئ ودون أن يتوقع أحد أن تنشب هذه الحرب سريعا. ولفت إلى أن خسائره فادحة جدا بسبب نفوق أعداد كبيرة جدا من المواشي التي كان اشتراها قبيل شهر رمضان لبيعها في الأسواق بعد ذبحها واستغلال فترة شهر الصيام لزيادة البيع لاعتماد كثير من الفلسطينيين على الولائم وتوزيع الطعام على الفقراء على أرواح موتاهم خلال الشهر الفضيل.
ولم يستطيع الدنف تقدير خسائره المادية لكنه أشار أنها بلغت مئات آلاف الدولارات، مبينا أن أسعار اللحوم في الآونة الأخيرة كانت متزنة نوعا ما وأنها على الرغم من الأوضاع الاقتصادية في غزة إلا أن حركة البيع والشراء كانت جيدة.
ويواجه التجار صعوبات بالغة في إدخال المواشي إلى غزة بسبب التشديد الإسرائيلي على إدخال البضائع إلى غزة، وكل ذلك تأثر بإغلاق الأنفاق مع مصر التي كانت المتنفس الوحيد لأولئك التجار لاستيراد المواشي وبأسعار أقل من تلك التي تدخل بكميات محدودة عبر معبر كرم أبو سالم الذي تديره إسرائيل.
ويقول التاجر خليل ماضي لـ«الشرق الأوسط» إن إدخال المواشي عبر الأنفاق التجارية التي كانت ممتدة بين غزة ومصر كان أفضل بالنسبة لتجار اللحوم في القطاع. وبين أن الأسعار كانت مناسبة جدا، وعمليا تلك المواشي أفضل من حيث الجودة كما أنها كانت تباع للمواطنين بأسعار أقل ومناسبة لجميع الفئات.
وأوضح أن كيلو اللحوم من تهريب المواشي عبر الأنفاق كان يبلغ نحو 25 إلى 30 شيقل فقط أي بما يعادل 8 دولارات فقط، في حين يتراوح سعر كيلو اللحم من المواشي الداخلة عبر معبر كرم أبو سالم قادمةً من إسرائيل من 40 - 45 شيقل، أي ما يعادل نحو 13 دولارا. وأشار إلى أن الإقبال كان جيدا ولكن مع الخسائر الفادحة التي لحقت بالتجار حاليا ونفوق أعداد كبيرة جدا من المواشي قد تشهد الأسواق قريبا ارتفاعا في أسعار اللحوم بما يصل إلى 50 شيقل للكيلو فأكثر قليلا أي بما يعادل 14.5 دولار.
ولفت ماضي الذي يبيع اللحوم في سوق الشيخ رضوان ويملك مزرعة شمال غرب قطاع غزة وقد تعرضت للقصف وتضررت بشكل كبير، إلى وجود انخفاض في توفر اللحوم في الأسواق بسبب شح المتوفر منها في القطاع بعد القصف العنيف الذي دمر ما لا يقل عن 70 في المائة من مزارع المواشي وأدى ذلك لنفوق أعداد كبيرة منها.
وشهدت أسواق قطاع غزة ارتفاعا في أسعار بيع الدواجن بفارق 2 إلى 3 شواقل عن متوسط السعر الذي كانت تباع فيه. ويقول التاجر جميل النحال لـ«الشرق الأوسط»: «إن عشرات المزارع دمرت ولذلك ارتفع أسعار البيع بعد أن فقدنا مئات الآلاف من الدواجن».
وأوضح النحال، الذي يملك مزرعةً تضررت جزئيا مقارنةً بغيرها من المزارع التي دمرت بشكل كبير، إن «نفوق هذا العدد الكبير من الدواجن يؤثر على عملية التفقيس، مما يعني أننا سنواجه نقصا حادا في توفر الدواجن خلال الفترة المقبلة ولذلك ارتفعت أسعار ما يتوفر منها في الأسواق حاليا». وأشار إلى أن سعر الكيلو من الدواجن كان يتراوح من 9 إلى 10 شواقل أي ما يعادل 2.5 دولار، في حين بلغ خلال الحرب وبعدها نحو 13 شيقل أي ما يعادل ما يقرب 4 دولارات.
وقدر الخسائر العامة لتجار الدواجن بأنها قد تصل إلى أكثر من 500 ألف دولار بعد تدمير أكثر من 80 في المائة من المزارع ونفوق ما فيها من دواجن. وأشار إلى أنهم بحاجة لأشهر طويلة لاستعادة عافيتهم وتعويض خسائرهم المادية الكبيرة التي لحقت بهم جراء العدوان الإسرائيلي.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.