رغم مرور 70 عاماً على «دراسة فرامينغهام للقلب» Framingham Heart Study، فإنها لا تزال تعين الأطباء على الوصول لإدراك أفضل للسكتة الدماغية والخرف وأمراض القلب.
- دراسة بارزة للقلب
في عام 1948 تطوع ما يزيد على 5200 شخص في مدينة صغيرة تقع على مقربة من غرب مدينة بوسطن في إطار ما أصبحت أطول وأفضل دراسة جرت حتى يومنا هذا حول أسباب أمراض القلب. كما كشفت «دراسة فرامينغهام» التي امتدت عبر أجيال، معلومات مهمة حول أنماط الخلل التي تصيب المخ؛ وعلى رأسها السكتة الدماغية، إضافة إلى التراجع الإدراكي والخرف.
في مطلع الستينات من القرن الماضي، صاغ باحثو «فرامينغهام» مصطلح «عامل الخطر» risk factor في إشارة إلى خصائص، أو حالة تعرض، تزيد احتمالية إصابة الشخص بمرض ما.
وخلال العقود التالية، كشف باحثون كثيراً من مثل هذه العوامل فيما يتعلق بأمراض القلب، بما في ذلك التدخين، والسمنة، وعدم ممارسة نشاط بدني، وارتفاع ضغط الدم. واتضح أن هذه العادات والظروف تشكل عوامل تهيئة لإصابة الأشخاص بالسكتة الدماغية والخرف، ليؤكدوا بذلك أن ما يضر القلب يضر أيضاً المخ.
- توقع السكتة الدماغية
ومع جمع عوامل الخطر تلك جميعها معاً في عملية حسابية واحدة، خرج إلينا ما عرف باسم «حساب خطر فرامينغهام» Framingham Risk Score الذي يستخدم في تقدير احتمالية تعرض شخص ما لنوبة قلبية خلال السنوات الـ10 التالية. كما تمخضت الدراسة عن حاسبة منفصلة لخطر التعرض للسكتة الدماغية stroke risk calculator. وصفت هذه الحاسبة للمرة الأولى عام 1991، وتتضمن عاملين فريدين اكتشف الباحثون أنهما يزيدان مخاطرة الإصابة بسكتة دماغية: اضطراب ضربات القلب الرجفان الأذيني atrial fibrillation وتضخم البطين الأيسر enlargement of the left ventricle (وهو غرفة ضخ الدم الرئيسية بالقلب).
من جانبه، قال الدكتور أناند فيسواناتهان، اختصاصي الأعصاب بمستشفى ماساتشوستس العام التابع لجامعة هارفارد: «تعد (حاسبة فرامينغهام) لحساب مخاطرة الإصابة بسكتة دماغية، إنجازاً كبيراً لا نزال نعتمد عليه حتى اليوم».
- تدهور الإدراك والخرف
في عام 1975، بدأ باحثون إجراء اختبارات إدراكية على مشاركين في «دراسة فرامينغهام»، ثم وسعوا إطار الدراسة لاحقاً لتضم مزيداً من الاختبارات العصبية التفصيلية ودراسات مسحية على المخ. وساعدت نتائج الدراسات على تحديد الاختلافات بين التغيرات الطبيعية المتعلقة بالتقدم في العمر وفي التفكير والتغييرات المرضية المرتبطة بأمراض، حسبما أوضح الدكتور فيسواناتهان.
وبفضل مشاركة كثير من أبناء وأحفاد المشاركين الأصليين، تم توفير فرصة لفحص العوامل الجينية المتعلقة بمرض ألزهايمر. ويعد الخرف الوعائي الذي يحدث عندما تؤدي سكتات دماغية صغيرة إلى تدمير الوصلات العصبية في المخ، من مجالات البحث المكثفة الأخرى. ويعكف باحثون حالياً على دراسة الجيل الثالث، الذين يبلغ متوسط أعمارهم 52 عاماً، على أمل تحديد سبل رصد الخرف قبل ظهور أي أعراض.
ويتبع الدكتور فيسواناتهان وعدد من الخبراء الآخرين المعنيين بتأثير التقدم في العمر على الأوعية الدموية، توجهاً بحثياً ظهر حديثاً ولد من رحم «دراسة فرامينغهام»: ربط المؤشرات الحيوية المتعلقة بالدم بالتغييرات التي تظهر في مسح المخ. ويقول الدكتور فيسواناتهان: «هذه إمكانية واعدة للمستقبل: استخدام اختبار بسيط للدم في توقع أي من المرضى يواجه مخاطرة أكبر للإصابة بالخرف».
- توجهات إيجابية ومتوازنة
هناك بعض الأخبار الأخرى المشجعة: في عام 2016 أشار باحثون إلى أن معدلات الخرف تشهد انخفاضاً بطيئاً بين المشاركين، وأن المرض أصبح يظهر في فترات أكثر تأخراً من العمر. وارتفع سن تشخيص الإصابة بالخرف من 80 عاماً إلى 85 عاماً خلال العقود الثلاثة السابقة. ويتزامن هذا التوجه المشجع مع انخفاض الوفيات بسبب أمراض القلب، والذي ربما يعكس تحسناً في عوامل المخاطرة بالنسبة لكل من الخرف وأمراض القلب، مثل انخفاض معدلات التدخين، والسيطرة بدرجة أفضل على ضغط الدم.
والسؤال: ماذا أيضاً يمكن فعله للحفاظ على المخ بصحة جيدة مع تقدم الإنسان في العمر؟ توحي مؤشرات حديثة بأن التمارين الرياضية بانتظام، مهمة. وتشير جملة من بيانات آخذة في الازدياد، إلى أهمية العلاقات الاجتماعية القوية. وقال الدكتور فيسواناتهان: «بالنسبة لي، تتمثل النتائج الأكثر إثارة في قوة الشبكات الاجتماعية»، لافتاً إلى أن عدداً من الدراسات بجانب «دراسة فرامينغهام» توصلت إلى أن التفاعل مع الأسرة والأصدقاء وآخرين، يساعد الإنسان على تجنب التفكير في المشكلات. وأضاف: «التمرينات الرياضية وحدها جيدة، لكن التمرينات والنشاطات الاجتماعية معاً أقوى بكثير ويوفران حماية أكبر في مواجهة التراجع الإدراكي».
> نتائج «دراسة فرامينغهام» عن صحة المخ
تتمثل بعض أهم النتائج التي خلصت إليها الدراسة فيما يتعلق بالسكتة الدماغية (والتي ترتبط بصورة وثيقة بالخرف الوعائي) فيما يلي:
- ارتفاع ضغط الدم يزيد من خطر التعرض لسكتة دماغية.
- يزيد الرجفان الأذيني من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية 5 أضعاف.
- حدوث تضخم في البطين الأيسر يزيد من خطر التعرض لسكتة دماغية.
- يرتفع خطر الرجفان الأذيني لدى الأفراد الذين كان أحد أبويهم أو أشقائهم يعاني هذه الحالة.
- يرتبط «توقف التنفس أثناء النوم» بارتفاع خطر السكتة الدماغية.
- يرتفع خطر السكتة الدماغية 3 أضعاف لدى الأفراد الذين تعرض أحد أبويهم لسكتة دماغية ببلوغهم الـ65 عاماً.
- «رسالة هارفارد للقلب»
- خدمات «تريبيون ميديا»