تصاعد الاحتجاجات في السودان واعتقال عدد من الفتيات

آلاف المتظاهرين في الشوارع لتحدي إجراءات البشير

الرئيس البشير مع الولاة الجدد خلال أدائهم القسم أمس
الرئيس البشير مع الولاة الجدد خلال أدائهم القسم أمس
TT

تصاعد الاحتجاجات في السودان واعتقال عدد من الفتيات

الرئيس البشير مع الولاة الجدد خلال أدائهم القسم أمس
الرئيس البشير مع الولاة الجدد خلال أدائهم القسم أمس

تظاهر آلاف السودانيين في عدد من مناطق البلاد، في تحدٍ واضح لـ«حالة الطوارئ» التي أعلنت في البلاد يوم الجمعة الماضي، استجابة لدعوة «تجمع المهنيين السودانيين» وحلفائه المعارضين. في غضون ذلك، أدى مسؤولون جدد اليمين الدستورية أمام الرئيس عمر حسن البشير. بينهم النائب الأول للرئيس، ورئيس الوزراء، وحكام الولايات العسكريون.
وقال شهود، إن آلاف المحتجين تظاهروا في وسط السوق الرئيسية في مدينة أم درمان على الضفة الغربية لنهر النيل، وتصدت لهم الشرطة والأجهزة الأمنية بقنابل الغاز المسيل للدموع، فيما خرجت مظاهرات أخرى في عدد من الأسواق والأحياء بالمدينة الشعبية.
وذكر «تجمع المهنيين السودانيين» المعارض، الذي يتولى قيادة الاحتجاجات في البلاد وتنسيقها، على صفحته في موقع «فيسبوك»، أن مظاهرات أمس كانت «أنصع تحدٍ لحالة الطوارئ التي فرضها النظام»، فيما نشر نشطاء مقاطع فيديو وصوراً فوتوغرافية لمظاهرات أم درمان.
وفي حي بري، شرقي العاصمة الخرطوم، تظاهر مئات من المواطنين، ورددوا هتافات «حرية سلام وعدالة، الثورة خيار الشعب، تسقط تسقط بس»، ورددوا للمرة الأولى هتاف «جيش واحد شعب واحد» الذي عادة ما يقابل به المحتجون السودانيون رجال الجيش أثناء الاحتجاجات، لتحييدهم وتذكيرهم بقسم «حماية الوطن والمواطن».
وبحسب نشطاء، فإن المظاهرات في حي بري استمرت لوقت طويل، قبل أن تفرض قوات نظامية طوقاً عسكرياً حول الحي، قبل أن تقتحمه وتطلق الغاز المسيل للدموع في المنازل. واعتقلت أعداداً كبيرة من المتظاهرين، أغلبهم فتيات، وقال شهود إنهم شاهدوا عدداً من السيارات العسكرية محملة بأعداد كبيرة من الفتيات اللواتي تم القبض عليهن من قبل القوات العسكرية.
ووجّه تجمع المهنيين «نداء عاجلاً للثوار»، قال فيه إن «حي بري» واقع تحت الحصار «من أجهزة النظام القمعية»، وإن عمليات دهم وتفتيش واسعة للمنازل، واعتقالات بأعداد كبيرة، وطلب من «الثوار» المساهمة في فك الحصار عن الحي بالضغط على الأجهزة الأمنية بتوسيع رقعة المظاهرات في الأحياء القريبة، وبحسب النشطاء فإن منطقة «شارع الستين» شهدت مظاهرات حاشدة استجابة للنداء.
وتظاهرت مدينة «أم بدة» التي تعد كبرى المناطق الشعبية من حيث الامتداد الجغرافي والكثافة السكانية، إضافة إلى مظاهرات متفرقة في عدد من أحياء الخرطوم، ولا سيما الخرطوم بحري شمال العاصمة، وأحياء «المزاد والشعبية وشمبات والحلفايا والدناقلة»، إضافة إلى أحياء «الكلاكلة والعزوزاب» جنوب الخرطوم.
وتداول نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي، صوراً لحصار طلاب داخل «جامعة العلوم الطبية»، وإلقاء الغاز المسيل للدموع عليهم، والتعرض لهم بالضرب داخل حرم الجامعة، قبل إلقاء القبض على أعداد منهم أثناء محاولتهم الخروج من أسوار الجامعة.
وجامعة العلوم الطبية، مملوكة لوزير الصحة السابق مأمون حميدة، وتعدّ من جامعات النخبة والأغلى من حيث الرسوم الدراسية، بيد أنها واجهت صعوبات كثيرة في الأعوام الفائتة بسبب التحاق مجموعات من طلابها بتنظيم داعش.
وبحسب لجنة «أطباء السودان المركزية» إحدى الفصائل المحورية في «تجمع المهنيين السودانيين»، فإن 3 من المواطنين، أصيبوا بالرصاص الحي في أم درمان، إصابة أحدهم على الأقل خطيرة، وقالت اللجنة إن «القوات الأمنية قامت باستخدام العنف المفرط والرصاص للتصدي للمتظاهرين وتفريق المواكب، ما أدى إلى إصابة المتظاهرين الثلاثة».
ورفض «تجمع المهنيين» وحلفاؤه في تحالف «قوى الحرية والتغيير» إعلان حالة الطوارئ في البلاد، وأعلن تحديه لها، ومجابهتها بمواصلة الاحتجاجات حتى تحقيق أهدافه بتنحي الرئيس عمر البشير وإسقاط حكومته، وواصل تحشيده للمتظاهرين، وتبعاً لذلك تم ترديد هتاف جديد يحثّ الواقفين على الرصيف للمشاركة في الاحتجاجات: «يا الوقفين سكاتكم شين (قبيح)».
وأعلن البشير يوم الجمعة الماضي، حالة الطوارئ وفرض الأحكام العرفية في أنحاء البلاد لمدة عام، كما أصدر قراراً بحل الحكومة الاتحادية والحكومات الولائية، وأعقبها بإصدار مراسيم رئاسية عيّن بموجبها نائبه الأول ورئيس الوزراء، وعيّن حكاماً عسكريين للولايات، وأبقى على 6 وزراء في وظائفهم.
وقبل إعلان حالة الطوارئ في البلاد، استخدمت قوات الأمن السودانية عنفاً مفرطاً ضد المحتجين السلميين، ما أدى إلى مقتل أكثر من 30 متظاهراً بحسب حصيلة حكومية، وأكثر من 50 بحسب حصيلة منظمة العفو الدولية، وذلك منذ اندلاع الاحتجاجات في البلاد في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
من جهة أخرى، أدى المسؤولون الذين عيّنهم البشير اليمين الدستورية، فيما ارتدى هو بزته العسكرية الكاملة، وأيضاً ولاة الولايات الثماني عشرة.
وقال البشير، بعد أداء اليمين الدستورية أمس، إن اختيار مساعديه من وزراء وحكام ولايات جاء بعد تمحيص وتدقيق بحسب متطلبات المرحلة، وطلب منهم مضاعفة الجهود، لضمان أمن واستقرار البلاد، وترك لهم حرية تعيين مساعديهم من وزراء ومسؤولين، وفقاً لتلك المتطلبات، على الرغم من أن معظم اختياراته للوزراء والمسؤولين حتى الآن لا تنسجم مع إعلانه في خطابه الشهير الجمعة، بأنه سيختار حكومة مهمات جديدة، توكل إلى أصحاب كفاءات، لأن معظم من تم اختيارهم وزراء كانوا يشغلون مناصب دستورية من قبل.
وعقب أدائه اليمين الدستورية، اعترف النائب الأول للرئيس عوض بن عوف، بالتعقيدات التي تواجه حكومته، وقال إن برنامج المرحلة يستهدف حل الأزمة الاقتصادية، وحفظ الأمن والاستقرار، وتهيئة المناخ الملائم للعمل السياسي، بما يتيح لـ«الشباب» الفرص دون تمييز، وحل مشكلاتهم.
وقال رئيس الوزراء الجديد محمد طاهر أيلا، إنه سيتشاور مع الجهات كافة، من أجل وضع برنامج عاجل يستجيب للتحديات التي تواجه البلاد، وأضاف: «المرحلة التي تمر بها البلاد تتطلب جهداً وتعاوناً من قبل الجميع».
يذكر أن البشير كان قد أصدر مرسوماً رئاسياً، عيّن بموجبه مصطفى يوسف حولي وزيراً للمالية، بديلاً لمعتز موسى، الذي كان يشغل الحقيبة، إلى جانب منصبه رئيساً للوزراء.



«هدنة غزة»: «المناطق العازلة» تُعمق مخاوف الإخفاق

فلسطينيان يتفقدان آثار الغارات الإسرائيلية على حي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيان يتفقدان آثار الغارات الإسرائيلية على حي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: «المناطق العازلة» تُعمق مخاوف الإخفاق

فلسطينيان يتفقدان آثار الغارات الإسرائيلية على حي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيان يتفقدان آثار الغارات الإسرائيلية على حي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)

حديث إسرائيلي رسمي عن إنشاء «مناطق عازلة» في قطاع غزة، أثار تساؤلات بشأن مدى تأثيراتها على اتفاق الهدنة المحتمل، الذي يطالب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بحدوثه قبل تنصيبه في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، خصوصاً أنها تأتي بعد عودة وفد التفاوض الإسرائيلي من الدوحة عقب مشاورات بشأن وقف إطلاق النار.

التصريحات الإسرائيلية عدّها خبراء، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، مناورات وضغوطاً ستُعمق «مخاوف إخفاق التوصل لاتفاق قريب»، خصوصاً أنها تأتي مع اقتحام وزير إسرائيلي المسجد الأقصى، وأجواء «غير مشجعة» على حسم صفقة قبل نهاية العام.

وتوقعوا أن يذهب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إلى الاتفاق «متأخراً» قبل تنصيب ترمب، مع إشغال الرأي العام الداخلي عن الأزمة بتصعيد مع الحوثيين، في ظل تزايد الانتقادات الداخلية مع طلب الرئيس إسحاق هرتسوغ بالذهاب لـ«صفقة»، وصدور فتوى من الحاخام الأكبر دافيد يوسيف، تُشجع على إبرامها بأي ثمن.

وخلال وجوده في «محور فيلادلفيا» بغزة، الأربعاء، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن «الأمن (بالقطاع) سيبقى في يد الجيش الإسرائيلي، وسنتأكد أيضاً من أنه ستكون هناك مناطق عازلة ومواقع سيطرة في غزة، وبهذا نحن سوف نعمل على إطلاق سراح جميع المختطفين».

وعقب سماع كلمات وزير الدفاع، عبّرت مصادر في فريق التفاوض الإسرائيلي، عن قلقها لأنها «ترى صفقة الاختطاف تتحرك بعيداً»، وفق ما كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، الأربعاء.

وترى المصادر ذاتها أن «أيام اتخاذ القرار الحاسمة تتطلب المرونة وحسن النية، ومن ثم لا يجب أخذ نقطة حاسمة بإعلان عدم إنهاء الحرب، أو أن الجيش سيسيطر على غزة»، مؤكدة أن «هذه التصريحات تسببت في أضرار جسيمة».

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية على مستشفى العودة بمخيم النصيرات للاجئين (أ.ف.ب)

وقال نتنياهو في مقابلة مع صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، الأسبوع الماضي: «لن أوافق على إنهاء الحرب قبل أن نجتث (حماس)، لن تُترك لها السلطة في غزة على بُعد 30 ميلاً من تل أبيب. هذا لن يحدث».

وتزامنت تصريحات كاتس مع إصدار «حماس»، الأربعاء، بياناً، قالت فيه إن «الاحتلال وضع قضايا وشروطاً جديدة تتعلق بالانسحاب ووقف إطلاق النار والأسرى وعودة النازحين، ما أجَّل التوصل إلى الاتفاق الذي كان متاحاً»، في حين كذّب مكتب نتنياهو ذلك، واتهم الحركة بأنها «تنسحب من التفاهمات التي تم التوصل إليها، وتواصل خلق الصعوبات أمام المفاوضات».

وتصريحات «المناطق العازلة»، بعد أخرى من نتنياهو «تُعمّق مخاوف الإخفاق في التوصل لاتفاق لدى الرأي العام»، وفق الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، عادّاً إياها «دغدغة مشاعر للرأي العام الإسرائيلي، وضغوطاً ومساومة لـ(حماس) والوسطاء، خصوصاً أنها تصريحات يمكن التراجع عنها وليست قرارات».

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن تلك التصريحات جزء من مناورات المفاوضات، ويجب ألا تُشكل ضغطاً ولا إحراجاً، عادّاً تلك الأحاديث أدوات في يد نتنياهو، يُخاطب بها الداخل لقبض أفضل ثمن المحادثات، مثلها مثل اقتحام المسجد الأقصى، الخميس، من جانب وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير.

فلسطيني جريح في غارة إسرائيلية ينتظر بالمستشفى الأهلي في غزة خلال وقت سابق (رويترز)

ويضاف لتلك التصريحات ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الخميس، عن مسؤولين إسرائيليين بشأن «دراستهم تنفيذ هجوم كبير في عمق اليمن»، خاصة بعد إطلاق الحوثيين ليلة الثلاثاء-الأربعاء صاروخاً باليستياً للمرة الرابعة خلال أسبوع.

ويؤيد نتنياهو مسار توجيه ضربة، قائلاً، مساء الأربعاء، «الحوثيون سيتعلمون أيضاً ما تعلمته (حماس) و(حزب الله) ونظام (بشار) الأسد وآخرون، حتى لو استغرق الأمر وقتاً».

وذلك التلويح يُعد وفق أنور «جزءاً من مناورات نتنياهو لاستنزاف الوقت، ومحاولة إشغال الرأي العام، بعيداً عن جدل مفاوضات الهدنة في الداخل الإسرائيلي، في ظل انتقادات ومطالب رئاسية ودينية بإبرام الصفقة».

ووجّه رئيس المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، اتهامات جديدة إلى نتنياهو، قائلاً: «إنه لا يريد حقّاً صفقة الرهائن. لو كان مصمماً على التوصل إلى صفقة، لذهب إلى القاهرة أو قطر بنفسه. كان سيحشد المجتمع الدولي بأكمله، ويتوصل إلى اتفاق بالفعل».

وحثّ الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ خلال إضاءة شمعة عيد الأنوار اليهودي، الأربعاء، على إبرام اتفاق، قائلاً: «أتوق وأعمل وأصرخ بكل طريقة ممكنة من أجل العودة الفورية للرهائن»، مضيفاً: «أدعو قيادتنا إلى العمل بكل قوتها، باستخدام كل أداة تحت تصرفنا، لتأمين صفقة، هذه مسؤوليتكم، وأنتم تتمتعون بدعمي الكامل لتحقيق ذلك».

فلسطينيون يقودون سياراتهم بين أنقاض المنازل المدمرة في أعقاب عملية عسكرية إسرائيلية في خان يونس (إ.ب.أ)

وأصدر الحاخام الأكبر لليهود السفارديم في إسرائيل، دافيد يوسيف، فتوى في مقابلة مع موقع ديني يهودي، أشار فيها إلى أنه «مسموح ويجب إطلاق سراح الإرهابيين، حتى القتلة الذين تلطخت أيديهم بالدماء، في مقابل الرهائن».

وبرأي أنور، فإن تلك الانتقادات والتصريحات تُعزز مسار الاتفاق، وتمهد الفتوى أيضاً بشكل ديني شرعي الطريق لإبرام الصفقة، وهذا ما يريده نتنياهو، ألا يكون وحده مَن سعى لذلك حتى لا يلام، وذلك حرصاً على مصالحه السياسية فقط لا غير.

ويتفق مطاوع أيضاً على أن التصريحات الرسمية والفتوى نوع من التمهيد لنتنياهو، ليقدم على الصفقة بتنازلات في الوقت المناسب دون أن تُشكل عليه أي لوم سياسي مستقبلي حال الذهاب لاتفاق.

ولم تكشف وسائل إعلام إسرائيلية أي سيناريوهات محتملة لنتائج اجتماع الكابنيت، الخميس، بشأن الاتفاق، ولم يحسم مستشار رئيس الوزراء القطري، ماجد الأنصاري، في مؤتمر صحافي، الثلاثاء، موعداً للصفقة، قائلاً: «لا يمكن لأحد التنبؤ بوقت زمني محدد للوصول إلى اتفاق هناك»، مؤكداً أن «المفاوضات ما زالت جارية بين القاهرة والدوحة».

ويرجح مطاوع أن «يذهب نتنياهو متأخراً للصفقة للحصول على أفضل المكاسب دون أن يتجاوز مهلة ترمب»، مؤكداً أنه «غير مضطر للذهاب المبكر، في ظل إحساسه بالانتصار وعدم اكتراثه بالرهائن».

كما يعتقد أنور أن تحذير ترمب لا يزال عامل ضغط قوياً على طرفي الحرب، متوقعاً ألا يتجاوز نتنياهو موعد المهلة، خصوصاً مع دخول المفاوضات مرحلة التفاصيل النهائية، وظهور عوامل مشجعة لقبول الاتفاق مثل الفتوى الدينية.