قمة سوتشي ترحّل ملفي إدلب والمنطقة الأمنية... وتشكك في الانسحاب الأميركي

الكرملين: لا حديث عن عملية عسكرية في شمال سوريا... وخطوات لتحسين الوضع

رئيس روسيا البيضاء التقى على هامش قمة سوتشي أمس برؤساء روسيا وتركيا وإيران (إ ب أ)
رئيس روسيا البيضاء التقى على هامش قمة سوتشي أمس برؤساء روسيا وتركيا وإيران (إ ب أ)
TT

قمة سوتشي ترحّل ملفي إدلب والمنطقة الأمنية... وتشكك في الانسحاب الأميركي

رئيس روسيا البيضاء التقى على هامش قمة سوتشي أمس برؤساء روسيا وتركيا وإيران (إ ب أ)
رئيس روسيا البيضاء التقى على هامش قمة سوتشي أمس برؤساء روسيا وتركيا وإيران (إ ب أ)

لم تسفر القمة الثلاثية في سوتشي، أمس، عن تحقيق تقدم على صعيد مساعي تقريب وجهات النظر بين روسيا وتركيا وإيران حيال الوضع في إدلب، والتطلعات التركية لإقامة منطقة عازلة على طول الشريط الحدودي مع سوريا. وفي حين بقي الملفان عالقين، بانتظار الاجتماع مجدداً بين رؤساء البلدان الثلاثة في تركيا الشهر المقبل، برز توافق على صعيد تأسيس اللجنة الدستورية، وضرورة إطلاق عملها في أسرع وقت، كما تطابقت وجهات نظر الأطراف حيال التشكيك بنيات الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا.
وخلافاً للتوقعات التي رجحت قبل انعقاد القمة أن تكون «حاسمة» لجهة اتخاذ خطوات مشتركة على الصعيدين الميداني والسياسي، وهي ترجيحات عززتها اللهجة القوية لروسيا قبل القمة حول «ضرورة عملية عسكرية» في إدلب لتقويض نفوذ «جبهة النصرة»، جاء تباين التصريحات في المؤتمر الصحافي الختامي للرؤساء؛ فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان وحسن روحاني، ليعكس فشل الأطراف في حسم هذا الملف. وفيما تحدث بوتين وروحاني بلغة قوية، عن «ضرورة إنهاء الوجود الإرهابي في سوريا» و«تسليم كل الأراضي السورية للسلطات الشرعية»، جدد إردوغان التأكيد على رفض شنّ عمل عسكري في إدلب، وقال إنه «لا يمكن تكرار سيناريو حلب».
وكان لافتاً أن اللهجة الروسية تراجعت بعد القمة حول ملف إدلب، وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف، رداً على أسئلة الصحافيين، إنه «لا يوجد حديث عن عملية عسكرية في إطار خطوات إضافية تهدف إلى تحسين الوضع في إدلب السورية».
واستهل بوتين الحديث في المؤتمر الصحافي بالتأكيد على أهمية المحافظة على «مسار آستانة» واللقاءات التي تنعقد على مستوى الخبراء من البلدان الثلاثة، وممثلي الحكومة والمعارضة في سوريا، والمراقبين من الأمم المتحدة ومن بلدان أخرى. وزاد أن «عدداً من البلدان أبدت اهتماماً بالمشاركة في المسار، وسوف تحضر بصفة مراقبة».
ولفت بوتين إلى أن الجولة المقبلة من مفاوضات آستانة سوف تنعقد في «نهاية مارس (آذار) وبداية أبريل (نيسان) في العاصمة الكازاخية». وقال إنه بفضل التعاون الروسي التركي الإيراني تم «توفير ظروف ملائمة للاستقرار في سوريا، وإطلاق عملية سياسية وفقاً للقرار الدولي 2254، مبدأ المحافظة على وحدة وسيادة الأراضي السورية». وأشار إلى تحقيق تقدم مهم في تشكيل اللجنة الدستورية السورية، وأهمية إطلاق عملها في أسرع وقت. ولفت بوتين إلى الأهمية التي توليها موسكو لتطبيع العلاقات بين دمشق والبلدان العربية، واستعادة سوريا مقعدها في الجامعة العربية، ورأى أن ذلك يشكل أساساً لإطلاق مشروعات إعادة الإعمار وتوفير الظروف المناسبة لعودة اللاجئين.
وبرز التباين عندما تحدث بوتين عن إدلب، مذكراً بأن الاتفاق مع تركيا نص على إقامة منطقة منزوعة السلاح، وعلى عزل الإرهابيين، وقال إنه لا يمكن «التصالح مع الإرهاب، ولا يمكن السماح بأن يبقى الإرهابيون من دون عقاب». وجدد التأكيد على أنه «في النهاية لا بد أن تنتشر القوات السورية على كل أراضي سوريا».
ولفت بوتين إلى أن سحب واشنطن قواتها من سوريا «ستكون خطوة إيجابية»، مؤكداً على أهمية إعادة هذه المناطق لسيطرة الحكومة السورية، لكنه أعقب أن بلاده «لا ترى خطوات عملية على الأرض لتنفيذ قرار الانسحاب». وكان لافتاً أن الرئيس الروسي أشار إلى أن نظيره الأميركي «يعمل بشكل نشط لتنفيذ وعوده الانتخابية. الأمر الذي يحصل بشكل نادر في الولايات المتحدة». لكنه استدرك أن «الوضع السياسي الداخلي لا يساعد دوماً في تحقيق الأهداف التي يضعها لنفسه».
واتفق روحاني مع التقويم الروسي حول إدلب، وحدد أهداف ثلاثي ضامني آستانة في سوريا بـ«مكافحة الإرهاب، وإعادة الأمن والاستقرار، وإطلاق عمل اللجنة الدستورية، وتعزيز أسس الديمقراطية، وعودة اللاجئين، وإعادة الإعمار».
وقال إن «مكافحة الإرهاب في المناطق التي ما زال يسيطر عليها أمر حتمي»، محذراً من الإرهابيين «إذا عادوا إلى بلدانهم سوف يثيرون الفتن والنزاعات». واتهم أطرافاً لم يحددها بأنها تعمل على نقل إرهابيين إلى أفغانستان. وقال إن هذا «يشكل خطراً على منطقة آسيا الوسطى والمناطق المحيطة بها». وشكك بقرار الانسحاب الأميركي من سوريا، وقال إنهم (الأميركيين) «إذا انسحبوا فعلاً فسيكون ذلك خبراً ساراً للسوريين، وإذا فعلوا الأمر ذاته في العراق وأفغانستان فسيكون خبراً ساراً لشعبي البلدين».
وتطرق إلى الهجمات الإسرائيلية على مناطق في سوريا، منتقداً صمت المجتمع الدولي. فيما قال إردوغان إنه «لا بد من تدمير الإرهاب أينما وجد، وتركيا عانت من هجمات إرهابية لمدة 34 سنة». لكنه عندما تحدث عن إدلب، قال إن الأطراف الثلاثة اتفقت على «المحافظة على الوضع، والعمل على تنفيذ اتفاق المنطقة منزوعة السلاح»، وزاد أن «السوريين دفعوا ثمناً باهظاً خلال سنوات، ولا نريد كوارث إنسانية جديدة مثلما حدث في حلب». وأكد أن الجانب التركي «بذل كثيراً من الجهود، وسيواصل العمل لتنفيذ بيان إدلب» (اتفاق سوتشي، الموقع في سبتمبر «أيلول» 2018). مجدداً التأكيد على أهمية المحافظة على نظام وقف النار. ودعا إيران وروسيا إلى حمل النظام السوري على الالتزام بوقف النار. وقال إن الأطراف الثلاثة تطرقت إلى مسألة الانسحاب الأميركي، وزاد أنه «إذا انسحبت واشنطن بالفعل، لا يمكن السماح بفراغ في منطقة الشمال، ولا يمكن السماح بأن تملأ (داعش) أو القوات الكردية هذا الفراغ»، مجدداً التأكيد أن أنقرة تعمل على إنشاء منطقة آمنة «حتى لا نسمح بتحويل المناطق الحدودية إلى ممرات لعبور الإرهابيين».
واعتبر إردوغان أن قرار واشنطن الانسحاب من سوريا يعتبر «امتحاناً مهماً جداً» لها، وأشار إلى أن الغموض لا يزال يكتنف تطبيق هذا القرار، مؤكداً على ضرورة العمل المشترك مع روسيا في معالجة تداعياته. وقال إنه بحث مع الرئيسين الروسي والإيراني مسألة العودة إلى اتفاق أضنة، ليكون أساساً للحوار، و«سنبحث هذا الشأن لاحقاً».
وكشف إردوغان عن اتفاق على عقد قمة ثلاثية جديدة في تركيا الشهر المقبل. ودفع هذا الإعلان إلى ترجيح أن يكون ضامنو آستانة قرروا إرجاء حسم الملفات الخلافية، وتوفير فرصة إضافية حتى موعد القمة المقبلة، لدراسة الخيارات المطروحة. علماً بأن بوتين جدد التأكيد رداً على أسئلة الصحافيين، لاحقاً، على أن موسكو ترى في اتفاق أضنة أساساً مهماً للحوار بين أنقرة ودمشق، وقال إن «لدى الطرفين اتفاقاً ينظم عملاً مشتركاً لمكافحة الإرهاب، وأرى أنه يشكل أساساً مهماً في الوقت الحالي».
وكان إردوغان وجّه قبل القمة الثلاثية إشارة إلى موسكو، التي أدانت عدة مرات انطلاق عمليات هجومية من إدلب على قاعدة حميميم، وقال إن بلاده «تبذل قصارى جهدها من أجل منع هجمات على قاعدة حميميم العسكرية الروسية. وتنسق هيئاتنا العسكرية فيما بينها في هذا الشأن»، مضيفاً أن طائرات بلا طيار تركية لم تكتشف أي معدات ثقيلة في تلك المنطقة.
واعتبر إردوغان أنه لا يمكن تحقيق وحدة التراب السوري دون تطهير منطقة «منبج» وشرق الفرات ممن وصفهم بالتنظيمات الإرهابية، في إشارة إلى الوحدات الكردية التي تسيطر على المنطقة حالياً.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».