سردية التاريخ بين الملحمية والتراجيدية

الفعل الملحمي لا يعد ملحمياً من دون فجائعية تتمحور حول شخصية

صورة توضيحية تستلهم ملحمة جلجامش
صورة توضيحية تستلهم ملحمة جلجامش
TT

سردية التاريخ بين الملحمية والتراجيدية

صورة توضيحية تستلهم ملحمة جلجامش
صورة توضيحية تستلهم ملحمة جلجامش

ليس متاحاً للفعل التاريخي أنْ يحفلَ بالبعد الدراماتيكيّ، ما لم يكنْ متسماً بالملحمية التي تجعله مستمراً، لا انتهاء فيه. ليس على مستوى التمثيل الإبداعي الذي به تصبح الواقعة التاريخية صالحة لمختلف أنواع التمثيل الأجناسي من شعر وقصة ومسرحية؛ وإنما على مستوى السيرورة الزمانية.
ولا تعني الملحمية أسطرة الواقع ليصبح فنتازياً أو غرائبياً فحسب؛ بل هي تعني تدعيم البعد الواقعي بالبعد السردي، الذي به تتحول الأمثولة إلى أحدوثة ذات مبنى تحبيكي ومحتوى بطولي - تراجيدي. وأهم تجليات توظيف الملحمة في السرد هي الغرائبية التي بها يتحول الضعف إلى قوة، والانهزام إلى انتصار، والسقوط إلى استعلاء، والفاجعة إلى سعادة.
وما يمنح السرد الملحمية هو انزواء المؤلف واحتجابه عن نصه، تاركاً النص وحده أمام المتلقي كسارد ومسرودات. وهذا ما يولِّد نوعاً من التوحد الإبداعي، الذي بموجبه يصبح البطل هو الربّان الذي يوجه السفينة التي هي الكتابة، داخلاً بحراً متلاطمَ الأمواج. وفي ظل هذا التوحد الإبداعي، لا يكون أمام المتلقي بدٌّ سوى أن يشاطر الشخصيات معاناتها ويتزيّا بزيّها. وبهذا تذوب ماضوية التاريخ فكأنها لا زمانية أو كأنها اللا تاريخ.
ومن دون الملحمية والتراجيدية يغدو التاريخ مخترَقاً من قبل الآيديولوجيا التي تتسلل إلى سطوره من هنا أو هناك، وهذا ما يجعل النص التاريخي نصاً متهماً في بنائه، قابلاً للتأييد كما هو قابل للتفنيد، وذلك حسب المؤرخين وتوجهاتهم في الكتابة التاريخية التي قد تُوصف بأنها متعصبة حدّية أو مريبة تحاملاً أو مناصرةً. بيد أنَّ ملحمية تسريد الكتابة التاريخية تجعل للمعنى الواحد معنى المعنى، فيغدو النص متعدداً في تأويلاته ومختلفاً في مروياته، غير مسيّس للتاريخ بآيديولوجية، ولا معبراً عن وجهة نظر المؤرخ. لأن هذا المؤرخ هو في الأساس غائب عن الكتابة التاريخية، بسبب اللا توافق في الرواية الواحدة، الذي يجعله يكتفي بالنقل والإخبار، تاركاً العهدة بيد سارد عليم، مستعيضاً به عن نفسه في السرد والتمثيل، ومن ثم لا يغدو هناك منظور آيديولوجي يُنسب إليه ولا مهمة فكرية يتوقف أداؤها عليه.
إن إضفاء الملحمية على السّرد التاريخي هي التي تجعله ذا أوجه متعددة من التنوع القرائي وألوان شتى من التفسير والتأويل، مع ضرورة التذكير هنا بأنْ ليس كل الوقائع التاريخية قابلة لأن تكون سروداً ملحمية، فالقليل منها فقط يصلح لهذا التمثيل. وما يجعل التسريد التاريخي موصوفاً بأنه ملحمي ليس المؤرخ؛ وإنما الواقعة التاريخية نفسها التي ينبغي أن تنطوي على شخصية بطلة تتصف بجملة سمات خلقية تؤهلها للملحمية ومنها الفجائعية، فالفعل الملحمي لا يعد ملحمياً من دون فجائعية تتمحور حول شخصية هي ليست ضعيفة ولا مستكينة. لكن استهدافها يكون استهدافاً مبيتاً بالغيلة والخديعة وهكذا لا يتحقق الظفر عليها إلا بالتخطيط المدبّر كدسيسة ماكرة. وهذا ما يجعل سقوط الشخصية سقوطاً دامياً تقاسي بسببه مرارة الشر وقسوته وهول أفعاله ودموية أغراضه. ثم السمة المبدئية، فالشخصية لا تكون ملحمية ما لم تحمل مبادئها على راحة كفها لتكون لغيرها مناراً ومثالاً. وليس للغرماء ما يقابل هذا الوفاء ولا عندهم ما يضارع الذي تملكه من المبادئ التي تضحي في سبيلها بدم عبيط مُراق، وهذا ما يجعل محاصرتها بقوة غاشمة هي محاصرة خاسرة وإن بدت ناجحة، والسبب الفقدان التام عند الطرف الغالب لكل ما يملكه الطرف المغلوب من المبدئيات القيمية الخالصة. يضاف إلى المبدئية السمة الجماعية التي بها تصبح الشخصية البطلة معلمة وقائدة وهادية، وغالباً ما تدفعها شيمها إلى تقديم الخير للناس كافة أصدقاء وأعداء وهي لا تمارس سوى ما فيه الصالح العام نفعاً وفائدة، ولا تُقدِم على عمل إلا ويكون فيه رفعة للمجموع كما لا تتخذ قراراً يضر المجموع أو يعاديه.
وبعد ذلك تأتي اللا معتادية التي تجعل الشخصية الملحمية تتحلى بسمات غير اعتيادية كالبطولة المتناهية لا بسبب السيف؛ بل بسبب الشجاعة المنقطعة النظير. وهذه الشخصية لا تقتحم لأجل التباهي ولا تحابي لأجل الرياء وإنما تقول الحق ولو على نفسها، صادقة حتى مع عدوها مضحية في سبيل الإنسانية جمعاء. وحتى وإن لم تنازل غريماً في ساحة الوغى، تظل بطولتها مشهوداً عليها بما تتحلى به من نبل الأهداف وإخلاص الروح للمبادئ وسمو الإيمان بالقيم النبيلة والسامية.
والقدسية هي محصلة سمتَي المبدئية والشجاعة البطولية التي تجعل مصير البطل الفجائعي مصيراً مكللاً بهالة قدسية تضفي عليه مزيداً من السمات غير طبيعية، التي تخرق المنطقي وتتجاوز المعقول إلى ما بعده. وهذه السمة الملحمية لا تتأتى إلا عن جذر نبيل الأرومة، رفيع النسب، عظيم الحسب، جليل المرتع، تحفّه العناية الإلهية وتُستودع فيه الأمانة الربانية. ومن ثم لا يغدو غريباً تمتع الشخصية بهبات روحية وعرفان خاص، يجعلها تتنبأ بالخلود للموالين وبالخيبة والخسران للمعادين.
وإذا كانت هذه السمات الخلقية الخمس مجتمعة هي التي تجعل واقعة قتل شخصية بهذه السمات بمثابة تراجيدية تاريخية هي عبارة عن ملحمة سردية، فإن السمة الأولى تحديداً وهي الفجائعية ستنماز عن السمات الأخرى، بأنها المهيمنة واقعياً والطاغية عليها فنياً، والنتيجة المتحققة أن التاريخ سيغدو فعلاً درامياً. وبالدرامية ستنتفي الزمانية الماضوية وتتأكد السيرورة التاريخية في حاضرها وآتيها... لكن كيف نرتفع بالملحمية إلى التراجيدية؟ وما الذي يضمن للتراجيديا أن تجعل التاريخ درامياً؟
إن ذلك كله يتحقق عند المؤرخ الذي يتبنى منظورات تتفاوت أو تتقاطع أو تتناظر أو تتوافق بإزاء مرويٍّ من مرويات التاريخ العام والرسمي، رافضاً الثبات عند منظور واحد يلتزم به في تدوين الوقائع التاريخية، انطلاقاً من مقصدية جعل التاريخ موزعاً في تواريخ حيث لكل تاريخ منظوره الكتابي الخاص. وهذه التوليفة ما بين السّرد والتاريخ هي التي تجعل نصاً تاريخياً لواقعة تراجيدية معينة كان قد شهدها التاريخ البشري تبدو كأنها نصٌّ ملحميٌّ. والذي ينحو بالكتابة التاريخية هذا المنحى التوليفي الملحمي هي طريقة المؤرخ في نقل هذه الواقعة بتراجيدية وجود طرفين شهدا الواقعة أحدهما غالب سيكون هو الحاضر الشاهد، والآخر مغلوب سيكون هو الغائب المشهود عليه. ومأساوية الموقعة أنَّ الطرف المغلوب سيسقط صريعاً عن بكرة أبيه أمام الطرف الغالب. ومن هنا يمضي المؤرخ بسارده صانعاً تاريخاً يُوصف بأنه ملحمي الشكل، تراجيدي المحتوى.
* أكاديمية عراقية



نجم «ديزني» يتخلّص من أفعى على الطائرة... ويتلقّى مكافأة

النجم الشجاع أنقذ الموقف (مواقع التواصل)
النجم الشجاع أنقذ الموقف (مواقع التواصل)
TT

نجم «ديزني» يتخلّص من أفعى على الطائرة... ويتلقّى مكافأة

النجم الشجاع أنقذ الموقف (مواقع التواصل)
النجم الشجاع أنقذ الموقف (مواقع التواصل)

نجح نجم «ديزني»، الأسترالي أندري ريريكورا، في التخلُّص من ثعبان على طائرة «فيرجين إيرلاينز»، وكوفئ بمشروب مجاني لشجاعته خلال الرحلة بين مدينتَي بروم وبيرث في البلاد.

وفي تصريح لمحطة «إيه بي سي نيوز» الأسترالية، نقلته «إندبندنت»، قال ريريكورا إنه قبل الإقلاع، صرخ أحد الركاب منبِّهاً إلى وجود ثعبان، فتأجَّلت الرحلة بينما كان الطاقم يحاول معرفة كيفية التعامل مع الوضع.

أضاف النجم التلفزيوني: «أوقفوا الطائرة تقريباً، وكان يُفترض إنزال الجميع، وهو أمر لم نكن متحمِّسين له لأنّ الجميع أراد العودة إلى منزله».

وأردف: «القصة غريبة بعض الشيء. يصعب تصديق وجود ثعبان على الطائرة، لذا اعتقدتُ أنّ كثيراً من الناس لم يصدّقوا».

ومع ذلك، قال ريريكورا الذي شارك في مسلسل «صائدو حطام السفن في أستراليا» عبر قناة «ديزني بلس»، إنه لاحظ وجود أفعى «ستيمسون» اللطيفة جداً، وغير السامّة، بجوار مقعده.

وأوضح: «بمجرّد أن رأيتها، تعرّفتُ إليها بسهولة. كانت خائفة جداً. لم أواجه مشكلة في التقاطها وإخراجها من الطائرة».

امتنَّ جميع الركاب لشجاعته، وصفّقوا له، إلى حدّ أنَّ الطاقم قدَّم له مشروباً مجانياً ومياهاً غازية. وأضاف: «شعروا بالارتياح لعدم اضطرارهم للنزول من الطائرة، وسُرَّ عدد منهم لأنّ الثعبان كان في أمان»، موضحاً أنّ الرحلة تأخّرت 20 دقيقة فقط.

وقال أحد المضيفين عبر مكبِّر الصوت: «ليست هناك لحظة مملّة في الطيران، لكن هذه اللحظة هي الأكثر إثارة بكل تأكيد. رجل لطيف على الطائرة تخلَّص من الثعبان بأمان».