جبريل: حضور جميع الأطراف الفاعلة ضروري لإنجاح الملتقى الليبي

رئيس تحالف القوى الوطنية قال لـ«الشرق الأوسط» إن انتشار السلاح هو العائق الرئيس أمام قيام الدولة

محمود جبريل
محمود جبريل
TT

جبريل: حضور جميع الأطراف الفاعلة ضروري لإنجاح الملتقى الليبي

محمود جبريل
محمود جبريل

دعا الدكتور محمود جبريل، رئيس المكتب التنفيذي السابق في ليبيا ورئيس تحالف القوى الوطنية، إلى ضرورة حضور جميع الأطراف الفاعلة على الأرض الملتقى الوطني الجامع، الذي تعدّ له البعثة الأممية في البلاد للانتقال إلى الانتخابات الرئاسية والنيابية، ومن بينهم الجيش الوطني، والمسلحون وبعض أتباع النظام السابق، وشيوخ القبائل الكبيرة، مطالباً بـ«الاستماع لقادة الميليشيات المسلحة، الذين يقبلون إلقاء السلاح»، وقال إن «هؤلاء هم سلطة الأمر الواقع، ويُستقبلون الآن في بعض الدول».
وأضاف جبريل في حديث إلى «الشرق الأوسط» أن «المؤتمر المرتقب لا بد أن يناقش رؤية ليبية واضحة، بحيث لا نكرر ما حدث في اتفاق الصخيرات (وقّع في المغرب في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2015). لقد ذهب الجميع إلى هناك كمستمعين فقط، والذي وقّع على أوراق الاتفاق السياسي هو بيرناردينو ليون، المبعوث الأممي الأسبق».
وأبرز جبريل أن مجموعة من السياسيين طلبوا منه التوقيع على بيان يدعو المبعوث الأممي غسان سلامة إلى ضرورة عقد الملتقى الجامع في الأول من مارس (آذار) المقبل، لكنه قال إنه «كان على الموقعين على البيان عدم تحديد موعد للمؤتمر، وأن يطالبوا بعقده في أقرب وقت ممكن». وتابع موضحا: «أنا أؤيد انعقاد المؤتمر سريعاً. لكننا لا نعلم الظروف التي ستمر بها البلاد مطلع مارس... ويجب تمثيل جميع الأطراف الفاعلة في الملتقى، بما فيهم السياسيون، غير أن من أصدروا البيان اكتفوا فقط بدعوة عمداء البلديات».
ورسم جبريل صورة واقعية للأوضاع على الأرض، حيث تحدث عن ثلاثية السلاح، والمُسلح، والجيش، وقال: «إنهم القوة الفعلية على الأرض... لكن عندما تقول لي إن الملتقى سيحضره سياسيون واجتماعيون، فهذه القضية فيها وجهة نظر».
واتفق جبريل في هذا السياق مع ما سبق أن تحدث عنه المبعوث الأممي، بقوله «ليس انعقاد الملتقى الجامع من أجل الانعقاد فقط، ولكن يجب التطرق إلى معايير معينة، وفق منهجية متفق عليها، ومن الذين سيحضرون، وماذا سيناقشون؟... هذه هي الشروط التي سبق أن طالبنا بها قبل اتفاق الصخيرات المَعيب».
وتحدث عن ضرورة محاربة الجماعات الإرهابية، مؤكداً أن «واجب الجميع دعم محاربة الإرهاب لأنها قضية وطنية». وبخصوص موقفه من نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، قال جبريل إن «بعض أتباع هذا النظام الذين يتحدثون عن إعادة بناء الدولة، والتداول السلمي للسلطة، ويتحدثون أيضا عن عدم الإقصاء ولجهة المستقبل، لا بد أن يكونوا جزءاً من هذا التجمع المرتقب». موضحا أن المسلح الذي يعنيه «هو من يقبل أن يلقي السلاح ليكون جزءاً من بناء الدولة القادمة... فهؤلاء يبحثون عن شروط إلقاء السلاح، ويقبلون بالتفاوض. لكنهم يبحثون عن الشروط التي يتخلون بمقتضاها عن السلاح، لكن لم يحدث معهم تفاوض»، مستدركاً: «للأسف أصبح كثير من قادة هذه التشكيلات المسلحة هم سلطة الأمر الواقع، ويستقبلون الآن في بعض الدول، ويتم التعامل معهم... وتعقد معهم اتفاقات، فمن باب أولى أن يجلس الليبيون أنفسهم معهم، ويستمعوا إليهم، ويعرفوا ما هي شروطهم لإلقاء السلاح»، مبرزا أنه «طالما وجد السلاح على الأرض، وظلت التشكيلات المسلحة خارج الجيش والشرطة، فلن تقوم دولة ليبية على الإطلاق، ويبقى انتشار السلاح العائق الرئيسي أمام قيام الدولة، وما لم تحل هذه المعضلة فنحن نضيّع الوقت».
وشدد جبريل على ضرورة الجلوس مع قادة الميلشيات، بقوله «هؤلاء لديهم مخاوف، ومراكز نفوذ ومصالح قائمة، ويريدون الحفاظ عليها، وبالتالي فإن التفاوض معهم لا بد أن يتم من منظور كيف يكون هؤلاء الناس بناة للدولة الجديدة، وليس عائقاً في طريقها».
وفي معرض حديثه عن الأطراف الفاعلة على الأرض، وصف جبريل حديث سلامة بأن انعقاد الملتقى سيتطلب تفاهماً على مستوى عال بين الأطراف الفاعلة بـ«العاقل»، وقال: «نحن لا نريد أن نعقد اتفاقاً، ثم يأتي أحد ما يمثل قوة على الأرض وينسفه في لحظة».
ومنذ عدة أشهر بدأت البعثة الأممية لدى ليبيا تجري جلسات استماع ضمن فعاليات الملتقى الوطني في أنحاء مختلفة من البلاد، قبيل انعقاد الملتقى الجامع، الذي تعد له البعثة للأممية، والذي ستدعو له أطرافا كثيرة من «المهمشين وأنصار النظام السابق».
وحول ما إذا كان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني قوة فاعلة، ضرب جبريل مثلاً بالاشتباكات الأخيرة في العاصمة طرابلس، وقال: «هل كان للمجلس الرئاسي على هذه المعارك أي سيطرة وتحكم، أو مجلس النواب أو مجلس الدولة؟... إطلاقاً. والنتيجة أن هناك مواطنين يموتون بسبب اندلاع هذه الاشتباكات، التي تستخدم فيها الأسلحة الثقيلة».
وبخصوص أزمة الأموال الليبية قال جبريل إن «مال ليبيا ينهب جهارا نهارا، فهناك أموال تصرف تحت بند تشكيلات مسلحة، وللأسف ما دمنا لم نحل مشكلة التشكيلات المسلحة فلن يستطيع أي شخص يتولى رئاسة الوزراء فعل أي شيء...نحن فقط سنغير الرهائن... ففي السابق كان الرهين على زيدان، وعبد الرحيم الكيب (في إشارة إلى رئيسي الحكومتين السابقتين)، وبعد ذلك كان الرهين عبد الله الثني (رئيس الحكومة المؤقتة الحالي التابع لبرلمان شرق ليبيا)، ثم الرهين السراج».
وبخصوص مطالبة نحو مائة شخصية ليبية المبعوث الأممي سلامة بعقد المؤتمر الوطني الجامع مطلع مارس المقبل و«تحصينه من المفسدين»، قال جبريل إن «المفسد الحقيقي هو من لا يريد لم الشمل، أو لا يريد حل الأزمة الليبية ليستفيد من سفك الدماء وإهدار الأموال وتأخير إعادة بناء الدولة».
ودافع جبريل عن المبعوث الأممي بعد الهجوم عليه من أنصار الجيش الوطني في شرق ليبيا، وقال: «هذه الهجمة ترجع إلى الإحاطة التي تقدم بها المبعوث الأممي إلى مجلس الأمن، والتي أسيئ فهمها ربما، رغم أنه أعاد تصحيح الأمر»، ومضى يقول: «مشكلة الدكتور غسان أن كل واحد من الأطراف المتنافسة أو المتصارعة يريده بجانبه، لكن بحكم مسؤوليته فإنه لا يجوز أن يكون بجوار طرف ما لأنه ينظر لكل الأطراف في البلاد على أنها في عملية صراعية، واهتمامه هو أن يحل الأزمة المعني بها».
وأضاف جبريل موضحا: «للأسف نحن في ليبيا ننظر للمبعوث الأممي على أنه إذا لم يتحدث عني بكلام طيب دائما فهو ضدي، والمفروض أنه لا يقول كلاماً طيباً في حق أحد لأنه لا بد أن يبقى على الحياد». مبرزا أن «طبيعة غسان سلامة، والمبعوث الأممي عموماً تظل غير مفهومة لجميع أطراف الصراع في المشهد السياسي بشكلها الصحيح، لأنه ينظر إليهم جميعا على أنهم أطراف في عملية صراع، ولا ينظر إليهم على أنهم شرعي أو غير شرعي».
وحول موقفه من اتفاق الصخيرات، قال جبريل، إنه «اتفاق معيب بشكل جذري، عمق الأزمة في البلاد، وزاد من مشكلة الليبيين... ولو نقارن بين ديسمبر (كانون الأول) 2015 وفبراير (شباط) 2019 ونشاهد الأوضاع الاقتصادية للبلاد، وكمية الأموال التي نهبت، فإنه سيتبين لنا حقيقة الصخيرات».
ومضى جبريل يقول: «طرابلس ليس بها سيارة تجمع القمامة من الشوارع، وديوان المحاسبة في تقريره الأخير قال إنه تم إهدار 270 مليار في الخمس سنوات الماضية»، وزاد متسائلا: «من يحاسب على هذه الجرائم؟... إذا كان هناك متهمون فهل هناك دولة تستطيع محاكمة هؤلاء بأنه ليس لدينا دولة؟... إن هذا هو نتاج التشخيص الخاطئ لبيرناردينو ليون في اتفاق الصخيرات»، واستدرك قائلا: «كان يظن أن في ليبيا صراع سياسي، بينما كان الخلاف على الموارد المالية في ظل عدم وجود دولة».
وذهب جبريل إلى أن «تركيبة البلاد قبلية، وينتشر فيها السلاح وفيها أموال كثيرة، وأجواء الحرب الأهلية متوفرة، لكن السيد بيرناردينو كان يتعامل على أن هؤلاء أطراف تتصارع سياسيا حول من يحكم ومن يقصي من، في ظل وجود دولة. لكن الدولة كانت غير موجودة كي نتصارع في ظلها!».
وانتهى جبريل قائلا: «دائما نقول نشكل حكومة قبل أن نقول ماذا ستقدم الحكومة... وما دمنا نتحدث في (من) قبل (ماذا) فإن المشكلة تبقى مستمرة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».