اليمن... إرهاب ثلاثي بغطاء إيراني

«الحوثي» و«داعش» و«القاعدة»... تضاد عقائدي ووحدة لوجيستية

قوات الشرعية اليمنية تعاين موقع تفجير سيارة مفخخة في مدينة عدن أعلن «داعش» مسؤوليته عنه (أ.ف.ب)
قوات الشرعية اليمنية تعاين موقع تفجير سيارة مفخخة في مدينة عدن أعلن «داعش» مسؤوليته عنه (أ.ف.ب)
TT

اليمن... إرهاب ثلاثي بغطاء إيراني

قوات الشرعية اليمنية تعاين موقع تفجير سيارة مفخخة في مدينة عدن أعلن «داعش» مسؤوليته عنه (أ.ف.ب)
قوات الشرعية اليمنية تعاين موقع تفجير سيارة مفخخة في مدينة عدن أعلن «داعش» مسؤوليته عنه (أ.ف.ب)

كشفت الأيام الأخيرة وتطورات الأحداث على الأرض في اليمن أن ميليشيات الحوثي الإرهابية التي تدور في فلك الإرهاب الإيراني الأسوأ من نوعه في تاريخ الخليج العربي والشرق الأوسط هي من يوفر الغطاء لتنظيمي القاعدة وداعش، وبدعم من طهران مباشرة في محاولة لا تخطئها العين لإثارة المزيد من الفوضى القاتلة في المنطقة.
الشاهد أنه في الأيام القليلة الماضية كشفت وزارة الداخلية اليمنية عن ضبط خلايا إرهابية تابعة لجماعة الحوثي تعمل تحت اسمي «داعش» و«القاعدة» على زعزعة الأمن والاستقرار، واستهداف قيادات الدولة، وتنفيذ عمليات الاغتيالات، وفي السياق نفسه كان الجيش اليمني يعلن عن إطلاق حملة أمنية واسعة النطاق لملاحقة عناصر تنظيم داعش ومحاولة تحجيم فلول «القاعدة» المنتشرين في الريف الغربي لمحافظة تعز جنوب صنعاء.
ولعل علامة الاستفهام الأولى في هذه السطور: «هل قدم الحوثيون إن بطريق مباشر أو غير مباشر الدعم اللازم والمطلوب للإرهاب وجماعاته المختلفة، ليزداد انتشارا في اليمن على النحو الذي جعل ذلك البلد بقعة مشتعلة في الحال والاستقبال؟».
المقرر بالتجربة التاريخية أن الإرهاب وخلاياه المختلفة لا تعيش إلا في بيئات منفلتة أمنيا عنوانها الفوضى وعدم الاستقرار، ولهذا فإنه ومنذ الانقلاب الحوثي في سبتمبر (أيلول) من عام 2014 فإن التنظيمات الإرهابية في اليمن تسعى جاهدة لاستغلال الأوضاع الأمنية المتردية من أجل محاولة فرض نفوذها على الساحة اليمنية.
على أن الخبراء في مجال تحليل ودراسة هوية الجماعات الإرهابية، لا سيما «داعش» و«القاعدة»، يدركون جيدا أن هناك خلافات بينية وفكرية عميقة إلى الدرجة التي جعلت بعضهم يتصادم بالفعل في الميدان.
أضف إلى ذلك أن إيران لها توجهات مغايرة عن الجماعتين، وعليه فقد باتت علامة الاستفهام: ما الذي يجمع الأضداد في إطار واحد وإن تقطعت بهم سبل التوجهات الآيديولوجية والعقائدية؟
المؤكد بداية أنه رغم اختلاف المرجعيات المذهبية لأطراف الثلاثي الإرهابي المتقدم، فإن المتابع لما يجري على الأرض في اليمن يدرك أن تضافر جهود الحوثي مع «القاعدة» و«داعش»، إنما يصب في نهاية المشهد لصالح المعسكر الإيراني ذاك الذي يسعى لتشتيت وإرباك الجيش اليمني والمقاومة والتحالف العربي ويسعى لأجل استنزافهم وإنهاكهم وهو ما لم ولن يدركوه.
في تقرير أخير لها كانت صحيفة «واشنطن بوست» ترصد عبر عيون الباحثة في جامعة أكسفورد، إليزابيث كيندال، كيف تمكنت «القاعدة» بداية من تعزيز حضورها في اليمن، لا سيما أنها استفادت بشكل بالغ من الفوضى التي أعقبت الحرب في 2015، لا سيما بعد استيلاء جماعات الحوثي على معدات عسكرية يمتلكها الجيش اليمني وإقدام مقاتليها على سرقة البنك المركزي.
ترى كيندال أن مفتاح نجاح تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وبخاصة في اليمن لم يكن بفعل التجنيد المباشر، لا سيما أن عدد مقاتليه الأساسيين لم يتجاوز أربعة آلاف عنصر في قمة صعوده إنما جاء بفعل الجهود التي بذلها التنظيم بغية الحصول على دعم كبار قادة المدن وشيوخ القبائل، إلى جانب مساعيه لـ«كسب التعاطف الضمني من جانب السكان المحليين».
في هذا الإطار بدا «القاعدة» مختلفا في توجهاته عن «داعش» في أنه اعتمد نهجا متدرجا في ممارسة أعمال الحكم ضمن نطاق سيطرته حيث عقد صيغا تشاركية ومحلية الطابع لتقاسم السلطة مع أبناء تلك المناطق.
هل اليمن يمثل بالنسبة لـ«القاعدة» أهمية استراتيجية عالية، لا سيما أن التنظيم يخطط للعودة بقوة بعد الضربات الشديدة الوقع والخسائر الهائلة التي تعرض لها منافسه الأشد تنظيم دولة الخلافة «داعش»؟
يمكن القطع بأن ذلك كذلك بالفعل، فاليمن يمثل بيئة تتقاطع فيها الجغرافيا والديموغرافيا في خلق بؤر تمرد ذات إمكانية بقاء عالية، كما أن اليمن يقع في منطقة بؤرية محورية تحمل تهديدا خطيرا لأمن القوى الإقليمية والدولية، كما أن القدرة على التمدد الأفقي عبر توظيف العامل القبلي في اليمن والسعودية أمر من شأنه أن يرفد «القاعدة» بالمزيد من الأنصار وأن يوسع قاعدة الأفراد الساعين إلى القيام بعمليات انتحارية.
لم يكن لتنظيم داعش حضورا قويا أو ملحوظا في اليمن قبل الانقلاب الحوثي لكن أجواء الاضطراب والانشقاق الداخلي من جهة، والهزائم التي مني بها التنظيم في العراق وسوريا على يد قوات التحالف الدولي من جهة ثانية، يسرت وبشكل كبير لتسرب أعداد من «الدواعش» إلى الداخل اليمني، لا سيما في المواقع المتقدمة التي يسيطر عليها الحوثي وجماعته كما حدثت بعض الانشقاقات المبكرة في صفوف «القاعدة» لصالح «داعش»، وتم الإعلان عن قيام إمارات مزعومة تابعة لتنظيم الدولة في عدد من مناطق اليمن، إلى جانب تنفيذ هجمات استحوذت على عناوين الصحافة في عامي 2015 و2016. إلا أن «داعش» بحال من الأحوال لم يستطع أن ينافس «القاعدة» على النفوذ في اليمن. بدأت «داعش» تظهر في اليمن في بدايات عام 2014 عندما أعلن أبو بكر البغدادي أن مقاتلين في اليمن تعهدوا بالبيعة أي بقسم الولاء الرسمي له، وفي ذلك الوقت كان تنظيم الدولة يتمتع باكتساب عناصر جديدة بشكل كبير في جميع أنحاء العراق وسوريا فيما كانت ذروة شعبيته تتصاعد بين السلفيين المتشددين، وعليه فإنه ابتداء من نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 انشق عدد من نشطاء «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية وانضموا إلى تنظيم الدولة في اليمن.
لم يكن الاندماج واردا بين «القاعدة» و«داعش» بالمرة فقد اعتبر رجالات «القاعدة» فكر «داعش» بالنسبة لهم فكرا دخيلا، حيث أعلن القيادي بـ«القاعدة» حارث النظاري الذي قتل لاحقا أن تنظيم داعش لا يتجاوز كونه جماعة من الجماعات المتطرفة، وأن إعلان «داعش» لم يستوف الشروط اللازمة، ومن ثم فإن هذا الإعلان لا يبطل شرعية الجماعات الأخرى التي تعمل في الساحة، وبدا أن خطاب النظاري موجه بشكل أساسي لأنصاره في اليمن قبل أن يكون ردا على إعلان البغدادي.
كان للخلاف بين «القاعدة» و«داعش» أن يطفو على السطح في كل الأحوال فعلى الرغم من أن الأول حاول مرارا تأخير إعلان موقفه من الخلاف الذي جرت به المقادير بين الرجل الأول في تنظيم القاعدة والمسؤول عن هيكلها الحالي أيمن الظواهري، وبين تنظيم داعش الذي رأى في نفسه الأحق بقيادة التنظيم، فإن «القاعدة» في نهاية المطاف أعلنت تجديد بيعتها في اليمن للظواهري، ورفض فكرة قيام البغدادي بإعلان الخلافة بشكل منفصل.
أخفق «داعش» في اليمن في بداية الأمر فيما نجحت فيه «القاعدة»، وفي المقدمة من ذلك عجزه عن بلورة رؤية مجتمعية ثقافية محددة قادرة على التحدث بلسان اليمنيين ومخاطبتهم أو دغدغة مشاعرهم من أجل كسب المزيد من عناصرهم، فضلا عن غياب مشاركات في مشروعات تنمية المجتمع المحلي إلى جانب توجيه انتقادات قاسية لتكتيكات «داعش» من قبل مقاتلين انشقوا عن صفوفه إلى صفوف «القاعدة». ولأن «القاعدة» تنظيم مؤدلج فكريا فيما «داعش» عملياتي بشكل أكبر وأخطر، بدأ المشهد على الأرض يكاد يتحول إلى سباق دام بين المجموعتين لإحداث أكبر عمليات إرهابية، ففي مارس (آذار) 2015 أعلن ما يعرف بولاية صنعاء التابعة لتنظيم الدولة مسؤوليته عن تفجيرات صنعاء الأخيرة حيث فجر أربعة انتحاريين أنفسهم في مسجدي بدر والحشوش مما أسفر عن مقتل 142 شخصا في حين تبرأ «القاعدة» من العملية واتهم تنظيم داعش بالتساهل في سفك الدماء.
لم تتوقف المناوشات بين «القاعدة» و«داعش» عند المقارعات الفكرية، بل حدثت معارك فعلية على الأرض لا سيما في محافظات جنوبية ما اعتبر دليلا آخر على شعور تنظيم القاعدة بخطر استلاب الدواعش لمكان ومكانة أوسع وأعمق في المجتمع اليمني، ولاحقا بطغيان يمكن له أن يزيح مكتسبات «القاعدة» عبر الأعوام الماضية، لا سيما أن تنظيم داعش كان يتهم «القاعدة» في اليمن بأنه «تنظيم جهادي إسلامي لكن بما لا يكفي لأن يستحق هذا الوصف».
مرة أخرى كيف لتنظيمات متقاتلة على هذا النحو أن تتشارك ولو مرحليا تحت عباءة وغطاء واحد في الداخل اليمني؟... لتكن البداية من عند الحوثي و«القاعدة» وهي علاقة معقدة ومركبة فمع الإقرار بالاختلاف العقائدي أولا والآيديولوجي ثانيا، فإن المحلل المحقق والمدقق لتقارير مجلس الأمن والأمم المتحدة منذ 2014 وحتى اليوم يستطيع أن يرصد وبأقل مجهود فكري العلاقات الوثيقة التي ربطت علي عبد الله صالح مع تنظيم القاعدة، إضافة إلى أن التحقيقات تؤكد تورط ميليشيات الحوثي في زرع عبوات ناسفة بالمدن اليمنية ونسبتها لـ«داعش»، ما يؤكد كذلك تورط الميليشيات الحوثية مع «القاعدة»، وهنا الدليل الأول على أن «القاعدة» والحوثي وجهان لعملة واحدة صناعتها إيرانية فالعلاقة المزدوجة بين تنظيم القاعدة بإيران من جهة وبالحوثيين من جهة أخرى، تؤكد أن إيران نجحت وبكل أسف في استقطاب كثير من مقاتلي «القاعدة» وبينهم قيادات في الخط الأول والقيادات الوسطى، كما أنها قامت بتقارب بين ميليشيات الحوثي وميليشيات «القاعدة»، والجميع يعلم أن هناك صفقات تبادل أسرى بين الحوثيين و«القاعدة» برعاية إيرانية، كما كشفت المفاوضات في مراحلها المختلفة عن العلاقة بين تنظيم القاعدة وجماعة الحوثي وذلك عندما رفضت ميليشيات الحوثي مقترحا من الأمم المتحدة بإصدار بيان يؤيد العملية العسكرية ضد تنظيم القاعدة في المكلا وأبين.
هل من خيط يربط بين «داعش» وإيران، لا سيما في اليمن؟
ليس سرا القول إن الإيرانيين الذين أطلقوا ظاهريا فتاوى ما عرف بـ«الجهاد الكفائي» ضد «داعش»» علنا هم أكثر المستفيدين منها سرا لتحقيق مصالحهم في المنطقة، فطهران التي لا تستنكف تدين «داعش» لفظيا هي التي لا تحاربه على أرض الواقع عسكريا أو لوجيستيا، ولهذا نرى «داعش» يتحاشى استهدافها رغم شعاراته العلنية المضادة والمهاجمة للشيعة مما يؤكد وجود مصالح خلفية بين الجانبين في الماضي والحاضر.
أحد أفضل الأصوات التي كشفت لنا أبعاد العلاقات الخفية بين الإيرانيين و«الدواعش» دكتور مجيد رفيع زاده الباحث الإيراني الأميركي بجامعة هارفارد، والذي أشار إلى أن طهران استخدمت «داعش» في تعزيز قوتها الإقليمية، حيث كانت تواجه صعوبة في إضفاء الشرعية على دورها في العراق ودعمها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، كما أن إيران استغلت «الدواعش» في زخم ودعم قوة الميليشيات الشيعية التي تدعمها والتي تلعب دورا خطيرا اليوم في بلدان عربية مثل العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن، وعليه فإن تظاهر إيران بأنها تقاوم «داعش» هو شأن منحول وغير صحيح؛ إذ من مصلحتها بقاء التنظيم الإرهابي قويا ومنتشرا، الأمر الذي جعل البعض ينظرون إلى «داعش» على أنه حصان طروادة بالنسبة لإيران.
يوما تلو الآخر تتضح معالم التنسيق بين «الحوثي» و«القاعدة» و«داعش» في اليمن بمظلة مالية وعسكرية إيرانية، فقد ظهر الأمر قبل فترة عندما أقدم «الدواعش» على قتل عناصر يمنية في محافظة البيضاء كانوا في طريقهم إلى محافظة مأرب للالتحاق بصفوف الجيش الوطني الذي يواجه جماعة الحوثي الانقلابية، العملية التي تؤكد أن المستفيد الأول من تنفيذها هي الميليشيا الحوثية رغم اختلاف المرجعية المذهبية للطرفين.
هل التحالف الثلاثي الشرير المتقدم يعني أن قوات التحالف الدولي تحقق نجاحات بالفعل على الأرض؟ المؤكد أن قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن قد نجحت في التصدي للميلشيات الإرهابية من خلال الانتصارات الميدانية الكبيرة التي تحققت منذ انطلاق «عملية الحزم» في مارس 2015 وحتى اللحظة، حيث عملت قوات التحالف العربي على كبح جماح الميليشيات الحوثية، وتمكنت عبر إسناد القوات اليمنية والمقاومة الشعبية من استعادة 85 في المائة من الأراضي اليمنية التي كانت مهددة بالسقوط في براثن المشروع الإيراني الرامي لضرب المنطقة وتهديد الأمن الإقليمي والعالمي، وفي مواجهة تلك الانتصارات يُضحي من الطبيعي أن ينشأ تحالف «حوثي - داعشي – قاعدي»، يسعى لتنفيذ هجمات إرهابية جديدة في اليمن تستهدف المناطق المحررة من قبل القوات الشرعية.


مقالات ذات صلة

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)
الخليج جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (مجلس التعاون)

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

أدان جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاعتداء الغادر في معسكر قوات التحالف بمدينة سيئون بالجمهورية اليمنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.