الأفلام المرشحة للأوسكار تلتقي وتختلف تحت مظلة واحدة

يجمعها سباق الجائزة الكبرى

TT

الأفلام المرشحة للأوسكار تلتقي وتختلف تحت مظلة واحدة

يمكن النظر إلى الأفلام التي تم ترشيحها رسمياً لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم من عدة زوايا. هي على تشابه هنا واختلاف هناك. تنتمي إلى فئات متداخلة، ويمكن تصنيف معظمها كمجموعات مثيرة للاهتمام بحد ذاتها. جميعها من تلك التي برزت عناوينها في مناسبات سابقة للأوسكار بحيث أن وجودها في هذه القائمة الرسمية ليس مفاجئاً بل أقرب إلى تحصيل الحاصل. لكن ما عدا ذلك نجدها تثير الاهتمام كونها تنتمي إلى الفئات التالية.

- أفلام عن الأبيض والأسود
قبل المضي أكثر لا بد من التذكير بالأفلام المرشحة لهذه الجائزة الأكبر شأناً من سواها: وهي:‫ «بلاك بانثر» لرايان كوغلر، «بلاكككلانسمان» لسبايك لي، «كتاب أخضر» لبيتر فارللي، ‬«مولد نجمة» لبرادلي كوبر، «روما» لألفونسو كوارون»، «بوهيميان رابسودي» لبرايان سينجر، «المفضلة» ليورغوس لانتيموس و«نائب» لأدام مكاني.
ثلاثة من الأفلام المرشحة تتداول القضية العنصرية أو، مع بعض التوسع في هذا الأمر، قضية الجذور الأفريقية مع انعكاسات في الداخل الأميركي. هذا الجانب متوفر بعناية رائعة في فيلم «بلاك بانثر» الذي هو وحيد الأفلام المرشحة الذي عرض تجارياً قبل عدة أشهر، وليس كحال الأفلام الأخرى خلال الشهرين الأخيرين غالباً.
في الوقت الذي يؤسس فيه «بلاك بانثر» لبطل أفريقي خارق (على غير عادة أفلام السوبر هيروز الأخرى) يقدم شخصية أفرو - أميركي آخر عمل لصالح المخابرات الأميركية (CIA) ولديه حسابات معها لها علاقة برؤيته للعلاقة بين البيض والسود وسياسة التفريق العنصري. هذا الجانب موحى به من خلال سطرين أو ثلاثة من الحوار والكثير من الدوافع التي تترتب على تمرده على الوكالة المعروفة.
«بلاكككلانسمان» هو عن حكاية حقيقية قام المخرج سبايك لي بابتداع إطار كوميدي أسود لها حول ذلك التحري الأسود الذي يدعي أنه أبيض يريد الانضمام إلى الحزب المعروف بـ«كوكلس كلان». عندما يُطلب منه الحضور يوفد زميلاً يهودياً ليحل مكانه.
أما الفيلم الثالث في هذا الاتجاه فهو «كتاب أخضر» الذي يعود إلى الوضع الناتج عن شخصين أحدهما أسود والآخر أبيض عليهما اكتشاف البيئة العنصرية المحيطة خلال حكاية درامية ليست بعيدة الشبه عن «قيادة مس دايزي». هذه المرّة السائق هو الأبيض والشخصية التي يقودها السائق (فيغو مورتنسن) هي أفرو - أميركية (ماهرشالا علي).
والأبيض والأسود في صميم فيلم رابع لكن من زاوية مختلفة. فالمخرج ألفونسو كوارون اختار تصوير فيلمه «روما» بالأبيض والأسود (كذلك فعل بافيو بافليكوڤسكي في «حرب باردة» المنافس في مسابقة أفضل فيلم أجنبي وهو القسم الذي ينافس «روما» فيه أيضاً).

- تاريخ وذكريات
يشترك «روما» أيضاً مع «بلاكككلانسمان» في أنه مستوحى من ذاكرة ومصادر شخصيات حقيقية. هذا هو الحال كذلك بالنسبة لفيلم «نائب». هذا الأخير يرسم صورة لما حدث داخل البيت الأبيض خلال كارثة سبتمبر (أيلول) 2011 لكنه يمضي قبل ذلك وبعده في سبر غور شخصية نائب الرئيس الأميركي دك تشايني كما يمثله ببراعة مطلقة كرستيان بايل. وهو يضم أيضاً كل الشخصيات التي انتمت إلى القيادة السياسية في البيت الأبيض وقريباً منه آنذاك وفي مقدمتها رئيس الجمهورية جورج و. بوش كما يؤديه، بالقدرة الفذة ذاتها، سام روكوَل.
«بلاكككلانسمان» يستند إلى أحداث حقيقية بطلها رجل بوليس أسود اسمه رون ستوللوورث، كان أول أسود في تاريخ ولاية كوليرادو انضم إلى سلك البوليس وذلك في السبعينات. المخرج سبايك لي يستند إلى الكتاب الذي وضعه رون حول هذا الموضوع وبالتالي، ورغم التغييرات، يسرد شيئاً قريباً من السيرة الذاتية.
هذه السيرة تتخذ شأناً مختلفاً لكنها جامعة لما سبق في هذا الإطار عبر فيلم «روما» الذي استقى المخرج ألفونسو كوارون مصادره من ذكرياته وهو صغير. لكن الاختلاف يقع تحت هذه المظلة التي تضم الأفلام الثلاثة وهي أن «روما» لا يتعامل مباشرة مع ذكريات المخرج حول نفسه بل حول خادمة البيت بينما يستمد الفيلمان الآخران «نائب» و«بلاكككلانسمان» حكايتيهما من سير شخصيات غير شخصية.

- اعزفها مرة رابعة يا سام
وتحتل الموسيقى حيّـزاً مهماً رغم أن «عودة ماري بوبنز» لروب مارشال (صاحب الفيلم الفائز بالأوسكار قبل سنوات «شيكاغو») ليس في عداد الأفلام المتسابقة هنا. ما هو متوفر فيلمان عن الموسيقى والغناء، وأحدهما يمكن أن يدخل كذلك نطاق السير الشخصية.
إنه «بوهيميان رابسودي» الذي يسرد حكاية المغني فردي مركوري، قائد فريق «ذا كوين». هذا فيلم سيرة كما هو فيلم غنائي، ولو أن اللون الغالب فيه هو الجانب الثاني. رامي مالك يؤدي شخصية مركوري بكل اندفاع وبذل ممكن، ويستحق الترشيح الذي ناله كأفضل ممثل. لكن الفيلم ذاته أمر آخر.
على النسق نفسه نجد «مولد نجمة» الذي يحتوي على الغناء والموسيقى (بل على الحفلات أيضاً) ويختلف في أنه فيلم خيالي بالكامل. وهذا الاقتباس هو الرابع من حكاية خيالية سبحت عبر هوليوود لعقود كثيرة. لا جديد فيها سوى صانعي الفيلم، لكنها من التنويع العاطفي والغنائي بحيث دخلت الترشيحات المذكورة ببعض الجدارة.
الفيلم الوحيد الذي لا ينتمي إلى أي من هذه الفئات هو «المفضلة». كوميديا اجتماعية ساخرة حول الملكة آن ورجال ونساء قصرها والمشكلات العاطفية التي عايشتها. هو فيلم وحيد في هذا الشأن كونه يتعامل والتاريخ. ومع أن شخصية الملكة آن، كما تقوم بها أوليفيا كولمان حقيقية، فإن الغاية ليست تقديم قصّة حياتها بل قصّة حياة فترتها كملكة (مطلع القرن الثامن عشر).

- الحاضر هو الماضي
تبقى حقيقة أخرى وأخيرة في هذا المجال: كل الأفلام باستثناء فيلمين تعرض أحداثاً تقع في فترات ماضية: «المفضلة» في القرن الثامن عشر، «روما» في السبعينات من القرن الماضي، «كتاب أخضر» في الستينات، «بلاك بانثر» في السبعينات، «بوهيميان رابسودي» في الثمانينات والتسعينات، «نائب» في العقد الأخير من القرن الماضي والعقد الأول من هذا القرن.
الفيلمان المختلفان هما «بلاك بانثر» الذي يمكن طرحه في أي زمان ومكان (ينطلق من تاريخ أفريقي ويصب في آخر مستحدثات المؤثرات الخاصة الحالية) و«مولد نجمة»، ولو أن حاضر هذا الفيلم متصل بماضيه، إذ هو تكرار للنسخ الثلاث السابقة من الحكاية ذاتها التي بدأت من الثلاثينات.


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.