مسارات الإرهاب في 2019

{القاعدة} تخطط لاختراق أفريقيا والصحراء من جديد

تأهب أمني في مدينة ستراسبورغ عقب هجوم إرهابي تبناه تنظيم {داعش} استهدف سوقاً في المدينة الفرنسية الشهر الماضي (إ.ب.أ)
تأهب أمني في مدينة ستراسبورغ عقب هجوم إرهابي تبناه تنظيم {داعش} استهدف سوقاً في المدينة الفرنسية الشهر الماضي (إ.ب.أ)
TT

مسارات الإرهاب في 2019

تأهب أمني في مدينة ستراسبورغ عقب هجوم إرهابي تبناه تنظيم {داعش} استهدف سوقاً في المدينة الفرنسية الشهر الماضي (إ.ب.أ)
تأهب أمني في مدينة ستراسبورغ عقب هجوم إرهابي تبناه تنظيم {داعش} استهدف سوقاً في المدينة الفرنسية الشهر الماضي (إ.ب.أ)

أحد الأسئلة الجوهرية التي تواجه الباحثين في شؤون الإرهاب حول العالم ونحن على عتبات العام الجديد، هو ذلك المتعلق بمسار العنف المسلح والمنطلق في عباءات آيديولوجية تارة والمتدثر بأردية دوغمائية تارة أخرى، وفي كل الأحوال لا يحمل الخير للبشر بل الشر والموت.
قبل أن ينتهي العام المنصرم، خيل للكثيرين أن العام الجديد سوف يضحى أفضل حالاً من سابقه، غير أن قراءات معمقة صادرة من مراكز دولية، وعن عقول خبيرة واعية بأبعاد الأزمة تشير إلى أن ذلك لن يضحى كذلك.
على أبواب 2019 لا يزال هناك فارق واضح بين إرهاب الدول وإرهاب الجماعات المسلحة على اختلاف مسمياتها، عطفاً على الشكل الذي بات أكثر إزعاجاً حول الكرة الأرضية، أي الإرهاب الفردي، ونموذج «الذئاب المنفردة»، والأشد خطورة هنا أولئك غير المرصودين أو المعروفين بالانتماء لجماعات إرهابية عنقودية.
يمكن للمرء بداية الحديث قطعا عن إرهاب الدول، لا سيما بعد أن أكد استطلاع رأي لخبراء السياسة الأميركية أن إيران تعد أكبر المهددين للأمن والسلم في العالم في العام الجديد. الخلاصة المتقدمة لم تأتِ من فراغ، بل هي حصاد معلومات ومتابعات لما تقوم به طهران من إرهاب الوكلاء والميليشيات في الشرق الأوسط تحديداً، عطفاً على الأدوار القاتلة في كل من أميركا اللاتينية، ودول البلقان، والتي ألقينا عليها الضوء في قراءات سابقة. والشاهد أن الخبراء الأميركيين الذين يتهمون إيران بالتدخل في النزاعات القومية، ودعم الجماعات الإرهابية في بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة والذين ينتمون إلى مجلس العلاقات الخارجية الأميركي في واشنطن، قد رصدوا بعين المحللين الثقات الأرقام المتغيرة في الموازنة الإيرانية الجديدة لعام 2019. إذ أشارت تقارير من جهات مختلفة إلى قيام حكومة الملالي برفع مستوى الدعم للحرس الثوري ضمن الموازنة الجديدة لتصل إلى 6 مليارات، بعد أن كانت 4.8 مليار في ميزانية 2018، أي بزيادة قدرها 25 في المائة، والمثير في الأمر أن مخصصات وزارة الدفاع تراجعت من 17 مليار دولار عام 2018 إلى النصف في موازنة 2019. وحال محاولة فهم ماذا يعني ذلك، فإن النتيجة المؤكدة هي أن الحرس الثوري الموكول إليه العمليات الإرهابية الإيرانية، بات يجد المزيد من التمويل لتعكير صفو الأمن العام الدولي وتكدير سلمه.
ماذا عن أكبر جماعة ظلامية معاصرة في العالم الجديد؟
الإشارة ولاشك لـ«داعش» ومستقبل تحركاته عربياً أولاً ودولياً ثانياً، لا سيما بعد أن استدعت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأيام الماضية عن اكتمال المهمة في سوريا بالقضاء على «داعش» الكثير من الأسئلة: فهل حقاً هزمت «داعش» هزيمة مبرمة في العراق وسوريا، وبهذا يكون قد انكسر شرها، وذهبت خطورتها إلى أضابير التاريخ؟
في الأسبوع الأخير من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كتب توماس جوسلين كبير محرري مجلة «لونغ جورنال» تحقيقاً مطولاً عنوانه: «لم نهزم (داعش) بعد»، أشار فيه إلى بقاء عدد من كبار قادة التنظيم على قيد الحياة، بمن فيهم أبو بكر البغدادي، إضافة إلى آلاف المقاتلين في كل من سوريا والعراق وما يدل على أن عودة «داعش» ليست بعيدة حرص هؤلاء على التدريب المستمر في انتظار فرصة جديدة للنهوض مرة ثانية، عطفاً على مواصلة آلة التنظيم الإعلامية، والتي يعتقد أن مقرها الرئيسي لا يزال شرق أوسطي، وتنشر يومياً تقارير بلغات عدة.
أما حال استخدام الأرقام التي لا تكذب ولا تتجمل والمتصلة بعدد عمليات «داعش» خلال مدة 20 أسبوعاً، فنحن أمام حقيقة مؤكدة وهي أن التنظيم لا يزال قادراً على إحداث ضربات إرهابية وإن تراوحت قوتها حول العالم، ففي الفترة المرصودة ادعى «داعش» تنفيذه 1922 عملية، نصفها تقريباً في العراق أي نحو 946. وهناك 599 عملية في سوريا... فهل يمكن لتلك الجماعة أن تكون قد هزمت مرة وإلى الأبد؟
كذلك، أثبتت حادثة مدينة ستراسبوغ في فرنسا مؤخراً أن كارثة «داعش» ترتبط بالتوجيه الذهني والولاء العقائدي، إذ ليس شرطاً أن يكون الإرهابي الداعشي على اتصال تنظيمي بالقيادة في الشرق الأوسط، لكي يقدم على عملية بعينها، سيما وأن هناك تصريحات سابقة للمتحدث باسم التنظيم أبو محمد العدناني، يشير فيها إلى أن الأدوات البسيطة كافة يمكن أن تكون أداة لقتل الكفار من الإنجليز والفرنسين وغيرهم، كالسكين، والدهس بالسيارات، وصولاً إلى إلقاء الحجارة لو تطلب الأمر.
ولأن الأميركيين بنوع خاص لديهم مخاوف من أن يتمدد «داعش» داخل بلادهم المتمترسة وراء محيطين على حين غرة، لذا كان التركيز من كبريات الصحف الأميركية على الخطر الداعشي والجدل حول ما قاله ترمب، وهذا ما دفع جوشوا غيلترز، المدير التنفيذي لمعهد الدفاع عن الحقوق الدستورية بجامعة جورج تاون الأميركية، والذي شغل من قبل منصب المدير الأعلى لمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي الأميركي، وكريستوفر كوستا، المدير التنفيذي لمتحف الجاسوسية الدولي، وضابط الاستخبارات السابق، وقد شغل بدوره مدير قسم مكافحة الإرهاب في المجلس، لكتابة مقال مطول ورصين بتاريخ 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي عبر صحيفة «نيويورك تايمز»، أشار المقال إلى أن مهمة هزيمة «داعش» لم تنجز بالكامل، سيما وأن الجزء الأصعب ربما لم يأتِ بعد، وهو التعامل مع بقايا نواة التنظيم في العراق وسوريا، والخلاصة لديهما هي أنه رغم جميع النجاحات الكثيرة التي حققتها الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب منذ 11 سبتمبر (أيلول) 2001. فإن الإدارات الأميركية المتعاقبة لم تتوصل بعد إلى طريقة كاملة لتجاوز أهم منعطف في سبيل هزيمة الجماعات الإرهابية مثل القاعدة و«داعش»، من أجل القضاء عليها. والثابت أن ذكر اسم تنظيم القاعدة يعود بنا إلى حضور التنظيم الذي من رحمه خرجت «داعش» في العراق، ومآلاته في العام الجديد، وهو المعروف بحضوره الفكري والعقائدي بأكثر من عملياته النوعية كما الحال مع «داعش» ؟
مع الأيام الأولى من العام الجديد كان مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، يصدر قراءته عن تنظيم القاعدة، وكيف أنه يسعى لبسط نفوذه في مناطق أفريقيا وجنوب الصحراء، وفق استراتيجية تستند إلى أربعة أسس رئيسية هي: التحالفات مع الجماعات الإرهابية الأخرى في المنطقة والتي تنتهج آيديولوجيته، وتتلاقى في المصالح والأهداف معه، ثم الضرب على وتر العرقية، إذ يحرص تنظيم القاعدة دائماً على الاحتفاظ بظهير عرقي يمثل مصدراً رئيسياً للعناصر الإرهابية التي يمكن أن تنضم إليه، كي يتخطى الخسائر التي يتعرض لها بسبب العمليات العسكرية ضده، واستخدام أساليب جديدة لم يكن يستخدمها من قبل، إذ يحاول على سبيل المثال في المغرب أن يرد على الهجمات التي تشن ضده بأساليب مختلفة وسريعة، خشية أن يؤثر عدم الرد على تمسكه الداخلي وإضعاف قدرته على التوسع في المنطقة.
في سياق البحث عن المشهد الإرهابي القادم، يستطيع المرء القطع بأن هناك تنظيمات وخلايا جديدة غير مركزية قد تنشأ حول العالم، لا سيما في أفريقيا وآسيا، وليس شرطاً أن تكون ذات مقدرة عالية، بل يكفي أن تلتقي نوايا إيقاع الأذى بالآخرين لحدوث عمليات إرهابية كبيرة من خلال أدوات تبدو في الظاهر صغيرة.
التحليل السابق يمكن ومن أسف أن يكون له حظ من النجاح لأسباب منطقية تسلسلية فقد كانت حركة المجاهدين العرب في أفغانستان هي المصدر الرئيسي لتنظيم القاعدة في التسعينات، ذلك الذي أذاق العالم الكثير من الألم وصولاً إلى العام الأول من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتالياً في العقد الثاني كانت «داعش» تنبعث من ركام القاعدة في العراق، وتتمدد في سوريا، وها نحن على عتبات العقد الثالث من القرن الجديد، وفيه تبقى الاحتمالات مفتوحة وواردة، وقابلة لظهور تنظيمات أخرى، ربما تكون ثمرة التقاء للفارين من الدواعش، وبقايا القاعدة، إضافة إلى جماعات أخرى بعضها بات يعرف بصفته إرهاباً عائلياً، حيث نجد عمليات بعينها يقوم بها أقارب ومن دون أن يخالطهم غريب، الأمر الذي يعقد من مسألة المتابعة الأمنية، أو إفشال مثل تلك المخططات قبل حدوثها.
من بين تلك الإشكاليات العريضة المتصلة بالإرهاب في العام الجديد يبقى الحديث عن مهارات الاتصالات بين الإرهابيين الذين باتوا خبراء ولا نغالي إن قلنا إنهم أضحوا «إرهابيين معولمين»، بمعنى حضورهم العالي في مجال التكنولوجيا الذكية، والالتفاف من حول الرقابة الأمنية، ما بعد التقليدية، وذلك من خلال زيادة استخدام التطبيقات المشفرة، فقد بات من المحتمل أن تحاول جماعات إرهابية محاكاة وتطوير التقنيات والأساليب التي تستخدمها المنظمات الإجرامية العابرة للحدود.
وفي الإطار نفسه يبقى الإرهاب السيبراني مجالاً جديداً للجماعات الإرهابية للتعاطي من خلاله، سيما وأنه أصبح عالماً ورائياً غير مرئي من السلطات التي تراقب الإرهاب والمتشددين، ومن هنا فإن المخاوف من أن يسابق الإرهابيون ولو بخطو واحدة الأجهزة المعنية، وفي هذها الحال ربما تكون الضحايا بالآلاف أو الملايين، إذا استطاع الإرهابيون اختراق شبكات الدفاع والصواريخ لدولة كبرى، أو طالت أياديهم مفاتيح الشفرات التي تنظم حركة الطائرات في المجال الجوي أو الوصول إلى محطات الكهرباء والبنى التحتية لدولة ما.
أضف إلى ما تقدم فإن هناك رعباً جديداً ينتظر أن يستطير شره في الأعوام المقبلة، منه على سبيل المثال لا الحصر إشكالية الطائرات من دون طيار، فحتى لو كانت في شكل بدائي، فإن خطر تحميلها بمتفجرات يبقى كارثياً ويهدد الآمنين بشراً وحجراً.
يأمل المرء أن يكون 2019 أفضل حظاً من سابقه، لكن حقيقة الأمر تبين أن المخاوف القائمة والقادمة تستدعي وتتطلب استراتيجية دولية حقيقية غير مرائية، إن أراد الجميع الخلاص من الشر الآتي من بعيد.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.