«احتجاجات الخبز» في السودان تتمدد... والجيش «ملتف حول القيادة»

مباراة كرة قدم تتحول إلى مظاهرة حاشدة في الخرطوم

«احتجاجات الخبز» في السودان تتمدد... والجيش «ملتف حول القيادة»
TT

«احتجاجات الخبز» في السودان تتمدد... والجيش «ملتف حول القيادة»

«احتجاجات الخبز» في السودان تتمدد... والجيش «ملتف حول القيادة»

أكد قادة الجيش السوداني {التفافهم حول قيادتهم وحرصهم على أمن وسلامة المواطن}، في أعقاب اجتماع لقادة القوات المسلحة بعد يوم من إعلان الحكومة إسناد تأمين المنشآت الحيوية للجيش، فيما تواصلت احتجاجات الخبز التي تمددت إلى مناطق جديدة من البلاد، وتحولت مباراة لكرة القدم في الخرطوم، أمس، إلى مظاهرة حاشدة شارك فيها آلاف.
وذكرت نشرة صحافية صادرة عن الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، العميد أحمد خليفة الشامي أمس، أن الجيش «يعمل ضمن منظومة أمنية واحدة متجانسة، تتكون من القوات المسلحة وقوات الشرطة وقوات الدعم السريع وقوات جهاز الأمن الوطني». وجاءت النشرة، في أعقاب الاجتماع الدوري لقادة القوات المسلحة الذي انعقد أمس، وعادة ما يتم في الاجتماع تقديم تقرير شامل حول الأحداث الجارية في البلاد.
يذكر أن الرئيس عمر البشير يحتفظ بمنصب القائد العام للقوات المسلحة. وبحسب مساعد الرئيس، فيصل حسن إبراهيم، فإن القوات المسلحة تم تكليفها بتأمين المؤسسات العامة، بعد اندلاع الاحتجاجات والتخريب الذي طال بعض المؤسسات. ويأمل الكثيرون في أن يتخذ الجيش مواقف إيجابية من الاحتجاجات التي تشهدها البلاد، في حين تناقل نشطاء أنباء مفادها أن ضباطاً وأفراداً من الجيش وفروا لهم الحماية أثناء احتجاجات في بعض مدن البلاد.
وكان الجيش قد انحاز إلى جانب المواطنين إبان ثورة أبريل (نيسان) 1985 التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق جعفر النميري؛ إذ تصدى قادة الجيش لأجهزة أمن النظام التي كانت تدين بالولاء للنميري، ومنعها من استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين.
وبدت العاصمة الخرطوم هادئة نسبياً صباح أمس؛ إذ خلت شوارعها من حركة تلاميذ المدارس والجامعات بعدما أصدرت السلطات قرارات يوم الجمعة علقت بموجبها الدراسة تحت مبرر حماية الطلاب والتلاميذ، في حين احتلتها سيارات مكافحة الشغب والعربات ورجال أمن بثياب مدنية.
وبعد أن أمضت العاصمة نهاراً هادئاً نسبياً، باستثناء مظاهرات متفرقة في بعض أحيائها، فاجأت جماهير كرة القدم المواطنين وخرجت في مظاهرة شارك فيها آلاف، مرددين هتافات تطالب بـ«إسقاط النظام»، وذلك عقب مباراة قارية بين فريقي الهلال السوداني والأفريقي التونسي.
وبحسب شهود عيان ومشاركين في الاحتجاجات، فإن أعداداً تفوق الوصف من سيارات الشرطة ورجال الأمن وقوات مكافحة الشغب كانت تحاول سد الطرق الرئيسية الممتدة في دائرة قطرها زهاء 6 كيلومترات، مركزها ملعب الهلال حيث جرت المباراة، وأحياء العرضة وود البشير وسوق أم درمان والموردة والعباسية. وقال شاهد إن المتاجر على طول شوارع الأربعين والموردة والعرضة في أم درمان أغلقت أبوابها، واختلط المحتجون بالعائدين إلى مساكنهم والنشطاء، وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع بكثافة وسُمعت أصوات إطلاق رصاص، بيد أنها لم تفلح في تفريق المظاهرة.
وتعدّ هذه أضخم مظاهرة تشهدها الخرطوم منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في أنحاء السودان الأربعاء الماضي، كما تعد أول نشاط سياسي لمشجعي رياضة كرة القدم في تاريخ السودان.
وشهد بعض أحياء العاصمة مظاهرات ليلية حاشدة، خصوصاً في أحياء شمبات والشعبية والحاج يوسف، واستمرت المطاردات ومعارك الكر والفر بين المواطنين وسلطات الأمن إلى وقت متأخر من الليل، ويلحظ المار في شوارع هذه الأحياء آثار الاحتجاجات وبقايا الإطارات التي أحرقها المتظاهرون، والحجارة التي حاولوا سد الشوارع بها.
في غضون ذلك، انتقلت الاحتجاجات والمظاهرات إلى مدن جديدة، وتركز ثقلها في غرب البلاد. ومنذ الصباح الباكر خرج سكان مدينة «أم روابة»، ثاني مدن ولاية شمال كردفان في مظاهرة هادرة واجهتها الشرطة بالغاز المسيل للدموع والرصاص. وفي مدينة «الترتر» بولاية جنوب كردفان خرجت أيضاً مظاهرة كبيرة. وبحسب شاهد عيان في أم روابة فإن جماهير المدينة خرجت بكثافة في اتجاه سوق المدينة، وهم يهتفون ضد النظام، وحاولوا حرق مبنى الزكاة ومجلس المحلية، لكن الشرطة تصدت لهم بالغاز المسيل للدموع، ثم هاجموا المخازن التابعة لصندوق الزكاة واستولوا على المواد الموجودة فيه. وأطلق بعض رجال الشرطة النار فأصابوا عدداً من المتظاهرين، بينهم طفل إصابته خطيرة نقل على أثرها إلى الخرطوم لتلقي العلاج، في حين اعتقلت السلطات عدداً من قادة العمل السياسي والنشطاء بالمدينة. وفي محلية الترتر، بولاية جنوب كردفان، خرج السكان في مظاهرة حاشدة، وأحرقوا مكاتب جهاز الأمن وإدارة المحلية وديوان الزكاة، في حين غادر الحاكم المحلي (المعتمد) وبرفقته لجنة الأمن المدينة. وقال شهود لـ«الشرق الأوسط»: إن المدينة أصبحت تحت قبضة المواطنين، ولا توجد بها حكومة. وأشار الشاهد إلى أن هذه المنطقة تعاني غبناً متواصلاً حكم أنها تقع بالقرب من المناطق التي تسيطر عليها «الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال»، وتعاني من تلوث بالزئبق نتيجة للاستخدام العشوائي للمعدن من قِبل شركات التنقيب عن الذهب، وأضاف الشاهد: إن «المنطقة لا تزال تعيش حالة من التوتر رغم خلوها من ممثلي الحكومة».
وطالب البرلمانيون الشرطة والأجهزة بكشف المتورطين في الأحداث، وحفظ وصون ممتلكات وأرواح المواطنين، مشيرين إلى كفالة حرية التعبير عن الرأي دون المساس بالممتلكات العامة والخاصة. كما نقلت «سونا» للأنباء الرسمية عن وزير رئاسة مجلس الوزراء أحمد سعد عمر، قوله، إن حكومته تسعى إلى «حل الأزمة الاقتصادية في أقرب وقت ممكن» باتخاذ إجراءات وترتيبات من قبل الجهات المعنية. واتهم رئيس جهاز الأمن الوطني والمخابرات صلاح عبد الله قوش، أول من أمس، مجموعة تتبع لحركة عبد الواحد محمد المتمردة على الحكومة السودانية، وتتكون من 280 عنصراً، بأنها تسللت إلى السودان وقامت بما أسماه «الأعمال التخريبية» بعد أن تم تدريبها من قبل جهاز «الموساد الإسرائيلي».
إلى ذلك، دعت حركة «العدل والمساواة» المتظاهرين إلى مواصلة احتجاجهم، والالتزام بسلمية الاحتجاج وعدم تخريب الممتلكات العامة والخاصة، بما يوفر للنظام مبررات لممارسة المزيد من القمع تجاه المواطنين، ونددت في الوقت ذاته بـ«قنص» الشباب والنساء، وأكدت أن الثورة التي اندلعت لو لم تسقط نظام الرئيس البشير فهي ستضعفه في أسوأ الأحوال. وقال رئيس الحركة، جبريل إبراهيم في مؤتمر صحافي أمس، شاركت فيه «الشرق الأوسط»: إن الاحتجاجات اندلعت من المدن في أطراف البلاد لأن النظام أغافلها، ونفى أن تكون الاحتجاجات التي عمت البلاد مجرد «ثورة جياع لحظية»، بل ثورة مكتملة نتجت من سياسات النظام في الاعتداء على الحقوق والمواطنين، قاطعاً بأنها لن تتوقف بالمسكنات، بل بسقوط النظام واسترداد الشعب حقوقه وحريته وكرامته وممتلكاته.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.