قد تكون أوكرانيا واحدة من الدول الحديثة التي ينعكس تاريخها بقوة على مرآة الصراعات التي شهدتها منذ أن حصلت على «استقلالها» عن الاتحاد السوفياتي في العام 1991.
والاحتفال بعيد الاستقلال بالنسبة إلى أوكرانيا له خصوصية عجيبة. فهي كما الحال بالنسبة إلى «الاستقلال» الروسي تبدو وكأنها تحتفل بخروجها من عباءة شاركت في نسجها. فهي كانت بين الدول التي لعبت دوراً في تأسيس الاتحاد السوفياتي وخاضت صراعاته وتحملت أعباء حروبه وتوجت في احتفالات انتصاراته.
الفارق أن أوكرانيا كانت على مدى التاريخ تبحث عن هويتها المتوزّعة بين الشرق والغرب. وأقاليمها الشرقية ذات الغالبية السكانية الناطقة بالروسية ظلت ملتصقة بـ«الأم» روسيا، بينما توزعت أقاليمها الغربية في مراحل كثيرة من التاريخ تحت سيطرة غزاة أو فاتحين أجانب أو جربت التمرد على السلطة السوفياتية مرتين وخسرت فيهما. مرة عندما ظهرت فيها القوات المعادية للشيوعية منتصف القرن الماضي، وعملت على مواجهة الدولة السوفياتية، فتم التنكيل بها، ودفعت ثمناً قاسياً عبر التهجير الجماعي لتتار القرم إلى سيبيريا، ومرة عندما سعت إلى التخلص من هيمنة الجار الروسي في 2004 عبر «الثورة البرتقالية» في ميدان كييف، فحصلت أزمة مستعصية توجت بقضم شبه جزيرة القرم وإشعال حرب أهلية ما زالت تأكل البلاد وتعرقل تطورها.
وأوكرانيا السوفياتية التي كانت الشريك الصناعي الأكبر لروسيا في بناء الدولة العظمى، ورثت اقتصاداً متهالكاً وبُنى صناعية ضخمة لم تعرف كيف تديرها جيداً. كما ورثت ترسانة نووية سارعت إلى التخلص منها في سنوات قليلة، أملاً بأن يدعمها الغرب في الاندماج وبناء نهضة حديثة. لكن وجودها التاريخي بين إمبراطورتي الشرق والغرب كان دائماً عقبة في طريق تطورها المستقل.
يتنازع الروس والأوكرانيون، في المواجهة القائمة بينهما حالياً، على صفحات التاريخ، ليكتبها كل على هواه. وبينما يقول الأوكرانيون إن بلادهم كانت أساس أول دولة روسية ظهرت في التاريخ، وهي «إمارة روس كييف» في القرن التاسع الميلادي، يرى الروس ذلك دليلاً على أنهم كانوا أصحاب القرار على مدى التاريخ في هذه المنطقة.
ومقالب التاريخ، إذ تنعكس على الصراعات الراهنة تُظهر أن الروابط التاريخية ليست كافية أحياناً لبناء مستقبل مشترك. فقد هدمت الحرب الروسية - الأوكرانية تاريخاً من العلاقات والتداخل بين الشعبين وجعلت البلدين أمام مرحلة من الصراع لا ينتظر أن تنتهي قريباً. قد تكون أوكرانيا التي أهدت الشقيق الأكبر على مدى التاريخ عدداً من أهم الرموز في مجالات السياسة والفنون والآداب والعلوم، تدفع حالياً، كما يقول خبراء في مركز السياسيات الاستراتيجية في موسكو، ثمن تضييع هويتها على مدى التاريخ، وتحاول في زمن التقلبات الدولية الكبرى، وفي سنوات «النهوض الروسي» ومحاولات استعادة أحلام الإمبراطوريات الكبرى، أن تجد موقعاً لها بين الشرق والغرب.
15:2 دقيقه
أوكرانيا التائهة بين الشرق والغرب
https://aawsat.com/home/article/1514686/%D8%A3%D9%88%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%A6%D9%87%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8
أوكرانيا التائهة بين الشرق والغرب
أوكرانيا التائهة بين الشرق والغرب
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة