حصاد السينما في العام 2018 (1): السينما العربية تتحرك مجدداً صوب العالمية

15 فيلماً عكست أفضل ما لديها

«تراب الماس» أحد أفضل أفلام 2018 (مصر)
«تراب الماس» أحد أفضل أفلام 2018 (مصر)
TT

حصاد السينما في العام 2018 (1): السينما العربية تتحرك مجدداً صوب العالمية

«تراب الماس» أحد أفضل أفلام 2018 (مصر)
«تراب الماس» أحد أفضل أفلام 2018 (مصر)

في مثل هذه الأيام من كل عام كان العيد السّينمائي الخاص والخالص الذي تستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة يتجدّد، وكان يُعرف باسم «مهرجان»، وهو «الحدث» السينمائي الأول والأفضل والأهم من بين كل المهرجانات (أو «الأحداث») العربية. وكان اللقاء السنوي لأهم مخرجي العالم العربي وسينمائييه. هناك في باحات الفنادق وفي الموقع الذي اختاره المهرجان مركزاً جامعاً لنشاطاته، وكان السينمائيون يلتقون في الصّالات القريبة ليشاهدوا أفلام بعضهم بعضاً.
في ربيع العام الذي نودعه، صدر قرار من إدارة جديدة بإيقافه لهذه السنة، على أمل عودته في السنة المقبلة. لكن حتى ولو عاد - كما نتمنى - في العام المقبل، فإن الذخيرة الفنية المتمثلة في هذا المهرجان طوال سنواته الأربع عشرة لا تضاهى. لم يحصل عليها أي مهرجان عربي (أو عالمي) آخر، ولا يمكن أن تُنسى. بعض أفضل ما أنجبته السينما العربية من أفلام خلال تلك الفترة عُرض فيه.
أفلام مثل «ألوان السما السابعة» لسعد هنداوي و«البيت الأصفر» لعمر حكار و«الشتا اللي فات» لإبراهيم البطوط و«تقاسيم الحب» ليوسف الديب و«33 يوماً» لمي المصري و«الرحيل من بغداد» لقتيبة الجنابي ومئات أخرى.
- حضور وغياب
حين توقف مهرجان دبي، ولأسباب ما زالت غير واضحة تماماً، انحسر أحد أهم الأضواء الساطعة فوق هذه السينما. لا يعني أنّ مهرجانات أخرى في العالم العربي وخارجه لا تلعب الدور ذاته، ولو بمقدار معين بالنسبة لبعضها، لكن البطولة، كما الكلمة التي تصف صاحب الدور الأول في أي منتوج سينمائي، كانت لمهرجان دبي.
مهرجانات سنة 2018 كانت مجزية. غياب البطولة شجع آخرين للتّقدم وفتح المجال أمام بلورة أدوارها. بدأ العام السينمائي في مهرجان مسقط في سلطنة عُمان. سابقاً ما كان مهرجاناً محدود الحجم والحضور. هذا العام عمل على تحسين وضعه وأنجز ذلك عبر اختيار لجنة تحكيم جيدة وبضعة أفلام عربية وأجنبية كانت مثار إقبال نسبة أعلى من الجمهور. من هذه الأفلام «إلى آخر الزمان» لياسمين شويخ (تونس)، و«سرب حمام» لرمضان خصرو (الكويت)، و«نور» لخليل زعرور (لبنان)، و«رجل وثلاثة أيام» لجود سعيد (سوريا)، و«كتابة على الثلج» لرشيد مشهراوي (فلسطين)، و«الرحلة» لمحمد جبارة الدراجي (العراق).
لكنّ مهرجان مسقط مرتبط بالميزانية المقرّرة له من ناحية، وبغياب رؤية مستقبلية شاملة من ناحية أخرى. التقدّم صوب ما هو أعلى وأهم من مجرد إنتاج الحدث هو البحث عن التميز والانفراد.
في صيف السنة الحالية عاد إلى العلن «مهرجان السينما العربية» الذي يُنظّم بإشراف «معهد العالم العربي في باريس». كان يعقد مرة كل عامين وتوقف سنة 2006. ليستعيد فاعليته سنة 2018، تحت إدارة ليان شوّاف التي جمعت حقيبة محترمة من الأفلام وزعتها في ثلاث مسابقات (روائية وتسجيلية وقصيرة).
من بين عروضه الفيلم اللبناني الجيد «غداء العيد» (الذي كان أحد أفلام مهرجان دبي في أواخر السنة الماضية وانتخب هنا كأحد أفضل الأفلام العربية للعام 2017)، و«الرحلة»، و«إلى آخر الزمن»، و«فوتوكوبي» لتامر العشري (مصر)، و«أبدا لم نكن أطفالاً» لمحمد سليمان (مصر)، كما فيلم نادين لبكي «كفرناحوم» (لبنان)، الذي تولى افتتاح الدورة.
مالمو تبعت باريس بعد نحو ثلاثة أشهر بدورة حملت الرقم 8. في خمسة أيام يقيم رئيسه محمد قبلاوي فعاليات عربية تحتوي على أفلام جامعة كان من بينها هذه السنة «بنزين» لسارة عبيد (تونس)، و«مرايات الشتات» لقاسم عبد (العراق)، و«ليلى» لفوزي بن سعيدي (المغرب)، كما «واجب» لماري آن جاسر (فلسطين).
في ثماني دورات أمسى مهرجان «مالمو» حدثاً منتظراً ومهماً في دائرة المهرجانات السينمائية العربية لا خارج الحدود العربية فقط، بل داخلها أيضاً. وما أن انتهى حتى بدأت الدّورة الثانية من مهرجان «الجونا» التي يشرف على إدارتها انتشال التميمي.
في عامين فقط، أوصل التميمي هذا المهرجان إلى مصاف لائقة. وضع خبرته التي اكتسبها في مهرجان أبوظبي (عندما خلف سمير فريد في إدارة المهرجان الغائب بدوره) ومن قبل في مهرجان روتردام للسينما العربية وأضاف إليها طموحاته المتجددة. النتيجة مهرجان ناجح ومحترف وإن ليس البديل الذي تتوخاه كاملاً السينما العربية لمهرجان دبي، كون «الجونا» يعمل حسب أجندة أكثر تنوّعاً من معظم المهرجانات المذكورة. رغم ذلك، عُرضت سبعة أفلام مصرية وستة لبنانية وثلاثة سورية وثلاثة أخرى تونسية وفيلم واحد من العراق.
على أثره أقيم مهرجان «أيام قرطاج السينمائية» في تونس العاصمة. وهو صرح كبير له تاريخ يمتد إلى الستينات ودائماً ما عرض أفلاماً عربية وأفريقية في مسابقاته. وإذ تداولناه في «الشرق الأوسط» بإسهاب، تداولنا نشاطات مهرجان القاهرة السينمائي الدُّولي الذي هو، لجانب مهرجان قرطاج، أعرق مهرجان عربي ما يزال قائماً. كما أقيمت دورة جديدة من مهرجان مراكش خلال الشهر الحالي، وكان قد غاب لسنة واحدة وعاد ساعياً لصفحة جديدة تختلف عن صفحات الأمس.
- «كفرناحوم»
الفيلم الأكثر نجاحاً للعالم الحالي، هو «كفرناحوم» لنادين لبكي الذي وصل إلى ترشيحات الغولدن غلوبس الرسمية في مسابقة «أفضل فيلم أجنبي»، ويطمح لدخول مسابقة الأوسكار في القسم ذاته (يبدو آيلاً إلى ذلك خصوصاً أنّ عدد الأفلام المرشحة لمسابقة القسم الأجنبي قد يرتفع من خمسة إلى تسعة هذا العام). وكان «كفرناحوم» قد نال جائزة لجنة التحكيم في مهرجان «كان» الدُّولي عنوة على عدة أفلام تنافست لهذه الجائزة كما تقدّم حين تمت تغطية هذا المهرجان الفرنسي بين عدد وفير من المهرجانات التي قامت «الشرق الأوسط» بتغطيتها.
على غراره، سعت أفلام عربية كثيرة لدخول المهرجانات الدولية، بل ازداد ذلك السّعي مع إدراك السينمائيين العرب أنّ مستقبلهم مرتبط، على أكثر من نحو، في اختراق الحدود الغربية.
شاهدنا في مهرجان «صندانس» الفيلم التسجيلي «عن الآباء والأبناء» وفي مهرجان برلين اندفعت سبعة أفلام أحدها هو فيلم المغربية نرجس النجار «بلا وطن» الذي عرض في قسم فورام.
لجانب «كفرناحوم» في مسابقة «كان» الدُّولية ورد «يوم الدين» لأبوبكر شوقي. وفي مسابقة نظرة ما عرضت المغبة مريم بنمبارك فيلمها «صوفيا» وعرض التونسي محمد بن عطية «ولدي». وعرض مهرجان لوكارنو السويسري الفيلم العراقي «يارا» لعباس فاضل. وقس على ذلك مهرجانات مختلفة أخرى عرضت أفلاماً لمخرجين عرب من بينها روتردام (هولاندا) وثيسالونيكي (اليونان) و«بالم سبرينغز» (الولايات المتحدة).
لكن إذا كان غياب مهرجان دبي (ولو لعامنا الحالي) حدث، ووصول فيلم «كفرناحوم» إلى الغولدن غلوبس ومشارف الأوسكار حدث آخر، فإنّ دخول السعودية مجال العروض السينمائية داخل المملكة وعلى نحو تأسيسي كبير هو حدث مهم آخر ميّـز هذا العام.
كان القرار المتخذ شجاعاً من ناحية وضمن سعي الحكومة المستمر لدفع الحياة المدنية والاجتماعية والثّقافية في السعودية إلى الأمام وتجاوز ما كان يعتبر مستحيلاً فيما مضى. الوضع الماثل كان قرار ولي العهد محمد بن سلمان تحديث الآلية الثقافية والفنية في المجتمع السعودي كضرورة للتطوّر المنشود. والسينما أتت في مصاف أول في هذا التحديث ولا تزال والمزيد منه لا يزال مطلوباً لإشادة صرح صناعة مزدهرة تفيد المخرج السعودي والسينمائيين العرب وغير العرب ضمن خطط ودراسات محددة.
السينما السعودية أنجزت هذا العام فيلماً روائياً مهمّـاً هو «عمرة والعرس الثاني» لمحمود صبّاغ. وكانت المخرجة السعودية هيفاء المنصور عرضت فيلمها الأجنبي (كاملاً) «ماري شيلي» في نهايات العام الماضي، وامتدت بعض عروضه للعام الحالي، لكنّه أخفق في نتائجه التجارية رغم الجهد المبذول فيه.
- مواضيع طاغية
اشتغلت السينما العربية، كعادتها، على السائد من المواضيع والطروحات الاجتماعية والسياسية. فيلم محمود صبّـاغ تناول موضوع المرأة حيال أزمتها مع تقاليد متوارثة من الصّعب عليها تغييرها من دون استدعاء حيل وسبل فردية. هي أكبر سناً من أن تعد زوجها، الذي قرّر الزواج من امرأة أصغر سناً.
وضع المرأة كان الموضوع الغالب في أكثر من ركن عربي. هي اللب في «صوفية» لمريم بن مبارك (المغرب)، وفي «ليلى» لفوزي بن سعيدي (المغرب)، و«إلى آخر الزمن» لياسمين شويخ (الجزائر)، كما في «لعزيزة» لمحسن بصري (المغرب)، و«ورد مسموم» لأحمد فوزي صالح (مصر)، و«بلا وطن» لنرجس النجار (المغرب أيضاً).
الموضوع الطاغي الآخر هو موضوع الإرهاب والجماعات «الإسلامية المتطرفة» وهذه توفرت في «فتوى» لمحمود بن محمود (تونس)، وفي «ولدي» لمحمد بن عطية (تونس)، كما في «ريح رباني» لمرزاق علواش (الجزائر). بدوره جمع فيلم «الرحلة» لمحمد الدراجي بين البطولة النسائية والفعل الإرهابي إذ أن بطلته تهب نفسها لقضية تكتشف لاحقاً أنّها لا تستطيع تنفيذها.
إذا ما صرفنا النظر عن كل فيلم جماهيري النشأة أنتج في مصر ولبنان والمغرب، فإنّ حصيلة الأفلام التي عالجت مواضيع اجتماعية مختلفة كثيرة بدورها. «غود مورنينغ» للبناني بهيج حجيج عن عالمين يحتضران، واحد قابع داخل مقهى متمثلا برجلين عجوزين والآخر خارج المقهى متمثلا في المدينة.
عن المدينة ومتاعبها شاهدنا «ليل- خارجي» لأحمد عبد الله السيد. ورسم مروان حامد صورة كبيرة رائعة عن مصر تاريخاً وزماناً في «تراب الماس»، بينما نأى «المخرج المصري أيضاً أحمد فوزي صالح صوب بيئة تكمن على يسار كل البيئات المهمّشة في «ورد مسموم». وعن الحرب في سوريا قدّم جود سعيد فيلمه الجديد «مسافرو الحرب».
واللافت أنّه من بين الأفلام التي تستحق الذكر كان هناك عدد منها يتناول المصابين بعاهات أو أمراض مستعصية: الجزام في «يوم الدين» (مصر)، والتوحد في «في عينيّـا» لنجيب بلقاضي (تونس).
-- قائمة أفضل عشرة أفلام روائية عربية
من بين 48 فيلما عربيا روائيا طويلا شوهد في العام الماضي من بينها 35 فيلماً عرضت في مهرجانات عربية ودولية جال هذا الناقد مع الاتجاهات والأساليب والغايات الكثيرة التي وفّرتها هذه الأفلام. كثير منها - إن لم يكن معظمها - كان يتضمن القدر الكافي من الأهمية، لكن ليس القدر الكافي من الإجادة. هذا سهّـل، على نحو ملحوظ، عملية اختيار 17 فيلماً تستحق التقدير الأعلى والصّعوبة كانت في اختيار العشرة الأفضل من بينها.
إلى الأفلام العشرة المنتخبة هنا، كان لا بد من البحث عن فيلم العام. هناك بالطبع «كفرناحوم» للبنانية نادين لبكي على أساس من نجاحه في اختراق دوائر النجاح، لكن هذا لا يكفي وحده. وفيلم «لا أحد هناك».
الخط الجامع بين كل هذه الأفلام المنتقاة يعتمد، بدوره، على عدة معطيات بعضها يتناقض، نظرياً فقط، مع بعضها الآخر. بعض تلك الأفلام يُشهد لها فعل الابتكار (وهذا يتضح في «لا أحد هناك» على ناصية الفيلم الروائي)، وفي «لايف تايم» لحميد بن عمرة (في السينما التسجيلية). في المقابل، هناك أفلام عولجت بتأسيس كلاسيكي (كما الحال في «تراب الماس» لأحمد مجدي و«فتوى» لمحمود بن محمود)، لكنّ مستوى الاحتراف الفني كان من المستوى العالي بحيث لم يعد ابتكار الأسلوب البديل ضرورياً على الإطلاق.
الدرجة العالية من الاحتراف عنصر الابتكار على نحو كامل.
المواضيع المطروحة مهمّـة، لكنّها ليست المعيار الوحيد في اختيار القائمة التالية ذات الترتيب الأبجدي:
- فيلم العام: «لا أحد هناك» | أحمد مجدي (مصر)
لقطة بلقطة ومشهد بمشهد ينجز أحمد مجدي (ابن المخرج المعروف مجدي أحمد علي)، في فيلمه الأول عملاً مذهلاً في تأليفه (كتابة وتنفيذاً)، وفي إخراجه وتصويره. نوع من حدث ذات ليلة مع عدة شخصيات شبابية. هناك عدة حكايات منسوجة برموزها وطروحاتها ضمن صلب الحكاية الأكبر. هناك ذكاء ومهارة. كل شيء مركّـب وكل شيء سهل في الوقت ذاته. يتعامل الفيلم مع النّظرات والتعابير والخوف من الليل والمجهول. النتيجة فيلم ذو وقع ساحر ولغة بصرية واعية وحرفة مبتكرة لم يسبق للسينما المصرية أن خاضت مثلها وبنجاح إلّا نادراً.
- رباعية تسجيلية
من بين أحد عشر فيلما تسجيليا لمخرجين عرب، مع مواضيع تمس العرب، برزت هذه الأفلام الأربعة أكثر من سواها.
1 - أمل محمد صيام (مصر)
يتابع المخرج الوثائقي حياة بطلته أمل الظاهرة منها وتلك التي تعيش في أعماقها. هذا التمرد الذي في داخلها حركها لكي تشارك في الحراك السياسي الدائر ليس على نحو عاطفي بل على يقين من أنّ هناك أدواراً عدة يستطيع الشباب أن يلعبه لمستقبل أفضل. على سعة موضوعه، إذ يتناول سنوات عدة من حياة شخصيته الرئيسية، ينأى المخرج بنفسه عن تكوين رأي مباشر فيما يعرضه مكتفياً بالقيمة التي تجسدها الفتاة ذاتها.
2 - تأتون من بعيد | أمل رمسيس (مصر)
فلسطيني نزح عن أرضه سنة 1948، وحطّ في لبنان من ثمّ في فرنسا، وعندما نشبت الثورة الإسبانية انتقل إلى صفوف المقاتلين هناك. بعد ذلك أنجب شقيقتين انفصلتا منذ الصغر. واحدة ما زالت تجيد العربية وتعيش في اليونان والثانية تتحدث الروسية وتعيش في موسكو. ستلتقيان بعد عقود من الغياب. مؤثر وجيد.
3 - تايم لايف | حميد بن عمرة (الجزائر، فرنسا)
في ثالث أعماله التسجيلية، يوفر المخرج عملاً يحمل الكثير من الابتكار والتجديد. بعض ما فيه لا يمكن للمشاهد تفسيره، لكن الفيلم يأتي متكاملاً مع رغبة المخرج دفع العمل باتجاه الحديث عن المرأة والحمل والحياة والحب.
4 - سنترال أيربورت THF | كريم عينوز (ألمانيا)
هذا أفضل فيلم تسجيلي حقّقه مخرج عربي (الأصل) عالمياً في العام المنصرم. في ألمانيا مطار قديم العهد اسمه «سنترال أيربورت» حوّل إلى موقع لاستقبال المهاجرين العرب والأفارقة. كيف يعيش العرب والألمان في هذا المكان. كيف يتعايشون مع بعض القصص التي يسترجعها سوريون لاجئون. كل ذلك بأناقة وحتى بعض الشعر البصري المناسب.
-- «توب تن»
1- إلى آخر الزمن | ياسمين شويخ (الجزائر)
الفيلم الأول لمخرجته يأتي في غمار الأعمال التي لديها جديداً تقوله. كتبت ياسمين شويخ السيناريو واختارت له موضوعاً راصداً حياة فلتت من بين أصابع بطلته، وحين أتتها الفرصة لكي تتلقى حباً جديداً على كبر، تركته ينزوي وبقيت كما هي. إدارة ممثلين جيدة وتوظيف فعال للقرية التي تقع فيها الأحداث ولما يتفاعل في تلك الأنفس من عواطف مكتومة.
2 - تراب الماس | مروان حامد (مصر) ‪ ‬
بمحاذاة «لا أحد هناك» (أدناه) هذا هو أفضل فيلم عربي للعام. المخرج الذي تقدم وتأخر في مسيرته الفنية خطوات قليلة من قبل، يقفز فوق كل أعماله السابقة ويقدم عرضاً يجوب فيه تاريخ وحاضر الحياة السياسية في مصر من دون أن يتلوّن سياسيا بمنهج واحد. ويفعل ذلك بأناقة المخرج المتمكن أسلوباً وإدراكاً. ينجز الفيلم المتكامل في كل عناصره والحاوي لرموز متوالية لا تعترض ذلك الخط الهيتشكوكي الماثل كتيار ماء تحت الأرض.
3 - طفح الكيل | محسن البصري (المغرب، سويسرا) ‪ ‬
شاب جرب الانتحار، وصبي في السابعة يشكو وجع رأس مزمن، ومستشفى يتفشّى فيه الفساد. يتيح المخرج لنفسه حسنة النظر إلى موقع معيّـن، ويطرح ما ينتقده من نماذج وحالات. المرء كان يتمنى لو أن فيلمه الآخر هذه السنة، «لعزيزة»، جاء بالمستوى ذاته.
4 - عمرة والعرس الثاني | محمود صباغ (السعودية)
يختار المخرج السّعودي صاحب «بركة يقابل بركة» موضوعاً اجتماعياً آخر إنّما يبقيه بعيداً عن الكوميديا بنجاح. حكاية المرأة التي ما أن تدرك أنّ زوجها سيتزوّج عليها لأنّها لم تنجب له صبياناً، حتى تبدأ محاولاتها لردع زوجها عن فعلته بما يُتاح لها من أساليب، بينها مراجعة شيوخ يكتبون لها وينصحون. المخرج لديه أكثر من هذا الوضع ليسرده، لكن كل ما يسرده له علاقة بتلك المرأة التي تجد نفسها وسط تلك المناطق الوعرة نسبة لتقاليد لا يمكن لها أن تتجاوزها منفردة. بعض الميلودراما التلفزيونية في أداء بعض الشّخصيات تقف حائلاً دون ارتفاع الفيلم لسقف الجودة.
5 - غود مورنينغ | بهيج حجيج (لبنان) ‪‬
رجلان متقاعدان يؤمّان كل صباح ركناً علوياً من مقهى يشرف على جادة طرق في مدينة بيروت. يحلان الكلمات المتقاطعة. يطالعان عناوين الصحف. ينظران إلى ما يحدث في الخارج ويعايشان حياة الداخل كما تيسر. منوال المخرج حجيج، على بعض هناته، واضح ووتيرته حزينة في استكشاف ماض انحدر عنه البلد حتى صار غريباً لأبنائه.
6 - فتوى | محمود بن محمود (تونس) ‪ ‬
إذ يعود بطل الفيلم (أحمد حفيان) من باريس ليتقصى سبب وفاة ابنه المفاجئة، يُصدم بواقع مستجد لم يألفه قبل غربته وهو تفشي «التيار الأصولي» ومحاولة سطوته على تقاليد الحياة الاجتماعية ورضوخ الكثيرين لهذه السطوة. الفيلم هو دراما هادفة لزعزعة هذا الوضع، وينتهي مستعجلاً تقديم رؤية تشاؤمية، لكنّه ينجلي عن معالجة جيدة غير مبتذلة أو متردّدة في إدانة من تسبب في مقتل ابنه.
7 - في عينيا | نجيب بلقاضي (تونس)
بعد فيلمه الرائع والحاد «بستاردو» يوفر المخرج بلقاضي فيلماً مختلفاً. يدور فيلمه الجديد حول الحب والبذل ويخلو من دوافع شريرة أو من شخصيات غامضة. إنّه عن ذلك الأب الذي ينخرط في عالم ابنه الصغير الذي يعاني من التوحد. موضوع صعب ومعالجة مهمة ومؤثرة يقوم بها بلقاضي.
8 - مسافرو الحرب | جود سعيد (لبنان، سوريا)
تردّد موضوع الإرهاب في أكثر من فيلم في العام الآزف على الرّحيل، لكنّ «مسافرو الحرب» لا يتناوله منفرداً عن الحالة الشاملة التي ألمّـت بالبلاد خلال إحدى مراحل الحرب. شخصياته مجموعة من النازحين من القذائف بأمل تشييد مدينة شبه فاضلة ما يتيح للمخرج - الكاتب، الذهاب إلى ما يحدّ من مثل هذا الطموح، رغم تعثر السيناريو جامعاً الواقع والرمز على نحو متأرجح، إلّا أنّ الفيلم عمل آخر جيد من المخرج الذي جعل من مهام حياته تأريخ الحرب السورية روائياً.
9 - ورد مسموم | أحمد فوزي صالح (مصر)
غوص في القاع. ليس قاع المدينة بل القاع الذي يكمن تحت الأول وفي الضواحي المهملة. بطلته فتاة تعمل في بعض المراحيض وشقيقها الذي ينوي السفر بطريقة غير شرعية. تعرقل سعيه فهي لا تستطيع تحمل مشاق الحياة من دونه. من اللقطة الأولى إلى الأخيرة هناك ذلك الحرص على ربط مصائر البشر بالفقر المدقع والبيئة المريضة بمشاكلها. كما هو فيلم مستقل حتى عمّا هو مستقل في السينما، هو أيضاً عن مهمشين لم يصل إليهم أي فيلم سابق.
10- يوم الدين | أبوبكر شوقي (مصر)
يقرّر مصاب سابق بالجذام الذي ترك أثره على وجهه وأطرافه القيام برحلة منفردة للتعرّف مجدداً على أبيه الذي تخلى عنه صغيراً. يشاركه الرحلة طفل بلا عائلة. يقومان بالرحلة فوق عربة يجرها حصان متعب مروراً بأحداث مؤلمة وأخرى تكتنز قدراً من الطرافة في هذا الفيلم الجيد الذي قُدّم في مهرجان «كان». كان بحاجة إلى بعض الحدّة في المواقف عوض أن تأتي الشّخصيات كلّها طيّـبة ومتفهمة، لكن ما أنجزه المخرج شوقي هنا لا يستهان بقيمته.


مقالات ذات صلة

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم، منذ أيام الفراعنة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من الفيلم تجمع «شاهيناز» وأولادها (الشركة المنتجة)

«المستريحة»... فيلم مصري يتناول النصّابين يمزج الكوميديا بالإثارة

تصدَّرت مجسّمات دعائية للأبطال دار العرض عبر لقطات من الفيلم تُعبّر عنهم، فظهرت ليلى علوي في مجسّم خشبيّ جالسةً على حافة حوض استحمام مليء بالدولارات.

انتصار دردير (القاهرة )

بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
TT

بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»

بشير الديك، كاتب القصّة والسيناريو لعدد كبير من الأفلام المصرية طوال العقود الأربعين الماضية، الذي توفي في اليوم الأخير من العام الراحل، 2024، كان أحد السينمائيين الخارجين عن قوانين السينما التقليدية في النصف الأول من سنوات مهنته. لكن على الرغم من أنه في النصف الثاني وقّع على أعمال كثيرة من التي يمكن وصفها بالتقليدية، ومن بينها 6 أفلام من بطولة نادية الجندي، فإنه واظب على معالجة نصوصه باحتراف يجمع بين حكايات تحمل مضامين تنتمي إلى نزعة جادة وتنشد ميزانيات كبيرة.

لعل حقيقة أن نادية الجندي كانت تصبو دوماً إلى أدوار تخلّدها وأفلام تحافظ عبرها على مكانتها لعب بشير الديك دوراً في تلبية هذه الرغبات عبر حكايات تشويقية في المقام الأول، وشخصية رئيسية مضخّمة وذلك في أفضل نصوص ممكنة ضمن التوليفة التجارية.

بدأ هذا التعاون على نحوٍ ثلاثي: بشير الديك يكتب، ونادر جلال يُخرِج ونادية الجندي تلعب دور البطولة. هذه الأفلام هي «الإرهاب» (1989)، و«شبكة الموت» (1990)، و«عصر القوّة» (1991)، ومن ثَمّ «مهمّة في تل أبيب» (1992)، و«الشطّار» (1993)، ولاحقاً «امرأة هزّت عرش مصر» (1995).

كمال الشناوي ونادية الجندي في «مهمّة في تل أبيب»

‫اتجاهان‬

بعد بدايات متفاوتة الأهمية من بينها «مع سبق الإصرار» لأشرف فهمي (1979)، و«دعوني أنتقم» لتيسير عبّود (1979)، و«الأبالسة» لعلي عبد الخالق (1980) التحق الديك ببدايات المخرج الراحل محمد خان عبر 6 أفلام هي «الرغبة» (1980)، و«موعد على العشاء» (1981)، و«طائر على الطريق» (1981)، و«نص أرنب» (1983)، و«يوسف وزينب» (1984) و«الحرّيف» (1984) وكلها من أفضل ما حققه خان.

تعامُل الديك مع الموضوعات الجادة التي عرفتها تلك الأفلام سمح له بكتابة واحد من أفضل أعماله وهو «سواق الأتوبيس»، الذي حققه الراحل عاطف الطيب سنة 1982، وكلاهما لاحقاً تعاونا على تحقيق فيلم مهم (أكثر مما كان جيداً) آخر هو «ناجي العلي» (1992). لجانبهما فيلم ثالث هو «ضد الحكومة» (1992) من بطولة أحمد زكي ولبلبة.

في تقييم كتابات بشير الديك تتداخل بعض العناصر التي يمكن إيجاز هذا التقييم عبرها.

من ناحية، حاول دوماً التطرّق صوب قضايا مهمّة تطرح قصصاً ذات جانبٍ وطني مثل «مهمّة في تل أبيب»، الذي دار حول جاسوسة مصرية تعمل لصالح إسرائيل، ومن ثَمّ تندم فتطلب منها الاستخبارات المصرية (ممثلة بكمال الشناوي)، العمل لحساب مصر وتنجح. «ناجي العلي» ينضم إلى هذا النحو من الأعمال.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

في ناحية أخرى، لم يتأخر عن كتابة ما كان سائداً في الثمانينات والتسعينات من اتجاه صوب الحديث عن مراكز قوى في الشارع المصري والصراع بين الأخيار والأشرار. هذه الموجة لم تعرف بداية ونهاية محدودتين فتاريخها عريق يعود لعقود سابقة، لكنها عرفت في تلك الفترة تدافعاً بين المخرجين للحديث عن تلك المراكز في حارات القاهرة (في مقابل الكثير من صراع الخير والشر على ساحلَي بور سعيد والإسكندرية في أفلام الخمسينات والستينات) في أجواء ليست بعيدة عن الخط الذي وضعه نجيب محفوظ وشخصياته.

مخرجون عديدون حقّقوا هذه الأفلام التي شُكّلت حكاياتها من صراع القوى في الشارع المصري مثل أشرف فهمي («الأقوياء»، 1982)، وأحمد السبعاوي («السلخانة» 1982 و«برج المدابغ» 1983) وكمال صلاح الدين («جدعان باب الشعرية» 1983). لكن من مزايا ما كتبه بشير الديك في هذه الأعمال التي لاقت رواجاً جماهيرياً إنه كتب ما هو أعمق في دلالاته من قصص المعلّم الشرير ضد سكان منطقته وأزلامه الذين يتصدّون للأبرياء إلى أن يخرج من رحم تلك الحارة من يواجههم جميعاً.

بداية من «نصف أرنب» توّجه الديك إلى حكاية تشويقية ذات طابع بوليسي، وفي «سوّاق الأتوبيس» وقف مع ابن المدينة في موضوع حول تفتت المجتمع مادياً. أما في «الحرّيف» فنقل اهتمامه إلى الوسط المهمّش من سكان القاهرة وأحلامهم ومتاعبهم الشخصية.

‫هموم المجتمع‬

ما يجمع بين هذه الأعمال هموم تسلّلت إلى عدد كبير من كتابات بشير الديك السينمائية.

في مقابلة تمّت بين المخرج عاطف الطيب وبيني بعد مشاهدة فيلمه النيّر «سواق الأوتوبيس»، سألت المخرج عن كيف بدأ التفكير في تحقيق «سوّاق الأتوبيس». أجاب: «بدأت الفكرة في جلسة صداقة مع بشير الديك ومحمد خان. وكنا نتحدث بشأن همومنا وطموحنا الخاص لصنع سينما أخرى مختلفة، وكانت الظروف الحياتية نفسها تجمعنا كلنا تقريباً. فقد كنت أشعر في ذلك الوقت بالذنب إزاء فيلمي الأول (يقصد «الغيرة القاتلة»، 1982)، الذي اضطُرِرت فيه إلى الاعتماد على سيناريو مأخوذ عن أصل أدبي (أجنبي) رغم إيماني الدائم بضرورة الكتابة المباشرة للسينما. اقترح محمد خان وبشير الديك فكرة وُضع لها عنوان: (حطمت قيودي)، تدور حول عائلة مهدّدة بالضياع نتيجة فقدان الأب للورشة التي أسسها وبحْثُ الابن، سائق الأتوبيس، عن مخرج من الأزمة بلا جدوى وأعجبتني الفكرة، خصوصاً أنني أميل كثيراً إلى الدراما التي تدور في نطاق عائلة. وبدأنا بالفعل في تطوير الفكرة خلال الكتابة وتبادل الآراء. وكنا كلما نتعمق في الموضوع تتضح لنا أهمية الفكرة التي نريد التعبير عنها. في الكتابة الثانية للسيناريو، وصل الفيلم إلى ما أصبح عليه».

كتب بشير الديك نحو 60 فيلماً ومسلسلاً تلفزيونياً، معظمها جمع هذه الصفات المجتمعية على نحو سائد أو مخفف. هذا ما جعله أحد أبرز كتاب السيناريو في مصر في حقبة كان للسينما البديلة والمستقلة عن السائد دور فاعل في نهضة الفيلم المصري عموماً.

مع الطيّب وخان ورضوان الكاشف ورؤوف توفيق وخيري بشارة ورأفت الميهي وسواهم، ساهم بشير الديك في منح تلك الفترة مكانتها الساطعة التي لا تغيب.