أوفيد... الشاعر الذي تحدى الإمبراطور أوغسطس

معرض إيطالي ضخم احتفاءً بصاحب «التحولات»

من المعروضات
من المعروضات
TT

أوفيد... الشاعر الذي تحدى الإمبراطور أوغسطس

من المعروضات
من المعروضات

في صالات قصر «الكوريناله» التاريخي العريق التابع لرئاسة الجمهورية الإيطالية، افتتح رئيس جمهورية إيطاليا سيرجو مارتيلا، قبل فترة، ما اعتبرته أجهزة الإعلام الإيطالية والأوروبية أكبر معرض لتخليد شاعر، عرضت فيه أكثر من 250 قطعة فنية ما بين رسم ونحت، جاءت من الكثير من المتاحف الأوروبية والولايات المتحدة، إلى جانب عدد من كتب الشعر المخطوطة والمزينة بالرسوم بيد الشاعر بوليبو أوفيد نازونه الذي اشتهر باسم أبيه «أوفيد»، الذي ولد في مدينة سولمونا في مقاطعة الإبروتسو عام 43 قبل الميلاد وتوفي في المنفى في مدينة كوستانسا برومانيا التي كانت جزءاً من الإمبراطورية الرومانية عام 18 ميلادية.
في هذا السياق يجد المشروع العشري لجامعة «بادوفا» الإيطالية تأطيره الخاص؛ وهو مشروع اقترح البحث في الوجه متعدد الصور لأوفيد عبر بحث انخرط فيه عدد كبير من الطلبة والدارسين طيلة 10 سنوات من مختلف الاختصاصات والفنون. وثمرة هذا المشروع تعينت في المعرض الثقافي الأدبي الفني تحت عنوان «أوفيد قصص الحب... الأساطير وقصص أخرى» داخل صالات العروض بـ«الكويرينالي» بقصر الرئاسة الإيطالية.
كان الفيلسوف لوكريشيوس (99 - 55 ق.ب) فيلسوفاً أبيقورياً ظهر في روما، وكانت قصيدته الملحمية الشهيرة «عن طبيعة الأشياء» من أعظم المؤلفات في ذلك العصر، إذ عالج فيها الكثير من مسائل علم الجمال على أساس الفهم المادي للعالم، مدافعاً عن قوانين الطبيعة الأزلية، ومؤكداً على أبدية المادة وعدم اضمحلالها. واعتبر الجمال ضرورة إنسانية، وقد نشأ بدافع الحاجة إليه، إذ إنه ظهر مع تطور الجماعات البشرية، فبرزت الموسيقى والرسم والرقص والغناء ضرورة مكملة للحياة. وقد أثرت أفكار هذا الفيلسوف الشاعر، وكذلك الشاعر والفيلسوف الروماني غاراتسي فلاك، على أوفيد الذي رفض السحر والشعوذة والتنجيم والأفكار القائلة بحتمية القدر، فأكد في وصاياه على الدور المهم الذي يلعبه محتوى الفن، كما طالب المبدع بثقافة فلسفية، وأن يحافظ على الوحدة والبساطة والتكامل والاستمرار والصدق في إنتاجه الأدبي.
لقد توجه أوفيد بأشعاره وكتاباته الفلسفية إلى الآخرين، ومجد المشاعر الجماعية السامية والحب والمجد، وكل العواطف التي يمكن أن يهيجها الوجود الحقيقي أو الخيالي لفئة اجتماعية بكاملها، والرغبة في فرض شكل متكامل وبالتالي خالد للتعبير عن العاطفة، وهذه الصفة هي التي تؤكد على وجوب اتباع الحقيقة المطلقة. فهو يقول: «إذا رغبت في ابتداع شيء ما فكن في تفكيرك قريباً من الحقيقة، أما أن تطلب من الناس أن تصدق كل شيء فهو أمر مستحيل». وفي هذا التحول لعب أوفيد دوراً بارزاً في حياة الإمبراطورية الرومانية.
أوفيد هو عن حق شاعر الأنوثة والنساء من بين الشعراء اللاتين مثلما يصفه الشاعر الفرنسي بيار غريمال، الذي يقول عنه أيضاً إنه «أعطى صوتاً لنصف الجنس البشري الذي غالباً ما سكت عنه بتواطؤ مقصود».
وسُئل الشاعر الكبير والمعاصر يوسف (يوزيف) برودسكيج لو قيض لك أن تكتب عن بيت شعري من الماضي فأي بيت تختار؟ فاختار من دون تردد هذا البيت الذي لا يزال يحتفظ برثائية قصص الحب للشاعر أوفيد: «لا أستطيع العيش لا معك ولا من دونك».
في يبس اللغة اللاتينية لهذا البيت يتواشج كل من اللغز المشترك بين كل الكائنات الإنسانية التي تعيش تجربة إيروس وحكم الفلاسفة على هذه التجربة التي يطال تأثيرها النفس الإنسانية، والتي يدفعها هذا التأثير إلى الجنون (ما يعبر عنه اليونانيون بـالـ«مانِيا»). ومع ذلك فهو الغذاء الذي لا يتخلى ولا يستغنى عنه بالإضافة إلى كل حياة نفسية، وهو التناقض الأولي واللغز أو السر الطبيعي وما بعد الطبيعي الذي يقتضي تعليم معلم.
الشاعر أوفيد كان ولا يزال بالفعل أستاذاً فيما يتعلق بكل مستويات المعرفة بالحب. أستاذية تتنج في أكثر أعماله شيوعاً «التحولات»، بقصة كونية لعالم كل ما فيه يتسم بالدينامية والحركة، ذلك أن أوفيد كان شاعراً مطبوعاً فهو يعترف في مقالة «الحزن»: «مهما كانت طبيعة ما أحاول قوله يتأتى لي قوله شعراً». ولكل ذلك خلد اسمه في التاريخ إذ اهتم به عصر النهضة والباروكية إلى قرن الأنوار الذي تعرف على مثاله الليبرالي في «فن الحب».
لكن أوفيد لم يكن معلم الحب فقط، بل كان أيضاً مثالاً للمثقف الشجاع في مواجهته مع السلطة ضد التسلط والقهر؛ بمعنى كان رائد المقاومة السياسية عبر الأدب. لقد كان في مقدمة المعارضين لأولى الثورات في التاريخ الغربي المعروفة باسم «الثورة الرومانية» التي نصبت أوتافيانو على سدة الحكم ليحوّل الجمهورية إلى إمبراطورية فرضت تسلطها على الحياة اليومية للمواطنين وخياراتهم الشخصية والدينية. ووصولاً إلى الفضاء الحضري ومن الاختيارات الدينية إلى الأخلاق العامة. ونتيجة لمعارضته، أمر الإمبراطور أوغسطس بنفيه بعيداً عن روما.



مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
TT

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية

في سابقة جديدة، تسعى من خلالها وزارة الثقافة المصرية إلى تكريس «تقدير رموز مصر الإبداعية» ستُطلق النسخة الأولى من «يوم الثقافة»، التي من المقرر أن تشهد احتفاءً خاصاً بالفنانين المصريين الذي رحلوا عن عالمنا خلال العام الماضي.

ووفق وزارة الثقافة المصرية، فإن الاحتفالية ستُقام، مساء الأربعاء المقبل، على المسرح الكبير في دار الأوبرا، من إخراج الفنان خالد جلال، وتتضمّن تكريم أسماء عددٍ من الرموز الفنية والثقافية الراحلة خلال 2024، التي أثرت الساحة المصرية بأعمالها الخالدة، من بينهم الفنان حسن يوسف، والفنان مصطفى فهمي، والكاتب والمخرج بشير الديك، والفنان أحمد عدوية، والفنان نبيل الحلفاوي، والشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، والفنان صلاح السعدني، والفنان التشكيلي حلمي التوني.

أحمد عدوية (حساب نجله محمد في فيسبوك)

وقال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري في تصريحات الأحد، إن الاحتفال بيوم الثقافة جاء ليكون مناسبة وطنية تكرم صُنّاع الهوية الثقافية المصرية، مشيراً إلى أن «هذا اليوم سيُعبِّر عن الثقافة بمعناها الأوسع والأشمل».

وأوضح الوزير أن «اختيار النقابات الفنية ولجان المجلس الأعلى للثقافة للمكرمين تم بناءً على مسيرتهم المميزة وإسهاماتهم في ترسيخ الهوية الفكرية والإبداعية لمصر». كما أشار إلى أن الدولة المصرية تهدف إلى أن يُصبح يوم الثقافة تقليداً سنوياً يُبرز إنجازات المتميزين من أبناء الوطن، ويحتفي بالرموز الفكرية والإبداعية التي تركت أثراً عظيماً في تاريخ الثقافة المصرية.

وفي شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، رحل الفنان المصري الكبير صلاح السعدني، الذي اشتهر بلقب «عمدة الدراما المصرية»، عن عمر ناهز 81 عاماً، وقدم الفنان الراحل المولود في محافظة المنوفية (دلتا مصر) عام 1943 أكثر من 200 عمل فني.

صلاح السعدني (أرشيفية)

كما ودّعت مصر في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2024 كذلك الفنان التشكيلي الكبير حلمي التوني عن عمر ناهز 90 عاماً، بعد رحلة طويلة مفعمة بالبهجة والحب، مُخلفاً حالة من الحزن في الوسط التشكيلي والثقافي المصري، فقد تميَّز التوني الحاصل على جوائز عربية وعالمية عدّة، بـ«اشتباكه» مع التراث المصري ومفرداته وقيمه ورموزه، واشتهر برسم عالم المرأة، الذي عدّه «عالماً لا ينفصل عن عالم الحب».

وفي وقت لاحق من العام نفسه، غيّب الموت الفنان المصري حسن يوسف الذي كان أحد أبرز الوجوه السينمائية في حقبتي الستينات والسبعينات عن عمر ناهز 90 عاماً. وبدأ يوسف المُلقب بـ«الولد الشقي» والمولود في القاهرة عام 1934، مشواره الفني من «المسرح القومي» ومنه إلى السينما التي قدم خلالها عدداً كبيراً من الأعمال من بينها «الخطايا»، و«الباب المفتوح»، و«للرجال فقط»، و«الشياطين الثلاثة»، و«مطلوب أرملة»، و«شاطئ المرح»، و«السيرك»، و«الزواج على الطريقة الحديثة»، و«فتاة الاستعراض»، و«7 أيام في الجنة»، و«كفاني يا قلب».

الفنان حسن يوسف وزوجته شمس البارودي (صفحة شمس على فيسبوك)

وعقب وفاة حسن يوسف بساعات رحل الفنان مصطفى فهمي، المشهور بلقب «برنس الشاشة»، عن عمر ناهز 82 عاماً بعد صراع مع المرض.

وجدّدت وفاة الفنان نبيل الحلفاوي في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الحزن في الوسط الفني، فقد رحل بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

وطوى عام 2024 صفحته الأخيرة برحيل الكاتب والمخرج بشير الديك، إثر صراع مع المرض شهدته أيامه الأخيرة، بالإضافة إلى رحيل «أيقونة» الأغنية الشعبية المصرية أحمد عدوية، قبيل نهاية العام.