هل سمعت عن نساء يضعن الكيروسين (الجاز) على شعرهن، ثم يجلسن تحت أشعة الشمس لتتحول خصلاته إلى اللون الذهبي؟!... إنها عادة مصرية قديمة. قد يبدو الحديث عن تطبيق الكيروسين على الشعر أمراً غريباً، لكنه ليس أغرب وصفات الجمال التي انتقلت إلينا من تجارب الجِدّات.
تفننت المرأة في عصور قديمة، بالطبع قبل هذا الزخم من مستحضرات التجميل والعناية، في تحضير وصفات طبيعية للعناية بجمالها. ومثلما ينتقل التاريخ عبر الأجيال، انتقلت معه وصفات الجمال؛ فكل فتاة تتذكر نصيحة سمعتها من الأم أو الجدة، وجرّبتها واحتفظت بالسر لتلقنه إلى فتاتها يوماً ما، لكن كيف لهذه الوصفات القديمة أن تستمر وتصبح الأقوى في مواجهة شركات تجميل عالمية لم تنل كل هذه الثقة؟.
ارتبطت وصفات الجمال بالحضارات، وأصبحت علامة مميزة لشعوب وثقافات، ومن أقدم الوصفات تلك التي وجدت محفورة على جدران الحضارة الفرعونية، يُقال إن ملكات مصر القديمة برعن في استخدام الطبيعة لخدمة جمالهن. اشتهرت الملكة كليوباترا بجمالها، ويبدو أنها كانت تعتني بهذه الهبة، وحسب المؤرخ الروماني بليني الأكبر، كانت الملكة كليوباترا تستحم يومياً في حليب 700 أنثى حمار؛ لأنها كانت تؤمن بسحر هذا الحليب في الحفاظ على نضارة بشرتها وشبابها، ويُذكر أن الدراسات الحديثة أثبتت صحة استخدام حليب الحمير لأغراض العناية بالبشرة، وبالفعل أصدرت شركات مستحضرات تجميل بكوريا الجنوبية، منتجات تقوم على استخدام هذا النوع من الحليب. كما انتقلت أساطير عن رائحة كليوباترا الذكية، وقيل إنها اعتمدت على الزيوت العطرية المستخرجة من الزهور والفاكهة لتعلن عن وصولها بانتشار رائحة طيبة في الأنحاء. ومن المثير للاهتمام، أن أول زيوت عطرية عرفها التاريخ كانت في مصر قبل 4000 عام. ساعدت كليوباترا أيضاً على جعل ماء الورد مشهوراً حتى الآن، ومن المعروف أن ماء الورد له خصائصه المضادة للالتهابات ومزيج غني من مضادات الأكسدة. يتم استخدامه لتهدئة البشرة ليحد من حب الشباب، والحفاظ على توازن درجة الحموضة الطبيعية للبشرة، كما أنه يساعد على تحييد الجذور الحرة المسببة لظهور التجاعيد المبكرة.
ومن ملكات مصر الفرعونية إلى أشهر ملكات أوروبا، ماري أنطوانيت، ملكة فرنسا، التي عرفت قبل أن يخبرنا العلم أن أول بقعة تظهر عليها علامات تقدم العمر هي اليدين؛ لذلك كانت معروفة بارتداء قفازات مبطنة بالشمع وماء الورد وزيت اللوز الحلو كل ليلة للحفاظ على بشرة يديها من التجاعيد، وحتى الآن يُنصح بالطريقة نفسها لحماية جلد اليدين والقدمين أيضاً.
أما البيض الذي انتقل من صحن العجة الصباحية إلى أقنعة العناية بالشعر والبشرة، فهو أيضاً وصفة قديمة يعود تاريخها إلى 600 عام قبل الميلاد، وأول وصفة عرفها التاريخ لاستخدام البيض في شد البشرة تعود إلى الحضارة الصينية، ثم توارثت وانتقلت إلى أجيال وشعوب بسبب نجاحها في تعزيز الكولاجين بفضل البروتين الموجود في البيض، وهو أمر أثبته العلم بعد آلاف السنين. من الوصفات الغريبة التي سجلها التاريخ أيضاً هي أن الإغريق القدماء كانوا يستخدمون روث التماسيح في علاجات الوجه والجسم.
توالت الوصفات الطبيعية بين الغريب والفعّال، فعُرف التقشير بملح البحر منذ آلاف السنين، كما استخدمت المرأة الآسيوية ماء الأرز لتعزيز شباب بشرتها وعلاج تلف الشعر. ونذهب إلى الهند التي ما زالت تعتني بالعروس قبل شهور من زفافها بروتين مكوّن من وصفات طبيعية فقط، حتى أن الممثلة الهندية بريانكا شوبرا، ظهرت من قبل في أحد اللقاءات التلفزيونية، وأكدت أنها ما زالت تعتني ببشرتها من خلال وصفة هندية قديمة مكونة من الزبادي والكركم.
أصبحت أغلب المجلات العالمية والعربية المعنية بالمرأة والجمال، تقدم قسماً خاصاً للوصفات الطبيعية، ما كان أن يحدث ذلك إلا إذا كانت هناك زبونات ينتظرن هذه الخدمة ويتفاعلن مع هذا المحتوى، والتقت «الشرق الأوسط» عينة مكونة من خمس نساء مصريات، من مراحل عمرية وطبقات اجتماعية ووظيفية مختلفة، يروين حكايتهن مع وصفات الجِدات التي ما زالت تحتل جزءاً لا يستهان به ضمن روتين الجمال. تقول إنجي البهواشي، وهي شابة عشرينية تستعد للزواج، إنها تقريباً لا تستخدم الكريمات؛ فهي صاحبة بشرة حساسة، وسبق أن تضررت من بعض مستحضرات التجميل التي وصفتها بـ«الكيميائية»، بينما تثق في كثير من وصفات الجمال الطبيعية. تقول: «على الأقل إن لم تنجح في تحقيق الهدف منها، لن تضر بشرتي»، لكن هذا الرأي لم تؤكد عليه الدكتورة دينا ضرغام، مدرسة الأمراض الجلدية بكلية طب قصر العيني، جامعة القاهرة واستشارية التجميل بالليزر، حيث ترى - حسب حديثها - أن استخدام المواد الطبيعية بشكل خاطئ أو غير ملائم لطبيعة البشرة، قد يسبب أضراراً لا تقل عن المستحضرات الرديئة التي لم تخضع لتجارب علمية كافية. وتوضح، أن كون الوصفة لا تحتوي على مركبات كيميائية لا ينفي عنها الضرر، مشيرة إلى أن «مستحضرات التجميل الصادرة عن شركات عالمية تخضع لمعايير وقواعد تصنيع صارمة، كما أنه لا يُسمح بتوافرها في الأسواق إلا بعد موافقة وزارة الصحة لكل بلد، أو موافقة الهيئة الأميركية للغذاء والدواء FDA))». وتضيف: «هناك بعض المواد الطبيعية التي تلائم نوع بشرة، بينما لا تلائم أخرى، من ثم تجارب الصديقات ليست معياراً»، وتضيف: إن هناك مفهوماً يُسمى «رد الفعل التحسسي» وهو أمر يختلف من شخص إلى آخر.
أما سناء عبد الوهاب، سيدة في أواخر الثلاثينات، فتقول، إنها تثق في الوصفات الطبيعية، وبخاصة التي عرفتها عن طريق التاريخ النسائي للعائلة، مثل مزيج الزبادي والعسل، لكن هذا لا يعني أنها تعتمد عليها بشكل كامل. فهي تفضل المزج بين الوصفات الطبيعية بهدف تهدئة البشرة أو تقشيرها، وتترك مهمة الترطيب اليومي لكريمات من علامات تجارية عالمية، وتؤكد على رأي الدكتورة دينا ضرغام، بأنه «ليس كل المواد الطبيعية آمنة لكل أنواع البشرة، قد عانيت من قبل من حالات تهيج الجلد بفعل وصفات طبيعية قديمة من المفترض أن الغرض منها هو التهدئة، مثل شرائح الخيار»، ورغم ذلك، إلا أن سناء عادت لتؤكد ثقتها في أغلب الوصفات الطبيعية، وبخاصة القديمة والمُجربة.
صحيح أن التاريخ زاخر بالوصفات الطبيعية التي استخدمتها النساء حول العالم، وحفظت مكانة خاصة في تاريخ الشعوب، إلا أن جزءاً من مشكلة رواج الوصفات الطبيعية في العصر الحديث أن مصدرها الإنترنت؛ وهو ما يسبب كثيراً من اللغط العلمي، وتقول الدكتورة دينا ضرغام: إن ما يقرب من 90 في المائة من المعلومات الطبية المتداولة عبر الإنترنت مغلوطة، حتى أن الـ10 في المائة المتبقية تحتمل أيضاً الشك؛ وهذا ما يجعلها حريصة على عدم فتح الباب أمام تجربة هذه الوصفات على البشرة. من جهتها، تقول داليا محمود، شابة في بداية الأربعين، إن الوصفات القديمة لم تخذلها من قبل على الإطلاق، فمنذ أن كانت في العشرين من العمر وهي تعتمد على الزيوت الطبيعية ومنقوع اللبان الدكر (اللبان الشحري) للحفاظ على شباب البشرة، وتقول: «تخطيت الأربعين، وأظن أنني أتمتع ببشرة شابة بفضل وصفات ورثتها عن نساء العائلة». أما عن وصفات الإنترنت، فتقول: «لا أثق فيها إلا بعد تجربتها، وبخاصة أن ضرر المواد الطبيعية محدود»، حسب رأيها.
وبعيداً عن فكرة الضرر، تقول فايزة حنفي، سيدة قاربت على الستين: إن الوصفات الطبيعية فاعليتها محدودة، صحيح هي لا تضر، لكن الاعتماد عليها في حل مشكلة تواجه البشرة أمر يتطلب وقتاً طويلاً، ويحتمل في النهاية عدم الجدوى، على عكس مستحضرات التجميل، بشرط أن يكون مصدرها شركات عالمية موثوق بها. وتؤكد، أنها كامرأة في عمر متقدم، من الصعب أن تجرب وصفة، لكن هذا لا يعني أنها لم تلجأ لها وهي شابة في الثلاثينات، وتتذكر «استخدمت قناع الترمس لتفتيح البشرة، وجاء بنتيجة بعد تكراره مرات عدة، لكن مع ظهور الهالات السوداء في عمر الخمسين لجأت إلى كريمات طبية». وتؤكد الدكتورة دينا ضرغام، أن هناك حالات قد تصيب البشرة والشعر لا يمكن علاجها بالمواد الطبيعية، وتبرر ذلك بالحديث عن تركيز المادة الفاعلة؛ فقد تحتوي مادة طبيعية على مضادات الأكسدة التي تجدد الخلايا، لكن نسبتها مقارنة بما تحتاج إليه البشرة ضئيلة.
أما أمل الحفناوي، وهي أم في الأربعينات، فتطرقت إلى جانب آخر، وهو أن الوصفات الطبيعية تتطلب وقتاً للتحضير والتطبيق رغم أنها تثق بفاعليتها - حسب قولها -، مضيفة إن انشغالها كأم «هو ما يضطرني إلى استخدام مستحضرات العناية المتوافرة في الأسواق، رغم أن الشك ينتابني أحياناً في فاعليتها، كما أنها باهظة الثمن، مقارنة بالوصفات المنزلية». وتتذكر «نصحتني خالتي من قبل بتقشير البشرة والشفاه بمزيج السكر والعسل والقرفة، وما زالت أداوم على المزيج».
ولحسم قضية نظرة العلم للوصفات الطبيعية، تقول الدكتورة دينا ضرغام: «لا أرفض الوصفات الطبيعية بشكل عام، بشرط أن تخضع للتجربة الفردية، والتأكد من أنها لا تسبب أي رد فعل تحسسي، أما في الحالات المرضية مثل ظهور بقع غير معتادة على البشرة، أنصح بضرورة اللجوء لمستحضرات متخصصة تحت إشراف الطبيب». لهذا؛ فإن استشارة الطبيب حتى عند استخدام المواد الطبيعية مهمة؛ حتى لا يضيع الوقت على علاجات غير مناسبة.
«وصفة جدتي»... فاعلية أم حنين؟
من حليب الحمير إلى الترمس والبيض والكركم
«وصفة جدتي»... فاعلية أم حنين؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة