«وصفة جدتي»... فاعلية أم حنين؟

من حليب الحمير إلى الترمس والبيض والكركم

«وصفة جدتي»... فاعلية أم حنين؟
TT

«وصفة جدتي»... فاعلية أم حنين؟

«وصفة جدتي»... فاعلية أم حنين؟

هل سمعت عن نساء يضعن الكيروسين (الجاز) على شعرهن، ثم يجلسن تحت أشعة الشمس لتتحول خصلاته إلى اللون الذهبي؟!... إنها عادة مصرية قديمة. قد يبدو الحديث عن تطبيق الكيروسين على الشعر أمراً غريباً، لكنه ليس أغرب وصفات الجمال التي انتقلت إلينا من تجارب الجِدّات.
تفننت المرأة في عصور قديمة، بالطبع قبل هذا الزخم من مستحضرات التجميل والعناية، في تحضير وصفات طبيعية للعناية بجمالها. ومثلما ينتقل التاريخ عبر الأجيال، انتقلت معه وصفات الجمال؛ فكل فتاة تتذكر نصيحة سمعتها من الأم أو الجدة، وجرّبتها واحتفظت بالسر لتلقنه إلى فتاتها يوماً ما، لكن كيف لهذه الوصفات القديمة أن تستمر وتصبح الأقوى في مواجهة شركات تجميل عالمية لم تنل كل هذه الثقة؟.
ارتبطت وصفات الجمال بالحضارات، وأصبحت علامة مميزة لشعوب وثقافات، ومن أقدم الوصفات تلك التي وجدت محفورة على جدران الحضارة الفرعونية، يُقال إن ملكات مصر القديمة برعن في استخدام الطبيعة لخدمة جمالهن. اشتهرت الملكة كليوباترا بجمالها، ويبدو أنها كانت تعتني بهذه الهبة، وحسب المؤرخ الروماني بليني الأكبر، كانت الملكة كليوباترا تستحم يومياً في حليب 700 أنثى حمار؛ لأنها كانت تؤمن بسحر هذا الحليب في الحفاظ على نضارة بشرتها وشبابها، ويُذكر أن الدراسات الحديثة أثبتت صحة استخدام حليب الحمير لأغراض العناية بالبشرة، وبالفعل أصدرت شركات مستحضرات تجميل بكوريا الجنوبية، منتجات تقوم على استخدام هذا النوع من الحليب. كما انتقلت أساطير عن رائحة كليوباترا الذكية، وقيل إنها اعتمدت على الزيوت العطرية المستخرجة من الزهور والفاكهة لتعلن عن وصولها بانتشار رائحة طيبة في الأنحاء. ومن المثير للاهتمام، أن أول زيوت عطرية عرفها التاريخ كانت في مصر قبل 4000 عام. ساعدت كليوباترا أيضاً على جعل ماء الورد مشهوراً حتى الآن، ومن المعروف أن ماء الورد له خصائصه المضادة للالتهابات ومزيج غني من مضادات الأكسدة. يتم استخدامه لتهدئة البشرة ليحد من حب الشباب، والحفاظ على توازن درجة الحموضة الطبيعية للبشرة، كما أنه يساعد على تحييد الجذور الحرة المسببة لظهور التجاعيد المبكرة.
ومن ملكات مصر الفرعونية إلى أشهر ملكات أوروبا، ماري أنطوانيت، ملكة فرنسا، التي عرفت قبل أن يخبرنا العلم أن أول بقعة تظهر عليها علامات تقدم العمر هي اليدين؛ لذلك كانت معروفة بارتداء قفازات مبطنة بالشمع وماء الورد وزيت اللوز الحلو كل ليلة للحفاظ على بشرة يديها من التجاعيد، وحتى الآن يُنصح بالطريقة نفسها لحماية جلد اليدين والقدمين أيضاً.
أما البيض الذي انتقل من صحن العجة الصباحية إلى أقنعة العناية بالشعر والبشرة، فهو أيضاً وصفة قديمة يعود تاريخها إلى 600 عام قبل الميلاد، وأول وصفة عرفها التاريخ لاستخدام البيض في شد البشرة تعود إلى الحضارة الصينية، ثم توارثت وانتقلت إلى أجيال وشعوب بسبب نجاحها في تعزيز الكولاجين بفضل البروتين الموجود في البيض، وهو أمر أثبته العلم بعد آلاف السنين. من الوصفات الغريبة التي سجلها التاريخ أيضاً هي أن الإغريق القدماء كانوا يستخدمون روث التماسيح في علاجات الوجه والجسم.
توالت الوصفات الطبيعية بين الغريب والفعّال، فعُرف التقشير بملح البحر منذ آلاف السنين، كما استخدمت المرأة الآسيوية ماء الأرز لتعزيز شباب بشرتها وعلاج تلف الشعر. ونذهب إلى الهند التي ما زالت تعتني بالعروس قبل شهور من زفافها بروتين مكوّن من وصفات طبيعية فقط، حتى أن الممثلة الهندية بريانكا شوبرا، ظهرت من قبل في أحد اللقاءات التلفزيونية، وأكدت أنها ما زالت تعتني ببشرتها من خلال وصفة هندية قديمة مكونة من الزبادي والكركم.
أصبحت أغلب المجلات العالمية والعربية المعنية بالمرأة والجمال، تقدم قسماً خاصاً للوصفات الطبيعية، ما كان أن يحدث ذلك إلا إذا كانت هناك زبونات ينتظرن هذه الخدمة ويتفاعلن مع هذا المحتوى، والتقت «الشرق الأوسط» عينة مكونة من خمس نساء مصريات، من مراحل عمرية وطبقات اجتماعية ووظيفية مختلفة، يروين حكايتهن مع وصفات الجِدات التي ما زالت تحتل جزءاً لا يستهان به ضمن روتين الجمال. تقول إنجي البهواشي، وهي شابة عشرينية تستعد للزواج، إنها تقريباً لا تستخدم الكريمات؛ فهي صاحبة بشرة حساسة، وسبق أن تضررت من بعض مستحضرات التجميل التي وصفتها بـ«الكيميائية»، بينما تثق في كثير من وصفات الجمال الطبيعية. تقول: «على الأقل إن لم تنجح في تحقيق الهدف منها، لن تضر بشرتي»، لكن هذا الرأي لم تؤكد عليه الدكتورة دينا ضرغام، مدرسة الأمراض الجلدية بكلية طب قصر العيني، جامعة القاهرة واستشارية التجميل بالليزر، حيث ترى - حسب حديثها - أن استخدام المواد الطبيعية بشكل خاطئ أو غير ملائم لطبيعة البشرة، قد يسبب أضراراً لا تقل عن المستحضرات الرديئة التي لم تخضع لتجارب علمية كافية. وتوضح، أن كون الوصفة لا تحتوي على مركبات كيميائية لا ينفي عنها الضرر، مشيرة إلى أن «مستحضرات التجميل الصادرة عن شركات عالمية تخضع لمعايير وقواعد تصنيع صارمة، كما أنه لا يُسمح بتوافرها في الأسواق إلا بعد موافقة وزارة الصحة لكل بلد، أو موافقة الهيئة الأميركية للغذاء والدواء FDA))». وتضيف: «هناك بعض المواد الطبيعية التي تلائم نوع بشرة، بينما لا تلائم أخرى، من ثم تجارب الصديقات ليست معياراً»، وتضيف: إن هناك مفهوماً يُسمى «رد الفعل التحسسي» وهو أمر يختلف من شخص إلى آخر.
أما سناء عبد الوهاب، سيدة في أواخر الثلاثينات، فتقول، إنها تثق في الوصفات الطبيعية، وبخاصة التي عرفتها عن طريق التاريخ النسائي للعائلة، مثل مزيج الزبادي والعسل، لكن هذا لا يعني أنها تعتمد عليها بشكل كامل. فهي تفضل المزج بين الوصفات الطبيعية بهدف تهدئة البشرة أو تقشيرها، وتترك مهمة الترطيب اليومي لكريمات من علامات تجارية عالمية، وتؤكد على رأي الدكتورة دينا ضرغام، بأنه «ليس كل المواد الطبيعية آمنة لكل أنواع البشرة، قد عانيت من قبل من حالات تهيج الجلد بفعل وصفات طبيعية قديمة من المفترض أن الغرض منها هو التهدئة، مثل شرائح الخيار»، ورغم ذلك، إلا أن سناء عادت لتؤكد ثقتها في أغلب الوصفات الطبيعية، وبخاصة القديمة والمُجربة.
صحيح أن التاريخ زاخر بالوصفات الطبيعية التي استخدمتها النساء حول العالم، وحفظت مكانة خاصة في تاريخ الشعوب، إلا أن جزءاً من مشكلة رواج الوصفات الطبيعية في العصر الحديث أن مصدرها الإنترنت؛ وهو ما يسبب كثيراً من اللغط العلمي، وتقول الدكتورة دينا ضرغام: إن ما يقرب من 90 في المائة من المعلومات الطبية المتداولة عبر الإنترنت مغلوطة، حتى أن الـ10 في المائة المتبقية تحتمل أيضاً الشك؛ وهذا ما يجعلها حريصة على عدم فتح الباب أمام تجربة هذه الوصفات على البشرة. من جهتها، تقول داليا محمود، شابة في بداية الأربعين، إن الوصفات القديمة لم تخذلها من قبل على الإطلاق، فمنذ أن كانت في العشرين من العمر وهي تعتمد على الزيوت الطبيعية ومنقوع اللبان الدكر (اللبان الشحري) للحفاظ على شباب البشرة، وتقول: «تخطيت الأربعين، وأظن أنني أتمتع ببشرة شابة بفضل وصفات ورثتها عن نساء العائلة». أما عن وصفات الإنترنت، فتقول: «لا أثق فيها إلا بعد تجربتها، وبخاصة أن ضرر المواد الطبيعية محدود»، حسب رأيها.
وبعيداً عن فكرة الضرر، تقول فايزة حنفي، سيدة قاربت على الستين: إن الوصفات الطبيعية فاعليتها محدودة، صحيح هي لا تضر، لكن الاعتماد عليها في حل مشكلة تواجه البشرة أمر يتطلب وقتاً طويلاً، ويحتمل في النهاية عدم الجدوى، على عكس مستحضرات التجميل، بشرط أن يكون مصدرها شركات عالمية موثوق بها. وتؤكد، أنها كامرأة في عمر متقدم، من الصعب أن تجرب وصفة، لكن هذا لا يعني أنها لم تلجأ لها وهي شابة في الثلاثينات، وتتذكر «استخدمت قناع الترمس لتفتيح البشرة، وجاء بنتيجة بعد تكراره مرات عدة، لكن مع ظهور الهالات السوداء في عمر الخمسين لجأت إلى كريمات طبية». وتؤكد الدكتورة دينا ضرغام، أن هناك حالات قد تصيب البشرة والشعر لا يمكن علاجها بالمواد الطبيعية، وتبرر ذلك بالحديث عن تركيز المادة الفاعلة؛ فقد تحتوي مادة طبيعية على مضادات الأكسدة التي تجدد الخلايا، لكن نسبتها مقارنة بما تحتاج إليه البشرة ضئيلة.
أما أمل الحفناوي، وهي أم في الأربعينات، فتطرقت إلى جانب آخر، وهو أن الوصفات الطبيعية تتطلب وقتاً للتحضير والتطبيق رغم أنها تثق بفاعليتها - حسب قولها -، مضيفة إن انشغالها كأم «هو ما يضطرني إلى استخدام مستحضرات العناية المتوافرة في الأسواق، رغم أن الشك ينتابني أحياناً في فاعليتها، كما أنها باهظة الثمن، مقارنة بالوصفات المنزلية». وتتذكر «نصحتني خالتي من قبل بتقشير البشرة والشفاه بمزيج السكر والعسل والقرفة، وما زالت أداوم على المزيج».
ولحسم قضية نظرة العلم للوصفات الطبيعية، تقول الدكتورة دينا ضرغام: «لا أرفض الوصفات الطبيعية بشكل عام، بشرط أن تخضع للتجربة الفردية، والتأكد من أنها لا تسبب أي رد فعل تحسسي، أما في الحالات المرضية مثل ظهور بقع غير معتادة على البشرة، أنصح بضرورة اللجوء لمستحضرات متخصصة تحت إشراف الطبيب». لهذا؛ فإن استشارة الطبيب حتى عند استخدام المواد الطبيعية مهمة؛ حتى لا يضيع الوقت على علاجات غير مناسبة.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
TT

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.

تفوح من تصاميم كايت موس رائحة السبعينات (زارا)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».

فاريل ويليامز مع فريق عمله يُحيّي ضيوفه بعد عرضه لربيع وصيف 2024 (أ.ف.ب)

بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.

صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.

كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.

الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.

من تصاميم فكتوريا بيكهام لمحلات «مانغو»... (مانغو)

المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.

المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.

سترة مخملية مع كنزة من الحرير بياقة على شكل ربطة عنق مزيَّنة بالكشاكش وبنطلون واسع من الدنيم (ماركس آند سبنسر)

سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»

من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.

فستان طويل من الساتان المزيَّن بثنيات عند محيط الخصر يسهم في نحت الجسم (ماركس آند سبنسر)

موسم الأعياد والحفلات

بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».

فستان ماركس سهرة طويل من الحرير بأطراف مزينة بالدانتيل (ماركس آند سبنسر)

دمج بين الفينتاج والبوهو

تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.

مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.

طُرحت مجموعة من الإكسسوارات بألوان متنوعة لتكمل الأزياء وتضفي إطلالة متناسقة على صاحبتها (ماركس آند سبنسر)

إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.

أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.

رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.