«لوحة للانسحاب السوري» من لبنان تثير استياء الحلفاء والخصوم

سخرية سورية وردود قاسية اعتبرت أن «دفتر ديون باسيل تجاوز المسموح»

جبران باسيل متحدثاً أمام «لوحة الجلاء» الشهيرة التي وضعت عام 1946 («الشرق الأوسط»)
جبران باسيل متحدثاً أمام «لوحة الجلاء» الشهيرة التي وضعت عام 1946 («الشرق الأوسط»)
TT

«لوحة للانسحاب السوري» من لبنان تثير استياء الحلفاء والخصوم

جبران باسيل متحدثاً أمام «لوحة الجلاء» الشهيرة التي وضعت عام 1946 («الشرق الأوسط»)
جبران باسيل متحدثاً أمام «لوحة الجلاء» الشهيرة التي وضعت عام 1946 («الشرق الأوسط»)

لم يتحمل حلفاء وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل وخصومه، على حد سواء، تصريحه عشية الاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لعيد الاستقلال، عندما استأذن، من أمام لوحة «جلاء الجيوش الأجنبية عن لبنان» في وادي «نهر الكلب» شمال بيروت، نواب كسروان، «لوضع لوحة عن الانسحاب السوري من لبنان، فهكذا ننسجم مع تاريخنا لأننا ناضلنا حين كان النضال واجباً وصالحنا عندما حان وقت المصالحة».
و«نهر الكلب» الذي يفصل واديه منطقتا المتن وكسروان، شرق بيروت، تتميز ضفتاه بنقوش تشهد على بعض الأمم التي مرت أو حكمت الساحل الشرقي للمتوسط عبر التاريخ، ابتداءً من نبوخذ نصر وآثار للملوك الكلدانيين، مروراً بالفرعون المصري رعمسيس الثاني الكبير، والملك الآشوري أسرحدون، والإمبراطور ماركوس أوريليوس، والظاهر بأمر الله سيف الدين برقوق، لتختتم الاحتلالات بلوحة الجلاء الشهيرة التي وضعت 1946.
أول الحلفاء المعترضين كان النائب جميل السيد، الذي طالب باسيل عبر تغريدة بـ«تعديل اتفاق الطائف»، وإلا عليه «كوزير خارجية أن يلتزم باتفاق الطائف الذي لا يعتبر الوجود السوري احتلالاً، ثم يضع بعد ذلك اللوحة التي يريدها»، مشيراً في تغريدة أخرى إلى أن «اللوحة الوحيدة التي تحظى بإجماع وطني هي عن انسحاب الاحتلال الإسرائيلي عام 2000 وهزيمة الإرهاب في 2017 من الجيش اللبناني والمقاومة! غير ذلك، السوري غادر عام 2005 بعد اغتيال الحريري وضغوط دولية وانقسام لبناني، وعلينا أن نرى ماذا فعل زعماء لبنان ببلدهم منذ 2005 إلى اليوم!».
وكان لافتاً الرد الساخر على باسيل بتغريدة من النائب في البرلمان السوري عن مدينة حلب فارس الشهابي، ومن دون أن يسميه، فكتب على «تويتر»: «عزيزي الذي تسيء لسوريا ولتضحياتها الكبيرة من أجل وحدة واستقلال وأمن لبنان، شكِّل حكومتك أولاً واحترم شعبك بالكهرباء والمياه والنظافة والقانون، وبعدها تكلم عن (الاستئلال)! التحرر لا يكون فقط من التدخل الخارجي أو التبعية، لكن من الفساد أيضاً وبالدرجة الأولى».
ويقول العميد المتقاعد في الجيش اللبناني، أمين حطيط، لـ«الشرق الأوسط»: «استاء السوريون استياءً كبيراً من تصريح باسيل عن لوحة لجلاء جيشهم عن لبنان، وتساءلوا عن هدفه بكلامه هذا تجاه دولة خرجت منتصرة من حرب كونية استهدفتها، وكانت ردودهم قاسية عبر التغريدات. أحدهم، وهو شخص له وزنه، اعتبر أن دفتر ديون باسيل تجاوز المسموح به. وقال له: أين ستلاقينا عند استحقاق رئاسة الجمهورية في لبنان؟». لكن حطيط اعتبر أن كلام باسيل «تسديدة طائشة، لم يكن يعنيها»، وفي بيان رد (التيار) على تغريدة النائب جميل السيد نصف تراجع؛ لأنه نفى توصيف الوجود السوري بالوصاية أو الاحتلال مكتفياً بجلاء الجيش وهو أمر حاصل».
وذكر حطيط أن «الوجود السوري لم يكن احتلالاً، فهو دخل لبنان لنجدة اللبنانيين. وعندما طلبت الجبهة اللبنانية هذا الدخول مطلع الحرب الأهلية قبل نحو أربعين عاماً، حمل الطلب نائب رئيس مجلس نواب سابق إلى الرئيس الراحل حافظ الأسد. وانقلاب القوى المسيحية آنذاك على هذا الوجود، ورفض الرئيس الراحل سليمان فرنجية (الجد)، الأمر واعتباره غدراً، أديا إلى جريمة قتل ابنه طوني بأمر من (الرئيس) بشير الجميل». وأضاف: «لوحة الجلاء الموجودة على صخرة نهر الكلب، لا تحدد الجيش الفرنسي بالاسم، لكن تذكر جلاء كل الجيوش الأجنبية عن لبنان؛ وذلك للرد على الغزاة الذين تعاقبوا وسجلوا غرورهم على صخور نهر الكلب. بالتالي ليس مفهوماً أن يسارع أي فريق لبناني للمطالبة بلوحة مماثلة تعتبر الجيش السوري الذي حال دون تقسيم لبنان، محتلاً».
أما خصوم باسيل، فاعتبروا أنه يزايد عليهم ويسلبهم نضالهم. ولعل موقف النائب في «القوات اللبنانية» شوقي دكاش، يعكس رفض المزايدة، بتقديمه أمس طلباً رسمياً إلى قائمقام كسروان للاستحصال على ترخيص وضع لوحة على صخور «نهر الكلب» تجسد ذكرى خروج الجيش السوري من لبنان في 26 أبريل (نيسان) 2005، طالباً تحويل الطلب إلى المراجع المختصة.
في حين اعتبر النائب السابق فارس سعيد، أن لوحة الجلاء رفعها شباب حزب الأحرار عام 2013 بوجود الأمانة العامة لـ«14 آذار» مثلها الدكتور مصطفى علوش، وجاء فيها: «تخليداً لذكرى خروج جيش الاحتلال السوري من لبنان».
إلا أن مديرية الآثار التابعة لوزارة الثقافة، في حينه، وجهت كتاباً إلى قوى الأمن الداخلي، طلبت فيه التوجّه إلى منطقة نهر الكلب لإزالة اللوحة الصخرية، آنذاك أوضح وزير الثقافة غابي ليون من «التيار الوطني الحر»، أن «لا مشكلة في الموضوع سوى التعدي على موقع أثري، ولا علاقة له بأي خلفية سياسية».
أما المحامي إلياس الزغبي، الذي كان في صفوف «التيار الوطني الحر»، ليخرج منه ويصبح عضواً في قيادة «قوى 14 آذار»، فقد اعتبر في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «خطوة باسيل جاءت متزامنة مع عودة النظام السوري إلى لبنان عبر حلفائه ومنهم (التيار الوطني الحر)». وأضاف: «بعد مرور 13 عاماً على انسحاب الجيش السوري من لبنان، لا يتجرأ هذا التيار على تسمية الأمور بأسمائها، يطالب بوضع لوحة متغنياً بنضاله من دون أن يشير إذا ما كان الوجود السوري وصاية أم احتلالاً، ربما عليه أن يطلب اللوحة موقّعة من (الرئيس السوري) بشار الأسد أو (حزب الله)».
واستغرب الزغبي، اعتبار باسيل أن «خروج النظام السوري من لبنان يكفي لمصالحته؛ لأن المصالحة الفعلية يجب أن تبنى على إقرار المتصالحين بالحقيقة، وليس تجاهل ما ارتكبه هذا النظام طوال ثلاثة عقود، وأدى إلى تدمير فكرة لبنان ومعناه كدولة ونسيج اجتماعي وعمل سياسي سليم، وبقيت ذيوله لأنه تمكن من الدخول إلى عمق بعض القناعات التي تستطيب ذهنية التبعية».
وأضاف: «عودة (التيار الوطني الحر) إلى الحياة السياسية في لبنان، جاءت على دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري. لكنه سرعان ما انتقل من خيمة (14 آذار) إلى خيمة (8 آذار)، فكيف يأتي اليوم بفكرة لوحة الجلاء التي يقترحها باسيل، في مفارقة واضحة تتناقض والهرولة المتكررة للتيار إلى خطب ود النظام السوري».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».