صراع النفوذ.. داخل مجلس الأمن

صراع النفوذ.. داخل مجلس الأمن
TT

صراع النفوذ.. داخل مجلس الأمن

صراع النفوذ.. داخل مجلس الأمن

فرح العالم العربي بفوز الأردن بمقعد عضو غير دائم بمجلس الأمن، بعد حصوله على موافقة ثلثي الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتعهد وزير الخارجية الأردني ناصر جودة بأن يعمل الأردن للدفاع عن المصالح العربية داخل المنظمة الدولية، ووعد بالعمل على الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية بما يضمن وحدة الأراضي السورية ووقف معاناة اللاجئين السوريين في دول الجوار.
في الوقت نفسه، وقف العالم احتراما للمملكة العربية السعودية بعد اعتذارها عن عدم شغل هذا المقعد بمجلس الأمن لازدواجية المعايير التي تحول دون قيام المجلس بواجباته. وقد أبلغ السفير السعودي لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ببيان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل وأسباب رفض السعودية للمقعد، والذي أشار فيه إلى إخفاق المجلس في معالجة الوضع في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، وهي القضية التي يناقشها مجلس الأمن منذ أكثر من 60 عاما، وإخفاق المجلس في التعامل مع الأزمة السورية، واستمرار الرئيس السوري بشار الأسد في قمع إرادة شعبه وقتل وتعذيب وتشريد الملايين «تحت بصر مجلس أصابه سوء استخدام نظام الفيتو بالشلل».
وطوال تاريخ مجلس الأمن لم يشهد خطوات إصلاحية سوى مرات قليلة، كانت الخطوة الأولي في الإصلاح عام 1965 بعد تصديق ثلثي أعضاء الأمم المتحدة بما في ذلك الدول دائمة العضوية على زيادة عضوية الدول غير الدائمة من ستة أعضاء إلى عشرة أعضاء. وكان إصلاح مجلس الأمن قضية مدرجة بشكل دائم على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 1979، لكنها لم تحظ باهتمام كبير. ومنذ انتخاب بطرس بطرس غالي أمينا عاما للأمم المتحدة عام 1992 انطلقت مناقشات موسعة حول إصلاح مجلس الأمن وتوسعة أعضائه، وطالبت كل من اليابان وألمانيا بمقاعد دائمة بمجلس الأمن باعتبارهما ثاني وثالث أكبر مساهمين في الأمم المتحدة، كما طلبت البرازيل مقعدا دائما باعتبارها خامس أكبر بلد من حيث المساحة.
وطالبت الهند بمقعد دائم باعتبارها ثاني أكبر بلد من حيث السكان، وتسهم بشكل ثابت ومنتظم في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام. وطالبت الدول الأفريقية بمقعدين دائمين لدول القارة الأفريقية على أساس الظلم التاريخي للقارة. كما طلبت مجموعة تدعى «نادي القهوة»، ثم جماعة «متحدون من أجل التوافق» التي تضم إيطاليا وإسبانيا والأرجنتين وكندا والمكسيك وكوريا الجنوبية وباكستان، بتوسعة عضوية مجلس الأمن وانتخاب أعضائه على أساس إقليمي، بما يحقق التوازن. واقترحت سويسرا مع 19 دولة تعرف بمجوعة «أكت» (ACT) بتقديم اقتراحات تتعلق بالمساءلة والشفافية في عمل مجلس الأمن. وتعددت المؤتمرات المطالبة بالإصلاح، لكن بقيت كل الأفكار والخطط ومحاولات الإصلاح محل التجميد رغم الاعتراف بأهمية وضرورة إصلاح مجلس الأمن.
وخلال الدورة الـ68 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، أقر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بأن «جميع الدول تقريبا متفقة على أن مجلس الأمن يجب إصلاحه، لكن كيفية الإصلاح وأسلوبه فإن الدول الأعضاء غير قادرة على الاتفاق حولها»، معترفا بأن المنظمة الدولية تواجه تحديات جسيمة في إثبات مصداقيتها والعمل لمعالجة القضايا الدولية الملحة وتحقيق الأمن والسلم في العالم. وقد برهن مجلس الأمن بنفسه على عدم مصداقيته وفشله في تحقيق السلام والأمن الدوليين، ووقف المجتمع الدولي عاجزا عن التحرك لإنقاذ الشعب السوري من براثن ووحشية نظام الأسد بعد قيام الروس والصينيين باستخدام الفيتو عدة مرات لمنع إدانة النظام السوري، رغم تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بارتكاب الأسد لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ورغم التحركات الأميركية التي قادتها مندوبة الولايات المتحدة السابقة سوزان رايس لاستصدار قرار من مجلس الأمن ضد النظام السوري.
يقول المحللون إن الأسباب الرئيسة لإخفاقات مجلس الأمن تعود إلى أمرين، الأول هو نظام العضوية، والثاني هو نظام حق الاعتراض أو الفيتو. فمنذ بداية إنشاء مجلس الأمن عام 1945 أسس قواعد بتخصيص خمسة مقاعد دائمة العضوية لخمس دول هي «الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين» بعد انتصارها على ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية. ولم تتغير تلك القواعد رغم التغييرات الجيوسياسية الكبيرة التي حدثت منذ ذلك التاريخ، وتغير موازين القوى اقتصاديا وعسكريا. فالاقتصادان الألماني والياباني أصبحا أكثر قوة من الاقتصاد البريطاني أو الفرنسي، ودخلت دول مثل الهند وباكستان نادي الدول النووية ولم تحظ بمقعد دائم في مجلس الأمن. وقد أثار هذا الجمود في هيكل وتشكيل المجلس جدلا كبيرا في المجتمع الدولي حول فاعلية وشرعية المجلس في قضايا الأمن الدولي مثلما حدث في تعامله مع الأزمة السورية. لذا فإن مطالبة المملكة العربية السعودية بتخصيص مقعد دائم للدول العربية في مجلس الأمن لها وجاهتها السياسية، فلا يعقل أن يستمر احتكار تلك الدول الخمس للمقاعد دائمة العضوية وتستمر في التحكم في مصير بقية دول العالم بينما تتغير موازين القوى العالمية.
يقول المحلل المخضرم جيفري لورنتي بمؤسسة «سنشري» بواشنطن - والذي عمل بمنظمة الأمم المتحدة في عهد الأمين العام كوفي أنان وكتب عدة مقالات حول إصلاح الأمم المتحدة والنظام العالمي «هناك انتقادات عديدة لهيكل مجلس الأمن الدولي، فقد تم توسيع عضوية المجلس من ستة أعضاء منتخبين إلى عشرة عام 1965، ومنذ ذلك الحين ظلت تركيبة مجلس الأمن على حالها من دون تغيير، وقد سعت قوى من الدول المتقدمة والدول النامية مثل اليابان وألمانيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ونيجيريا للتصويت لصالح توسيع عضوية المجلس والحصول على مقعد دائم لها، ودعا آخرون للحصول على مقعد أوروبي مشترك واستبدال المقاعد الدائمة لبريطانيا وفرنسا، لكن النقاشات حول توسيع عضوية المجلس تظل دائما محكومة بالجدل حول المفاضلة بين الشرعية والفاعلية».
ويوضح لورنتي «ظهر مصطلح مسؤولية الحماية (R2P) في بداية الألفية لتبرير استخدام القوة خارج تفويض المجلس اعتمادا على مبدأ اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2005 ينص على أن الدول تتحمل مسؤولية حماية سكانها من الجرائم ضد الإنسانية، وأنه على المجتمع الدولي مسؤولية استخدام الوسائل السلمية لحماية حياة السكان المهددة إذا فشلت الدولة بشكل واضح في تحمل مسؤوليتها.. لذا ينبغي اتخاذ تدابير بموجب الفصل السابع».
ويقول «دعاة هذا المبدأ ينتقدون المجلس ويقولون إن الفيتو يعطي حقا لا مبرر له لخدمة المصالح السياسية للدول الخمس دائمة العضوية، مما يؤدي إلى التراخي في مواجهة الفظائع الجماعية، كما أن الدول الساعية لعضوية دائمة في المجلس (مثل البرازيل والهند وألمانيا) لديها وجهات نظر مختلفة حول التدخل وتسعى لخدمة مصالحها الخاصة». ويشير لورنتي إلى تجارب لفشل مجلس الأمن في اتخاذ قرارات في الأزمات مثل رواندا عام 1994، حيث كانت الولايات المتحدة من بين القوى التي حالت دون أن تقوم الأمم المتحدة باستجابة فورية في رواندا، مما أدى إلى مقتل 800 ألف شخص في الإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد قبائل التوتسي، كما لحقت بالأمم المتحدة هزائم «مذلة» في منطقة البلقان حيث استخدمت قوات حفظ السلام كدروع بشرية في حصار سراييفو، وفشل مجلس الأمن في حماية المدنيين. لكن لورنتي يؤكد رغم تلك الإخفاقات أن سجل الأمم المتحدة في مجال بعثات حفظ السلام لا يزال قويا نسبيا.
ويشدد المحللون على أن السبب الثاني وراء إخفاق مجلس الأمن الدولي هو نظام حق النقض أو ما يعرف بحق الفيتو باعتباره أمرا يتعارض تماما مع مبدأ الديمقراطية، حيث تستطيع أي دولة من الدول الخمس دائمة العضوية الاعتراض على أي قرار دون إبداء أسباب، حتى لو كانت جميع دول العالم تؤيد هذا القرار. أما الدول العشر غير دائمة العضوية فواقع الأمر أنها «لا حول لها ولا قوة»، أي أنها لا تستطيع أن تفرض قرارا ولا تستطيع منع أي قرار.
يقول ريتشارد بتلر، المتخصص في الشؤون الدولية بجامعة ولاية بنسلفانيا، إنه منذ بداية عمل مجلس الأمن تم استخدام حق الفيتو 269 مرة، حيث استخدمه الاتحاد السوفياتي - روسيا الاتحادية 128 مرة، واستخدمته الولايات المتحدة 89 مرة، واستخدمته المملكة المتحدة 32 مرة، وفرنسا 18 مرة، والصين 9 مرات. ويضيف بتلر أن استخدام حق الفيتو من قبل روسيا والولايات المتحدة كان كبيرا خلال فترة الحرب الباردة. فالمادة 23 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بتكوين مجلس الأمن، والتي تم تعديلها في 23 أغسطس (آب) 1965، هذا التعديل فيها وسع العضوية إلى 15 عضوا وأعطى صلاحيات فريدة من نوعها للدول دائمة العضوية، حيث يعطي ميثاق الأمم المتحدة سلطة قانونية لمجلس الأمن على حكومات الدول الأعضاء، وتعتبر قراراته ملزمة للدول الأعضاء (المادة الرابعة من الميثاق).
ويواصل «ينص الميثاق على مجموعة متناقضة من المعايير، فهو من ناحية يشير إلى فكرة المساواة بين الدول الأعضاء، والالتزام بالغرض المشترك وهو الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وإنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، وضمان حقوق الإنسان. ومن ناحية أخرى، أعطى الميثاق امتيازات مثيرة للدهشة للأعضاء الدائمين بما يمكنهم من لعب دور المهمين».
ولفظ «فيتو» لم يرد في ميثاق الأمم المتحدة، بل ورد لفظ «حق الاعتراض»، وهو في واقع الأمر «حق إجهاض لأي قرار يجتمع عليه معظم الأعضاء في المجلس، إذ يكفي اعتراض أي دولة من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ليتم رفض القرار وعدم تمريره نهائيا حتى وإن كان مقبولا للدول الأربع عشرة الأخرى. ووفقا للمحللين السياسيين، يمثل حق النقض نقطة خلافية حساسة للكثير، لأنه يضع الكثير من السلطة في أيدي عدد قليل من الدول. وقد أعطت الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من عامين ونصف العام مثالا حيا لقدرة «حق النقض» على منع التحرك الدولي لمعالجة مشكلة باتت تشكل جريمة إنسانية.
وتشدد مندوبة أستراليا لدى الأمم المتحدة فيليبا كينغ على أنها تؤيد اقتراح فرنسا لإصلاح حق النقض. وتقول «بالنظر إلى تعامل مجلس الأمن مع الأزمة السورية فإننا نؤيد اقتراح فرنسا بأن يتنازل الأعضاء الدائمون عن حق النقض طواعية في حالات الجرائم والفظائع الجماعية، وهو اقتراح له ما يبرره ويستحق مزيدا من الدراسة». وقد أيدت نيوزيلندا وآيرلندا والمكسيك هذا الاقتراح، لكن البعض دعا إلى إلغاء حق النقض بشكل كامل. ويقول نائب مندوب جنوب أفريقيا لدى الأمم المتحدة الدكتور ماشاباني إن النظام الحالي غير ديمقراطي، ويمثل نوعا من النفاق، لأن المفارقة أن أولئك الذين يعتبرون أنفسهم قادة العالم الحر، وحصون الديمقراطية، هم أنفسهم يجلسون مرتاحين في بيئة غير ديمقراطية داخل مجلس الأمن. والنظام الحالي لا يخدم سوى الأجندات السياسية الخاصة لتلك الدول، ويبقي مواطني العالم رهينة للمصالح السياسية للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن».
ويطرح المنادون بالإصلاح في ما يتعلق بحق الفيتو ثلاثة اتجاهات، الأول يطالب بإلغاء حق الفيتو كلية، والثاني يرى ضرورة الإبقاء عليه للأعضاء الدائمين وعدم منحه للأعضاء الجدد إذا جرت توسعة نطاق العضوية ودخول أعضاء جدد لمجلس الأمن. أما الاتجاه الثالث فيرى ضرورة الإبقاء على حق الفيتو، لكن مع تقييد حق استخدامه وتعديل المعايير ووضع ضوابط وشروط تقنن قدرة أي دولة على استخدامه لتلافي ظاهرة سوء استخدامه أو الإسراف فيه.
في المقابل، كتب ألكسندر ياكوفينكو، السفير الروسي لدى بريطانيا ونائب وزير الخارجية الروسية (من 2005 إلى 2011)، مقالا بموقع «روسيا اليوم» الشهر الماضي، هاجم فيه أي محاولات لتغيير نظام الفيتو داخل مجلس الأمن مطالبا بأفكار تهدف لتعزيز قدرة المجلس على الاستجابة السريعة، وليس أفكارا تؤثر على امتيازات وصلاحيات الأعضاء الدائمين الحاليين في المجلس. وقال ياكوفينكو «أي أفكار تؤثر على امتيازات الدول دائمة العضوية هي أفكار غير مقبولة، لأن هذه الامتيازات هي انعكاس للمساهمة التاريخية التي قدمتها الدول الخمس لتجعل من الأمم المتحدة حقيقة ملموسة. والي جانب ذلك فإن الفيتو هو أحد العوامل المهمة التي تحفز أعضاء مجلس الأمن للسعي لاتخاذ قرارات متوازنة. وسيكون من الخطأ تاريخيا وسياسيا التعدي على هذا الحق الذي تم اعتماده للتغلب على صدور قرارات من جانب واحد، وسيكون ذلك تخريبا للأمم المتحدة». وأضاف ياكوفينكو «مسألة إصلاح مجلس الأمن لا يمكن معالجتها ببساطة عن طريق الرياضيات، وإجراء تصويت على مشروع إصلاح والحصول على أصوات ثلثي الجمعية العامة (عدد الدول الأعضاء بها يبلغ 192 عضوا)، ونحن نؤيد إصلاحا يحظى بأوسع دعم ممكن من الدول بأغلبية أكبر بكثير من الثلثين، أي أننا بحاجة لاتفاق عام، ونحن على استعداد للنظر في كل الخيارات شرط أن تكون أفكارا معقولة تقوم على التوافق ودعم جماعي داخل الأمم المتحدة».
وتقول الباحثة سونيا روثويل إنه رغم الضغوط لإصلاح الطريقة التي يعمل بها مجلس الأمن فإنه من غير المرجح أن يحدث تغيير، فالانتقادات الأساسية كما تقول الباحثة ترتكز في الافتقار لتمثيل من أفريقيا وأميركيا اللاتينية بين مجموعة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهو ما لا يعطي بذلك مجالا لقوى صاعدة وقوية اقتصاديا مثل الهند وألمانيا، وهو ما يعني أن تكوين مجلس الأمن يعكس النظام الاستعماري بعد الحرب العالمية الثانية والذي عفا عليه الزمن لكنه لا يزال قويا.
* خطط كثيرة للإصلاح
* في عام 2004 وبناء على طلب الأمين العام للأمم المتحدة وقتها كوفي أنان، قدم فريق من 16 عضوا خطة لإصلاح مجلس الأمن، وقدم خيارين الأول هو إضافة ستة أعضاء دائمين جدد من دون أن يكون لهم حق الفيتو، مع إضافة ثلاثة مقاعد غير دائمة أخرى. والخيار الثاني هو إضافة ثمانية مقاعد قابلة للتجديد مرة كل أربع سنوات، وأيضا ليس لها حق النقض، وإضافة مقعد واحد غير دائم العضوية. خطة أخرى قدمتها مجموعة «متحدون من أجل التوافق»، والتي تشمل إيطاليا وإسبانيا وتركيا وكوريا الجنوبية والمكسيك والأرجنتين، عام 2005، واقترحت التوسع في العضوية غير الدائمة مع الإبقاء على الدول دائمة العضوية بوضعها الحالي، ويتم انتخاب الأعضاء الإضافيين من قبل الجمعية العامة، ـخذا في الاعتبار معيار مدى مساهمتهم في ميزانية مهمات حفظ الأمن والسلم وأيضا التوزيع الجغرافي العادل.
وتهدف الخطة إلى إتاحة مقاعد لست دول من أفريقيا وخمس من آسيا وأربع من أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وثلاث من أوروبا الغربية واثنتين من أوروبا الشرقية، وانتخاب الدول غير الدائمة لمدة سنتين من قبل مناطقها بما يوفر إمكانية فورية لإعادة انتخابها وبناء الثقة وتوفير توازن عادل إقليميا وعالميا.
ورغم ما قدمته تلك الوثيقة من إصلاح معقول فإن الاتحاد الأفريقي اعترض على مبدأ عدم الحصول على حق النقض، وطالب بمنحه لجمع الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن.
ويستلزم إجراء أي تغيير وجود إرادة سياسية من القوى الكبرى في مجلس الأمن، وهي أكبر عقبة تحول دون تحقيق أي أفكار أو خطط لها علاقة بإصلاح الأمم المتحدة.
وخلال العقود الماضية طرحت عدة سيناريوهات وأفكار لإصلاح مجلس الأمن، تركز معظمها على تغيير تركيبة العضوية وطريقة التصويت، وطرحت أفكار تتعلق بالتمثيل القاري بحيث يكون لكل قارة صوت داخل مجلس الأمن، وأن يتم اتخاذ القرارات بالأغلبية، وأن يتم إلغاء حق النقض أو الفيتو نهائيا.
وخرجت أصوات أخرى تبحث عن حلول أخرى، وتنادي بإنشاء منظمة دولية جديدة تشترك فيها قارات أفريقيا وأستراليا، ودول أميركا اللاتينية والدول الآسيوية والعربية والأوروبية الناقمة على الأوضاع الحالية في منظمة الأمم المتحدة، وأن تكون لتلك المنظمة الجديدة ميزانيتها الخاصة وقوة عسكرية خاصة قادرة على تنفيذ القرارات التي تصدرها بشكل حاسم.
وتنادي أصوات إصلاحية أخرى بتقوية منظمات مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية لتصبح كيانات قوية بما يمكنها من القيام بدور أكبر في مهام حفظ السلام والأمن الذي تقوم به الأمم المتحدة، فإذا رأت دولة أنها لم يتم تناول مظالمها في نيويورك أو جنيف فيمكنها التفكير في الحصول على العدالة من منظمات إقليمية بما يشكل ضغطا على مجلس الأمن.
* إحصاءات وحقائق
* وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة لعام 2013 فإن أكبر 15 دولة من المساهمين في ميزانية الأمم المتحدة هي بالترتيب: الولايات المتحدة التي تسهم بنسبة 22 في المائة من ميزانية المنظمة الدولية، تليها اليابان بنسبة 10.9 في المائة، ثم ألمانيا بنسبة 7.1 في المائة، ثم فرنسا بنسبة 5.5 في المائة، ثم المملكة المتحدة بنسبة 5.2 في المائة، ثم الصين بنسبة 5.1 في المائة، ثم إيطاليا 4.4 في المائة، ثم إسبانيا 2.9 في المائة، ثم البرازيل 2.9 في المائة، ثم روسيا 2.4 في المائة، ثم أستراليا 2.07 في المائة، ثم كوريا الجنوبية 1.9 في المائة، ثم المكسيك بنسبة 1.8 في المائة، وأخيرا هولندا بنسبة 1.6 في المائة. أما بقية الدول الأعضاء بمنظمة الأمم المتحدة فيبلغ إجمالي مساهمتها 20.7 في المائة. وبلغت ميزانية الأمم المتحدة لعام 2013/2012 مبلغ 5.512 مليار دولار.



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».