إذا ما كانت هناك من مفاجأة حقيقية بين مسلسلات هذا الشهر الفضيل، فهي متمثلة في مسلسل «إمبراطورية مين» («mbc مصر»). طبعا هناك عدة مسلسلات جيدة جئنا على ذكر بعضها هنا (مثل «باب الحارة» و«تذكرة داود») لكن «إمبراطورية مين» جيد ومختلف عن المعهود.
فكرته البسيطة تنطلق من أن عائلة مصرية مؤلفة من خمسة أفراد (الزوجة والزوج وأم الزوجة وولدان صغيران) كانت تعيش في بلد أوروبي هاجرت إليه ابتعادا عن مشكلات الحياة في مصر، تقرر العودة بعدما تنحى الرئيس السابق حسني مبارك لكي تبدأ حياة جديدة.
لكن من الحلقة الأولى وكل ما يمكن أن يحدث خطأ.. يقع لهذه العائلة.
في تلك الحلقة تفاجأ الزوجة بأن ركابا احتلوا مقاعد العائلة في درجة البزنس. احتجاجها لدى المضيفة لا ينتج عنه إجبار الركاب على الجلوس في أماكنهم المحجوزة كما هو مفترض، بل تنقلب نتائجه على الزوجة ذاتها التي فقدت أعصابها فجرى تقييدها ووضعها في آخر صف في مقعد الدرجة العادية. الزوج هادئ الطباع من النوع الذي يقبل بكل شيء ويزين الأمور حسب قدراته والاحتمالات المتاحة.
حين الوصول إلى المطار، في الحلقة الثانية، تكتشف العائلة أن حقائبها ضاعت. هناك تعيش العائلة كابوسا آخر جديدا، لكنه لن يكون الأخير. ففي الحلقات التالية كلها تواجه شتى أنواع المشكلات والسلبيات التي تواجهها في محاولتها التأقلم من جديد. المشكلات ليست ناتجة عن عدم قدرتها على التأقلم، بل من الوضع الغريب الذي يشمل شتى جوانب الحياة الاجتماعية في أحداث اختير لها عام 2012 لكي تقع فيه.
في إحدى الحلقات الأخيرة مثلا، نجد معلم اللغة العربية يعمد لتدريس مادته بتحويلها إلى أغنية مستخدما مكتبه طبلة، وطالبا من التلامذة المحافظة على الإيقاع والترداد معه. تحتج ابنة تلك العائلة المدهوشة فيجري صرفها. الزوج يذهب لمقابلة بعدما بحث عن عمل مناسب في الحلقات السابقة، ليكتشف أن الشركة التي ذهب إليها مدانة بقضايا ما لأنه حين وصل ليقابل المدير فوجئ بالمدير يمشي مقيدا ومطأطأ الرأس بين رجال البوليس.
هكذا في كل حلقة من حلقات هذا المسلسل حكاية تكشف عما هو أبعد بكثير من سوء الطالع، ناقدة ظواهر ومشكلات لم تستطع ثورة «25 يناير» التغلب عليها بعد. صحيح أن التأليف يستخدم المواقف غير المعقولة التي تصل أحيانا إلى السوريالية، لكن البرنامج كوميدي في الأساس وينجح تماما في تدجين هذه المواقف على نحو مقبول وجديد. شيء مثل الدرجة القصوى من أشكال الطرح مقابل الحصول على الدرجة القصوى من النتائج.
يضاف إلى هذا الاختيار تفعيل جيد يقوم على أن ابن العائلة الصغير مهووس بكاميرا سينما قديمة يصور بها ما يحدث للعائلة. في أكثر من مناسبة تأتينا مشاهد لأفراد العائلة يتوجهون، كل على حدة، بالكلام والتعليق، إلى الكاميرا. ما لم تقله المشاهد الروائية تعبر عنه العائلة فيما يشبه النحو التسجيلي لما تمر به.
الكتابة الجيدة من عادل عبد العال، والإخراج الناعم والدقيق من مريم أبو عوف. أما التمثيل فتقوده ببراعتها وتلقائيتها هند صبري، علما بأن الجميع (محمد شاهين، سلوى خطاب، والولدان) لا يقلون تلقائية وإجادة. بما أن لكل حلقة قصتها، فإنه من الجدير ملاحظة أن ضيوف الشرف متعددون وعادة ما يثرون الحلقات التي يظهرون فيها بحسب ما هو متاح، وبينهم هاني رمزي وغسان مطر والراحل حسين الإمام.
* ألقيت أمس نظرة على ما وصلت إليه الحال بالنسبة لمسلسل «يا من كنت حبيبي» (لا علاقة له بفيلم حلمي رفلة «لا يا من كنت حبيبي» سنة 1976) فوجدته ما زال على «حطة إيدك»: النظرات السارحة.. الحركات البطيئة.. الموسيقى المزعجة (دائما ما تبدأ كما لو أن المسلسل من نوع الرعب، ولاحقا تبدو كما لو أنها تصنع الغموض وحدها في حين أن لا شيء في الصورة يدعو للتشويق).. وتسجيل الصوت الذي يجعل وقع الأقدام أقرب إلى قرع الطبول داخل الإذن مباشرة، وأصوات الأماكن العامة تطغى على أصوات الممثلين.
ما يبدو أن هذا المسلسل آل إليه، بالحكم على الحلقة 21، هو التأكيد على أن حالة من الكآبة تسود معظم من فيه. وليس هناك ثنائي متزوج سعيد على الإطلاق. هناك شيء ما يحدث، أو بالأحرى لا يحدث بين الشخصيات.. تلتقي وتتحدث، لكن هناك القليل جدا من التطور في الحلقة الواحدة، ثم عودة إلى منطلق مشابه في الحلقة التالية. إخراج أفضل كان يمكن له أن ينفض عن المسلسل كل هذا الغبار من الفذلكة البصرية والثرثرة الصورية والتكلف الأدائي، والاهتمام أولا وأخيرا بسرد حكاية ما ببساطة ووضوح.
11:16 دقيقه
شاشات: عائلة مصدومة
https://aawsat.com/home/article/142411
شاشات: عائلة مصدومة
هند صبري في «إمبراطورية مين»
شاشات: عائلة مصدومة
هند صبري في «إمبراطورية مين»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

