أطفال سوريا في زمن النزوح... أسماء على ورق بلا وطنhttps://aawsat.com/home/article/1412626/%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%B2%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B2%D9%88%D8%AD-%D8%A3%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%88%D8%B1%D9%82-%D8%A8%D9%84%D8%A7-%D9%88%D8%B7%D9%86
أطفال سوريا في زمن النزوح... أسماء على ورق بلا وطن
عملية تسجيل في مركز مدني («الشرق الأوسط»)
في سنوات الحرب السورية السبع، ولد عدد كبير من الأطفال في مناطق المعارضة أو بلدان النزوح. هؤلاء الاطفال لا يملكون حتى الآن جنسية بلدهم لأن لا قيود تثبت هويتهم وانتماءهم إلى بلدهم، وهم بذلك أسماء على ورق لا يعطيهم أي حق من حقوق المواطَنة. وفي النهاية لا بد من إيجاد حل يوصلهم الى بر الأمان لكي لا يكونوا رهائن في قبضة مستقبل مجهول.
يقول مدير الإدارة العامة للشؤون المدنية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية عبد الرزاق رزوق لـ"الشرق الأوسط" إن "هناك أعداداً كبيرة من الأطفال الذين لم يسجلّوا لتصبح أعمار الجيل الأول من الذين ولدوا في بداية الحرب سبع سنوات، وبالتالي هناك عشرات الآلاف ممن لا يملكون وثائق رسمية تؤهلهم لدخول المدارس. وفي هذه الحالة سينشأ لدينا جيل عديم التعليم، مما قد يؤدي إلى انتشار الأمية والجهل في المجتمع بنسب مرعبة". ويضيف: "حدوث آلاف الولادات والوفيات والزيجات من دون وجود تدوين وإصدار وثائق رسمية قد يؤثر بشكل كبير على المجتمع وخاصة فئة المواليد".
ويوضح رزوق أن "عدد الولادات المسجلة منذ عام 2015 بلغ ما يقارب 72115، والعدد المقدّر للأطفال غير المسجلين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة هو 250 ألف طفل، وذلك بسبب التهجير المستمر للسكان وفقدان الوثائق في خضم المعارك". ويزيد أن هناك "أعداداً كبيرة من الأطفال الذين يجري تسجيلهم بعد عرضهم على لجنة لتقدير أعمارهم إذا لم يكن ذووهم يعرفون التاريخ الدقيق للولادة، أو يكون الطفل قد فقد والديه في الحرب. لكن المشكلة هي الاعتراف بهذه الولادات لاحقاً لتكون موثّقة".
تجدر الإشارة إلى أن المراكز التي تتبع للإدارة العامة للشؤون المدنية "تعمل ولكن بشكل جزئي، ولا تغطي كل المناطق. فالأعداد كبيرة جداً ويجب تداركها بأسرع وقت، ولدينا خطة تبدأ بعملية إحصاء شاملة تحت إشراف الأمم المتحدة نمهيدا لمنح المواطنين أوراقا رسمية والعمل على زيادة مراكز السجل المدني"، كما يقول رزوق.
*استغلال
ويبدي الباحث الاجتماعي أمجد الحراث خشيته من أن يصبح أغلب هؤلاء الأطفال عرضة للاستغلال في المستقبل، "فالرقم كبير ومخيف، وثمة عائلات كاملة بلا تسجيل".
ومن هذه الحالات في الداخل السوري حالة أبو محمد ابن مدينة دير الزور الذي يقطن في ريف حلب الشمالي، والبالغ من العمر 35 سنة. فهو متزوج وعنده ثلاثة أولاد، وحتى الآن لم يستطع تدوين واقعة الزواج ليتمكن بعدها من تسجيل أبنائه، مع العلم أن ابنه البكر أصبح عمره 6 سنوات، فالعائلة كلها "مكتومة القيد" ولا وجود لها في السجلات.
ويرى اختصاصيون أن الوضع إن استمر على هذا النحو سيسبب ظاهرة "المكتومية"، أي وجود أعداد ضخمة لأطفال بلا قيود. وهذا أمر لا حل له إلا بإجراء تعداد سكاني، علماً أن التعداد الأخير أجري عام 2004.
القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.
ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.
ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.
وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.
وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».
وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.
وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.
أزمات الفلاحين
سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.
يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.
على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.
تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».
ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.
وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».
ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.
وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.
يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».
فرصة ثانية
يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.
أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.
ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».
أنواع جديدة
يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.
ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.