بلباو.. مدينة الفن والجمال

عاصمة إقليم الباسك ومقر لمتحف غوغنهايم

بلباو.. مدينة الفن والجمال
TT

بلباو.. مدينة الفن والجمال

بلباو.. مدينة الفن والجمال

ضمن برنامج لسياحة المدن الأوروبية، تبدو بلباو التي تقع في شمال إسبانيا على خليج البيسكاي، من أجمل المدن الحديثة التي توفر لمسات من أسلوب حياة هادئة وفرص جيدة للتسوق. كما توفر المناطق الريفية المحيطة فرص زيارات خارج المدينة وقيادة ممتعة في طرقها الرائعة. وهي أيضا توفر شواطئ للاسترخاء في فصل الصيف على مقربة 14 كيلومترا من المدينة، وبها متحف غوغنهايم الشهير، وهو أحد عدة متاحف تحمل الاسم نفسه حول العالم. وبذلك تجمع المدينة بين سياحة المدن والشواطئ والتسوق والتذوق الفني.
وهي من أكبر مدن إقليم الباسك وبها مليون من التعداد وتعد عاشر أكبر مدينة إسبانية. ويقول تاريخ المدينة إنها تأسست في القرن الـ14 وكانت مركزا تجاريا هاما عبر ميناء المدينة الذي اشتهر بتصدير الحديد المستخرج من مناجم محلية. وفي القرن الـ19 تحولت المدينة إلى الصناعة وأصبحت من أهم المراكز الصناعية في إسبانيا بعد برشلونة. وهي في الوقت الحاضر مركز خدمات وسياحة بمشاريع متعددة لتحسين البنية التحتية، ويعد متحف غوغنهايم مركز المدينة الثقافي. وهي تهتم الآن بتحسين مطارها المحلي وخطوط الترام والمواصلات استعدادا لنهضة سياحية تنتظرها في السنوات المقبلة.
ويختلف الإسبان على أصل الاسم وإن كان يتعلق بالنهر المحلي والمجتمعات التي كانت قائمة. ويطلق الباسك اسم «بلبو» على المدينة ولكنهم لا يصرون على التسمية بعد انتشار اسم بلباو عالميا. وهناك أصول لسكان في المنطقة تعود إلى القرن الأول الميلادي.
وهي تناسب من يفضل المناخ المعتدل الذي يميل إلى البرودة حيث نصف أيام العام ممطرة في بلباو ونصفها الآخر يسوده السحب بسبب قربها من خليج البيسكاي. وأكثر أيام العام الممطرة تقع بين شهري أكتوبر (تشرين الأول) وأبريل (نيسان). أما أكثر الشهور الممطرة فهو شهر نوفمبر (تشرين الثاني). ولذلك تبدو المنطقة خضراء وناضرة ومزهرة معظم فترات العام. ولا تزيد درجة الحرارة خلال فصل الصيف عن 30 درجة مئوية تنخفض إلى سبع درجات فقط خلال فصل الشتاء.
من الناحية الاقتصادية ازدهرت بلباو في القرن الـ19 والنصف الأول من القرن الـ20 بفضل نشاط الميناء وتجارة الحديد والمواد الزراعية. وجرى تأسيس بنك بلباو في عام 1890 وبعده بنك بيسكاي في عام 1901. وبعدها اندمج البنكان في مؤسسة واحدة. وتغير هيكل اقتصاد المدينة بالتحول نحو الخدمات بعد أزمة اقتصادية عصفت بالقطاع الصناعي في البلاد في عقد الثمانينات. وهي الآن مقر للكثير من الشركات الكبرى في العالم ويصل متوسط الدخل الفردي فيها إلى 26 ألف يورو سنويا، وهو أعلى من المعدل الإسباني الذي لا يزيد عن 22 ألف يورو سنويا.
وتعد التجارة ونشاط المعمار من أقوى القطاعات الاقتصادية في المدينة في الوقت الحاضر. ورغم أن معدل البطالة يصل في بلباو إلى 14 في المائة فإنه يظل أفضل من المعدل الإسباني الذي يتخطى 18 في المائة.
ويعد الميناء شريان الحياة للمدينة حيث يستقبل 67 ألف راكب بحري و2770 سفينة سنويا، وهو يوفر وظائف لنحو عشرة آلاف عامل في المدينة. وتعد روسيا والدول الاسكندنافية وبريطانيا من أهم الشركاء التجاريين لبلباو التي تعد من ضمن أكبر خمس موانئ إسبانية.
وتعود جذور السياحة في المدينة إلى عام 1872 بعد استكمال خط حديدي يربط بلباو بالمنطقة المحيطة. واشتهرت بلباو حينذاك بأنها مقصد سياحي للشواطئ يأتي إليها السكان من المناطق الريفية المحيطة.
ولكن سياحة العصر الحديث بدأت مع افتتاح متحف غوغنهايم في المدينة في عام 1997. وانعكس وجود المتحف فورا على ارتفاع أعداد السياح التي تزور المدينة سنويا. ووصل عدد سياح بلباو في عام 2009 إلى نحو 615 ألف سائح، وهو ارتفاع ملحوظ مقارنة بعام 1995 الذي استقبلت فيه المدينة نحو 25 ألف سائح فقط. وتستقطب بلباو نحو ثلث زوار إقليم الباسك، وهي الوجهة السياحية الأولى في الإقليم.
ويأتي معظم سياح بلباو من داخل إسبانيا، خصوصا من مدريد وكتالونيا، كما يزورها سياح من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا. وتوفر السياحة دخلا سنويا يبلغ 300 مليون يورو للمدينة. وتستقبل المدينة أيضا الكثير من رجال الأعمال حيث تنظم سنويا مؤتمرات ومعارض تخص مختلف مجالات الأعمال. كما تقع في المدينة بورصة للأوراق المالية، وهي واحدة من أربع بورصات إسبانية تقع في كل من مدريد وبرشلونة وفالنسيا.
وتنتشر في المدينة الكثير من الفنادق الحديثة والمطاعم المتنوعة التي تقدم الأطباق الإسبانية والدولية. وفي الشوارع المؤدية إلى قلب المدينة تنتشر محلات بيع الهدايا والخدمات السياحية. وهي تختلف عن مدن إسبانيا السياحية في الجنوب في أنها لا تخصص جوانب في المدن للسياح وخدماتهم بينما يعيش الإسبان حياتهم العادية في جوانب أخرى، بل يعيش سكان بلباو حياتهم العادية في المدينة ويختلطون بالسياح على نحو يومي.

* مواقع سياحية في بلباو يجب زيارتها:
- متحف غوغنهايم: ويضم مجموعة من نماذج الفن الحديث داخله ولكن تصميم المتحف نفسه وشكله الفريد هو ما يجذب السياح إليه. وصمم هذه التحفة المعمارية المهندس الأميركي الشهير فرانك غيهري، وهو مصنوع من الصلب والزجاج ويقع على الضفة الجنوبية من النهر بجوار جسر يربط المدينة بضواحيها. ومن ضمن المعروضات التي لاقت نجاحا هذا الصيف كان معرض للفنانة يوكو أونو. ويعد المعرض من أهم الملامح الثقافية في بلباو. ويفتح المتحف أبوابه يوميا من العاشرة صباحا وحتى الثامنة مساء من الثلاثاء وحتى الأحد.
- متحف الفنون الجميلة: وهو متحف صغير الحجم ويهتم بالفنون الجميلة الكلاسيكية ويضم مجموعة كبيرة من اللوحات والتماثيل الإسبانية والأوروبية ويجذب أعدادا متزايدة من السياح.
- مسرح ارياجا: وهو يقع في ميدان يحمل الاسم نفسه وجرى بناء المسرح على تصميم مسرح الأوبرا في باريس وانتهى العمل فيه في عام 1890. ويحمل المسرح اسم أحد مؤلفي الموسيقى التاريخيين في المنطقة. وهو يجمع بين أكثر من أسلوب معماري، وكان من أول المسارح في أوروبا في استخدام مصابيح الكهرباء في بداية عهده. وفي عام 1914 قضى حريق على المسرح، فجرى بناء المسرح الجديد في الموقع نفسه بسعة أكبر وإجراءات أمان أفضل. ويملك المجلس المحلي هذا المسرح حاليا وتقدم عليه منوعات ما بين الأوبرا والباليه والحفلات الموسيقية والمسرحيات.
- مركز البونديغا: وهو مركز تسلية وألعاب يقع في ميدان اريكويبار. ويحتوي الطابق الأرضي على عشرات الأعمدة، كل منها بتصميم مختلف. ويضم المبنى مركز ألعاب رياضية «جيمنيزيوم» وحمام سباحة ومكتبة ضخمة ومطاعم ودور سينما. وهو يزدحم بالجمهور، خصوصا الأطفال، معظم أيام الأسبوع. وكان المبنى في الأصل بورصة لتعاقدات محاصيل الذرة حتى انتقلت إلى موقع آخر وجرى تحويل المبنى في السبعينات إلى نشاطه الحالي.
- بلازا نويفا: وهو ميدان يقع في قلب الحي القديم من المدينة. ورغم اسمه فإن تاريخ الإنشاء يعود إلى عام 1829 وكان اسمه «بلازا دو فرناندو». وتقع أكاديمية لغة الباسك في قلب الميدان وتنتشر في الأرجاء المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية المختلفة. ويقام في الميدان كل يوم أحد سوق للعاديات والأنتيكات من عملات وطوابع وكتب وأغراض أخرى. وتجرى احتفالات المدينة ومهرجاناتها في هذا الميدان.
- قصر ديبيوتاسيون: وهو قصر تاريخي يعود إلى بداية القرن الـ20 ويضم تحفا أوروبية وقاعات مصممة على نمط قاعات قصر فرساي الفرنسي. يمكن للزائر التجول في القصر ومشاهدة محتوياته يوميا في جولات منظمة يقودها دليل محلي. وهو يقع في وسط المدينة في شارع غران فيا دون دييغو لوبيز دو هارو.
هذا وتقام الكثير من أسواق الشوارع في بلباو، إحداها اسمها بولوتا وتقام كل يوم أحد في شارع كالا تيليريا وتستمر من الصباح وحتى الثانية ظهرا. وهناك سوق أخرى تقام كل يوم أربعاء في شارع جوليان غياران، هذا بالإضافة إلى سوق بلازا نويفا أيام الأحد وسوق «دوس دي مايو» التي تقام في أول سبت من كل شهر.
وفي بلباو توجد حافلة سياحية تطوف بالزوار في أرجاء المدينة كما توجد أيضا زوارق سياحية تقوم بجولات يومية في النهر الذي يخترق المدينة، كما توجد مدينة سياحية قريبة تبعد 25 دقيقة بالمترو عن بلباو اسمها بورتوغاليتا ويمكن قضاء يوم من العطلة فيها للتجول بين شوارعها والتعرف على معالمها. وهي تمثل نموذجا لمدينة حديثة في إقليم الباسك وتشتهر بحسن استقبال السياح.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».