قراءة في خلفيات الصراع الجديد على طرابلس

تحرّك عسكري في العاصمة الليبية يربك خططاً للإصلاح

قراءة في خلفيات الصراع الجديد على طرابلس
TT

قراءة في خلفيات الصراع الجديد على طرابلس

قراءة في خلفيات الصراع الجديد على طرابلس

أربك تحرك عسكري جديد في العاصمة الليبية طرابلس، خطط إصلاح سياسية واقتصادية. ودخلت المدينة في صراع جديد، منذ مطلع الأسبوع، عقب هجوم مباغت قامت به قوات عسكرية تضم ألوف المقاتلين، من بينهم رجال كانوا من «النخبة» في عهد معمر القذافي.
وانطلقت قوات تعرف باسم «اللواء السابع»، المدججة بالأسلحة الثقيلة، من تمركزاتها في معسكرات بلدة ترهونة التي تبعد نحو سبعين كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة، ودخلت طرابلس تحت قذائف المدفعية. وانضم إليها عسكريون آخرون، من بلدات وقبائل معروف عنها أنها مناوئة لحكم رئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج، المدعوم دولياً. ويبدو أن «اللواء السابع» استغل حالة الغضب في طرابلس من سوء الخدمات، ونقص الخبز، وانقطاع الكهرباء والمياه، وتأخر صرف الرواتب. بالإضافة إلى استمرار سجن قيادات من النظام السابق طوال السنوات السبع الماضية، وأخيراً صدور حكم بالإعدام على نحو خمسين من جنود الجيش، بتهمة قتلهم مسلحين أجانب واثنين من الليبيين في انتفاضة 2011.

أدى اقتحام طرابلس، خلال الأيام القليلة الفائتة، إلى إزاحة خطط بطيئة للإصلاح في ليبيا، إلى خلفية المشهد. فحتى أيام قليلة مضت كان مجلس النواب الذي يعقد جلساته في الشرق الليبي، برئاسة المستشار عقيلة صالح، يسعى لتعديل تشريعات يمكن أن تسهم في الوصول لحل سياسي يفضي لانتخابات عامة، بينما كان المجلس الرئاسي في طرابلس، برئاسة فايز السراج، يبحث تحرير سعر صرف العملة، ورفع الدعم، والحصول على قروض دولية لإنعاش الاقتصاد.
تبدو الأمور معقدة أمام المراقب للتطورات في ليبيا. إذ يفترض أن «اللواء السابع»، تابع للحرس الرئاسي الموالي للسراج. وكان الحرس الرئاسي نفسه في طرابلس، بقيادة العميد نجمي الناكوع، قد تعرّض في السابق للهجوم، على يد ميليشيات موالية للسراج أيضاً. وما زال الناكوع موالياً للمجلس الرئاسي نفسه، لكن غالبية قواته تشتتت، ولم تعد كما كانت عليه في الماضي.
ولا يوجد راهناً وزير للدفاع في حكومة السراج، بعدما دخل العقيد المهدي البرغثي، وزيره السابق، في نزاع معه قبل شهور حول قانونية استمراره في موقعه الوزاري. وعلى كل حال، تسبب هجوم «اللواء السابع»، على العاصمة خلال الأيام الأخيرة في خلط الأوراق من جديد. وقال مصدر في المجلس الرئاسي، إن «قادة هؤلاء العسكريين أصبحوا في حكم المتمردين، وينبغي مواجهتهم بكل السبل».

- تفاصيل ميدانية
مع الساعات الأولى من فجر يوم الاثنين كانت قوات «اللواء السابع» قد دخلت من معظم محاور طرابلس، وسيطرت على مناطق صلاح الدين والسدرة، واجتاحت طريق النصب التذكاري في عين زارة، وسيطرت على مناطق خلة الفرجان والمطار الدولي والهضبة التي يوجد فيها مقر كلية الشرطة، وكذلك منطقة باب العزيزية، التي كانت في السابق مقراً لحكم العقيد معمّر القذافي.
وشوهدت القوات التي يعتمد عليها السراج وهي تتقهقر في اتجاه الشوارع المطلة على بحر العاصمة، ومنها قوات «كتيبة ثوار طرابلس» و«الردع»، وغيرها. وتحت وطأة المفاجأة، أخذ موالون للمجلس الرئاسي يسرّبون أنباء عن أن القوات التي دخلت طرابلس هي قوات تابعة للسراج، بصفته القائد الأعلى للجيش، بهدف القضاء على الميليشيات المسلحة. ومن الجانب الآخر، شرع موالون للمشير خليفة حفتر، الذي يقود الجيش التابع للبرلمان، يروّجون لمقولة أن تحرّك جحافل القوات من ترهونة في اتجاه طرابلس، يجري بتنسيق مع حفتر.
قيادي في اللجان الثورية، التي كان يعتمد عليها القذافي طوال عقود حكمه، يقول إن هذا غير صحيح... فـ«القوات التي دخلت طرابلس لا تتبع السراج، ولا تتبع حفتر». ويضيف «لقد عزّز من مثل هذا الارتباك إقدام وسائل إعلام محسوبة على السراج على الاحتفاء بعرض عسكري كبير قام به (اللواء السابع) والمعسكرات التابعة له العام الماضي، في ترهونة، وكذلك احتفاء وسائل إعلام تابعة لحفتر، بالعرض نفسه. ومنذ ذلك الوقت حاول كل طرف استقطاب قوات (اللواء السابع)...».
ويشير القيادي في اللجان الثورية إلى أن السراج كان ساعة الهجوم، موجوداً في مطار إمعيتيقة، وأن سيارات عسكرية تقدّمت لتأمينه، ونقله على عجل إلى القاعدة العسكرية التي يوجد فيها مقرّ المجلس الرئاسي في بو ستة على شاطئ طرابلس، مع العلم أنه توجد قوات إيطالية في القاعدة نفسها. واستقبل السراج في مقره هذا، مبعوثين دوليين، على الرغم من الاشتباكات والفوضى.
للعلم، ينتمي قادة الأجسام الأربعة الظاهرة على مسرح الحكم في ليبيا، إلى ما يعرف بـ«ثورة فبراير (شباط)» التي أسقطت حكم القذافي بمساعدة حلف شمال الأطلسي (الناتو). وكان هؤلاء القادة الأربعة التقوا في العاصمة الفرنسية باريس برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل ثلاثة أشهر؛ ما أثار حفيظة الإيطاليين. وظهر أن من بين المعتقدات التي تحرك بها الضباط والجنود، من مراكزهم في معسكرات ترهونة، إلى طرابلس، أن «كل هذه أجسام حكم وهمية... وحان الوقت لكي تختفي من المشهد». ويمكن أن يؤدي مثل هذا الطرح إلى مشكلات بين هؤلاء العسكريين، والمجتمع الدولي.
حالياً، يجري بحث إمكانية وقف إطلاق النار، وتجنب إراقة الكثير من الدماء. إلا أن قيادياً كبيراً من منظّمي الهجوم على طرابلس يقول إن هذا ممكن في حالة ما إذا انصاعت ميليشيات العاصمة لمشروع يقضي بتسليم أسلحتها. وهذا يعني سلب السراج مصدر قوته. وبالتالي، يمكن لخصومه في شرق ليبيا وغربها استغلال الوضع لإقصائه عن الحكم.

- أضلاع الميليشيات
ومن أبرز القوى التي ينظر إليها كأضلاع رئيسية للميليشيات في طرابلس «كتيبة ثوار طرابلس» بقيادة هيثم التاجوري و«قوة الردع الخاصة» بقيادة الاسلامي عبد الرؤوف كارا. ويعتمد السراج على هاتين المجموعتين في تأمين العاصمة، مع قوات نظامية تابعة لكل من الجيش ووزارة الداخلية. وما زال لدى غالبية ضباط هذه القوات النظامية، المشتتة والضعيفة، حنين للماضي، ولا سيما، أنهم كانوا في السابق رجال الأمن المخلصين في نظام القذافي. وخلال الساعات الـ24 الماضية، قصفت الفرقة القادمة من ترهونة معسكرات «التاجوري» و«كارا». وكان هذا الأخير محاصراً من محاور عدة. وبالإضافة إلى «كتيبة ثوار طرابلس»، هناك مجموعة ميليشياوية رابعة في العاصمة تعرف باسم «كتيبة الأمن المركزي» بقيادة عبد الغني الككلي وكانت حتى وقت قريب موالية للسراج، لكنها دخلت في خلافات معه في الشهرين الماضيين، وأصبحت شبه معزولة. لهذا؛ يبدو أنها لم تستطع مقاومة قوات «اللواء السابع مشاة» الآتي من ترهونة في العملية الأخيرة.
ما يذكر أنه منذ منتصف عام 2016، كانت ميليشيات طرابلس قد تمكنت من الانفراد بالهيمنة على أمن العاصمة. ويطغى على توجهات قادة هذه الميليشيات تيار ديني يعرف بـ«الوسطي»، وذلك بسبب دخوله في حروب مع قوات محسوبة على المتشددين، من جماعة «الإخوان»، و«الجماعة الليبية المقاتلة»، حيث وقعت مناوشات بين الطرفين قرب مطار إمعيتيقة انطلاقاً من منطقتي تاجوراء والخُمس مرات عدة في الشهور الأخيرة.
وأمام التحرّك المباغت لـ«اللواء السابع»، شعرت قوات حلف «الإخوان» و«المقاتلة» في تاجوراء والخُمس ومصراتة بأنها خارج المشهد، محلياً. وعلى الصعيد الدولي بدا، من خلال تحركات كثير الدبلوماسيين الأجانب والعرب، أن الصورة غير واضحة للجميع. وأن تحرك العسكريين من ترهونة، من الخطوات النادرة التي تتخذها قوات نظامية ليس لديها سند خارجي (دولي، أو إقليمي) يذكر، وذلك منذ هزيمة نظام القذافي في 2011.
وفي غرفة عمليات عسكرية، كانت هناك اتصالات من جانب ضباط أبدوا رغبتهم، لأول مرة منذ إطاحة نظام القذافي، في الانضمام إلى تحرّك ترهونة، والمشاركة في السيطرة على العاصمة. كما تلقّت الغرفة اتصالات من جانب دبلوماسيين غربيين. وكانت هناك رغبة في فهم ما يجري سريعاً. لكن كل دقيقة كانت تأتي بأنباء جديدة تزيد من غموض الصورة.

- القصف الجوي
إذ استخدم عسكريون موالون للسراج سلاح الطيران، انطلاقاً من قاعدة الوطية في محاولة لضرب الخطوط الخلفية للقوات التي تقدمت إلى طرابلس. وجرى بالفعل استهداف معسكرات في ترهونة. وحسب شاهد عيان «القصف طال ميدان المدينة أيضاً، والخسائر البشرية وصلت لعشرين قتيلاً. ووردت بلاغات أخرى بأن القصف لم يحدث الخسائر التي كانت متوقعة لعرقلة (اللواء السابع)».
وتخضع قاعدة معيتيقة، حالياً، لنفوذ قوات تابعة لما يعرف بـ«المنطقة العسكرية الغربية» المعينة من السراج. ويعد البعض خطوة استخدام الطيران الحربي مجازفة، ربما يكون لها تداعيات دولية أيضاً. ويقول مصدر دبلوماسي بهذا الصدد «حتى الآن تعارض كل من فرنسا وروسيا استخدام الطيران الحربي في الاشتباكات. ويبدو أن إيطاليا لديها موقف مغاير».
من ناحية ثانية، نددت قيادات محلية في ترهونة بالقصف الجوي، وحمّلت المجلس الرئاسي المسؤولية. لكن مسؤولاً في المجلس يقول، إنه «يرفض أي عمليات جوية مهما كانت الأسباب... لا وجود لأي نية من الحكومة لاستعمال السلاح الجوي ضد أبناء الشعب».
وهنا لا بأس من الإشارة إلى أنه، بالنظر إلى الماضي، وطوال تاريخ ليبيا، كان المحتلون الأجانب يخشون من البوابة الجنوبية الشرقية لطرابلس، باعتبارها أسهل مدخل لمن يسعى للسيطرة على المدينة. ويتذكر أهالي ترهونة اسم الطيار الإيطالي، كارلو ماريا، الذي قام بقصف بلدتهم أثناء دخول قوات موسوليني لليبيا، في النصف الأول من القرن الماضي.

- تفاصيل عن الاقتحام
من بين مداخلات كثيرة، في مساء يوم الأربعاء وصباح يوم الخميس، مع ضباط يشاركون في قيادة عملية اقتحام طرابلس، يظهر أن هؤلاء كانوا يتبعون طريقاً خاصة، طوال السنوات الثلاث الماضية، ليضمن لهم النمو بعيداً عن أي عراقيل. فقد فتحوا، كقيادات، منذ البداية، خطوط اتصال مع الجميع. واستقبلوا عدداً كبيراً من العسكريين الموالين للنظام السابق، وقاموا بتسليحهم. ويقول أحد المقربين من القذافي، وهو يتابع توغل «اللواء السابع» في العاصمة: «أمراء المحاور معروفون لدينا جيداً... إنهم من النخبة».
وظهر اسم «اللواء السابع» في وسائل الإعلام، بعد اجتياحه طرابلس، بصفتها قوات غير معروفة الولاء. لكن قائداً عسكرياً يقول، إن هذا اللواء منضبط وهو جزء من فرقة عسكرية كبيرة تتمركز في ترهونة، وهذه الفرقة تضم معسكرات كثيرة، والقادة الذين فيها تمكنوا، في السنوات الأخيرة، من العمل في صمت، وجمعوا عتاداً ضخماً من الأسلحة، بما فيها الدبابات والمدرعات والصواريخ.
ويضيف «بداية تجمع هذه القوات بدأ قبل نحو ثلاثة أعوام عن طريق عائلة كبيرة معروفة في ترهونة. وتمكن أربعة أشقاء من العائلة المشار إليها، وأحدهم عسكري من نظام القذافي، من إعادة فتح أبواب المعسكرات التي تعرّضت للقصف من حلف الناتو أثناء الانتفاضة المسلحة في 2011».
هذا، ويحرص معظم قادة «اللواء السابع» على تحاشي الظهور امام الأضواء، وفي المقابل يجري تداول أسماء الأشقاء الأربعة في العائلة الترهونية، باعتبارهم الواجهة، وعلى أساس أنهم هم أول من بدأ في فتح الباب لكل هذه التشكيلات العسكرية... «في البداية جرى الاتفاق مع وجهاء المدينة على ميثاق بأن هذه القوات مكلفة بالدفاع عن ترهونة، فقط، رغم أن هذه القوات تنتمي إلى مدن وقبائل مختلفة».
وساهمت الأرضية في ترهونة لمثل هذا الأمر. فقد كانت المدينة تضم واحدة من أشد كتائب حرس القذافي شراسة. لقد كانت هذه الكتيبة، حتى سقوط النظام القذافي، تضم نحو ألفي عنصر، إلى جانب معسكرات الجيش. ومنذ وقت مبكر أيضاً، أي قبل نحو سنتين، جرى الاتفاق بين قبائل ترهونة وهؤلاء العسكريين، مرة أخرى، على رفض الانحياز لأي طرف من الأطراف المتصارعة في ليبيا، سواءً في الشرق أو في الغرب.
حتى مدينة بني وليد، التي تعد عاصمة لقبيلة ورفلة الكثيرة العدد - التي ما زالت تضم قيادات موالية للنظام السابق، وترفع أعلام الدولة في زمن القذافي - لم تكن تعلم بما يدور في معسكرات ترهونة. ويقول قيادي قبلي من ورفلة «كنا ننسق ونراقب، لكننا لم نعرف بساعة الصفر». وثمة اليوم مخاوف لدى مجموعة المجلس الرئاسي من التحاق قبيلة كبيرة أخرى، هي ورشفانة، بقوات «اللواء السابع». وتعتبر ورشافنة أقرب إلى العاصمة من مدينة بني وليد. ومن جانبه، يضيف القيادي الورفلي «إذا دخلت ورشفانة إلى طرابلس، سندخل لمساعدتهم». إلا أن قائداً عسكرياً في ترهونة يقول إن «اللواء السابع» بدأ منذ يوم الأربعاء في تلقي الدعم، بالفعل، من جهات معروف عنها رفضها «الثورة التي أطاحت القذافي»، ومنها بني وليد وقبائل ورشفانة والأصابعة والمقارحة، وغيرها.
وفي تعليق على الوضع يشرح قائد عسكري قائلاً «ظل (اللواء السابع)، في السابق، منزوياً بعيداً عن أي نزاع، لدرجة أن بعض القوى كانت تسخر من اعتكافه على نفسه داخل معسكراته... ولم يأبه بمن كانوا يتندرون عليه. وسمحت طول فترة الإعداد، بتكديس الألوف من قطع الأسلحة، وبالاستمرار في التدريبات العسكرية في معسكراته». ويتابع أن «أكبر الخسائر العسكرية التي تعرض لها الجيش الليبي والقوى الأمنية في 2011، كانت من بين عناصر هذه المعسكرات، وأن أكبر عدد من الأسرى (على يد زعماء ثورة فبراير) كان أيضاً من بين هؤلاء العسكريين... أعتقد أن خططهم، وتقدمهم، كان محسوباً جيداً؛ حتى لا تتكرر مأساة الماضي».

- بيان «اللواء السابع»
أخيراً، أعلن «اللواء السابع» في بيان، أن العملية العسكرية التي يخوضها في طرابلس «ليست طلباً للسلطة، أو طمعاً في مغانم»، بل أتى «لإغاثة المواطنين المستضعفين والمظلومين من قبل الميليشيات»، وأنه حريص على سلامة العاصمة، وأهلها؛ التزاماً بالعقيدة الوطنية والعسكرية. وتابع أيضاً إنه يطمئن «كل السفارات والشركات والمواطنين الأجانب بأنهم سيكونون تحت حماية الجيش والشرطة».
لكن مع هذا، يسود اعتقاد بأن المجتمع الدولي لن يترك المجلس الرئاسي يواجه مصيره وحده أمام خطط «اللواء السابع» للسيطرة على العاصمة. فلقد استقبل السراج في طرابلس، أخيراً، كلاً من الوزير اللبناني السابق الدكتور غسان سلامة، رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ونائبته للشؤون السياسية الأميركية ستيفاني ويليامز، وجرى خلال اللقاء بحث «معالجات ضرورية» لإنهاء المواجهات المسلحة في العاصمة، بأسرع وقت ممكن، لكن لم تظهر طريقة محددة بعد للتوصل إلى مثل هذه «المعالجات».

- بُعد اجتماعي وقبلي وسياسي
من بين ما قامت به قيادات «اللواء السابع» خلال السنوات الماضية، التفاوض مع حكام طرابلس على إطلاق سراح المسجونين منهم في سجون الميليشيات. وتمكنت حقاً من استعادة مئات عدة من ضباط وجنود كانوا موقوفين بتهمة موالاة النظام السابق.
وبالتزامن مع هذا، عمل قادة «اللواء السابع»، كذلك، على استقطاب عسكريين من زملائهم، وبخاصة أن الجيش الليبي يتميز، تاريخياً، بأن عدداً كبيراً من ضباطه وجنوده، في معظم الوحدات العسكرية والأمنية، ينتمون أساساً إلى مدينتي ترهونة وبني وليد.
وحدث هذا التغلغل لأبناء ترهونة وبني وليد داخل الجيش والأجهزة الأمنية الليبية في أعقاب تولي القذافي الحكم في عام 1969، بل إن نحو ألفي عسكري، ممن كانوا يتمركزون في ترهونة، تحركوا بآلياتهم الثقيلة في «ثورة القذافي» للمشاركة في السيطرة على طرابلس. وكان على رأس كتيبة المشاة في ذلك الزمن، وزير الدفاع فيما بعد، أبو بكر يونس، الذي قتل مع القذافي في سرت. وكانت من أوائل الوحدات التي دخلت طرابلس لتعضيد حكم القذافي منذ بدايته.
وبعد ذلك انتقلت أعداد كبيرة من أبناء ترهونة وبني وليد للإقامة بشكل دائم في العاصمة، مدفوعين بقرب أبنائهم من السلطة آنذاك. واستوطنوا ضواحي الهضبة وتاجوراء، وغيرهما. وتعد هذه في حد ذاتها أرضية خصبة لمن دخلوا خلال الأيام الأخيرة إلى طرابلس.
وحسب كلام مصدر أمني، فإن عدد عناصر معسكرات ترهونة، ومنها «اللواء السابع»، يبلغ نحو سبعة آلاف مقاتل، من بينهم نحو خمسة آلاف من النظاميين، و2000 من المتطوعين المدنيين. ويضيف المصدر، أن معظم عناصر هذه المعسكرات، كانوا أثناء الانتفاضة المسلحة ضد القذافي، من قوات النخبة في «اللواء 32 معزّز» الذي يتسم بالشراسة، وكان يقوده خميس نجل الرئيس الليبي الراحل، قبل مقتله.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».