الحريري يستأنف مشاورات تأليف الحكومة وسط «ألغام» الشروط

مصادر بعبدا: عون سيصارح اللبنانيين بأسباب التعطيل ويطرح خياراته

TT

الحريري يستأنف مشاورات تأليف الحكومة وسط «ألغام» الشروط

أقفل الشهر الثالث على تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، على مزيد من التعقيدات التي تؤخر ولادة حكومته الثالثة، في وقت شددت مصادر القصر الجمهوري على ضرورة الخروج من الجمود، وإيجاد الحلول لأزمة الحكومة خلال شهر (سبتمبر (أيلول) المقبل، لملاقاة الاستحقاقات والمؤتمرات التي سيشارك فيها لبنان، بخيارات سيلجأ إليها الرئيس ميشال عون قريباً.
وتترقب الأوساط السياسية عودة رئيس الحكومة إلى لبنان من عطلته التي أمضاها في الخارج، لطرح أفكار جديدة، تشكل مدخلاً للمعضلة الحكومية، إلا أن مصادر مقربة من الحريري كشفت لـ«الشرق الأوسط» أنه يراهن على تفهم كل الأطراف دقة المرحلة، وحاجة البلاد لحكومة تطلق المشاريع الاقتصادية والإصلاحية المطلوبة للنهوض بالبلاد». وقالت: «المطلوب من كل الأطراف أن تتراجع عن شروطها، وهذه مسؤولية الجميع وليست مسؤولية سعد الحريري وحده».
وأمام تصلب القوى السياسية في شروطها، أكدت المصادر المقربة من الحريري أنه «لا أحد قادر على إلغاء الآخر، والمطلوب من الجميع تقديم تنازلات، إذ من غير الممكن تكبير حجم الحكومة الجديدة لتلبية كل الطلبات، ولا تصغيرها لإقصاء البعض، والمهم أن تكون هناك حكومة شبيهة بحكومة تصريف الأعمال». ورأت أن «ثمة تمييزاً بين المواقف العلنية العالية السقف، والمواقف التفاوضية التي تتطلب مرونة وواقعية، طالما أن الوضع لم يعد يحتمل التأخير والمماطلة».
وفي موازاة الجهود التي يبذلها الحريري ثمة ترقب لخطوات قد يلجأ إليها رئيس الجمهورية في الأيام المقبلة، وأوضحت مصادر القصر الجمهوري لـ«الشرق الأوسط»، أن الرئيس عون «حدد مطلع شهر (سبتمبر) موعداً لتحريك ملف الحكومة بعد انتهاء العطل والأعياد التي مرت».
وقالت: «شهر أغسطس (آب) كان شهر الأعياد والاحتفالات، أما شهر (سبتمبر) فسيكون شهر الاستحقاقات». ولفتت إلى أن «مواقف الأطراف باتت معروفة من موضوع الحكومة، ولا أحد يرغب في تخفيف مطالبه، فهل يبقى رئيس الجمهورية متفرجاً؟»، مؤكدة أنه «ابتداء من مطلع ستكون هناك مقاربة جديدة لموضوع الحكومة، حيث سيطلع رئيس الجمهورية من الرئيس المكلف على آخر المستجدات، وإذا ما أيقن أن الأمور وصلت إلى حائط مسدود غير قابل للاختراق، عندها سيصارح اللبنانيين بأسباب تعطيل تأليف الحكومة، ومن ثم يطرح الخيارات التي لديه».
وتكثر التكهنات حول ماهية الخطوات التي سيلجأ إليها عون، ومطابقتها للنص الدستوري الذي لم يلحظ مهلة محددة لتأليف الحكومة، وكشفت مصادر قصر بعبدا، أن «من بين هذه الخيارات مخاطبة مجلس النواب واطلاعه على ما يحصل، وبحث ما يمكن فعله، والنظر بإمكان اللجوء إلى طرح آخر». وأعلنت أن «الخيارات التي يلوح بها رئيس الجمهورية لا تعني الانتقاص من دور وموقع الرئيس المكلف، ولا سحب التكليف في غياب نص دستوري». وقالت: «الرئيس عون ليس في وارد الصدام مع الرئيس الحريري، بل يرغب بمساعدته على الخروج من حالة الجمود القائمة».
وعن التفسير السياسي لمخاطبة مجلس النواب، وما إذا كان تلويحاً أو تلميحاً لدعوة البرلمان لسحب التكليف، شددت مصادر قصر بعبدا على أن «الرسالة هي لحث الكتل النيابية على التخفيف من تعقيداتها، وإعادة النظر بمواقفها، وعرض الواقع الذي تعيشه البلاد»، موضحة أن «الرئيس عون يطرح خيارات وليس قرارات». وأضافت: «نحن مقبلون على استحقاقات مهمة تفترض وجود حكومة، بدءاً من اجتماع البرلمان الأوروبي الذي سيحضره لبنان، واجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة والقمة الفرنكوفونية، ناهيك بالوضع الإقليمي الذي يفرض جهوزية وقرارات تتخذها الحكومة».
ويسود الاعتقاد أن مشاورات الحريري الجديدة قد لا تحقق اختراقاً في ظل الشروط والشروط المقابلة، وهو ما أشار إليه عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش الذي استبعد أي اختراق في الأزمة الحكومية، وأشار في حديث إلى «الشرق الأوسط» أن رئيس الحكومة المكلف «عازم على تقديم طروحات تخرج الحكومة من عنق الزجاجة، ومهمته لا تعترف بالاستسلام والركون إلى العجز، طالما أنه قادر على التواصل مع الجميع وطرح نقاشات موضوعية تنقذ البلاد».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.