لبنان: مؤسسات تجارية تنذر بإقفال جماعي وتسريح عاملين

مؤشر مبيعات التجزئة ينحدر إلى 45.7 نقطة في الفصل الثاني

الضغوط الاقتصادية المتزايدة تهدد الأنشطة التجارية في لبنان (أ.ب)
الضغوط الاقتصادية المتزايدة تهدد الأنشطة التجارية في لبنان (أ.ب)
TT

لبنان: مؤسسات تجارية تنذر بإقفال جماعي وتسريح عاملين

الضغوط الاقتصادية المتزايدة تهدد الأنشطة التجارية في لبنان (أ.ب)
الضغوط الاقتصادية المتزايدة تهدد الأنشطة التجارية في لبنان (أ.ب)

حذرت جمعية تجار بيروت من خطر اضطرار المؤسسات التي لا تزال قائمة إلى كفّ النشاط والإقفال التام وتسريح العاملين في المدى المتوسط، وبالتالي الخروج من حلقة المكلّفين الذين يؤمّنون نسبة كبيرة من العائدات لخزينة الدولة من ضرائب ورسوم. وبينت أن المؤسسات التجارية تتحمل ضغوطاً فائقة، وباتت تشكو من ضعف عام في نشاطها وأصبحت مهدّدة جدياً في المدى المتوسط.
وهذا الوضع ينطبق ليس فقط على المؤسسات الصغيرة أو المتوسطة، بل أيضاً على بعض المؤسسات العريقة والكبيرة ذات التواجد التاريخي في الأسواق اللبنانية، بمختلف قطاعاتها وعلى اختلاف تواجدها المنطقي.
وعكس «مؤشر جمعية تجار بيروت - فرنسَبنك لتجارة التجزئة»، الصادر أمس، جانبا مهما من أزمة القطاع التجاري، إذ أظهر انحدارا إضافيا إلى 45.71 نقطة في الفصل الثاني، مقابل 46.31 نقطة في الفصل الأول من هذه السنة. وهذا ما يشير إلى المسار التراجعي المتواصل منذ اعتماد «القياس 100» للمؤشر الأساس في نهاية الفصل الرابع من عام 2011، بينما أظهرت النتائج المجمّعة لأرقام أعمال قطاعات تجارة التجزئة انخفاضا حقيقياً ما بين الفصل الثاني لسنة 2018 والفصل الثاني للسنة السابقة، أشدّ من الانخفاض الذي شهدته في الفصل الأول لهذه السنة، حيث بلغ هذا الانخفاض الحقيقي، أي بعد وضع مؤشر غلاء المعيشة لهذه الفترة في الاعتبار، 9.74 في المائة.
ويهدف المؤشر الدوري إلى تزويد المجتمع التجاري بأداة علمية تعكس المنحى الذي يشهده نشاط التجارة بالتجزئة بشكل فصلي (كل 3 أشهر)، علماً بأن هذا المؤشر يتمّ احتسابه من خلال إحصاءات عينة تمثيلية تضمّ أهم قطاعات تجارة السلع والخدمات بالتجزئة (45 قطاعا بحسب تصنيف إدارة الإحصاء المركزي). وقد تمّ اختيار الشركات المساهمة في هذه العينة من قبل جمعية تجار بيروت وفقاً لمعايير دقيقة تؤخد أساساً في الاعتبار حجم المؤسسة داخل القطاع الذي تنتمي إليه، وأيضاً استعداد المؤسسة للالتزام بتزويد الجمعية كل 3 أشهر بالنسبة المئوية الفصلية للتحسّن أو التراجع في أرقام أعمالها، مقارنة مع الفصل نفسه من السنة السابقة، وأيضاً مقارنة مع الفصل السابق له.
وفي السياق، ظهرت إحصاءات غير مشجّعة وذات تأثير على الحركة التجارية. فمؤشر غلاء المعيشة للفصل الثاني من هذه السنة بالمقارنة مع الفصل نفسه من السنة الماضية، أظهر وفقاً لإدارة الإحصاء المركزي، أقوى ارتفاع له منذ نحو خمس سنوات، حيث بلغ مستوى 7.61 في المائة. والجزء الأكبر من هذا التضخّم لا بد أنه ناتج عن الزيادات في الرسوم والضرائب، إضافة إلى الضرائب المستحدثة التي أقرّها مجلس النواب، والتي سبق أن تمّ التحفّظ على تطبيقها من قِبل الهيئات الاقتصادية، لا سيما في ظلّ هذه الأوضاع غير المواتية للاقتصاد اللبناني. فكانت النتيجة الحتمية ارتفاعاً في الأسعار متزامناً مع استمرار تدهور القوة الشرائية لدى الأسر اللبنانية، مع كل ما ينتج عن هكذا حال من تراجع في نشاط الأسواق ومزيد من الانخفاض في أرقام الأعمال الحقيقية.
والملاحظ أن التباطؤ في نشاط الأسواق برز رغم العوامل الموسمية، ولا سيما تزامن شهر رمضان وحلول عيد الفطر المبارك خلال هذه الفترة. إنما الوضع يبدو أنه كان متفاوتاً حسب القطاعات. ففي الوقت الذي شهد فيه عدد كبير من القطاعات استمراراً في تراجع أرقام أعمالها، كانت نتائج بعض القطاعات الأخرى تشهد شيئا من الارتفاع. إنما ظلّت النتائج المجمّعة لكل قطاعات تجارة التجزئة سلبية نسبياً.
وبعد أن كانت الفعاليات الاقتصادية، بمختلف أطيافها، قد رفعت الصوت لتطالب بإنقاذ ما تبقّى، ناشد رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس الجهات، الرسمية وغير الرسمية كافة، بالعمل على «إغاثة» هذا الشريان الحيوي لديمومة أحد أهم القطاعات في هذا الاقتصاد، ألا وهو القطاع التجاري، الذي يساهم فيما لا يقلّ عن ثلث الناتج المحلّي. وطالب الأطراف الوطنية بالإسراع في التوافق لتشكيل حكومة جديدة يكون أعضاؤها على مستوى الكفاءة اللازمة والمؤهلات المطلوبة للعمل الفوري والجدّي للحدّ من التدهور ووضع خطّة لإعادة الحياة إلى هذا القطاع المنكوب وغيره من القطاعات الاقتصادية التي طالت معاناتها.
وأشار إلى أن «الأوضاع السياسية التي سادت، إن قبيل وخلال الانتخابات النيابية في الفصل الثاني لهذه السنة، مع ما يرافقها من إنفاق انتخابي وتأثيره المباشر على نشاط الأسواق اعتياديا، وإن بعدها لجهة حالة الترقّب لعملية تأليف حكومة جديدة، لم يكن لهما إذاً أي تأثير إيجابي على صعيد الأسواق. علاوة على أنه كان قد سبق هذه الفترة إقرار رزمة من الضرائب الجديدة والمستحدثة، كما صدور قرار المحكمة الدستورية بإلغاء مرسوم التسويات والغرامات، والتي جاءت متضافرة لتبطل أي تأثير إيجابي كان متوقعاً أن يحدث بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب الجديدة».
كل ذلك، إضافة إلى ضعف حركة السياحة عموماً، واستمرار تراجع القوة الشرائية لدى الأسر اللبنانية، لأسباب باتت معروفة للجميع، من ضغوط «تنافسية» في سوق العمل في كل القطاعات وشتّى المناطق، واستمرار ارتفاع معدّل التضخّم، وقرار المجلس الدستوري بردّ بند التسويات والغرامات الذي كان قد أُعلن عنه، وإلى جانب الأرقام الماكرو - اقتصادية التي لم تشهد تحسّناً وظلّت تنعكس بضغوط سلبية على الأصعدة كافة، من عجز ومديونية وما يتبعها من انعدام النمو وتقلّص المساحة الاقتصادية في البلاد.
وما زال المجتمع التجاري يأمل ويثق بأن هذه الأزمة لا بد أن تزول فور تشكيل الحكومة العتيدة، وبأن كل المصاعب سوف يكون لها حلول، بتضافر جهود كل الجهات المسؤولة التي أكثرت في الآونة الأخيرة من تصريحاتها بأن الشأن الاقتصادي أصبح من الأولويات التي يستوجب العمل على إعادة إنعاشها، لا سيما في ضوء التسهيلات والمساعدات التي مُنحت للبنان من قِبل المجتمع الدولي في مؤتمر سيدر (CEDRE). والذي منح لبنان في الربيع الماضي، مساعدات مالية وقروضا ميسرة بقيمة إجمالية تصل إلى 11.8 مليارات دولار، مقابل التزام الحكومة ببرنامج إصلاح مالي واقتصادي.



الصين تتعهد بتحفيز الاقتصاد عبر زيادة الديون وتخفيض الفائدة

الرئيس الصين شي جينبينغ يُلقي خطاباً خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين (وكالة أنباء شينخوا)
الرئيس الصين شي جينبينغ يُلقي خطاباً خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين (وكالة أنباء شينخوا)
TT

الصين تتعهد بتحفيز الاقتصاد عبر زيادة الديون وتخفيض الفائدة

الرئيس الصين شي جينبينغ يُلقي خطاباً خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين (وكالة أنباء شينخوا)
الرئيس الصين شي جينبينغ يُلقي خطاباً خلال مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في بكين (وكالة أنباء شينخوا)

تعهدت الصين، يوم الخميس، بزيادة العجز في الموازنة، وإصدار مزيد من الديون، وتخفيف السياسة النقدية، للحفاظ على استقرار معدل النمو الاقتصادي، وذلك في ظل استعدادها لمزيد من التوترات التجارية مع الولايات المتحدة مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

جاءت هذه التصريحات في بيان إعلامي رسمي صادر عن اجتماع سنوي لتحديد جدول أعمال كبار قادة البلاد، المعروف بمؤتمر العمل الاقتصادي المركزي (CEWC)، الذي عُقد في 11 و12 ديسمبر (كانون الثاني)، وفق «رويترز».

وقالت هيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية بعد الاجتماع المغلق للجنة الاقتصادية المركزية: «لقد تعمق الأثر السلبي الناجم عن التغيرات في البيئة الخارجية». ويُعقد هذا الاجتماع في وقت يعاني فيه ثاني أكبر اقتصاد في العالم من صعوبات شديدة، نتيجة أزمة سوق العقارات الحادة، وارتفاع ديون الحكومات المحلية، وضعف الطلب المحلي. وتواجه صادراتها، التي تعد من بين النقاط المضيئة القليلة في الاقتصاد، تهديداً متزايداً بزيادة الرسوم الجمركية الأميركية.

وتتوافق تعهدات اللجنة الاقتصادية المركزية مع اللهجة التي تبناها أكثر تصريحات قادة الحزب الشيوعي تشاؤماً منذ أكثر من عقد، التي صدرت يوم الاثنين بعد اجتماع للمكتب السياسي، الهيئة العليا لصنع القرار.

وقال تشيوي تشانغ، كبير الاقتصاديين في «بين بوينت أسيت مانجمنت»: «كانت الرسالة بشأن رفع العجز المالي وخفض أسعار الفائدة متوقعة». وأضاف: «الاتجاه واضح، لكنَّ حجم التحفيز هو ما يهم، وربما لن نكتشف ذلك إلا بعد إعلان الولايات المتحدة عن الرسوم الجمركية».

وأشار المكتب السياسي إلى أن بكين مستعدة لتنفيذ التحفيز اللازم لمواجهة تأثير أي زيادات في الرسوم الجمركية، مع تبني سياسة نقدية «مرنة بشكل مناسب» واستخدام أدوات مالية «أكثر استباقية»، بالإضافة إلى تكثيف «التعديلات غير التقليدية المضادة للدورة الاقتصادية».

وجاء في ملخص اللجنة الاقتصادية المركزية: «من الضروري تنفيذ سياسة مالية أكثر نشاطاً، وزيادة نسبة العجز المالي»، مع رفع إصدار الديون على المستوى المركزي والمحلي.

كما تعهد القادة بخفض متطلبات الاحتياطي المصرفي وبتخفيض أسعار الفائدة «في الوقت المناسب».

وأشار المحللون إلى أن هذا التحول في الرسائل يعكس استعداد الصين للدخول في مزيد من الديون، مع إعطاء الأولوية للنمو على المخاطر المالية، على الأقل في الأمد القريب.

وفي مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي، تحدد بكين أهداف النمو الاقتصادي، والعجز المالي، وإصدار الديون والمتغيرات الأخرى للعام المقبل. ورغم أن الأهداف يجري الاتفاق عليها في الاجتماع، فإنها لن تُنشر رسمياً إلا في الاجتماع السنوي للبرلمان في مارس (آذار).

وأفادت «رويترز» الشهر الماضي بأن المستشارين الحكوميين أوصوا بأن تحافظ بكين على هدف النمو عند نحو 5 في المائة دون تغيير في العام المقبل.

وقال تقرير اللجنة الاقتصادية المركزية: «من الضروري الحفاظ على نموٍّ اقتصادي مستقر»، لكنه لم يحدد رقماً معيناً.

التهديدات الجمركية

وأثارت تهديدات ترمب بزيادة الرسوم الجمركية حالة من القلق في المجمع الصناعي الصيني، الذي يبيع سلعاً تزيد قيمتها على 400 مليار دولار سنوياً للولايات المتحدة. وقد بدأ كثير من المصنِّعين في نقل إنتاجهم إلى الخارج للتهرب من الرسوم الجمركية.

ويقول المصدِّرون إن زيادة الرسوم الجمركية ستؤدي إلى تآكل الأرباح بشكل أكبر، مما سيضر بالوظائف، والاستثمار، والنمو. وقال المحللون إنها ستفاقم أيضاً فائض القدرة الإنتاجية في الصين والضغوط الانكماشية التي تولدها.

وتوقع استطلاع أجرته «رويترز» الشهر الماضي أن الصين ستنمو بنسبة 4.5 في المائة في العام المقبل، لكنَّ الاستطلاع أشار أيضاً إلى أن الرسوم الجمركية قد تؤثر في النمو بما يصل إلى نقطة مئوية واحدة.

وفي وقت لاحق من هذا العام، نفَّذت بكين دفعة تحفيزية محدودة، حيث كشف البنك المركزي الصيني في سبتمبر (أيلول) عن إجراءات تيسيرية نقدية غير مسبوقة منذ الجائحة. كما أعلنت بكين في نوفمبر (تشرين الثاني) حزمة ديون بقيمة 10 تريليونات يوان (1.4 تريليون دولار) لتخفيف ضغوط تمويل الحكومات المحلية.

وتواجه الصين ضغوطاً انكماشية قوية، حيث يشعر المستهلكون بتراجع ثرواتهم بسبب انخفاض أسعار العقارات وضعف الرعاية الاجتماعية. ويشكل ضعف الطلب الأسري تهديداً رئيسياً للنمو.

ورغم التصريحات القوية من بكين طوال العام بشأن تعزيز الاستهلاك، فقد اقتصرت السياسات المعتمدة على خطة دعم لشراء السيارات والأجهزة المنزلية وبعض السلع الأخرى.

وذكر ملخص اللجنة الاقتصادية المركزية أن هذه الخطة سيتم توسيعها، مع بذل الجهود لزيادة دخول الأسر. وقال التقرير: «يجب تعزيز الاستهلاك بقوة».