هي سهرة مع النّجوم لا تشبه غيرها، مسرحها الفضاء ومطربوها النيازك والمجرات البعيدة والمذنّبات النّارية. تكمن أهميتها في إمكانية رؤية هذه اللوحة الفضائية بالعين المجردة. مساء السبت الماضي وحتى فجر الأحد كان الشّبان اللبنانيون على موعد مع سهرة بعنوان «دش النّجوم» ينظمها «نادي الفلك» في الجامعة اللبنانية الأميركية. أقيمت هذه الأمسية التي تطبعها الرومانسية من ناحية، والعلم من ناحية ثانية، على أعلى قمة في بلدة كفرذبيان اللبنانية، بحيث تجمّع المشاركون فيها ليتحدثوا مع النجوم، ويناشدونها كل على طريقته. «إنّنا عادة ما نختار أماكن بعيدة كل البعد عن التلوث الضوئي السّائد في المدن كما في الجبال» تقول يارا المر المسؤولة عن مخيم بيروت في النادي المذكور، وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أن نحظى بمشهدية صافية ونقيّة للسماء بعيداً عن أنوار العمارات والمراكز التجارية في ظل عتمة تامة، هو ما نصبو إليه في هذا النّوع من السّهرات. وهذه المرة اخترنا أعلى نقطة في بلدة كفرذبيان لنطلّ منها على مشهدية فلكية ممتازة».
خلال هذه السّهرات يخاطب الموجودون نجوم الليل، حسب ما تقول المر. «إنّنا نترك حرية التصرف لهم، منهم من يلتقط الصور، وآخرون يستمرون في تأمل هذه المشهدية لساعات محاولين إخراج كل القلق والضّغوطات اليومية التي يعانون منها طيلة أيام السنة. فالاستحمام بأضواء السّماء من نجوم وقمر وشهب ونيازك، ينعكس إيجاباً على صاحبها فكرياً وجسدياً».
بدأت السّهرة في الثامنة من مساء أول من أمس (السبت)، وانتهت فجر يوم أمس الأحد، بحيث اغتنم الموجودون فرصة مشاهدة بزوغ النّهار.
عادة ما تكون سماء لبنان غنية بأنواع النيازك والنجوم المتلألئة في فضائها في هذا الموعد من السنة. وكلما تمتعت السماء بظلمة مطبقة حملت لمشاهدها لوحات واضحة لتلك الشّهب النّارية. والنّجوم هي عبارة عن جسم فلكي كروي من البلازما ضخم ولامع ومتماسك بفعل الجاذبية، يستمد لمعانه من الطّاقة النّووية المتولّدة فيه، حيث تلتحم ذرات الهيدروجين مع بعضها البعض مكونة عناصر أثقل من الهيدروجين، مثل الهيليوم والليثيوم وباقي العناصر الخفيفة حتى عنصر الحديد.
وحالما يُستنفد عنصر الهيدروجين من النجم ينفجر، وهو ما يجعلها متلألئة في السماء نراقبها بشغف مع اقتراب نهاية حياتها. أمّا جديد هذا العلم فهو إمكانية تحديد الكتلة والعمر والتركيبة الكيماوية للنجوم، إضافة إلى الأسماء التي تحملها من خلال التطبيق الإلكتروني «سكاي ماب». «إنّه يتيح لمستخدمه أن ينزل الصورة الفلكية التي يلتقطها عليه، ويكتشف من خلال هذا التطبيق كل خصائص النّجوم الموجودة في الصورة» تشرح يارا في سياق حديثها.
هذه اللقاءات السنوية التي ينظمها «النادي الفلكي» في جامعة «LAU» تتخللها حلقات نقاش في مواعيد أخرى تتناول علم الفلك، وكذلك استضافة رجال فضاء يروون لهواة هذا النّوع من العلم تجاربهم التي أمضوها في الفضاء. «لقد سبق واستضفنا عدة رواد فضاء كالأميركي دكتور دونالد توماس المتخصص في علم الفلك، الذي أمضى أكثر من 1000 ساعة في الفضاء في مهمة أُوكل بها من قبل وكالة (ناسا) العالمية. كما استقبلنا من فرنسا آلان دوريسدورينوم المتخصّص بعلم الفلك، الذي حدّثنا عن آخر الاكتشافات العلمية في هذا المجال».
يتنافس رواد هذه السّهرات على ابتكار اللغات التي يتحدثون بها مع النجوم. فبينهم من يختار نجمه المفضل ليدعوه باسم شخص يحبه أو يفتقده، وآخر يربطه بنجمه الفلكي وخصائصه التي تنعكس على شخصيته، فيما شريحة مختلفة تترقب عملية سقوط شهب بشكل سريع لتحملها أمنيتها وأحلامها.
يرى هادي حمود، المسؤول عن مخيم النادي في جبيل، وكان مشاركاً في هذه السهرة، أنّ هذا النوع من النّشاطات يشجّع الناس على استطلاع عالم الفلك، والتقرب منه، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، «إنه عالم بحدّ ذاته ينطوي على كثير من الاكتشافات والعوامل الطبيعية والفضائية التي لا يعرفها كثر. وفي هذا النّوع من السّهرات نستمتع بمشاهدة كوكبة (الدب الأكبر) و(الدب الأصغر)، إضافة إلى غيرها كـ(الأخوات السبع) وما إلى هنالك من مجموعات نجوم تتألق في سمائنا بالعين المجردة مرات وبواسطة (تيليسكوب) مرات أخرى لنميزها بشكل أدق».
أمّا نجاة فضل الله (تتخصص في الطّب) والمداومة على حضور نشاطات هذا النادي باستمرار، فتقول: «هي تجربة لا نحصل عليها إلّا نادراً لمرة في السنة. فانشغالاتنا بضجيج الحياة وهمومها تتلاشى تماماً هناك، ونتحول إلى عالم آخر يشعرنا بصغر حجمنا أمام هذه النّجوم الضّخمة المشعّة أمامنا. ولذلك لا أفوت حضور سهرة (دش النجوم) لأتأمل زخات مطر من نوع آخر يزودني بالسكينة».
وللبنانيين تاريخ حافل مع النجوم والقمر، إذ تستحوذ مواضيعها على عدد كبير من أغاني مطربيه، ولعل أشهرها «نحنا والقمر جيران» لفيروز و«وما وعدتك بنجوم الليل» لوائل كفوري. ولا يمكننا أن ننسى بعض الأشخاص الذين أرادوا الرّبط ما بين حياتهم على الأرض، وتلك الممكنة على سطح القمر والكواكب والنجوم. فكان أولهم الصحافي الراحل فاضل سعيد عقل بحيث اشترى في الستينات قطعة أرض وهمية على سطح القمر كتبها باسمه ليخلد ذكراه على الكوكبين (الأرض والسماء). فيما استطاعت إحدى اللبنانيات، وتدعى رانيا قاسم، أن تدفع باللبنانيين في عام 2010 إلى التقاط النجوم وتقديمها هدية لمن يحبونها بعدما استحدثت محلاً تجارياً في بيروت يقدم هذه الهدية، وهي عبارة عن نجمة خيالية في السماء تحمل اسم المهدى إليه. وكانت قد استوحت هذه الفكرة من محل تجاري في لندن فتعاونت معه لتلمع أسماء اللبنانيين على شهادات موثقة من المكتب الأم للفكرة، الذي يحمل اسم «International Star Registry».
أمّا الفنانة الراحلة وردة الجزائرية فقد اختصرت كل معاني الحب في أغنيتها «دندنة» بمقطع تضيئه النّجوم يقول: «وروح روح عد أوراق الشّجر. عد حبات المطر. عد النّجوم. عد البشر وتعالى هنا تلاقيني. أنا قد حبي ما فيش وبعده ما فيش».
«دش النجوم»... سهرة {لامس} المشاركون فيها القمر بسماء كفرذبيان اللبنانية
«دش النجوم»... سهرة {لامس} المشاركون فيها القمر بسماء كفرذبيان اللبنانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة