قلق أوروبي من تنامي شعبية أحزاب اليمين المتطرف

بانون يعقد تجمعات حاشدة في إيطاليا ويشجع أوروبا على {العودة إلى هويتها»

بانون يتحدث خلال مؤتمر بزوريخ في 6 مارس الماضي (رويترز)
بانون يتحدث خلال مؤتمر بزوريخ في 6 مارس الماضي (رويترز)
TT

قلق أوروبي من تنامي شعبية أحزاب اليمين المتطرف

بانون يتحدث خلال مؤتمر بزوريخ في 6 مارس الماضي (رويترز)
بانون يتحدث خلال مؤتمر بزوريخ في 6 مارس الماضي (رويترز)

ينحسر النشاط السياسي الأوروبي كعادته في شهر أغسطس (آب) من كل عام، وتُطوى ملفّات الأزمات خلال العطلة الصيفية، فيما تتراجع حدّة الخطاب السياسي التي بلغت مستويات غير مسبوقة في السنوات الأخيرة مع صعود الأحزاب والقوى اليمينية المتطرفة والشعوبية. لكن هذا التراجع في الغليان الذي ساد المشهد السياسي خلال الأشهر الماضية، لا يخفي القلق الذي يتملّك العواصم الأوروبية الكبرى من المواعيد والاستحقاقات المقبلة على الجبهات الساخنة التي تحاصر البيت الأوروبي.
الجبهة الإيطالية هي الأكثر اشتعالاً اليوم، في ظلّ بركان الحكومة الائتلافية الذي بدأ يقذف حِممه خارج المحيط الإيطالي، مدعوماً طوراً من الاتحاد الروسي وطوراً من الولايات المتحدة التي امتدح رئيسها منذ أيام سياسة الهجرة الإيطالية، ودعا الدول الأوروبية الأخرى إلى الاقتداء بها.
تتابع دوائر المفوضية الأوروبية، التي أعربت عن دهشتها من تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول الهجرة في أوروبا لدى استقباله رئيس الوزراء الإيطالي مؤخراً، عن كثب وبقلق شديد، الأنشطة الأوروبية التي يقوم بها منذ أشهر ستيف بانون، الذي كان الذراع اليمنى لترمب في مطلع ولايته، والمعروف بميوله اليمينية المتطرفة. ويبدو أن بانون الذي عزله ترمب في مثل هذه الأيام من العام الماضي، قد اتخّذ من العاصمة الإيطالية مقرّاً لنشاطه على الساحة الأوروبية، حيث يعقد لقاءات دورية مع الأحزاب اليمينية المتطرفة، ويشارك في ندوات لنشر أفكاره واستقطاب المناصرين لها.
لم يتوقف بانون عن تأييد ترمب رغم خروجه مُقالاً من البيت الأبيض، حيث وصف مؤخراً قرار فصل الأطفال المهاجرين عن ذويهم على الحدود بأنه «قرار إنساني جداً»، وقال إن معركته المقبلة هي «دعم القوى والأحزاب القومية والشعبوية في أوروبا» لتحضير حملة انتخابات البرلمان الأوروبي بهدف تمكينها من «تشكيل كتلة برلمانية فاعلة». وقال في تصريحات له مؤخراً إن «المستقبل في أوروبا هو للقوى الشعبوية اليمينية... والعودة إلى الدول الأمم بهوياتها وحدودها الذاتية». ويضرب على ذلك مثالاً ما حصل في إيطاليا، حيث تمكنت هذه القوى من الوصول إلى الحكم للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية.
وتفيد المعلومات، التي تناقلتها مؤخراً وسائل إعلام أوروبية مطّلعة، بأن بانون يحظى بالدعم المالي واللوجيستي من أوساط مالية واجتماعية يمينية نافذة في أوروبا والولايات المتحدة، وأنّ تركيز حملته المقبلة على انتخابات البرلمان الأوروبي يهدف إلى ضرب إحدى المؤسسات الرئيسية في المشروع الأوروبي الذي يواجه تحديات متعاظمة منذ فترة.
تجدر الإشارة إلى أن البرلمان الأوروبي الذي تأسس منذ أربعين عاماً تديره الكتلتان الشعبية والاشتراكية، إلى جانب الكتلة الليبرالية التي تنضوي أحزاب الخضر تحت لوائها. أما الأحزاب اليمينية المتطرفة التي عززت موقعها في الانتخابات الأخيرة، فهي ما زالت دون الثقل الذي يتيح لها التأثير الفاعل على نشاط البرلمان.
ويعتمد بانون في استراتيجيته الأوروبية على حزب الجبهة الوطنية الفرنسي، الذي تتزعمه ماري لوبان، والذي غيّر اسمه مؤخراً ليصبح «التجمع الوطني»، وعلى حزب «البديل من أجل ألمانيا». لكن النموذج الذي يعتزم بانون تسويقه في حملته الأوروبية هي الحكومة الإيطالية الائتلافية بين حركة «النجوم الخمس» الشعوبية و«رابطة الشمال» اليمينية المتطرفة، ووزير الداخلية ماتّيو سالفيني، الذي يحمل خطابه العنصري والتحريضي إلى كل الساحات والمناسبات، والذي صرّح بعد لقائه بانون مؤخراً بأن «إيطاليا هي القلب النابض للسياسة الحديثة».
وكان بانون قد أدلى بتصريحات أمام حشد من أنصار «رابطة الشمال» الإيطالية، جاء فيها: «دعوهم يطلقون عليكم أوصاف العنصرية وكره الأجانب أو ما شابهها. إنها أوسمة شرف تزّين صدوركم».



مايوت... أفقر أقاليم فرنسا تجهد لمحو آثار الإعصار المدمّر

شابّة تسير وسط الدمار بمنطقة مبويوغو في مايوت (أ.ب)
شابّة تسير وسط الدمار بمنطقة مبويوغو في مايوت (أ.ب)
TT

مايوت... أفقر أقاليم فرنسا تجهد لمحو آثار الإعصار المدمّر

شابّة تسير وسط الدمار بمنطقة مبويوغو في مايوت (أ.ب)
شابّة تسير وسط الدمار بمنطقة مبويوغو في مايوت (أ.ب)

بعد أسبوع من أسوأ إعصار يضربها منذ ما يقرب من قرن، لا تزال جزيرة مايوت الفرنسية الفقيرة الواقعة في المحيط الهندي تجهد لإحصاء عدد القتلى واستعادة الخدمات الأساسية ومساعدة السكان المحاصرين، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

والمستشفيات التي تعاني بشكل دائم نقصاً في الإمكانات تكتظ بالمرضى الذين يعانون ليس من الإصابات المرتبطة بالإعصار «شيدو» فحسب، بل أيضاً من الجفاف وسوء التغذية والأمراض. وفي المستشفى الرئيس في مايوت بالعاصمة مامودزو، يواجه الأطباء سلسلة من الأزمات.

وقال الدكتور روجيه سرحال، رئيس قسم التوليد وأمراض النساء في المستشفى: «فقدنا 40 في المائة من غرف المرضى؛ أي نحو 50 إلى 60 سريراً. هناك الكثير من المرضى يأتون إلى المستشفى، وليس لدينا مكان لاستقبالهم».

وفي ظل الإعصار الذي ضرب الأرخبيل في نهاية الأسبوع الماضي مصحوباً برياح سرعتها 220 كيلومتراً في الساعة، أجبرت الأضرار البنيوية التي لحقت بالمستشفى الموظفين على فرز المرضى، وإعطاء الأولوية لأكثر الحالات شدة.

تم تأكيد وفاة خمسة وثلاثين شخصاً حتى أمس (الجمعة) في مايوت، لكن وزيرة الصحة الفرنسية جنفييف داريوسيك، حذرت من أن أي تقديرات من المرجح أن تكون أقل بكثير من الأعداد الحقيقية «مقارنة بحجم الكارثة».

سيندو محمدي يجلس على السرير في المستشفى بعدما أصيب خلال مرور الإعصار «شيدو» (أ.ب)

* دمار شامل

دمرت العاصفة أحياء بأكملها، وتجاهل العديد من الناس التحذيرات، معتقدين أن العاصفة لن تكون شديدة للغاية. والأسوأ من ذلك أن العديد من المهاجرين تجنبوا الملاجئ خوفاً من الترحيل، حسبما قالت السلطات، مضيفة أنه قد يكون هناك مئات أو ربما آلاف الوفيات.

ويخشى الأطباء أن يؤدي نقص المياه النظيفة والكهرباء إلى أزمة صحية. وقال الدكتور فنسان جيل، مدير الطوارئ الطبية في المستشفى: «يأتي المرضى لأن أمراضهم لم تعالَج، ولا ماء ولا كهرباء. نحن قلقون بشأن الأوبئة، مثل تفشي مرض الكوليرا الذي أوقفناه قبل أشهر فقط».

ويواصل طاقم المستشفى العمل بلا كلل، لكن الموارد تنفد بشكل مقلق. وقال سرحال: «إذا هطلت الأمطار سيكون الأمر كارثياً».

من بين المرضى الراقدين في المستشفى، سيندو محمدي (54 عاماً) الذي كُسرت ذراعه والتوى كاحله أثناء العاصفة التي دمرت منزله تماماً. وقال: «أمي مريضة، وأنا مريض، وأحد أطفالي الستة مريض. عائلتي بحاجة إلى تناول الطعام، وبما أني الشخص الذي يحصّل الرزق، فليس لدى أمي وأطفالي شيء الآن».

وأضاف: «لست وحدي. هناك الكثير منا فقدوا كل شيء. أريد من الحكومة أن تهتم بنا، وأن تمنحنا الطعام ومكاناً للنوم».

يُذكر أن مايوت التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، هي أرخبيل يقع بين مدغشقر والقارة الأفريقية. ومما يزيد الاكتظاظ أن قرابة 100 ألف مهاجر يعيشون فيها.

وعانى أفقر أقاليم فرنسا ما وراء البحار لفترة طويلة من الإهمال ونقص الاستثمار؛ لذا يعيش نحو 75 في المائة من سكان مايوت في فقر، في حين أن البنية التحتية للأرخبيل غير مجهزة لتحمل كارثة بهذا الحجم.

نساء يغسلن ملابس في أحد شوارع مامودزو عاصمة مايوت بما جمعنه من مياه الأمطار (أ.ب)

وبينما تبذل سلطات باريس جهوداً لتقديم المساعدات الطارئة، بما في ذلك النقل الجوي للمياه والغذاء، تبقى الحاجات كبيرة بالنظر لحجم الكارثة. ولا يزال مطار مايوت مغلقاً أمام الرحلات المدنية بسبب الأضرار، الأمر الذي يعرقل الخدمات اللوجستية.

وأقر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته مايوت أمس (الجمعة)، بخطورة الوضع وتعهد بإعادة البناء. لكنه واجه انتقادات من السكان المحبطين من بطء وتيرة المساعدات. وقدرت وزارة الداخلية الفرنسية أن 70 في المائة من السكان تأثروا بشكل خطير، وأن العديد منهم أصبحوا بلا مأوى وعرضة للخطر بعد هذه الكارثة الطبيعية.