السياحة الفضائية تنافس محموم للسفر إلى أعالي السماء

تصاميم مطورة ورحلات تجريبية تنطلق نهاية هذا العام

«سبايس شيب تو» من «فيرجين»
«سبايس شيب تو» من «فيرجين»
TT

السياحة الفضائية تنافس محموم للسفر إلى أعالي السماء

«سبايس شيب تو» من «فيرجين»
«سبايس شيب تو» من «فيرجين»

أصبح اليوم بإمكانكم أن تبتاعوا بطاقات لرحلات للسفر إلى الفضاء على متن «سبيس شيب تو»، المركبة التي طورتها شركة ريتشارد برانسون «فيرجن غالاكتيك»... رغم أن موعدها لم يتحدد بعد. كما أعلنت شركة «بلو أوريجين» التي يملكها مؤسس أمازون جيف بيزوس في مؤتمر «نيو سبيس» في سياتل الشهر الفائت أنّها تعتزم البدء ببيع بطاقات للسياح الراغبين بالسفر إلى الفضاء اعتباراً من العام المقبل.
سفن فضاء سياحية
طورت الشركتان خططاً جادة لفتح مجال السفر البشري إلى الفضاء (كما وضعت شركة «سبيس إكس» خططاً تهدف إلى نقل رواد الفضاء من وإلى المحطة الفضائية). وكان برانسون قد قال إن «فيرجن غالاكتيك» تتسابق مع نفسها، وليس مع شركات أخرى، للوصول إلى تحقيق حلم الرحلة البشرية الآمنة إلى الفضاء. ولكن مع إعلان «بلو أوريجين» خطتها لبدء بيع البطاقات العام المقبل، ستدخل الشركتان عاجلاً أم آجلاً في منافسة حامية في هذا المجال.
ولكن يتوجّب على الشركتين بذل الكثير من الجهود لتقديم أداء متمايز لأن التجربة التي ستقدمها كلّ من «فيرجن غالاكتيك» و«بلو أوريجين» متشابهة إلى حد كبير. إذ لا تخطط أي منهما لنقل السياح إلى المدار الفضائي، بل ستكتفيان بالوصول إلى حافة الفضاء، وعبور حدود وهمية تعرف باسم «خط كرمان» على بعد 99.7 كلم. ووصف توم جونز، رائد الفضاء المخضرم من الـ«ناسا» هذا المشروع بأنّه إعادة إحياء لأوائل الرحلات التي قام بها آلان شيبارد وغاس غريسون إلى الفضاء. ويضيف جونز في حديث قلته مجلة «وايرد. كوم»: «في هذا المسار، سيعيش الركاب نحو خمس دقائق من فقدان الوزن، في رحلة تتطلّب 15 - 30 دقيقة من بداية تشغيل المحرّك حتى الهبوط».
أما الاختلاف بين الشركتين فيظهر في مجال الدفع، إذ تعتزم «فيرجن غالاكتيك» إطلاق مركبتها المزدوجة الأجنحة «سبيس شيب تو» وهي متصلة بحامل المركبات «وايت نايت تو»، الذي يعيد تجسيد طائرات X التي كسرت حاجز الصوت، ثمّ تنوي «سبيس شيب تو» الانفصال عن حاملها، وإشعال محركاتها الصاروخية، والهبوط أخيراً وكأنها طائرة تجارية.
من جهتها، تخطط شركة «بلو أوريجين» لاستخدام كبسولة لنقل الطاقم ومسرّع أكثر تقليدية، كلاهما مصمّمان لإعادة الاستخدام. بعد إتمام الصاروخ للمهمة المترتبة عليه في الرحلة، ستنفصل الكبسولة التي تحمل الطاقم وسيهبط المعزز من جديد باتجاه الأرض وسيعيد تشغيل محركاته ليحط بهدوء في موقع الهبوط. أمّا كبسولة الطاقم فستستخدم ثلاث مظلات لتطفو على السطح. ويعتبر جونز أنّ «الطريقتين صالحتان للعمل»، ويقول: «لعلّ كلفة تطوير الكبسولة التقليدية منخفضة ويمكنها أن تصل في طيرانها إلى مسافة أبعد من المركبة الفضائية، ولكنّ هذه الأخيرة قد تكون قادرة على الطيران مرات أكثر، دون الحاجة إلى مظلّة وصحراء، أو حتى مدرج للهبوط.
رحلات تجريبية
صرحت «فيرجن غالاكتيك» أنّها باعت حتى اليوم بطاقات لـ700 مقعد بسعر 250 ألف دولار للبطاقة الواحدة، رغم أنّها لا تزال في طور اختبار مركبتها بعد حادث اصطدام قاتل حصل عام 2014، بعد أن شغّل أحد الربانين اللذين كانا يتوليان قيادتها وضع الهبوط مبكراً. وتملك مركبة «سبيس شيب تو» المعاد تصميمها اليوم في رصيدها رحلتين تجريبيتين آليتين ولكنّها لم تصل خلالهما إلى المسافة القصوى التي حددتها. وفي أحدث رحلاتها في 29 مايو (أيار)، جاء أداء صاروخ المركبة على قدر التوقعات. وفي حال استمرت الاختبارات دون مشكلات، قد يكون برانسون أول راكب يطؤها في أواخر هذا العام.
من جهتها، أطلقت «بلو أوريجين» ثمانية رحلات تجريبية ناجحة، كان آخرها في أبريل (نيسان)، على أن تجري التجربة التالية في أواخر هذا الصيف. تجاوزت كبسولة الطاقم والصاروخ جميع الاختبارات بنجاح حتى اليوم، ولكن يبقى على الشركة أن ترسل رحلات بشرية فعلية إلى الفضاء. تقول «بلو أوريجين» إنّها لن تأخذ من الراغبين بالسفر إلى الفضاء أموالاً مسبّقة (لا يزال السعر مجهولاً) حتى تنجز اختبارات بشرية ناجحة... ولكن مع وعود الشركة بالبدء ببيع بطاقات العام المقبل، يمكننا أن نتوقع رؤية رحلة بشرية خلال هذا العام.
يعتبر جونز إرسال رحلات سياحية إلى الفضاء هدفاً طموحاً. وقال: «أظنّ أنّ عام 2019 سيشهد رحلات تجريبية، تليها رحلات بشرية، من قبل الطرفين». ولكن قبل الوصول إلى هذه المرحلة، على «فيرجن غالاكتيك» و«بلو أوريجين» أن تلبيا معايير السلامة المفروضة من قبل إدارة الطيران الفيدرالية، التي وضعت قواعد تناسب خطوط الطيران التجارية أكثر من المركبات الفضائية. (وتجدر الإشارة إلى أن سيارات الأجرة الفضائية التابعة لـ«سبيس إكس» وحدها مجبرة على تلبية معايير الـ(ناسا) للسلامة، لأنها ستطير بسرعة أكبر وتخرج من القيود الأرضية).
ومن المزمع أن يقلع رواد فضائيون في أول رحلة على متن سيارة أجرة فضائية إلى المحطة الدولية في ديسمبر (كانون الأول)، وستسمح الـ«ناسا» لـ«سبيس إكس» بإرسال مواطنين عاديين إلى جانب الرواد الفضائيين فيها. يفضّل جونز السفر على متن مركبة ترقى إلى معايير الـ«ناسا» للسلامة، ويقول: «هذا الأمر مريح بالنسبة لي لأن وكالة ناسا تضع السلامة في طليعة أولوياتها». ولكنّ هذا الأمر يؤدي دون شكّ إلى ارتفاع الكلفة، مما سيفرض على المشغلين التجاريين الحفاظ على توازن المنافسة والأسعار مقابل أداء السلامة».
ولكنّ تبقى خطوط الطيران الوسيلة الأكثر أمناً للسفر، الأمر الذي دفع المحقق الأول في «نيو هوريزونز» آلان ستيرن إلى حجز ثلاثة مقاعد على متن «فيرجن غالاكتيك» لتمثيل معهد «ساوث إيست ريسرتش إنستيتيوت». وهذه الرحلات ليست فقط للسياحة، إذ إنها توفّر أيضاً طريقة أبسط للدراسة العلمية في الفضاء، مما يتيح للباحثين حمل وسائل اختباراتهم والسفر لإجرائها في ظروف الجاذبية الصغرى. ويتوقع ستيرن أن يحجز للسفر مع «بلو أوريجين» في أقرب وقت، فور إعلانها عن البدء ببيع البطاقات.
ولدى سؤاله عن مخاطر هذا النوع من العلوم، بدا ستيرن متفائلاً، وقال: «سافرت على متن نماذج طائرات تحطّمت ولم يمنعني هذا الأمر من السفر مرة أخرى. أظنّ أن هذه الشركات تعي جيّداً أنّها إن لم تقدّم سجلاً جيداً على صعيد السلامة، فلن تتمكّن من بناء قاعدة للعملاء».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر
TT

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

تلتمع «بارفيه» السمّان (وهي لحم مسحون لطير السمّان) على صحني، مقترنة بقرص من الذرة المقلية. وللوهلة الأول، يبدو هذا كنوع من طعام العشاء الفاخر الذي ستجده في العديد من المطاعم الراقية: عجينة غنية وردية مغطاة بالفلفل المخلل، وزهرة صالحة للأكل، ولمحة من الكوتيجا (الجبن المكسيكي المعتّق).

لحم طير مختبري

ولكن العرض التقليدي لهذا اللحم يحجب حقيقة أعمق، فهذه الوجبة غير تقليدية، بل وراديكالية. ومن بعض النواحي، تختلف عن أي شيء شهده العالم في أي وقت مضى.

لم تُصنع عجينة اللحم الموجودة على طبقي بالطريقة التقليدية مع كبد الإوزّ. لقد تمت زراعة اللحم من خلايا النسيج الضام لجنين السمان الياباني الذي تم حصاده منذ سنوات، وتم تحفيزه وراثياً على التكاثر إلى الأبد في المختبر. وقد قُدم لي هذا الطبق في فعالية «أسبوع المناخ» في نيويورك من قبل جو تيرنر، المدير المالي في شركة «فاو» الأسترالية الناشئة للتكنولوجيا الحيوية.

إن تسمية السمان «اللحم المستزرع في المختبرات» تعد تسمية خاطئة. فهذه النسخة الشبيهة بالهلام من السمان كانت تُزرع في مصنع حقيقي للحوم الخلوية، وهو الأول والأكبر من نوعه. وعلى وجه التحديد زرعت في خزان طوله 30 قدماً، وسعته 15 ألف لتر في مصنع «فاو» في سيدني، حيث، حتى كتابة هذه السطور، يمكن للشركة إنتاج 2000 رطل (الرطل 152 غراماً تقريباً) من السمان كل شهر.

وهذه كمية ضئيلة مقارنة بالكميات المتوفرة في مرافق اللحوم التقليدية، لكنها تمثل خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة إلى التكنولوجيا التي - على مدى العقد الماضي - أسست سمعتها بالكامل تقريباً على تقديم قطع صغيرة شهية في جلسات التذوق الصحفية الفردية.

نجاحات وإخفاقات

وقد بدأت «فاو» للتو أعمالها هذه مع ما يقرب من 50 مليون دولار من تمويل شركات أخرى مثل «بلاكبيرد فينشرز»، و«بروسبيرتي 7»، و«تويوتا فينشرز» (التي رعت فاعلية أسبوع المناخ). وقامت الشركة حديثاً بتركيب مفاعل بيولوجي كبير آخر سعته 20 ألف لتر هذه المرة، أكبر بنسبة 33 في المائة من الأول. ومع تشغيل المفاعلين على الإنترنت، تُقدر الشركة أنها سوف تنتج قريباً 100 طن من السمان المستزرع كل عام.

قد يبدو كل ذلك متناقضاً مع التقارير السابقة، إذ وصف مقال استقصائي نشرته أخيرا صحيفة «نيويورك تايمز» كيف أن قطاع اللحوم المستزرعة الناشئ قد خرج عن مساره بسبب العقبات الاقتصادية والتقنية، رغم سنوات من الضجيج، وسلسلة من الموافقات التنظيمية البارزة، و3 مليارات دولار من الاستثمار.

جمعت شركة «أب سايد فودز»، ومقرها في بيركلي، بولاية كاليفورنيا، أكثر من 600 مليون دولار لتقييم نموذج لشريحة دجاج تبين أنها يمكنها أن تصنعه يدوياً فقط في أنابيب اختبار صغيرة، في حين أن محاولة شركة «إيت جاست»، ومقرها في كاليفورنيا لبناء مصنع للحوم أكبر 50 مرة من مصنع «فاو» انتهت بدعاوى قضائية ومشاكل مالية والقليل للغاية من الدجاج المستزرع.

وقد وعدت الجهات الداعمة لهذا القطاع بمحاكاة اللحوم التي نشأنا على تناولها، اللحم البقري والدجاج، من دون المعاناة التي تعرضت لها الحيوانات والطيور، ومن دون انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ولكن اليوم لم يعد هناك أي منتج متاح إلا بالكاد في هذه الصناعة. لقد حان الوقت، كما كتبتُ، للاعتراف بحقيقة أن هذا الحلم قد مات.

تطويرات غير مألوفة

كيف تستعد شركة «فاو» لشحن المنتجات بكميات كبيرة؟ بالتخلي عن المألوف واعتماد غير المألوف. إذ وبدلاً من محاولة إنتاج قطع الدجاج الصغيرة والبرغر، ركزت «فاو» على ما يمكن أن تقدمه الخزانات الفولاذية الكبيرة المليئة بالخلايا بشكل موثوق به في المدى القصير: منتجات غريبة ومميزة مخصصة لسوق السلع الفاخرة، وهي فئة جديدة من الأطعمة التي يسميها جورج بيبو الرئيس التنفيذي لشركة «فاو»: «اللحوم الغريبة».

اللحوم الغريبة هي انحراف عمّا وعدت به صناعة اللحوم الخلوية بالأساس. سيكون الأمر مكلفاً، في البداية. ابتداء من نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت شركة «فاو» تبيع بارفيه السمان لأربعة مطاعم في سنغافورة مقابل 100 دولار للرطل. وسوف تتميز هذه اللحوم بمذاق وقوام غير موجودين في الطبيعة. وسوف تُصنع من الحيوانات التي لم يعتد الناس أكلها. فكروا في التمساح، والطاووس، وطائر الغنم، وغيرها. في العام الماضي، تصدرت «فاو» عناوين الأخبار العالمية بعد «كرات اللحم الضخمة» - وهي نموذج أولي ضخم وفريد مختلط مع خلايا الفيل والحمض النووي لحيوان الماموث الصوفي - مما أدى إلى ظهور مقطع ذائع الانتشار في برنامج «العرض الأخير» مع ستيفن كولبرت. في نهاية المطاف، تأمل «فاو» في أن يمنحها إنشاء سوق فاخرة قوية للحوم الغريبة الفرصة لخفض التكاليف تدريجياً من خلال مواصلة البحث والتطوير، رغم أنها سوف تحتاج أولاً إلى تطبيع فكرة تناول الأنواع غير التقليدية.

غرائب الأطباق

عندما أنظر إلى طبق بارفيه السمان خاصتي، يدهشني أنني لم أتناول السمان من قبل. أتناول قضمة، ويكون الطعم خفيفاً ومليئاً مثل الزبدة المخفوقة، مع ملاحظات بطعم معدني دقيق أقرنه بالكبد. إنها تمثل بداية عصر جديد غامض، عصر ستكون فيه اللحوم المستزرعة متوافرة أخيراً، ولكن ليس بالطريقة التي يتوقعها أي شخص.

* مجلة «فاست كومباني»

ـ خدمات «تريبيون ميديا»