ناشطون يخوضون معارك ضد «الأخبار الكاذبة»

TT

ناشطون يخوضون معارك ضد «الأخبار الكاذبة»

صور قديمة، مقاطع فيديو من دول أخرى، مشاهد من أفلام وألعاب إلكترونية... هي عينة بسيطة من «أخبار كاذبة» لا تُحصى تُنشر في إطار النزاع السوري، فيما أخذت مجموعة صغيرة من ناشطين إعلاميين على عاتقها رصدها وتفكيكها، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من بيروت.
منذ اندلاع الاحتجاجات السلمية ضد النظام السوري في عام 2011، ثم تحوّلها تدريجياً إلى نزاع مدمر، لم تتوقف عملية نشر أخبار وصور مغلوطة، في حملة تضليل إعلامي غالباً مقصودة يقوم بها كل الأطراف، مستفيدين من مواقع التواصل الاجتماعي التي لعبت دوراً حاسماً في نقل الأخبار والصور منذ بدء الحرب في سوريا، لتسجيل نقاط في مواجهة الخصم.
في عام 2016، قرّر الصحافي والناشط الإعلامي أحمد بريمو (32 عاماً)، مع عدد من زملائه إنشاء منصة إلكترونية سمّوها «تأكد»، ومهمتها التدقيق في سيل الأخبار الكاذبة الصادرة عن الفصائل المعارضة والنظام والموالين له.
ويقول بريمو، أبرز مؤسسي المنصة: «كصحافيين وإعلاميين وناشطين لدينا مسؤولية، لأن ما يحصل اليوم سيتحول لاحقاً إلى تاريخ ولا نريده تاريخاً مزوراً».
قبل سنوات، شارك هذا الشاب في تظاهرات شهدتها مدينة حلب (شمال) حيث عمل في موقع إلكتروني تولى نشر أخبار الحراك الشعبي. تمّ اعتقاله ثلاث مرات قبل أن يطلَق سراحه وينتقل بعدها إلى مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في شمال سوريا ومنها إلى تركيا لاحقاً.
ويشرح بريمو: «اعتُقلت بسبب نشر حقيقة ما يحصل (في مناطق سيطرة النظام)، وحين انتقلتُ إلى مناطق المعارضة لاحظتُ أنهم يلفقون الحقيقة أيضاً»، مضيفاً: «بات لديّ رد فعل (...) أنه لا يمكن أن أسكت إلى حين التخلص من الظالمين، والظالمون باتوا كثراً في سوريا».
على حسابها على موقع «تويتر»، تنشر منصة «تأكد» التي تضم ناشطين متطوعين يتلقون دعماً محدوداً من منظمات أوروبية، صورة من «الخبر الكاذب» وعليها علامة حمراء اللون (X)، وترفق الخبر المصحَّح بعلامة «صح» خضراء اللون.
ويعتمد العاملون في المنصة بشكل أساسي على رواد مواقع التواصل الاجتماعي. ويوضح بريمو أن «أي صورة أو خبر ينتشر على نطاق واسع نعتبره مادة للرصد ويجري التأكد من صحته».
وتتنوع الأخبار التي صححتها المنصة، بينها صورة تم تداولها في مايو (أيار) الماضي على أنها قصف جوي إسرائيلي على دمشق، ليتبين لاحقاً أنها تعود لقصف إسرائيلي على قطاع غزة صيف عام 2014.
وتزداد وتيرة عمل المنصة مع كل هجوم عسكري جديد في سوريا، إذ يصل عدد الأخبار التي يتم تصحيحها يومياً إلى أربعة أو خمسة أخبار، وفق بريمو.
وتزامناً مع إطلاق القوات التركية مع فصائل موالية لها عملية «غصن الزيتون» التي انتهت في مارس (آذار) بالسيطرة على منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية في شمال سوريا، أطلقت المنصة خدمة تركية لمواكبة الهجوم.
ويتذكر بريمو: «في إحدى المرات، جرى تداول مقطع فيديو على صفحات تركية يُظهر رصد تحرك مقاتلين عبر منظار ليلي. عندما تأكدنا منه تبين أنه يُظهر لقطات من لعبة فيديو».
ويجري التأكد من الأخبار والصور وغيرها عبر طرق عدة، سواء عبر مراسلين ومصادر ميدانية أو بحث الصور العكسي على موقع «غوغل»، وقد يكون المتطوعون أنفسهم قد رأوا الصورة أو الفيديو في وقت سابق.
ومؤخراً، تداول ناشطون معارضون على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لمسجد يُنادَى عبر مئذنته «حي على الجهاد»، وقالوا إنها دعوة من أحد مساجد محافظة درعا للتصدي لهجوم لقوات النظام وحلفائها. وتبين بعد البحث أن الفيديو منشور على موقع «يوتيوب» منذ 2015 على أنه من اليمن.
ونالت مقاطع فيديو جرى تداولها على أنها لمتطوعين من الخوذ البيضاء (الدفاع المدني في مناطق المعارضة) في أثناء استعدادهم لمشهد تمثيلي، ضجة واسعة بعد اتهامهم بفبركة عمليات الإنقاذ التي يقومون بها. واتضح لاحقاً أنها فعلاً مشاهد تمثيلية من أحد أفلام المخرج السوري نجدت أنزور، عضو مجلس الشعب السوري.
ويروي ضرار خطاب (32 عاماً) من فريق عمل المنصة كيف رفع المبعوث السوري إلى الأمم المتحدة بشار الجعفري في مجلس الأمن في 13 ديسمبر (كانون الأول) 2016، صورة قال إنها من مدينة حلب خلال آخر جولة معارك للسيطرة عليها، ليتبين لاحقاً أنها التُقطت في العراق المجاور.
ويقول الشاب المستقر في ألمانيا: «كنت أتابع الجعفري وشاهدتْه يرفع صورة جندي جاثٍ على ركبتيه ويديه بينما تدوس امرأة على ظهره للنزول من شاحنة كانت على متنها، على أساس أنها تعود لجندي سوري».
ويضيف: «لكني كنت أعرف أن الصورة من العراق لأنني شاهدتها قبل أشهر».
وللسرعة في رصد الأخبار الكاذبة، أنشأت المنصة على موقع «فيسبوك» صفحة بعنوان «تأكد على الحارك» (فوراً بالعامية)، لفتح المجال أمام كل من يرغب في التحري عن صحة خبر ما، أو حتى لفت النظر إلى معلومة خاطئة.
ويجد فريق المنصة المؤلَّف من ستة متطوعين غير متفرغين، صعوبةً في التحقق من كل ما يتم نشره.
ويقول خطاب: «يومياً هناك أخبار كاذبة، إذا أردنا أن نرصد لحظة بلحظة الأخبار عن سوريا فلن نتوقف عن العمل».
وينتشر الخبر الكاذب، وفق خطاب، «بسرعة أكبر من الخبر الصحيح»، موضحاً أن «كل من لديه حساب على مواقع التواصل الاجتماعي ولديه الكثير من المتابعين يتحول إلى محطة إخبارية».
ويضيف: «المشكلة أن ثمة أشخاصاً معروفين لديهم مثلاً خمسة ملايين متابع على (تويتر)، الواحد منهم قادر على نشر خبر كاذب وإشعال الدنيا بكبسة زر».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.