وسط زحام منطقة العتبة، وبالقرب من مبنى المطافئ، تجد مبنى البريد المصري، ذا الطراز المعماري الفريد. يُستدل عليه من زحام الوافدين لقضاء حوائجهم. في الطابق الثاني يقع متحف صغير للبريد المصري، يضم 1250 قطعة نادرة، يسهل عن طريقها التعرف على تاريخ البريد في مصر.
«الشرق الأوسط» زارت المتحف، والتقت بعض العاملين فيه. تأسس عام 1936، وكان يُعرف باسم متحف فؤاد الثاني، وفتح أبوابه أمام الجمهور في العام 1940 بعد اكتمال مقتنياته.
يقول محمد بكري مسؤول المتحف، إنّ السّر في اهتمام الملك فؤاد الأول بالبريد، أنّه كان مولعاً في الأساس بجمع الطوابع، وهي الهواية التي ورثها ابنه الملك فاروق. كانت الأسرة العلوية بشكل عام تولي اهتماماً كبيراً بالبريد، كونه أحد مظاهر الازدهار والتقدم. يحتوي المتحف على ممر صغير وغرفتين، إحداهما تكشف تطوّر البريد في مصر، بينما خُصّصت الغرفة المظلمة لجمع الطوابع. واستعان مسؤولو المتحف بمجسّمات للتعريف بطبيعة العمل داخل غرف البريد، وقد وُضع أوّل مكتب لمدير الهيئة، حين كانت تسمى «البوسطة المصرية»، وعُلّقت فوقها لوحة مكونة من 10 آلاف طابع، تُمثّل أبا الهول، كانت قد أُهديت إلى الملك فؤاد الثاني، بمناسبة افتتاح المتحف.
وعن زوار المتحف يقول بكري، إنّهم إمّا من الهواة أو الدارسين. فالدارسون يأتون للتّعرف على تاريخ البريد ورؤية مقتنيات لا يوجد لها مثيل في متاحف مصر الأخرى، بينما الهواة يقصدون غرفة الطّوابع لاكتشاف النادرة منها، سعياً لاستكمال مجموعتهم الخاصة.
الخديوي إسماعيل كان أول من سعى إلى تمصير البريد، لأنّ الشركة كانت مملوكة لإيطاليين، ويديرها جياكومي موتسي، وكان عدد مكاتبها لا يتعدى الـ19 مكتباً في أنحاء الجمهورية، وكانت تسمّى البوسطة الأوروبية، وتهدف إلى تقديم خدمة مراسلات الجاليات الأجنبية في مصر داخل البلاد وخارجها منذ العام 1840.
في عام 1865 أمر الخديوي إسماعيل بشراء الشركة، وأبقى على مديرها الإيطالي لإدارتها، بعدما أعطاه لقب رتبة البكوية، ليتضاعف عدد مكاتب البريد إلى 28 مكتباً.
إضافة إلى افتتاح فروع خارجية في إسطنبول وأزمير وجدة وبيروت وطرابلس والسودان، وخلال عام 1898 وصل عدد مكاتب البريد المصري إلى 802، بينما وصل عدد الطرود عام 1896 إلى 16 مليوناً ونصف مليون طرد داخلي، و153 ألف طرد خارجي. كذلك عُقد أول مؤتمر دولي للبريد في مصر عام 1934، تقديراً للخدمات البريدية المميزة التي شهدتها البلاد في تلك الفترة.
أمّا أول طابع بريد فصدر في العام 1866، وكان يحمل ألواناً وقيماً مختلفة، وطُبع في مطبعة دار «إخوان بيلاس» في إيطاليا، بعلامة مائية على شكل هرم من فوقه الشمس، ولم تستقبل «المطبعة الأميرية» أول دفعة لطباعة الطّوابع المصرية إلّا بعد ذلك التاريخ بسبع سنوات. ويتابع بكري أنّ البريد كان يخصص له وسائل نقل متعددة، فكانت هناك بواخر مخصصة ذات خط ملاحي محدد لنقل البريد الخارجي والداخلي، وقد تراجع دورها بعد افتتاح السّكة الحديد، في حين انطلقت أولى رحلات البريد الجوّي من مصر إلى الخرطوم في العام 1914. وقد ظهر ذلك من مقتنيات المتحف الذي ضمّ مجسّمات لعربات نقل البريد والبواخر المختلفة الأحجام، وفقاً للمسافة والجهة التي تقصدها، كان أشهرها الباخرة «جمال» المختصة بنقل البريد من القاهرة إلى بلاد النوبة.
لن تجد أي تفاصيل تتعلق بالبريد في مصر، إلّا ووضعت في المتحف. صناديق البريد أيضاً لها وجود داخل المتحف، حيث كانت الصناديق تنقسم إلى بريد داخلي وخارجي وسريع، كل منها له لونه المميز، وكان ساعي البريد يضع جواله أسفل الصندوق، ويفتحه من الأسفل، فتسقط الخطابات في الجوال دون عناء.
هناك أيضاً ركن مخصص للرسائل التي لم يستدل على أصحابها، ولا تزال تحتفظ بها هيئة البريد منذ إرسالها في نهاية القرن التاسع عشر، إضافة إلى الطوابع التذكارية التي صدرت في المناسبات المختلفة وحملت وجوه المشاهير والملوك والأمراء، ومن ثم الفلاحين والعمال، عقب قيام ثورة يوليو (تموز) 1952، كما توجد شهادات الشكر والجوائز التي حصلت عليها الهيئة، كان أبرزها على الإطلاق، خطاب شكر موجه من محمود محروس أبو حسين، مدير إشارة القوات المسلحة إلى رئيس هيئة البريد عن الدور الوطني الذي لعبه رجال البريد خلال حرب 73، عندما كان البريد في بعض الأحيان الوسيلة الوحيدة لنقل الخطابات والرسائل.
«متحف البريد» في مصر... طوابع ومقتنيات نادرة ورسائل منسية
«متحف البريد» في مصر... طوابع ومقتنيات نادرة ورسائل منسية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة