«ريبوسي» تحط في دبي بإرثٍ غنيٍّ وروح شابة ترقص على إيقاعات العصر

مسيرة فنية تشكّلت في بداية القرن الماضي وتتجسد حالياً في تصاميم هندسية

خاتم بتصميم «ريبوسي» - خاتم من الذهب الوردي من مجموعة «أنتيفير» -عقد من مجموعة «أنتيفير» الأخيرة - بنجامين كومار الرئيس التنفيذي لدار «ريبوسي» - أقراط أذن مرصعة بالألماس والزمرد بتصميم شبابي
خاتم بتصميم «ريبوسي» - خاتم من الذهب الوردي من مجموعة «أنتيفير» -عقد من مجموعة «أنتيفير» الأخيرة - بنجامين كومار الرئيس التنفيذي لدار «ريبوسي» - أقراط أذن مرصعة بالألماس والزمرد بتصميم شبابي
TT

«ريبوسي» تحط في دبي بإرثٍ غنيٍّ وروح شابة ترقص على إيقاعات العصر

خاتم بتصميم «ريبوسي» - خاتم من الذهب الوردي من مجموعة «أنتيفير» -عقد من مجموعة «أنتيفير» الأخيرة - بنجامين كومار الرئيس التنفيذي لدار «ريبوسي» - أقراط أذن مرصعة بالألماس والزمرد بتصميم شبابي
خاتم بتصميم «ريبوسي» - خاتم من الذهب الوردي من مجموعة «أنتيفير» -عقد من مجموعة «أنتيفير» الأخيرة - بنجامين كومار الرئيس التنفيذي لدار «ريبوسي» - أقراط أذن مرصعة بالألماس والزمرد بتصميم شبابي

تشهد دبي منذ بداية العام سلسلة من الافتتاحات والتوسعات. فكل بيت أزياء أو مجوهرات يخطر على بالك رسخ مكانته في المنطقة بديكورات تعكس إما تاريخها العريق وإما حداثتها التي تواكب العصر. فالمرأة الشرقية أكدت عبر التاريخ أنها أكبر عاشقة للجمال. وإذا كان هذا الجمال مطعماً بالغالي والنفيس فهذا هو عز الطلب. لهذا ليس غريباً أن نسمع في كل أسبوع تقريباً بحفل افتتاح لمحل جديد. بعد «سان لوران» و«ديور» و«شانيل» و«فندي» و«هيرمس» وغيرها من الأسماء العالمية، ها هي دار «ريبوسي» الإيطالية تلتحق بالركب محمّلة بإرثٍ يعود إلى بداية القرن العشرين. فقد افتتحت محلها الجديد في «دبي مول»، وأملها أن يعكس كل ركن وكل زاوية فيه عراقتها من جهة وحداثتها من جهة ثانية. فرغم مرور نحو قرن عليها، ترى نفسها ابنة اليوم، تماماً مثل مديرتها الفنية غايا، حفيدة المؤسس، التي درست علم الآثار أساساً قبل أن تلتحق بالدار في عام 2007.
عندما تسلمت الإدارة الفنية لم يتوقع أحد أن ترقى بها إلى مصافّ الكبار وتدخل المنافسة معهم بندّية، فعمرها لم يكن يتعدى 21 عاماً آنذاك. كما أنها لم تُعطِ أي انطباع بأنها كانت تريد أن ترث هذه المسؤولية، فهي أولاً وقبل كل شيء إيطالية تقدِّر مفهوم العائلة. كان المطلوب منها أن تضخها بدم شاب يعيد إليها الرونق والنضارة، وهو ما نفّذته.
صحيح أن عالم المجوهرات والأحجار الكريمة قديم قدم الزمن، ولا يمكن أن تؤثر الأزمات والتغيرات لا على حجم أحجاره ولا قيمتها، إلا أن التغيرات التي يشهدها العالم في السنوات الأخيرة، باتت تفرض استراتيجيات سريعة ونظرة من زاوية مختلفة على أمل استقطاب جيل المستقبل. لهذا عندما سلمت الدار، التي تأسست في عام 1925، مقاليدها إلى ابنة في العشرينات من العمر، فإن الأمر لم يكن اعتباطاً ولا مجازفة. كان واضحاً أنها أكثر من يفهم التغيرات التي تقف وراءها بنات جيلها وأكثر من يتقن لغة مخاطبتهن. وكما أشار بينجامين كومار الرئيس التنفيذي للدار، في لقاء أجرته معه «الشرق الأوسط» في مكتبه بباريس، فإن «زبونات هذا الجيل يُقدرن التصاميم التي تكون بمثابة جسر بين الماضي والمستقبل. فآخر شيء يفكرن فيه هو إلغاء القديم، وكل ما يطلبنه تطويره وتطويعه ليناسب إيقاع حياتهن الجديد».
وهنا تكمن «قوة «ريبوسي» حسب قوله «في جمعها تقاليد الماضي، بكل ما يعنيه من حرفية، بتقنيات العصر وأدواته التي تمثلها غايا وأصبحت تتجلى بوضوح في تصاميم هندسية متميزة».
ما يذكره الكثيرون أنه عندما تسلمت غايا مفاتيح دار أجدادها، لم يتوقعوا نجاحها. أول ما تبادر إلى أذهانهم أنها مجرد فتاة مدللة ستتعامل مع الأمر على أنه هواية. لكنها خيّبت ظنهم، ونجحت في وقت وجيز أن تضخ تصاميم الدار بحيوية لم تكن معهودة من قبل. في عام 2011 مثلاً حققت مجموعتها «بيربير» التي استلهمتها من البربر، نجاحاً تجارياً لافتاً. وكانت النتيجة أنها جذبت أيضاً انتباه مجموعة «إل في إم إتش» التي لم تتردد في شراء حصة من «ريبوسي» في عام 2015 بهدف توسيعها وافتتاح محلات في عواصم عالمية. وبالفعل تم افتتاح محلات جديدة في كل من باريس، وميلانو، وسويسرا، والسعودية، ومونتي كارلو، واليابان، وكوريا، وروسيا، وأخيراً وليس آخراً دبي.
وكأن بصمتها وحدها لا تكفي، فتعاونت مع مصممين مثل ألكسندر وانغ وجوزيف التازورا سابقاً لكي تضفي على تصاميمها لمسة من الموضة تعزز مكانتها في أوساط الجيل الصاعد من الفتيات العاشقات للموضة.
التحاق الرئيس التنفيذي بينجامين كومار، بالدار الإيطالية هو الآخر ليس اعتباطاً. فالجانب الفني لا يكتمل من دون عقل يُدبر ويدير ويبتكر استراتيجيات مُقنعة. وتجدر الإشارة إلى أنه ليس غريباً عن عالم المجوهرات. فقد سبق له العمل في دار «شانيل» لسنوات طويلة، وبالتالي يعرف تماماً ما تحتاج إليه أي ماركة لتسويقها والارتقاء بلغتها الترويجية إلى أعلى المستويات. يقول بتواضع شديد إن مهمته ليست صعبة، لأن الدار الإيطالية تتوفر على كل المؤهلات والعناصر التي تجعلها قابلة للعب مع الكبار «فلا هي تفتقر إلى العراقة والتاريخ ولا إلى الفنية التي تتطلبها مستجدات العصر».
ويضيف: «عندما يتعلق الأمر بالتصميم، فنحن نريد أن نتخطى المتعارف عليه والتصاميم التقليدية لكن ليس على حساب ماضينا... لا أنكر أننا نعتبر الغوص في تاريخ الدار وإبداعات الأجداد أمراً ضرورياً على شرط ألا يأتي على حساب التطوير».
وهذا تحديداً ما يجعله يُشكل مع غايا ثنائياً ناجحاً لأنهما «على نفس الموجة» حسب قوله. بأسلوبها الذي يتحدى المتعارف عليه وبحثها الدائم عن الجديد مع احترام رموز الدار ولمسات الأجداد فإنها تجعل مهمته سهلة إلى حد كبير. ويشير كومار أيضاً إلى نقطة مهمة وهي أن عائلة ريبوسي تعشق الفن، وهو ما يسري في جينات المصممة الشابة، التي اعترفت في بعض اللقاءات الصحافية بأنها قبل أن تفكر في تصميم المجوهرات كانت ترغب أن تمتهن الفن. فهو بالنسبة إليها وسيلة مثالية للتعبير عما يجول بداخها، لكن حبها للعائلة واحترامها لهم دفعاها لكي تقبل المسؤولية وتأخذ على عاتقها حمل الدار إلى الألفية. لم تتخلَّ عن الفن بل دمجته مع إرث العائلة لتكون النتيجة خلطة عصرية مطعمة بأشكال هندسية، وأحياناً معمارية، مثيرة. ما اكتشفته أن تصميم المجوهرات وجه من وجوه الفن الكثيرة، وأن أي قطعة لا تقل أهمية عن اللوحات والمنحوتات في حال تم التعامل معها باحترام. بيد أن الملاحظ في بعض المجموعات الأخيرة، اجتهادها لتحقيق المعادلة بين الفني والتجاري. معادلة صعبة للغاية لكن ليست مستحيلة بالنسبة إلى «ريبوسي» حسبما يقول بينجامين كومار، لأن الدار تطرح مجموعات بأسعار مقدور عليها تخاطب الشابات، مثل مجموعتها «أنتيفير» وغيرها التي يمكن أن تجد فيها قطعاً ناعمة يمكنها أن تضيف إليها كلما سمحت لها إمكاناتها لترصها فتبدو سميكة ومبتكرة في الوقت ذاته.

الفن في جيناتها
كبرت غايا في وسط فني، إلى حد القول إن والدها لقنه لها بملعقة من ذهب. كانت تقضي ساعات معه ترسم أو تراقبه وهو يصمم. عندما كبرت درست الفنون الجميلة لتعود بعدها إلى حُضن العائلة. «عندما تمتلك عائلتك شيئاً ثميناً معبّأ بالتقاليد والفن، من الصعب أن تتجاهله ولا تتفاعل معه» حسب قولها. من هذا المنظور بدأت تتدخل بالتدريج في العمل. وسرعان ما انتبه كل من حولها إلى أنها تنظر إلى الأشياء من منظور شبابي يعكس رؤية وطموحات بنات جيلها. لكنها لا شك أن تخصصها في الفنون الجميلة وحبها لفن العمارة والهندسة ساعداها على التميز. لم تمر سوى بضع سنوات على التحاقها بالدار حتى بدأ اسم «ريبوسي» يتألق وينتشر عالمياً.

محطات تاريخية

> تأسست «ريبوسي» في العشرينات من القرن الماضي، وتحديداً عام 1925، في مدينة تورين الإيطالية. وتوارثها الأبناء منذ ذلك الحين إلى اليوم حتى بعد أن اشترت مجموعة «إل في إم إتش» الفرنسية حصة منها.
> بعد الحرب العالمية الثانية، تسلم كونستانتينو المشعل من والده، بعد أن أنهى دراسته في مجال التصميم الصناعي، وهو ما كان مناسباً في فترة شهدت فيها إيطاليا انتعاش الفن المعاصر. في هذه الفترة افتتح كونستانتينو أول محل في تورينو، وتميزت تصاميمها بالـ«آرت ديكو».
> ابنه ألبيرتو بدأ يصمم للدار في سن صغيرة، وكان له الفضل في إثارة أنظار العالم إلى الدار بعد أن افتتح أول محل لها في مونتي كارلو عام 1979، ثم باريس في عام 1986، العام الذي وُلدت فيه ابنته غايا.
> في عام 2007 أُنيطت مهمة التصميم الفني بالحفيدة غايا وكان عمرها لا يتعدى 21 عاماً. كانت خياراً مثالياً لأنها تعكس طموحات بنات جيلها فضلاً عن عشقها للفن. كانت خطتها أن تنتهج خطاً جديداً تخض به المتعارف عليه من دون أن تهد إرثها. مثل جدها تبنت الموجة السائدة في عصرها وحلّقت بها. فبينما مال هو إلى الـ«آرت ديكو» والتصاميم التي فرضتها المدرسة الصناعية، تميل هي إلى فن العمارة التي تُجسدها في تصاميم هندسية مبتكرة تبدو أحياناً كأنها منحوتات.


مقالات ذات صلة

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)

الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
TT

الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

في عالم الموضة هناك حقائق ثابتة، واحدة منها أن حلول عام جديد يتطلب أزياء تعكس الأمنيات والآمال وتحتضن الجديد، وهذا يعني التخلص من أي شيء قديم لم يعد له مكان في حياتك أو في خزانتك، واستبدال كل ما يعكس الرغبة في التغيير به، وترقب ما هو آتٍ بإيجابية وتفاؤل.

جولة سريعة في أسواق الموضة والمحال الكبيرة تؤكد أن المسألة ليست تجارية فحسب. هي أيضاً متنفس لامرأة تأمل أن تطوي صفحة عام لم يكن على هواها.

اقترح المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 قطعاً متنوعة كان فيها التول أساسياً (رامي علي)

بالنسبة للبعض الآخر، فإن هذه المناسبة فرصتهن للتخفف من بعض القيود وتبني أسلوب مختلف عما تعودن عليه. المتحفظة التي تخاف من لفت الانتباه –مثلاً- يمكن أن تُدخِل بعض الترتر وأحجار الكريستال أو الألوان المتوهجة على أزيائها أو إكسسواراتها، بينما تستكشف الجريئة جانبها الهادئ، حتى تخلق توازناً يشمل مظهرها الخارجي وحياتها في الوقت ذاته.

كل شيء جائز ومقبول. المهم بالنسبة لخبراء الموضة أن تختار قطعاً تتعدى المناسبة نفسها. ففي وقت يعاني فيه كثير من الناس من وطأة الغلاء المعيشي، فإن الأزياء التي تميل إلى الجرأة والحداثة اللافتة لا تدوم لأكثر من موسم. إن لم تُصب بالملل، يصعب تكرارها إلا إذا كانت صاحبتها تتقن فنون التنسيق. من هذا المنظور، يُفضَّل الاستثمار في تصاميم عصرية من دون مبالغات، حتى يبقى ثمنها فيها.

مع أن المخمل لا يحتاج إلى إضافات فإن إيلي صعب تفنن في تطريزه لخريف وشتاء 2024 (إيلي صعب)

المصممون وبيوت الأزياء يبدأون بمغازلتها بكل البهارات المغرية، منذ بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) تقريباً، تمهيداً لشهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول). فهم يعرفون أن قابليتها للتسوق تزيد في هذا التوقيت. ما يشفع لهم في سخائهم المبالغ فيه أحياناً، من ناحية الإغراق في كل ما يبرُق، أن اقتراحاتهم متنوعة وكثيرة، تتباين بين الفساتين المنسدلة أو الهندسية وبين القطع المنفصلة التي يمكن تنسيقها حسب الذوق الخاص، بما فيها التايورات المفصلة بسترات مستوحاة من التوكسيدو أو كنزات صوفية مطرزة.

بالنسبة للألوان، فإن الأسود يبقى سيد الألوان مهما تغيرت المواسم والفصول، يليه الأحمر العنابي، أحد أهم الألوان هذا الموسم، إضافة إلى ألوان المعادن، مثل الذهبي أو الفضي.

المخمل كان قوياً في عرض إيلي صعب لخريف وشتاء 2024... قدمه في فساتين وكابات للرجل والمرأة (إيلي صعب)

ضمن هذه الخلطة المثيرة من الألوان والتصاميم، تبرز الأقمشة عنصراً أساسياً. فكما الفصول والمناسبات تتغير، كذلك الأقمشة التي تتباين بين الصوف والجلد اللذين دخلا مناسبات السهرة والمساء، بعد أن خضعا لتقنيات متطورة جعلتهما بملمس الحرير وخفته، وبين أقمشة أخرى أكثر التصاقاً بالأفراح والاحتفالات المسائية تاريخياً، مثل التول والموسلين والحرير والمخمل والبروكار. التول والمخمل تحديداً يُسجِّلان في المواسم الأخيرة حضوراً لافتاً، سواء استُعمل كل واحد منهما وحده، أو مُزجا بعضهما ببعض. الفكرة هنا هي اللعب على السميك والشفاف، وإن أتقن المصممون فنون التمويه على شفافية التول، باستعماله في كشاكش كثيرة، أو كأرضية يطرزون عليها وروداً وفراشات.

التول:

التول كما ظهر في تشكيلة المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 (رامي علي)

لا يختلف اثنان على أنه من الأقمشة التي تصرخ بالأنوثة، والأكثر ارتباطاً بالأفراح والليالي الملاح. ظل طويلاً لصيقاً بفساتين الزفاف والطرحات وبأزياء راقصات الباليه، إلا أنه الآن يرتبط بكل ما هو رومانسي وأثيري.

شهد هذا القماش قوته في عروض الأزياء في عام 2018، على يد مصممين من أمثال: إيلي صعب، وجيامباتيستا فالي، وسيمون روشا، وهلم جرا، من أسماء بيوت الأزياء الكبيرة. لكن قبل هذا التاريخ، اكتسب التول شعبية لا يستهان بها في القرنين التاسع عشر والعشرين، لعدد من الأسباب مهَّدت اختراقه عالم الموضة المعاصرة، على رأسها ظهور النجمة الراحلة غرايس كيلي بفستان بتنورة مستديرة من التول، في فيلم «النافذة الخلفية» الصادر في عام 1954، شد الانتباه ونال الإعجاب. طبقاته المتعددة موَّهت على شفافيته وأخفت الكثير، وفي الوقت ذاته سلَّطت الضوء على نعومته وأنوثته.

التول حاضر دائماً في تشكيلات المصمم إيلي صعب خصوصاً في خط الـ«هوت كوتور» (إيلي صعب)

منذ ذلك الحين تفتحت عيون صناع الموضة عليه أكثر، لتزيد بعد صدور السلسلة التلفزيونية الناجحة «سيكس أند ذي سيتي» بعد ظهور «كاري برادشو»، الشخصية التي أدتها الممثلة سارة جيسيكا باركر، بتنورة بكشاكش وهي تتجول بها في شوارع نيويورك في عز النهار. كان هذا هو أول خروج مهم لها من المناسبات المسائية المهمة. كانت إطلالة مثيرة وأيقونية شجعت المصممين على إدخاله في تصاميمهم بجرأة أكبر. حتى المصمم جيامباتيستا فالي الذي يمكن وصفه بملك التول، أدخله في أزياء النهار في تشكيلته من خط الـ«هوت كوتور» لعام 2015.

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» استعملت فيها ماريا غراتزيا تشيوري التول كأرضية طرزتها بالورود (ديور)

ما حققه من نجاح جعل بقية المصممين يحذون حذوه، بمن فيهم ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة دار «ديور» التي ما إن دخلت الدار بوصفها أول مصممة من الجنس اللطيف في عام 2016، حتى بدأت تنثره يميناً وشمالاً. تارة في فساتين طويلة، وتارة في تنورات شفافة. استعملته بسخاء وهي ترفع شعار النسوية وليس الأنوثة. كان هدفها استقطاب جيل الشابات. منحتهن اقتراحات مبتكرة عن كيفية تنسيقه مع قطع «سبور» ونجحت فعلاً في استقطابهن.

المخمل

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» اجتمع فيها المخمل والتول معاً (ديور)

كما خرج التول من عباءة الأعراس والمناسبات الكبيرة، كذلك المخمل خرج عن طوع الطبقات المخملية إلى شوارع الموضة وزبائن من كل الفئات.

منذ فترة وهو يغازل الموضة العصرية. في العام الماضي، اقترحه كثير من المصممين في قطع خطفت الأضواء من أقمشة أخرى. بملمسه الناعم وانسداله وألوانه الغنية، أصبح خير رفيق للمرأة في الأوقات التي تحتاج فيها إلى الدفء والأناقة. فهو حتى الآن أفضل ما يناسب الأمسيات الشتوية في أوروبا وأميركا، وحالياً يناسب حتى منطقة الشرق الأوسط، لما اكتسبه من مرونة وخفة. أما من الناحية الجمالية، فهو يخلق تماوجاً وانعكاسات ضوئية رائعة مع كل حركة أو خطوة.

تشرح الدكتورة كيمبرلي كريسمان كامبل، وهي مؤرخة موضة، أنه «كان واحداً من أغلى الأنسجة تاريخياً، إلى حد أن قوانين صارمة نُصَّت لمنع الطبقات الوسطى والمتدنية من استعماله في القرون الوسطى». ظل لقرون حكراً على الطبقات المخملية والأثرياء، ولم يُتخفف من هذه القوانين إلا بعد الثورة الصناعية. ورغم ذلك بقي محافظاً على إيحاءاته النخبوية حتى السبعينات من القرن الماضي. كانت هذه هي الحقبة التي شهدت انتشاره بين الهيبيز والمغنين، ومنهم تسلل إلى ثقافة الشارع.

يأتي المخمل بألوان غنية تعكس الضوء وهذه واحدة من ميزاته الكثيرة (إيلي صعب)

أما نهضته الذهبية الأخيرة فيعيدها الخبراء إلى جائحة «كورونا»، وما ولَّدته من رغبة في كل ما يمنح الراحة. في عام 2020 تفوَّق بمرونته وما يمنحه من إحساس بالفخامة والأناقة على بقية الأنسجة، وكان الأكثر استعمالاً في الأزياء المنزلية التي يمكن استعمالها أيضاً في المشاوير العادية. الآن هو بخفة الريش، وأكثر نعومة وانسدالاً بفضل التقنيات الحديثة، وهو ما جعل كثيراً من المصممين يسهبون فيه في تشكيلاتهم لخريف وشتاء 2024، مثل إيلي صعب الذي طوعه في فساتين و«كابات» فخمة طرَّز بعضها لمزيد من الفخامة.

من اقتراحات «سكاباريللي» (سكاباريللي)

أما «بالمان» وبرابال غورانغ و«موغلر» و«سكاباريللي» وغيرهم كُثر، فبرهنوا على أن تنسيق جاكيت من المخمل مع بنطلون جينز وقميص من الحرير، يضخه بحداثة وديناميكية لا مثيل لها، وبان جاكيت، أو سترة مستوحاة من التوكسيدو، مع بنطلون كلاسيكي بسيط، يمكن أن ترتقي بالإطلالة تماماً وتنقلها إلى أي مناسبة مهمة. الشرط الوحيد أن يكون بنوعية جيدة حتى لا يسقط في خانة الابتذال.