وجهها المبتسم والبشوش، الحازم والصارم... ألفهُ المصريون على مدار عقود طويلة، لأنه يشبههم، غيّبه الموت بعد رحلة طويلة اقتربت من المائة عام. وبالأمس توقف قطار عمر الفنانة المصرية الكبيرة مديحة يسري، أخيراً في مقابر أسرتها بأحد ضواحي الجيزة الصحراوية، بعد مشوار فني حافل بعشرات الأعمال السينمائية، مع كبار نجوم السينما في منتصف القرن الماضي.
«سمراء النيل»، لم تخش الموت، وفق ما قالته في لقاء تلفزيوني تم عرضه قبل عام، لافتة إلى أنها قامت بتأدية فريضة الحج 6 مرات، بجانب 17 عمرة. وقالت «الجنة في انتظاري». اختارت الفنانة الراحلة التي كانت تفتخر بمساندة الدولة لها ودعمها في سنواتها الأخيرة، الانصراف عن السينما في عام 1994، بعدما لعبت دور حيوي ومهم في فيلم «الإرهابي» بطولة عادل إمام، بينما كان ظهورها الأخير دراميا في مسلسل «يحيا العدل» عام 2002 مع الفنان مصطفى فهمي والفنانة ميرفت أمين. وابتعدت عن الساحة الفنية نظرا للتغيرات الإنسانية والاجتماعية التي طرأت على المشهد، منتقدة غياب الرؤية والهدف والاحترام بين الأجيال، وتدهور رسالة الفن، في الآونة الأخيرة، بحسب وصفها.
رغم زواجها 4 مرات، فإنها كانت تخص الفنان الراحل محمد فوزي بمكانة فريدة، ولم تنكر أنها كانت تحبه رغم انفصالهما بسبب طيبته ومشاعره الطيبة تجاهها، إذ تعاونا سويا في أعمال سينمائية بعد طلاقهما. واعترفت كذلك بخيانة بعض أزواجها لها، رغم شخصيتها القوية المسيطرة.
اعتزت الفنانة الراحلة بفترة الأربعينات والخمسينات، التي يعتبرها النقاد والفنانون عصرها الذهبي بقولها: «مصر كانت أجمل، كان يوجد احترام للشخصية والصداقة والحب، نتمنى عودة تلك الأيام مرة أخرى»، بينما مثّل مصرع ابنها عمرو (27 سنة) في حادثة سيارة، ضربة قوية لها؛ لكنها تخطت الأزمة بنفس القوة التي تخطت بها كل أزماتها على مدار سنواتها التي ناهزت الـ97 سنة.
من جانبها، حرصت الفنانة المصرية المعتزلة نجلاء فتحي، والفنانة نبيلة عبيد، والفنانات ميرفت أمين، ودلال عبد العزيز، ورجاء الجداوي، ولبلبة، وإلهام شاهين، ويسرا، إلى جانب الفنانَين سمير صبري وأشرف زكي، على المشاركة في مشهد وداع الفنانة الكبيرة مديحة يسري، بمسجد السيدة نفيسة، بالقاهرة عقب صلاة ظهر أمس، بينما غاب النجوم الشباب عن المشاركة في تشييع الجنازة.
وحصلت مديحة يسري على الدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون، العام الماضي، تقديرا لتاريخها الفني الحافل بأعمال اجتماعية، وغنائية وعاطفية، حيث وقفت أمام محمد فوزي، وعبد الحليم حافظ، وفريد الأطرش، ويوسف وهبي، ورشدي أباظة، وعماد حمدي، ومن أبرز أعمالها «الأفوكاتو مديحة» و«ابن الحداد» و«حياة أو موت» و«الخطايا» و«ممنوع الحب» و«لحن الخلود».
جدير بالذكر أن المخرج السينمائي محمد كريم، هو الذي اكتشفها، بينما كان أول ظهور لها مع محمد عبد الوهاب في فيلم «ممنوع الحب»، عام 1940 كصاحبة وجه مبتسم، واختيرت واحدة من بين أجمل عشر نساء في العالم خلال حقبة الأربعينات.
وحصلت على فرصتها الحقيقية حينما شاهدها يوسف وهبي وهي تؤدي مشهداً في إحدى البلاتوهات فاستدعاها هو وشريكه توجو مزراحي، وعرض عليها العمل معه في ثلاثة أفلام دون أن تعمل مع غيره، وهي «ابن الحداد» و«فنان عظيم» و«أولادي». وتعتبر غنيمة حبيب خليل أو مديحة يسري، هي وفاتن حمامة الممثلتان الوحيدتان اللتان مثلتا مع أربعة من نجوم الغناء في مصر، وهم محمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش، ومحمد فوزي، وعبد الحليم حافظ.
وكان قد صدر قبل عدة أيام قرار من المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء المصري بنقل الفنانة الكبيرة إلى مستشفى المعادي العسكري، بعد تدهور حالتها الصحية، وقامت وزيرة التضامن، غادة والي، بالإشراف على نقل الفنانة لمستشفى تابع للجيش المصري.
يشار إلى أن «سمراء النيل» قد أصيبت بوعكة صحية قبل عامين، نقلت على إثرها إلى أحد المستشفيات الخاصة بالقاهرة، حيث كانت تعاني من أمراض عدة منها التهاب في المثانة وآلام في العظام وجلطة في الساق، كما كانت تعاني من ارتفاع في درجات الحرارة تصل إلى 40 درجة مئوية في بعض الأحيان نتيجة تركيب قسطرة، وتورم في الوجه، وتم نقلها قبل أشهر إلى أحد مراكز التأهيل التابعة للجيش لعمل جلسات علاج طبيعي حتى يمكنها الحركة بعدما فقدت القدرة على ذلك.
مديحة يسري... «سمراء النيل» تصل إلى نهاية «لحن الخلود»
الموت غيبها عن عمر يناهز 97 عاماً
مديحة يسري... «سمراء النيل» تصل إلى نهاية «لحن الخلود»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة