الأسواق الناشئة تدفع ثمن ارتفاع الدولار والنفط وأسعار الفائدة

مخاوف من هجرة الرساميل والتضخم

الأسواق الناشئة تدفع ثمن ارتفاع الدولار والنفط وأسعار الفائدة
TT

الأسواق الناشئة تدفع ثمن ارتفاع الدولار والنفط وأسعار الفائدة

الأسواق الناشئة تدفع ثمن ارتفاع الدولار والنفط وأسعار الفائدة

الارتفاع غير الاعتيادي للدولار، التشديد النقدي للاحتياطي الفيدرالي الأميركي، الحذر المخيم على العلاقات التجارية الدولية بسبب الحمائية الجديدة، وارتفاع أسعار النفط؛ كلها من العوامل التي بدأت تؤثر في أداء الأسواق الناشئة. وهو ما يثير تساؤلات حول: هل هو تأثير مرحلي عابر أم أنه عميق مستدام؟
بداية تجدر الإشارة إلى رأي مطمئن لرئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الذي قال في 8 مايو (أيار) الحالي: «هناك أسباب وجيهة تدعو للاعتقاد أن تطبيع السياسات النقدية في الدول المتقدمة سيكون أمراً قابلاً للتأقلم معه وإدارته بشكل أو بآخر في الاقتصادات الناشئة».
في المقابل، يرى محللون أن فترة السماح اقتربت من نهايتها في الدورة الاقتصادية الحالية. فبعد سنتين من الأداء الجيد، سجل مؤشر «إم إس سي آي» للأسواق الناشئة تراجعاً نسبته 9.3 في المائة منذ بداية العام حتى افتتاح التداول أمس، مقابل عودة الأسواق الأوروبية والأميركية إلى الانتعاش وتعويض معظم الخسائر التي منيت بها في فبراير (شباط) ومارس الماضيين.
والاقتصادات الناشئة كانت قد استفادت من تسارع نمو الاقتصاد العالمي وارتفاع أسعار عدد من السلع والمواد الأولية وصعود أرباح الشركات المحلية، لكن الريح تعكس اتجاهها منذ أسابيع.
وأشار المحللون إلى أن عائدات السندات الأميركية عند أعلى مستوياتها منذ 2011. فعائد 3 في المائة لسندات العشر سنوات بدأ يشكل عامل جذب للمستثمرين لا سيما الذين حققوا عوائد جيدة من أسواق الأسهم والديون السيادية للأسواق الناشئة في السنوات الماضية ويرغبون الآن في التحوط والهروب من الأصول الخطرة. وهذا التحول يوقف نمو تدفق الرساميل إلى الدول الناشئة.
ووفقاً لإحصاءات صادرة عن مراصد متخصصة، فإن خروج الرساميل في الأسبوع المنتهي في 10 مايو (أيار) الحالي كان الأعلى منذ الربع الرابع 2016، وفي محصلة بين الداخل والخارج من صناديق الأسهم يتبين أن الخارج أكبر، فضلاً عن ملاحظة سجلها معهد التمويل الدولي لجهة خروج مستثمرين من الديون السيادية للأسواق الناشئة بدأت ترتفع منذ أبريل (نيسان) الماضي.
لكن محللين آخرين يرون أن الأسواق الناشئة غير منكشفة كثيراً على تداعيات التشديد النقدي المتمثلة برفع الفائدة على الدولار، فموازنتها الجارية حالياً أفضل مما كانت عليه في 2013 أي العام الذي شهد خروجاً كثيفاً للرساميل، لذا فإمكان التحمل الآن أكبر من تلك السنة التي كانت قاسية جداً في الأسواق الناشئة.
وفي 2013 سجل 9 من أصل 20 اقتصاداً ناشئاً رئيسياً عجزا في الحسابات الجارية نسبتها أعلى من 3 في المائة من ناتجها المحلي. أما حالياً فهذا العجز المتفاقم لا يشمل إلا تركيا وكولومبيا حتى الآن، في مقابل فوائض في دول أخرى ستسمح بزيادة الاحتياطات من النقد الأجنبي بنحو 144 مليار دولار تبعاً لما أكده صندوق النقد الدولي.
ومع ذلك، فإن دولاً مثل الهند والفلبين وإندونيسيا لا تتمتع بمناعة كافية إزاء تسارع رفع الفائدة، خصوصاً إذا كانت السياسة التوسعية للرئيس الأميركي دونالد ترمب ستغذي دورة تضخمية في الولايات المتحدة الأميركية. «عندئذ سنشهد خروجاً أكبر وأسرع للرساميل من الأسواق الناشئة وهذا بدوره سيؤثر في أسعار صرف عملات تلك الدول»، كما يؤكد محللون في معظم الدراسات.
ومن الأسباب التي ترد لتفسير ذلك ارتفاع الدولار. ففي شهر ارتفعت العملة الخضراء نحو 4.35 في المائة مقابل سلة من العملات. هذه القفزة فاجأت الأسواق، لكن التبرير لدى محللين آخرين يكمن في استباق رفع الفائدة وفي انتعاش نمو الاقتصاد الأميركي.
لكن هذا الصعود الدولاري سبب صدمة للبيزو المكسيكي والليرة التركية والراند الجنوب أفريقي والريال البرازيلي، والأقسى كان من نصيب البيزو الأرجنتيني. فالهبوط العنيف للعملة الأرجنتينية دق ناقوس خطر صعود الدولار كاشفاً هشاشة بعض الدول إزاء ذلك. «فكل ضعف للعملة في دولة ناشئة يورث خروجاً إضافياً للرساميل منها، ويهدد بصعود كبير للتضخم وهذا بدوره يدفع البنوك المركزية في الدول المعنية باتجاه رفع الفائدة» وفقاً لرأي محلل في «مورغان ستانلي».
إلى ذلك يضاف عامل عودة أسعار النفط إلى الارتفاع والذي تتوجس منه اقتصادات دول مثل تركيا والهند وإندونيسيا لأن فاتورة استهلاك الوقود سترتفع، وستصعد كلفة الإنتاج الصناعي وتوليد الكهرباء فضلاً ارتفاع كلفة النقل.
على صعيد آخر، فإن صعود الدولار يترك أثر ضغوط في أسواق السندات المحلية. خصوصا أن الإحصاءات تشير إلى أن الاقتصادات الناشئة زادت إصداراتها السيادية بالدولار 10 في المائة في سنة، والأكثر انكشافاً في هذا المجال أوكرانيا والصين وجنوب أفريقيا وتركيا.
ويذكر المحللون بما حدث في 2014 - 2015 عندما صعد الدولار 25 في المائة، فإذا بالأسواق الناشئة تهبط بشكل كبير، فالمعادلة تكمن في الترابط بين مؤشر «إم إس سي آي» والدولار الذي إذا صعد يهبط في مقابله ذلك المؤشر.
تبقى التجارة جرعة الأكسجين المطلوبة لتلك الدول. فنمو التجارة العالمية وبنسبة 6 في المائة سنوياً يعوض ما قد تخسره تلك الدول في بعض تنافسيتها وخير دليل على ذلك الاقتصاد الصيني الذي لا يظهر علامات ضعف، إلا إذا عادت نذر الحروب التجارية تطل برأسها بفعل السياسات الحمائية التي دشنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
فالاقتصادات الناشئة كانت أول وأكبر المستفيدين تاريخياً من خفض الجمارك وتخفيف العوائق التجارية، وهذا واضح في الحصة الكبيرة لصادرات تلك الدول نسبة إلى نواتجها. فإذا توسع تهديد الحروب التجارية ستتأثر دول آسيوية بالإضافة إلى المكسيك وتشيلي وكولومبيا لأن لها حصصاً لا بأس بها من القيمة المضافة للسلع المصدرة إلى الولايات المتحدة. وستتأثر تلك الدول أكثر بفعل التوافق المبدئي بين الصين والولايات المتحدة الذي ظهرت بعض بوادره يوم السبت، اتفاق لا يتجنب الحرب التجارية بين البلدين وحسب بل يركز مستوى التجارة بينهما على حساب عدد من اقتصادات الدول الناشئة.


مقالات ذات صلة

قبيل بيانات التضخم... الدولار قرب أعلى مستوى في أسبوعين

الاقتصاد أوراق نقدية من فئة الدولار الأميركي (رويترز)

قبيل بيانات التضخم... الدولار قرب أعلى مستوى في أسبوعين

تداول الدولار بالقرب من أعلى مستوى له في أسبوعين مقابل الين، قبيل صدور بيانات التضخم الأميركي المنتظرة التي قد تكشف عن مؤشرات حول وتيرة خفض الفائدة.

«الشرق الأوسط» (طوكيو )
الاقتصاد سبائك ذهبية معروضة في مكتب «غولد سيلفر سنترال» بسنغافورة (رويترز)

توقعات باستمرار تألق الذهب حتى 2025 ليصل إلى 2950 دولاراً

مع عودة دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، من المحتمل أن يكون هناك مزيد من عدم اليقين بشأن التجارة والتعريفات الجمركية، مما سيدعم أيضاً سعر الذهب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد لقاء بين الرئيس الصيني شي جينبينغ ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي على هامش قمة «بريكس» في قازان (أرشيفية - رويترز)

الهند: لا مصلحة لدول «بريكس» في إضعاف الدولار الأميركي

قال وزير الخارجية الهندي سوبراهامانيام جايشانكار يوم السبت إن دول «بريكس» ليست لديها مصلحة في إضعاف الدولار الأميركي.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
الاقتصاد أوراق نقدية من فئة اليورو (رويترز)

اليورو تحت الضغط وسط أزمة فرنسا السياسية

ظل اليورو ضعيفاً يوم الخميس بعد الانهيار المتوقع للحكومة الفرنسية، ما أثار المخاوف بشأن ثاني أكبر اقتصاد في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحضر جلسة عامة في منتدى «في تي بي» للاستثمار في موسكو (رويترز)

بوتين: لماذا نراكم الاحتياطيات إذا كانت سهلة المصادرة؟

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، إنه يطرح تساؤلاً بشأن ضرورة الاحتفاظ بالاحتياطيات الحكومية بالعملات الأجنبية، في ظل إمكانية مصادرتها بسهولة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

منظومة الطيران السعودية تحقق نسبة امتثال تبلغ 94.4 % بمؤشر تطبيق معايير الأمن

عدد من المسؤولين خلال الاجتماع الوزاري المُنعقد في عُمان (واس)
عدد من المسؤولين خلال الاجتماع الوزاري المُنعقد في عُمان (واس)
TT

منظومة الطيران السعودية تحقق نسبة امتثال تبلغ 94.4 % بمؤشر تطبيق معايير الأمن

عدد من المسؤولين خلال الاجتماع الوزاري المُنعقد في عُمان (واس)
عدد من المسؤولين خلال الاجتماع الوزاري المُنعقد في عُمان (واس)

أكد رئيس «الهيئة العامة للطيران المدني السعودي»، عبد العزيز الدعيلج، أن السعودية حريصة على التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة التحديات الأمنية التي تواجه القطاع، مشيراً إلى أن المنظومة حققت نسبة امتثال بلغت 94.4 في المائة في تطبيق معايير الأمن، وذلك ضمن تقرير «التدقيق الشامل لأمن الطيران» الذي أصدرته «منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو)»؛ مما يضع البلاد في مصافّ الدول الرائدة عالميّاً بهذا المجال.

جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال الاجتماع الوزاري المُنعقد تزامناً مع «أسبوع الأمن لمنظمة الطيران المدني الدولي 2024»، الذي تستضيفه حالياً عُمان خلال الفترة من 9 إلى 12 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بالتعاون مع منظمة «إيكاو»، وبمشاركة قادة ورؤساء منظمات وهيئات الطيران المدني بالعالم.

وأفاد الدعيلج بأن «التحديات الأمنية المتصاعدة التي تواجه القطاع حالياً تتسم بالتعقيد والتنوع، كالهجمات السيبرانية واستخدام الطائرات من دون طيار في أعمال تهدد الأمن، بالإضافة إلى التهديدات الناشئة عن التقنيات الحديثة، مثل الهجمات الإلكترونية على الأنظمة الرقمية للطيران»، مشيراً إلى أن «هذه التهديدات أصبحت تُشكّل خطراً جديداً يحتاج إلى استراتيجيات مبتكرة للتصدي لها».

وأوضح الدعيلج أن «جهود السعودية في مجال أمن الطيران المدني، تتمحور حول مجموعة من المحاور الأساسية التي تهدف إلى تعزيز الجاهزية الأمنية وضمان سلامة القطاع على جميع الأصعدة».

ووفق الدعيلج، فإن بلاده «عملت على تحديث وتطوير الأنظمة الأمنية بما يتماشى مع أحدث المعايير الدولية، عبر تعزيز أنظمة الكشف والمراقبة في المطارات باستخدام تقنيات متقدمة، إضافة إلى توظيف الذكاء الاصطناعي لتحليل المخاطر وتقديم استجابات سريعة وفعالة للتهديدات المحتملة».

وأضاف الدعيلج أن السعودية «أولت اهتماماً كبيراً بالأمن السيبراني في ظل التحديات التكنولوجية الراهنة؛ إذ طورت برامج مختصة لحماية الأنظمة الرقمية ومنصات الحجز والعمليات التشغيلية للطيران، مما يعزز قدرة القطاع على التصدي للهجمات الإلكترونية».

وأشار الدعيلج إلى أن السعودية تسعى إلى بناء قدرات بشرية متميزة في هذا المجال، «عبر إطلاق برامج تدريبية متطورة بالتعاون مع المنظمات الدولية، بهدف تأهيل الكوادر الوطنية وتعزيز جاهزيتها للتعامل مع مختلف السيناريوهات الأمنية».

وقال الدعيلج إن السعودية «ساهمت بشكلٍ كبير في دعم المبادرات الإقليمية والدولية الرامية إلى تعزيز الأمان في هذا القطاع الحيوي، وأسهمت بشكل فعال في تطوير استراتيجيات أمنية مشتركة مع دول مجلس التعاون الخليجي؛ بهدف تعزيز التنسيق الأمني بين الدول، وهو ما يضمن استجابة سريعة وفعالة للتحديات الأمنية».

وواصل أن بلاده «شريك رئيسي في المبادرات الدولية التي تقودها (منظمة الطيران المدني الدولي - إيكاو)، وأسهمت في صياغة سياسات أمن الطيران وتنفيذ برامج تهدف إلى تحسين مستوى الأمن في جميع أنحاء العالم، من ذلك استضافة المملكة المقر الدائم لـ(البرنامج التعاوني لأمن الطيران المدني في منطقة الشرق الأوسط CASP - MID) التابع لـ(إيكاو)، ودعم (منظمة الطيران المدني الدولي) من خلال مبادرة (عدم ترك أي بلد خلف الركب)».