عيون الكوريين الشماليين مفتوحة باتساع حين يصل الأمر لمراقبة المضامين المعادية المقبلة من ذلك {الغرب الشيطاني}. ها هو بيان رئاسي صادر يوم الخميس يؤكد أن الفيلم الجديد الذي لم ير النور بعد، وعنوانه «المقابلة} هو بمثابة «إعلان حرب} أميركي على كوريا الشمالية.
والكوريون لا يمزحون طبعا. أساسا لا يوجد مزاح في تلك الدولة. أزيل عن خارطة الطبيعة البشرية منذ عقود بعيدة والضحك ممنوع بلا قرار. يكفي تكديس المشكلات والأعباء على الشعب لكي يصبح الضحك وضعا نادرا يمارسه بعض المسؤولين خفية وأمام الرئيس الحالي كيم جونغ - أن، إذا ما ضحك هو أولا.
كيف يضحك الكوريون وقد أفاقوا ذات يوم قريب فوجدوا أن رئيس البلاد يريد كل رجال شعبه وشبابها مثله. لا يكفي أنه وعيونه هامدون فوقهم، الآن يريد من الجميع أن يقصّوا شعورهم القصّة ذاتها التي يعتمدها. ولو كان الأمر بيده لابتدع آلة استنساخ تصنع كل الذكور والإناث على شاكلته وبهذا يحفظ لنفسه ديمومة الحياة - إذا ما استطاع (فكرة تصلح موضوعا لفيلم جيمس بوند جديد).
الذي حدث هو أن ناطقا كوريا، اسمه كيم ميونغ - تشول، عرف أن الفيلم الأميركي المقبل «المقابلة} ينضوي على الفكرة التالية: جيمس فرانكو وسث روغن يؤديان دوري صحافيين أميركيين يحظيان بمقابلة الرئيس الكوري فيطيران إلى العاصمة بيونغ يانغ لمقابلته. هنا، وتفاصيل الفيلم ليست متوفرة بوضوح بعد، تدرك وكالة المخابرات الأميركية أن وجودهما في كوريا واستحواذهما على المقابلة يمكن له أن يكون الفرصة المنشودة لاغتيال الزعيم الكوري فيوظّفان الصحافيين للغاية.
الفيلم، توزّعه شركة كولمبيا وتعرضه في الشهر العاشر من هذا العام، يبدو كوميديا سواء احتوى على أمنية التخلص من كيم جونغ - أن أم لا. وهو ينضم إلى مجموعة من الأفلام الغربية التي سبق لكوريا الشمالية أن عدتها إعلان حرب أو أعمالا عدائية تهدف للنيل من زعامة وهيبة الدولة ورئيسها. وهذه الأفلام لم تبدأ بوصول الرئيس الحالي إلى الحكم، بل سبقته، إذ إن والده كان لا يزال حيّا عندما بدأت هذه التصريحات بالتداول.
* تغيير هوية
* في عام 2012 جرى عرض فيلم أكشن عسكري بعنوان «الفجر الأحمر» لمخرج اسمه دان برادلي. هذا المشروع كان صُور في عام 2010، ثم تأخر عرضه عندما فكّر صانعوه في أنهم ورّطوا أنفسهم في خطأ شنيع. إنه إعادة صنع لفيلم من الثمانينات تحدّث عن غزو روسي. وتم تغيير هوية الروس في هذا الفيلم إلى صينيين، وبعد التصوير ساد الإدراك بأن هذا سيحرم الفيلم من فرص توزيعه في الصين، فقاموا بتغيير أشرار الفيلم إلى كوريين شماليين. لم يستطع الإنتاج إعادة تصوير كل المشاهد، لذا عمدوا إلى تغيير الأزياء الرسمية بإضافة النجمة الكورية ولون الملابس العسكرية في غرف المونتاج على أجهزة الكومبيوتر.
على أن هذا الفيلم، الذي اشترك في بطولته كريس همسوورث وجوش هتشرسون لم يُعرض في الصين، لكن عين الرقابة الكورية الشمالية الساهرة اكتشفته، ولو أنها لم تصدر بيانا شاجبا إذ عدت أن مجرد الإيحاء بأن كوريا الشمالية تستطيع غزو الولايات المتحدة أمر ليس سيئا بالضرورة. هذا كان الموقف ذاته تقريبا عندما قام المخرج أنطوان فوكوا بتحقيق «أوليمبوس سقط} Olympus Has Fallen: أكشن خيالي حول سقوط واشنطن والبيت الأبيض تحت هجوم مدروس ناجح قامت به وحدات كورية جويّة نشاهدها في مطلع الفيلم وهي تغير وتنسف. جيرارد بتلر هو رجل الأمن الخاص الذي عليه أن ينقذ رئيس الجمهورية (آرون إكهارت) وابنته الصغيرة من نهاية محتومة. قبل هذين الفيلمين لم تتساهل الحكومة الكورية في عد «المعبد الأحمر» للدنماركي ماس بروغر فيلما معاديا. هذا فيلم تسجيلي تسلل مخرجه إلى كوريا الشمالية تحت جناح برنامج للتبادل الثقافي وصوّر ما أراد كيفما أراد وبالخفاء غالب الأحيان. عندما عرض الفيلم في بعض المناسبات قام السفير الكوري الشمالي في ستوكهولم بإرسال خطاب للمحطة التلفزيونية كتب فيه: {الفرق بين الإنسان والحيوان أن الأول لديه ضمير وبروغر ليس لديه ضمير}.
* بوند في المعتقل
* ولا بد أن صانعي «مت في يوم آخر} سنة 2002 وهو من سلسلة أفلام جيمس بوند، يفتقرون إلى الضمير أيضا كونهم بدأوا الفيلم بتصوير جيمس بوند معتقلا في كوريا التي لم تفرج عنه إلا لقاء مبادلة مع جاسوس كوري شمالي. بوند، كما أداه جيدا بيرس بروسنان، كان جرى إرساله إلى تلك البلاد للتحقيق في احتمال قيام الكوريين باستخدام الأسلحة النووية لكن غطاءه انكشف وجرى اعتقاله إلى أن استرجعته الحكومة البريطانية قبل أن يهرم في سجون العدو.
رد الفعل حينها كان أن ناطقا باسم الحكومة هناك قال إن الفيلم {سخرية قذرة موجهة للإضرار بسمعة الأمّة الكورية}. إنها المرّة الوحيدة التي طالبت فيها كوريا بسحب الفيلم من كل العروض العالمية واصفة الولايات المتحدة بأنها «إمبراطورية الشر}.
بعد عامين قام الفيلم الكرتوني «فريق أميركا: بوليس العالم» بتصوير الرئيس الراحل كيم إيل - سونغ بأنه دمية نفسه وشخصية مهزوزة تعوزها الثقة بالنفس. لا تسل ماذا كان ردّ الفعل على هذا الخطاب.
لكن ما تؤكده كل تلك الأفلام والنماذج أن عين الدولة الكورية الشمالية ساهرة تشاهد الأفلام الهوليوودية كما نشاهدها نحن. ربما تحب منتجاتها إذا حوت مشاهد لكاميرون داياز وهي في ملابس السباحة، لكنها ستحاسبها إذا جرى تصوير الرئيس أو أتباعه على نحو تعده مشينا.

