احتفلت البعثات الأثرية الفرنسية في مصر بيومها السنوي في مقر المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة، أول من أمس. وتعتبر البعثات الفرنسية من أهم وأكبر البعثات الأجنبية العاملة في مصر، حيث نجحت في اكتشاف الكثير من الآثار الفرعونية، خلال السنوات الماضية. ويعمل في المواقع الأثرية المصرية نحو 35 بعثة فرنسية كل عام في مصر، حسب مدير المعهد الفرنسي للآثار الشرقية.
يقول لوران بافيه، مدير المعهد الفرنسي للآثار الشرقية، لـ««الشرق الأوسط»: «لا يدور هدف البعثات الأثرية الأساسي حول اكتشاف الكنوز الذهبية الفرعونية، أو حياة ملك ما في أحد العصور فحسب، بل تبحث عن تركيبة حياة المصري القديم بشكل خاص، في الاقتصاد والسياسة، وغيرها، فمن الممكن أن تستغرق إحدى البعثات 20 إلى 30 سنة بالكامل للعمل على اكتشاف قرية قيّمة، أو جزء من مدينة، وقد لا يرى البعض هذا أمراً مدوياً، لكنّه يكشف الكثير من المعلومات عن العمران والحياة اليومية في هذا العصر؛ ما يفتح الباب لأشياء أخرى، ربما تمثل أهمية كبرى في المستقبل». وأضاف: «البعثة الفرنسية في الإسكندرية، بخلاف بحثها الأثري، تركز على طبيعة المباني المصنوعة من الطوب اللبن، وكيفية إعداد المصري القديم مأكولاته، ونوعياتها، وتضم معلومات قيّمة عن طبيعة الحياة في ذلك الوقت».
هذا التعاون المثمر، دفع وزير الآثار خالد العناني، للتصريح في وقت سابق بأن باريس تعد شريكاً أساسياً للقاهرة في العمل الأثري، مشيراً إلى وجود 238 بعثة أثرية أجنبية في البلاد، من بينها نحو 40 بعثة فرنسية. ويوضح بافيه، أن هذه البعثات تتعاون أيضاً في تدريب العاملين والباحثين المصريين، حيث تستقدم كل بعثة عدداً من الطلاب ومفتشي الآثار وغيرهم، لإثقالهم بالخبرة اللازمة لممارسة عملهم على الوجه الأكمل، في حين توفر الدولة، مصاحبين لهم في كل خطوة؛ لمساعدتهم في الأعمال الإدارية وتسهيل مهماتهم.
ويكشف بافيه لـ«الشرق الأوسط» عن أن بعضاً من الاكتشافات الفرنسية من المقرر عرضها في المتحف المصري الكبير، المقرر فتحه جزئيا في شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، منها البرديات التي تم اكتشافها في وادي الجرف، وبعض القطع المكتشفة في منطقة سقارة، وهناك مشروعات ثلاثية مع متحف اللوفر في المستقبل القريب.
المعهد الفرنسي للآثار الشرقية IFAO، هو جزء من شبكة المدارس الفرنسية في الخارج، وهو يقع تحت رعاية وزارة التربية والتعليم الفرنسية، وتتمثل مهمته في دراسة الحضارات المصرية، منذ ما قبل التاريخ إلى العصر الحديث، ويضم نطاق عمله «وادي النيل، والدلتا، والواحات، والصحراء الشرقية والغربية، وسيناء، والبحر الأحمر».
وتستخدم البعثات الأثرية في مواقع عملها، الأدوات اليدوية البسيطة المستخدمة في أي منطقة في العالم، مثل الجاروف، والفرشاة، والمسطرين، وغيرها، ولا يتم استخدام البلدوزر إلا في حالات خاصة جداً، لا تتأثر فيها القطع المكتشفة، إلا أنها تواجه في بعض الأحيان مجموعة من الإجراءات البيروقراطية حال استقدام أجهزة من الخارج، فضلاً عن الضرائب المفروضة عليها.
بعد مرحلة الاكتشاف، تؤخذ العينات الخارجة من مواقع الحفريات إلى معامل المعهد الفرنسي لتحديد عمرها الزمني عن طريق 3 مراحل، الأولى تستهدف تنظيفها لحمايتها من التلوث أو التأثير على دقة نتائجها، وفي المرحلة الثانية توضع في المعمل الكيماوي، لتحويلها من صورتها الصلبة إلى بنزين سائل، إلى أن تأتي المرحلة الأخيرة بقياس الإشعاع الناتج من هذه العينة لتحديد تاريخها، عن طريق الكربون 14، حسب ما توضح مسؤولة المعامل المختصة بهذا الأمر، أنيتا كيليس.
عالم آثار المصريات، الفرنسي، فاسيل دوبريف، أحد أعضاء بعثة التنقيب في منطقة «تبة الجيش» في سقارة، منذ عام 2000، يحكي عن عمل البعثة، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: إنهم اكتشفوا اختفاء 4 ملوك من الأسرة السادسة خلال عملية بحثهم، بحسب قائمة أبيدوس، حيث بدأ العمل على حل هذا اللغز، من خلال البحث في الكثير من المقابر، وفي 2015، تم اكتشاف مقبرتي الكاهنين «سابي» و«عنخ تي»، في عصر الملك بيبي الثاني، لكنّهما كانتا محتفظتين بألوانهما حتى الآن، وبجانب أحدهما سكين وأدوات أخرى، لتحضيرهما للحياة الأخرى.
مع ذلك، يرى دوبريف، أن الأمور المالية تقف في بعض الأحيان عائقاً أمام مزيد من الاكتشافات التي تحتاج إلى أدوات وأجهزة حديثة لمساعدة الباحثين في أعمال التنقيب، وتشريح الأماكن المكتشفة بشكل كامل، بدلاً من التصوير العادي الذي لا يرصد سوى الواجهة فقط؛ أملاً في دراسة أكثر عمقاً ودقة لهذه الاكتشافات.
البعثات الأثرية الفرنسية في مصر... تاريخ من الاكتشافات
البعثات الأثرية الفرنسية في مصر... تاريخ من الاكتشافات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة