أزمة الدبلوماسية الليبية تتفاقم بعد استقالة قنصل للسراج بالاسكندرية

الحاسي شن هجوماً عنيفاً على خارجية «الوفاق»

TT

أزمة الدبلوماسية الليبية تتفاقم بعد استقالة قنصل للسراج بالاسكندرية

أعلن عادل الحاسي، قنصل ليبيا في مدينة الإسكندرية المصرية، استقالته على الهواء في برنامج تلفزيوني، متهماً عددا من المسؤوليين والسياسيين في بلاده بـ«التورط في وقائع فساد».
وجاءت تصريحات الحاسي لتعيد أزمات الدبلوماسية الليبية إلى واجهة الأحداث مجدداً، وسط غضب عدد من النواب تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، مطالبين بضرورة التحقيق في كل الوقائع التي وردت في حديث القنصل السابق.
وقال الحاسي لفضائية (218) الليبية إنه خلال مدة عمله في القنصلية، التي لم تدم أكثر من 34 يوماً، تعرض لضغوط كبيرة من مسؤولين ونواب بهدف تمرير مرتبات موظفين لا يعملون، وتحدت عما سماه «رشوة سياسية»، وذلك عندما اتصل به وزراء في حكومة الوفاق الوطني، ونائب بالمجلس الرئاسي، يطالبونه بصرف راتب والد عضو في مجلس النواب بطبرق، لكنه رفض لأن الأول لا يعمل فعلياً في القنصلية.
وأرجع الحاسي سبب هذه الرشوة لاستمالة «عضو مجلس النواب» عن مواقفه المناهضة لحكومة الوفاق، وقال إن «والد النائب يبلغ من العمر 81 عاماً، ولا يقوى حتى على الحديث».
وتساءل الحاسي: «بأي منطقة يتقاضى رجل راتباً من الدولة في هذه السن»، مضيفا: «عندما رفضت حاولوا عرقلتي والتضييق عليّ، ثم استدعوا المراقب المالي في القنصلية وطالبوه بعدم العمل معي حتى أرضخ لمطالبهم، وهو ما لم يحدث»، موجها اتهامات مماثلة للقنصل السابق محمد صالح الدرسي.
وسعت «الشرق الأوسط» للاتصال بعضو المجلس، الذي ورد اسمه على لسان الحاسي. لكن رفض الحديث.
كما طالت اتهامات الحاسي رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، يوسف العقوري، الذي قال إنه طالبه هو الآخر بـ«صرف مرتبات لأبناء عمومتهم»، لكن العقوري قال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه الاتهامات «تحمل خلطاً كبيراً، ولا أساس لها من الصحة». موضحا أن «الموضوع هو أن رواتب مجموعة من موظفي القنصلية في الإسكندرية كانت موقوفة لأسباب لا أعلمها، وطالبوني بالوساطة، فاتصلت بعادل الحاسي لأناقش معه الأمر، وأخبرته بشكاية هؤلاء الموظفين»، مشيراً إلى أنه يحتفظ لنفسه بحق الرد، من خلال «تحريك دعوى قضائية ضد الحاسي».
وكان الدرسي، التابع للحكومة المؤقتة في شرق ليبيا، قد اقتحم مقر القنصلية، في أبريل (نيسان) الماضي مع مجموعة من مرافقيه، واستولوا عليها بعد إصابة ثلاثة من أفراد الأمن. وقد عيّن محمد طاهر سيالة، وزير الخارجية بحكومة الوفاق، الحاسي في الثالث عشر من مارس (آذار) الماضي، خلفاً للدرسي، الذي سبق أن وضع السفارة الليبية في القاهرة في أجواء مشابهة، تدخلت على إثرها وزارة الخارجية المصرية، وقوات الشرطة لفك الاشتباك، بين ما أطلق عليه مجازاً «سفارتا شرق وغرب ليبيا في القاهرة».
ورفض صالح الشماخي، مندوب ليبيا لدى جامعة الدولة العربية، التعليق على ما ذهب إليه الدرسي من اتهامات لبعض المسؤولين، لكنه رأى في حديث إلى «الشرق الأوسط» أن «الأوضاع السياسية المتوترة في بلاده تؤثر سلباً على العمل الدبلوماسي، مما يتطلب توحيد الجهود والمؤسسات حتى تتمكن سفارات وقنصليات ليبيا في العالم من ممارسة مهامها، دون ضغوط من أي طرف على الآخر».
لكن القنصل الليبي المستقيل عادل الحاسي زاد من اتهاماته، وقال إنه «يمتلك مستندات بمحاولات أحد نواب رئيس المجلس الرئاسي الاستيلاء على قطعة أرض مملوكة للدولة الليبية في مدينة القاهرة الجديدة (شرق القاهرة)، تقدر قيمتها بمليارات الجنيهات»، ملمحاً إلى محاولات تبذلها بعض الشخصيات الليبية لبيع قصر أثري مملوك لدولته في منطقة لوران بالإسكندرية.
كما أوضح الحاسي أنه حصل على ما يثبت منح الجنسية الليبية لأكثر من 5 آلاف شخص، قال إن بعضهم حصل بالفعل على بطاقات أو وثائق سفر: «وينتظر آخرون الحصول على وثائقهم أو تجديدها»، مبرزا أن «القضية تعود لأيام النظام السابق، حيث حاول معمر القذافي في وقتها تجنيس الآلاف من دول عربية وأفريقية لأغراض سياسية، يستفيد منها النظام فيما بعد»،
ولفت الحاسي إلى أن «البعثات الدبلوماسية، شوهت صورة الدولة الليبية بسبب تلك الممارسات غير المسؤولة، وقال إن هناك أطرافاً كانت ترغب في عدم وجوده، وإنه تمت محاربته مما أطلق عليه «لوبي الفساد».
وشهدت بعض سفارات ليبيا خلال السنة الماضية أجواء مشابهة، وذلك في انعكاس لما يحدث داخل ليبيا، وكانت سفارتها في القاهرة مسرحاً لكثير من الاشتباكات، وتبادل الاتهامات بين طارق شعيب، الذي كان يشغل منصب القائم بأعمال السفارة الليبية في القاهرة، إلى جانب وظيفته وكيلاً لوزارة الخارجية، والقائم بالأعمال السابق آنذاك محمد الدرسي، تسببت في انقسام السفارة إلى مقرين: أحدهما في ضاحية الدقي التي تضم الملحقيتين العمالية والتجارية والقسم القنصلي، والآخر في مبنى السفارة الرسمي بحي الزمالك، ثم تجدد الخلاف مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما رفض شعيب تسليم السفارة إلى مندوب ليبيا لدى الجامعة العربية صالح الشماخي، المكلف تسيير السفارة، عقب تكليف وزير خارجية الوفاق محمد سيالة لهذا الأخير بمهام تسيير عمل السفارة في القاهرة، إلى حين تكليف سفير جديد لها، في وقت أبقى الدرسي على السفارة بؤرة توتر، وذلك في محاولة للاستيلاء عليها، قبل أن ينتقل الصراع إلى قنصلية بلاده في الإسكندرية.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.