شغلت قضية انتحار مراهق مصري في الأسابيع القليلة الماضية، الرأي العام لفترة ليست بالقصيرة حيث إن سبب الانتحار لم يكن من الأسباب المتعارف عليها التي تدفع صغار السن إلى الانتحار سواء بسبب سوء معاملة الأهل أو الفشل العاطفي والدراسي أو سخرية الزملاء. ولكن السبب والدافع الرئيسي لحدوث الانتحار كان مجرد لعبة موجودة على الإنترنت المسماة «الحوت الأزرق» Blue Whale التي تلزم الذين يقومون باللعب في فيها بعدد من التحديات المتتالية اليومية لنحو 50 يوما، تتدرج في الصعوبة وإيذاء النفس حتى تنتهي بالانتحار. وتتسبب هذه اللعبة في حدوث الكثير من حالات الانتحار حول العالم ومؤخرا العالم العربي.
- دوافع وأسباب
السؤال البديهي هو: ما الذي يدفع المراهقين للامتثال إلى هذه التحديات التي تنتهي بالموت. وعلى الرغم من سهولة السؤال إلا أن إجابته ليست بمثل هذه البساطة تبعا للطب النفسي وتفسيره لدوافع المراهقين والتي تتباين بشكل كبير. ومن أهم الأسباب التي دفعت الكثير من المراهقين إلى لعب مثل هذه الألعاب هو افتقار المراهق إلى الحب والاهتمام خاصة في محيط العائلة وهو الأمر الذي يجعل المراهق يتعلق بمجموعة معينة أو شخص معين يهتم به وبأدق تفصيلات حياته ويتابعه بشكل يومي حتى لو كان هذا الشخص يدفعه لارتكاب أفعال مخيفة وتتطلب قدرا كبيرا من الشجاعة. ويحدث هذا خاصة عند الفتيات اللاتي يعانين من غياب الأب الدائم.
أوضح الأطباء النفسيون أن من بين أهم الأسباب التي تجعل المراهقين يقبلون على مثل هذه الألعاب هو احتياجهم لإثبات الذات من خلال التحدي، حيث إن معظم المراهقين يكونون في مرحلة البحث عن معنى لوجودهم وأن كلمة التحدي challenge في حد ذاتها تكون محفزا للخوض في أمر ما مهما كان هذا الأمر خطيرا، بل إن الإقبال يزيد كلما كانت الخطورة أكبر وربما كان هذا هو ما يفسر إقبال المراهقين على مشاهدة أفلام الرعب على الرغم من أن البالغين لا يقبلون عليها بمثل هذه الدرجة نظرا لما تثيره من فزع وتوتر. وأيضا كما هو الحال في الإقبال على الألعاب الخطيرة في الملاهي التي تختلط فيها الصرخات بالضحك والمتعة الناتجة عن الإثارة من الخطر.
أشار الأطباء النفسيون إلى أن هذه الألعاب تقوم بعمل ما يشبه «غسيل مخ» للمراهق وأنها تستعمل وسائل وتقنيات نفسية معقدة بشكل يضعه تحت منظومة مدروسة تمهد لانتحاره عن طريق بث الحزن وتغذية الإحساس بالعزلة والأفكار السوداوية من خلال وسائل مثل سماع أغنيات معينة ذات طابع بالغ الحزن أو مشاهدة أفلام رعب باستمرار بحيث يكون مستعدا تماما للتخلص من الحياة وجعلهم يعتقدون أنهم راغبون بالفعل في قتل أنفسهم أو لاحتمالية أن تكون هناك حياة أفضل تنتظرهم بعد الموت عوضا عن تلك الحياة المؤلمة التي يحيونها بالفعل، تلك الحياة التي لا يشعر أحد بمعاناتهم، وأن الموت هو مكسب في كل الأحوال. وفي دراسة سابقة أشار المراهقون الذين حاولوا الانتحار إلى أن الألم الخارجي المتمثل في أذية الجسد يكون أخف وطأة جدا من الألم الداخلي.
- ألعاب انتحارية
أكد الأطباء النفسيون أن الإنترنت ربما ساهم في انتشار هذه الأفكار الداعمة للانتحار إلا أنه لم يخترعها وأن المراهقين عبر العصور خاصة الذين يعانون من الإحساس بالضياع والاكتئاب ومن عدم التقبل بشكل خاص في محيط الأسرة دائما ما يبحثون عن وسيلة لتحطيم الذات سواء بتعاطي المواد المخدرة التي يعلمون جيدا أخطارها أو الانخراط في مجموعات إجرامية أو إرهابية أو حتى الانتحار الجماعي كما حدث عدة مرات في القرن العشرين.
والمراهقون كانوا دائما التربة الخصبة لنمو هذه الأفكار وأكثر الفئات استهدافا حتى أن بعض هذه الألعاب لا تسمح بعضوية من تخطى عمره الـ21 عاما لعلمها المسبق بمدى الأزمات النفسية التي تحدث لأغلب المراهقين وتزايد خطر الانتحار الذي أصبح من أهم أسباب الوفاة في الفئة العمرية من 10 إلى 24 عاما وأن بعض هؤلاء المراهقين لعبوا اللعبة بكامل إرادتهم رغبة منهم في التخلص من الحياة وأن هذه اللعبة مجرد عرض لمرض.
حذر الأطباء من أن الدافع لدى بعض المراهقين ربما لا يكون الاكتئاب ويكون المراهق ظاهريا سليما تماما من الناحية النفسية بل ويمكن أن يسخر من بعض الذين استسلموا للانتحار بسهولة ويقوم بالاشتراك في اللعبة بدافع الانتصار على منظميها وعدم الانصياع لأوامرهم أو السخرية منهم والتقليل من شأنهم وفي أسوأ الأحوال إمكانية ترك اللعبة في أي مرحلة ولكن بمجرد الانخراط في اللعبة يلقى نفس مصير أقرانه السابقين نظرا لأن الأمر ليس مجرد لعبة من ألعاب الكومبيوتر ولكن منظومة نفسية كاملة معدة بواسطة خبراء نفسيين وتهدف إلى تحطيم الحالة النفسية والتأهيل للانتحار.
ونصح الأطباء النفسيون بضرورة احتواء المراهقين وبشكل خاص من قبل الأسرة والتحدث معهم باستمرار ومحاولة الدخول إلى عوالمهم مهما بدت غريبة على عالم الآباء وعدم السخرية من معاناة المراهق أو تعنيفه أو حتى التعامل معه كشخص بالغ تماما وكذلك اليقظة عن تغير العادات والانعزال لفترات طويلة. ويجب أيضا أن تكون هناك معرفة ومراجعة من الآباء للمواد التي يطالعها المراهقون على الإنترنت باستمرار (من دون إشعار المراهق أنه مراقب أو انتهاك لخصوصيته). وفي النهاية يجب أيضا أن تكون هناك ملاحقات أمنية لمثل هذه الألعاب والصفحات الخطيرة التي تؤدي إلى حدوث الجرائم.
- استشاري طب الأطفال