نقاد السينما العرب ومشكلتهم مع النقد

إبراهيم العريس من القليلين الذين سخروا معرفتهم في موسوعات بانوراما الأفلام وصناعها

مشهد من فيلم كمال الشيخ «على من نطلق الرصاص»
مشهد من فيلم كمال الشيخ «على من نطلق الرصاص»
TT

نقاد السينما العرب ومشكلتهم مع النقد

مشهد من فيلم كمال الشيخ «على من نطلق الرصاص»
مشهد من فيلم كمال الشيخ «على من نطلق الرصاص»

هناك قلة من نقاد السينما العرب لديهم القدرة على صياغة الوعي الثقافي الشامل للسينما العربية أو سواها. أقل منهم أولئك الذين تشمل ثقافتهم الشخصية ميادين مختلفة من المعرفة ما يفيد مرجعية الناقد السينمائي ويثري ما يوفره من ثقافة اجتماعية وثقافية لقارئه.
إبراهيم العريس، الناقد اللبناني المعروف، هو أحد هؤلاء القلة، بل ربما الوحيد بين القلائل الذي يستطيع وضع موسوعاته ضمن ذلك المنظور الواسع لشؤون الحياة ومعارفها المختلفة. كتابه الجديد «السينما والمجتمع في الوطن العربي: القاموس النقدي للمخرجين» الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية هو الثاني له في سلسلة صدر كتابها الأول قبل عامين بعنوان «السينما والمجتمع في الوطن العربي: القاموس النقدي للأفلام» قبل عامين. الثالث غالباً ما سيصدر في مطلع العام المقبل وبذلك يكون الناقد قد استكمل بانوراما تهتم بالدور الذي تلعبه الأفلام وصانعيها في المجتمع وكيفية تحركها متأثرة ومؤثرة.
> تعبير واضح
الكتاب الجديد (من 464 صفحات متوسطة) يبدأ بفصل يرغب المؤلف عبره تحديد أسباب كتابه وطموحاته. يكتب: «في النصف الثاني من أربعينات القرن العشرين صارت هناك سينما موازية للسينما التجارية الترفيهية السائدة، ترتكز أساسا على مبدعين بدأوا يرون في السينما وسيلة تعبير فنية وربما اجتماعية وإنسانية أيضاً».
المعنى المراد الوصول إليه هنا هو التأكيد لا على وجود دائم لداري سينما، واحدة تتبع المصالح التجارية وأخرى تهتم بالفن والمضمون أولاً، بل للتأكيد على ما ذهب إليه المؤلف قبل ذلك بقليل عندما أكد أن دور المخرج في السينما العربية (وسواها في كل مكان) ليس دوراً تنفيذياً عابراً ولكنه أساسي كونه «المسؤول الأول عن الفيلم» بالتالي عما يروّجه العمل المنتج ويدعو إليه سواء أكان عبر الترفيه أو التفكير.
ولدى إبراهيم العريس 174 مثالاً يمكن لها جميعاً البرهنة على ما يذهب إليه. كل مثال منها لمخرج عربي ترك أثراً لا يمحى ولو بفيلم واحد أو اثنين أحياناً أو بعشرات الأعمال غالباً. وكل مخرج هو برهان على أن صانع الفيلم الأساسي لا يمكن إلا أن يكون المخرج قبل سواه، وبل غالباً دون سواه.
الترتيب بالطبع تراتبي يبدأ بالمخرجة الجزائرية آسيا جبار وينتهي بيوسف شاهين ويوسف معلوف ويوسف وهبي. ولعل هذه النهاية التي لصدف الحياة دور فيها تعبير واضح لمفهوم هذا الكتاب، ذلك أن كل «يوسف» منهم يختلف جذرياً عن الآخر: يوسف شاهين المخرج الذاتي ويوسف معلوف هو المعاكس الجماهيري بينما يوسف وهبي هو المخرج الذي وقف في الوسط بين الناحيتين.
مع هذا العدد الكبير من المخرجين (من دون أن يدعي المؤلف أنه أراد لكتابه أن يشمل كل المخرجين العرب بلا استثناء) نتعرف على ثلاثة محاور تجري على صفحات الكتاب متوازية:
- هناك التنوع القائم على اختلاف أساليب العمل والتعبير بين معظم المخرجين المذكورين.
- هناك الاختلاف الشاسع بين وجهات المخرجين العملية تبعاً للدور الذي مارسوا الفيلم بسببه.
- وهناك المساحة الجغرافية وتعددات دولها الثقافية ومشاربها الاجتماعية المختلفة.
> أجيال
في النطاق الأول يكفي القارئ ضم الكتاب لمناهج تعبيرية في السينما الروائية وغير الروائية تشمل حساسية عمر أميرالاي ومباشرة محمد شكري جميل مثلاً. أو وجهة غاري غرابتيان النضالية مع وجهة كمال الشيخ الذي آمن بتغييب السياسة ولو أنه تعامل معها في بعض أهم أفلامه مثل «على من نطلق الرصاص» و«الهارب».
في النطاق الثاني، من المهم أن الناقد تحدث عن مارون بغدادي وبرهان علوية ويوسف شاهين وتوفيق صالح جنباً إلى جنب مع محمد سلمان وسمير الغصيني وفطين عبد الوهاب وسواهم. كما يؤكد الناقد المبرر لذلك يكمن في أن جميع هؤلاء انطلقوا لتأسيس رؤاهم بالانتماء إلى فهم السينما إما كصاحبة دور ثقافي وإما كوسيلة تجارية. هذا يكشف عن تقدير كامل للجميع على اختلاف مواقفهم وانتماءاتهم. يتضح ذلك حين الحديث عن المخرج حسن الإمام، ملك السينما الجماهيرية من تاريخ أفلامه الأولى في الأربعينات وإلى أواخر أعماله في الثمانينات. يقول المؤلف عنه: «تمكن حسن الإمام أن يكون ظاهرة سينمائية فريدة» ثم يشرح الناقد ملياً ما يعنيه بحكمه هذا الذي يخالف حكم عدد لا بأس به من النقاد الفعليين الذين رأوا حسن الإمام نسخة متطوّرة إلى حد من كل مخرج كان همّـه النجاح الجماهيري وصاغ أفلامه على هذا المنحى.
في النقطة الثالثة، ينتقل الكتاب بنا متناولا سينمائيين من كل بلد عربي شهد حضوراً سينمائياً في تاريخه ولا يزال. من السعودية إلى مصر ومن الجزائر إلى فلسطين ومن لبنان إلى المغرب مرورا بسينمائيين سوريين وأردنيين وكويتيين وكلهم حققوا أفلاما رصدت مجتمعاتهم وثقافاتهم من حيث أرادوا أو من حيث انسكب هذا الرصد على نحو طبيعي.
وثمة نطاق رابع بالغ الأهمية ويرد في الكتاب على نحو طبيعي بدوره وهو أن الرحلة التي ينجزها الزميل العريس تشمل أربعة أجيال من السينمائيين العرب من الثلاثينات وحتى سنوات القرن الحالي. هذه الشمولية تتيح للقارئ التعرف، فيما لو قرأ ملياً، كيف عالج كل مخرج مواضيعه تبعاً لظروفه الزمنية أيضاً وليس فقط السياسية أو الثقافية. هذا مع العلم أن الكتابة ذاتها لا تتوقف لتفرق بين تلك الظروف والمقتضيات وإلا لخرج الكتاب أكاديمي النبرة ما يجعل العمل بأسره محكوماً بمعادلات غير منفتحة على التجارب جميعاً كما الحال هنا.
> واضح
«القاموس النقدي للمخرجين» في حقيقته يضخ المعلومات المقرونة بالتحليل الاجتماعي والثقافي والتاريخي، لكن كل ذلك لا يصب فقط في قناة صانعي الأفلام بل أيضاً في قناة نقادها. في أكثر من حديث يستعين الناقد ببعض ما قاله زملاؤه عن فيلم لهذا المخرج أو ذاك. بذلك يُدمج المخرجون والنقاد في صف واحد على الرغم من أن العلاقة لا تنبع دائماً من مصدر تعاوني وثيق. هناك الكثير من المخرجين الذين لم يكترثوا للنقد (من دون تمحيص وتفريق) والكثير من النقاد الذين نظروا بتعال على أعمال مخرجين كثيرين لمجرد أن هؤلاء صنعوا أفلاماً نسميها، باللغة المباشرة، تجارية.
حقيقة أن مخرجين لم يتركوا آثاراً فنية عالية، مثل سمير الغصيني أو حسام الدين مصطفى أو يوسف معلوف أو رشيد فرشيو لجانب عمالقة مثل محمد خان ومحمد ملص وصلاح أبو سيف، جنباً لجنب روّاد في بلادهم مثل جورج نصر وعبد الله المحيسن وخالد الصديق وسواهم هي دعوة رائعة لتقييم جديد ومختلف عما سار عليه معظم كتبة النقد في العالم العربي.
بدورها، فإن كلمات «القاموس النقدي للمخرجين» تعبر تماماً عن فحوى العمل وهدفه كما فعل الكتاب السابق «القاموس النقدي للأفلام».
في خلاصته، يأتي الكتاب نتيجة بذل الناقد المؤلف لتقديم ما تفخر به السينما العربية ذاتها علماً بأن معظم ما يصدر من كتب في السينما باللغة العربية بات يتكوّن من مواضيع إما مطروقة سابقاً أو مهتمّـة بوضع دون آخر. بذلك، فإن المكتبة العربية التي لا يزينها من الموسوعات وكتب المراجع السنوية أو القواميس الجيدة إلا القليل، لا تزال بحاجة إلى المزيد من أمثال هذه الكتب. لكن افتقارها مفهوم وإن لم يكن مبرراً، فإنجاز مثل هذه الكتب يتطلب القدرة على تأليف البانوراما الكاملة. بذلك يأتي الكتاب أقرب إلى واحدة من ملاحم السينما التي يستشرف منها المشاهد التاريخ والجغرافيا والثقافة والفن والحكايات (فكّـر «لورانس العرب») من اللقطة الأولى إلى الأخيرة.


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
TT

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)

نظراً للزخم العالمي الذي يحظى به مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بجدة، اختارت «استديوهات كتارا»، ومقرها الدوحة، أن تكشف خلاله الستار عن أول فيلم روائي قطري طويل تستعد لإنتاجه، وهو «سعود وينه؟»، وذلك في مؤتمر صحافي ضمن الدورة الرابعة من المهرجان، مبينة أن هذا العمل «يشكل فصلاً جديداً في تاريخ السينما القطرية».

ويأتي هذا الفيلم بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي، كما تدور أحداثه حول خدعة سحرية تخرج عن السيطرة عندما يحاول شقيقان إعادة تنفيذها بعد سنوات من تعلمها من والدهما، وهذا الفيلم من إخراج محمد الإبراهيم، وبطولة كل من: مشعل الدوسري، وعبد العزيز الدوراني، وسعد النعيمي.

قصة مؤسس «صخر»

كما أعلنت «استديوهات كتارا» عن أحدث مشاريعها السينمائية الأخرى، كأول عرض رسمي لأعمالها القادمة، أولها «صخر»، وهو فيلم سيرة ذاتية، يقدم قصة ملهمة عن الشخصية العربية الاستثنائية الراحل الكويتي محمد الشارخ، وهو مبتكر حواسيب «صخر» التي تركت بصمة واضحة في عالم التكنولوجيا، باعتبارها أول أجهزة تتيح استخدام اللغة العربية، وأفصح فريق الفيلم أن هذا العمل ستتم معالجته سينمائياً ليحمل كماً مكثفاً من الدراما والتشويق.

«ساري وأميرة»

والفيلم الثالث هو الروائي الطويل «ساري وأميرة»، وهو عمل فنتازي يتناول الحب والمثابرة، يتم تصويره في صحراء قطر، وتدور أحداثه حول حياة قُطّاع الطرق «ساري وأميرة» أثناء بحثهما عن كنز أسطوري في وادي «سخيمة» الخيالي، في رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث يواجهان الوحوش الخرافية ويتعاملان مع علاقتهما المعقدة، وهو فيلم من بطولة: العراقي أليكس علوم، والبحرينية حلا ترك، والنجم السعودي عبد المحسن النمر.

رحلة إنسانية

يضاف لذلك، الفيلم الوثائقي «Anne Everlasting» الذي يستكشف عمق الروابط الإنسانية، ويقدم رؤى حول التجارب البشرية المشتركة؛ إذ تدور قصته حول المسنّة آن لوريمور التي تقرر مع بلوغها عامها الـ89، أن تتسلق جبل كليمنجارو وتستعيد لقبها كأكبر شخص يتسلق الجبل، ويروي هذا الفيلم الوثائقي رحلة صمودها والتحديات التي واجهتها في حياتها.

وخلال المؤتمر الصحافي، أكد حسين فخري الرئيس التنفيذي التجاري والمنتج التنفيذي بـ«استديوهات كتارا»، الالتزام بتقديم محتوى ذي تأثير عالمي، قائلاً: «ملتزمون بتحفيز الإبداع العربي وتعزيز الروابط الثقافية بين الشعوب، هذه المشاريع هي خطوة مهمة نحو تقديم قصص تنبض بالحياة وتصل إلى جمهور عالمي، ونحن فخورون بعرض أعمالنا لأول مرة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي؛ مما يعكس رؤيتنا في تشكيل مستقبل المحتوى العربي في المنطقة».