هو ذلك الوقت من العام الذي تزدحم فيه قاعات المزادات العالمية بأجمل ما أنتجه الفنان المسلم. تتنوع المعروضات دائماً ما بين الخزف الرشيق بتفاصيله ورسوماته الملونة، وما بين المخطوطات الإسلامية ونسخ من القرآن خطّها مهرة بحب وشغف انطبع بهاؤه على تلك السطور المزخرفة، أما المشغولات المعدنية والآنية فهناك الأسلحة التي تتخلى عن جانبها القاتل لتصبح قطعاً من الفن المزخرف والمزين بالجواهر.
ذلك وأكثر منه تزخر به دور المزادات في موسمها الأول لفنون العالم الإسلامي. وفي جولة بغرف التحضير والبحث بـ«سوذبيز» بلندن كانت لنا جولة برفقة خبراء الدار من قسم الفن الإسلامي استعرضوا فيها بعض أهم القطع المعروضة للبيع في 25 أبريل (نيسان) الحالي بلندن.
قميص من الحرير الذهبي من القرن الثامن
البداية تأخذنا لها الخبيرة كيارا دي نيكولاس فتفتح صندوقاً من الورق المقوى وتفض فيه طبقات من الورق الحافظ ليظهر لنا قميص ذهبي من نسيج الحرير الساميتي يعود منشأه إلى الصغد (بلاد ما وراء النهر). القميص يتمتع بملمس متميز؛ فهو سميك على الرغم من نعومته. يعود للقرن الـ8، الحرير ربما من الصين ويتفوق بحرفة مذهلة في النسيج وكأنه صنع بالماكينة. يتجمل حرير القميص برسومات تمثل طيوراً تحمل في مناقيرها عقوداً من اللؤلؤ. القميص بلونه الذي في عصره كان ذهبياً بارعاً يبدو من القطع المفضلة لنبلاء بلاد الصغد.
وتدور مناقشة حول شريط من قماش التل مثبت أسفل القميص، ما وظيفته؟ خصوصاً أنها تحمل بقايا خيوط وألوان تماثل ألوان القميص، هل تمت إضافتها بعد محاولة لترميمها؟ هل هي طريقة للحفاظ على أطراف القميص؟
تبدو الأسئلة بلا جواب بين الخبراء، ونترك القميص العتيق ليعود لصندوقه الورقي ونتجه لقطعة مختلفة...
إبريق من الخزف الأزرق
تلتقط كيارا من على أحد الأرفف إبريقاً من الخزف مزيناً بنقوش باللون الأزرق تصور فيما بينها مشاهد صيد تنبض بالحياة. هناك أكثر من فريسة وأكثر من صياد، جمع من الكلاب الهادرة تنطلق في إثر أرنب مذعور، وهناك أيضاً غزالة رشيقة، والمنظر كله محاط بأغصان وأوراق شجر وبعض الزهور.
الإبريق تركي الصنع يعود لعام 1545 – 55، ويعدّ دليلاً على تنوع مهارة صناعة فخار أزنيك، ويعد الإناء الوحيد المعروف وجوده، وكان يستخدم لحمل المياه أثناء رحلة الحج. يتميز الإبريق برشاقة الرسومات وجمال الألوان المتدرجة من الأزرق الغامق والفاتح والذي يعود تاريخ استخدامه لمنتصف القرن الـ16.
فن وزخارف المجوهرات الهندية
لا شك أن جاذبية أي مزاد للفنون الإسلامية تكمن في المجوهرات والحلي، وفي هذا المزاد أكثر من نموذج لمجوهرات هندية الصنع تحمل كل صفات الصياغة الهندية من استخدام الماس المسطح والياقوت والزمرد واللؤلؤ ونقش ظهر القطع بالمينا الملونة.
من المعروضات عقد من القرن الـ19 محلى برسومات لوردات حمراء وقطع الياقوت واللؤلؤ، وكالعادة نقشت خلفية العقد بنقوش بديعة التصميم بالمينا. أتساءل عن السر في ذلك، ويجيبني إدوارد غيبز، رئيس قسم الفن الإسلامي بقوله «ربما لأنه الجزء الأقرب للبشرة، إنه تعبير عن الحميمية». ربما أقول له، «لكن قد يكون هناك من يفضل ذلك الجانب من الحلي الهندية ربما أكثر من جانب المجوهرات؟ ربما» يجيب ويبتسم ابتسامته الهادئة. وننتقل لقطعة أخرى، عقد وأقراط من الماس وعقد آخر من الماس والياقوت البديع التشكيل.
خنجر من العصر المغولي
من القرن الـ18 أو الـ19، خنجر بمقبض من جلد غير مدبوغ باللون الأخضر، ومجمّل بالياقوت وحجر اليشم. هناك خنجر آخر من العصر المغولي يعود للقرن الـ18 بمقبض من حجر اليشم محفور عليه ليشكل ثلاث أزهار في أكمها.
ومن حجر الكريستال الصخري البديع يتألق مقبض سيف من القرن الـ17، يتميز بالنقش الثري على قاعدة المقبض المصنوعة من الذهب والذي يمثل نقوشاً بارزة من الذهب لمبانٍ بقباب وأشجار كثيفة ما يعد عملاً فنياً بحد ذاته.
المخطوطات النادرة
لا يمكن أن نمر بمقتنيات أي مزاد للفن الإسلامي من دون أن نجد ما يستوقفنا من المخطوطات والكتب. منها نرى صفحة من مصحف مكتوب بالخط الكوفي تعود لبلاد فارس في الفترة ما بين 1075 إلى 1125، هي قطعة نادرة؛ وهو ما ينعكس في الثمن المقدر لها وهو 220 ألفاً إلى 280 ألف جنيه إسترليني. حسب ما نعرف؛ فالصفحة تعود لمصحف يتميز بتكامل فني في الخط والتلوين والزخارف. الرسومات التي تمثل أزهاراً مختلفة في خلفية الكتابة تعد من العلامات المميزة، وتوثق المصحف كأحد المصاحف الأكثر زخرفة في فترة القرون الوسطى. نعرف أيضاً أن المصحف تكون من 30 مجلداً في كل جزء 75 صفحة. تتوزع صفحات من هذا المصحف في متاحف عالمية مثل متحف المتروبوليتان بنيويورك ومتحف توبكابي ومجموعة متحف الأغا خان.
كتب نادرة
في الرياضيات والفلك
يقدم المزاد ثلاث مخطوطات نادرة من العصور الوسطى في موضوعات الفلك، والعلوم والرياضيات، والطب، توفر نظرة على ما قدمه علماء المسلمين للحضارة الإنسانية. منها كتاب لكمال الدين الحسن الفارسي وكتاب المجسطي لبطليموس وترجمة عربية مهمة لكتاب العناصر لإقليدس.