قصتي مع ملحق الإعلام!

قصتي مع ملحق الإعلام!
TT

قصتي مع ملحق الإعلام!

قصتي مع ملحق الإعلام!

30 مايو (أيار) 2005.. أتذكر ذلك التاريخ جيداً؛ كانت أول مرة أسافر فيها لساعات طويلة في مهمة صحافية. الوجهة كانت سيول عاصمة كوريا الجنوبية، وسبب الزيارة كان انعقاد الاجتماع السنوي لرابطة الصحف العالمية (التي تعرف اليوم اختصاراً بـ«وان إفرا»). لم يكد يمر على تقلدي مسؤولية إطلاق وإدارة ملحق الإعلام في جريدة «الشرق الأوسط» سوى بضعة أشهر. لذلك فإن شعور «الفراشات في المعدة»، الذي انتابني لدى وصولي لمقر انعقاد الحدث، لا بد أنه يشبه شعور أي لاعب كرة قدم ناشئ تطأ أقدامه أرض ملعب دولي وهو يشارك للمرة الأولى في كأس العالم. كان الشعور مزيجاً فريداً من الحماس والقلق؛ حماس لرؤية بعض أهم الأسماء في الصحافة العالمية أمامي، تتحدث وتتفاعل معي، وقلق من العودة خالي اليدين. ففعلياً، كنت أصغر محرر ملحق في تاريخ الصحيفة (24 عاماً)، ولم يكن في أرشيفي ما يكفي من مواد للتعويض عن ذلك.
على الرغم من كل الدعم الذي حظيت به من زملائي المخضرمين - سناً وخبرة - كان من الطبيعي ألا يخلو الأمر من بعض التشكيك، إن لم يكن الاقتناع بأنني سأفشل - عاجلاً أم آجلاً - في تحويل الملحق إلى قصة نجاح، لذلك اعتبرت أنه لم يكن هناك اختبار أكبر من «كأس العالم» هذا. وضعت نصب عيني «الجائزة الكبرى»، غافين أورايلي (ابن رجل الأعمال الآيرلندي الشهير أنطوني أورايلي، مالك صحيفة «ذي آيرش إندبندنت») الذي كان قد نصب في ذلك اليوم رئيساً لرابطة الصحف العالمية، وتغلبت على شعوري بالخجل، وتوجهت إليه لأبارك له وأعرف بنفسي مباشرة عقب تنصيبه.
ذلك لم يكن كافياً لنيل وقت كاف معه، فسارعت بإبلاغه بأن لدي ملاحظة ضد الجهة المنظمة، فقلت: «لماذا كانت هناك ترجمة فورية للكلمات والندوات بكل لغات العالم عدا العربية؟ ألا أهمية لنا؟». هنا توقف أورايلي وأجابني بهدوء وأدب شديد: «هذه نقطة مهمة. أعتذر نيابة عن الرابطة عن التقصير، لكن تأكد أن المسألة ليست مقصودة، وإنما هي متعلقة بعدم وجود مشاركات كافية من الصحافيين العرب».
طبعاً، لم أخبر السيد أورايلي بأنه كان هناك بعض الصحافيين العرب الحاضرين فعلاً، إلا أن غالبهم لم يحضر أي من الجلسات. فكما جرت العادة، انشغل «ربعنا» بالنقاش السياسي والنميمة في «لوبي» الفندق الذي كنا ننزل به. وإنما عرضت عليه أن أساعد في التقريب بين الرابطة والناشرين العرب من خلال حوار أجريته معه، شارحاً له أهمية «الشرق الأوسط» وملحق الإعلام. ابتسم أورايلي، وأجابني: «بكل سرور»، ثم أعطاني ثلث ساعة أجاب فيها عن كل أسئلتي. ولا أخفيكم أنني كنت أسعى جاهداً - وأنا أجري الحوار - لإخفاء سعادتي الجمة بهذا «الصيد الثمين». ولكم أن تتصوروا كم رقصت فرحاً في داخلي، حين أيقنت أن ملحق الإعلام سينشر أول مقابلة، على الإطلاق، مع الرئيس الجديد لرابطة الصحف العالمية. ومن ثم، أعطاني أورايلي بطاقته الشخصية، وكتب عليها رقمه، مضيفاً: «لا تتردد في طلب المساعدة في أي لقاء آخر مع أي شخصية تفيد عملك». وبالفعل، لجأت إليه بعدها بخمس سنوات لمحاورة شقيقه التوأم، المتخصص في التنقيب عن النفط، توني أورايلي جونيور، لقصة كنت أعدها لمجلة «إنترناشيونال ريسورس جورنال»، المتخصصة بالطاقة، التي راسلتها في فترة لاحقاً. وإلى جانب الندوات، كان هناك معرض تشارك فيه كبريات المؤسسات الإعلامية باستعراض تجاربها. وهناك قابلت مسؤولي تسويق المحتوى في «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز»، ورأيت كيف يروّجون كتاب الرأي، أمثال توماس فريدمان وديفيد إغناتيوس، وكأنهم نجوم روك أند رول. أما الموضوع الذي كان طاغياً على المؤتمر، فكان «صراع الصحافة الورقية والإلكترونية». وبما أنني أشبعت الموضوع نقاشاً خلال السنوات الأربع التي أشرفت فيها على الملحق، فإنه من المضحك المبكي بالنسبة لي أن الجدل لا يزال دائراً - في عالمنا العربي على الأقل - حول «موت الورق»، بعد نحو 14 عاماً على ذلك المؤتمر، وبعد أن تحولت صحف عريقة مثل «ذي إندبندنت» للنشر الإلكتروني كلياً. علينا أن ندرك، أيها السادة، أن قطاعنا هو صناعة المحتوى، وليس الطباعة. القصة الجيدة ستبيع وتتابع، مهما كانت الوسيلة.. مع تمنياتنا بالتوفيق للزميلة رنيم حنوش في مهمتها بالإشراف على ملحق الإعلام!
- رئيس تحرير صحيفة «عرب نيوز»،
أول محرر لملحق الإعلام في جريدة «الشرق الأوسط»


مقالات ذات صلة

وفاة «أيقونة التعليق العربي» ميمي الشربيني

رياضة عربية المعلق التلفزيوني الشهير ميمي الشربيني (وسائل إعلام مصرية)

وفاة «أيقونة التعليق العربي» ميمي الشربيني

نعى النادي الأهلي أكثر الأندية المصرية تتويجاً بالألقاب في كرة القدم وفاة لاعبه السابق والمعلق التلفزيوني الشهير ميمي الشربيني.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية الصحافية الإيطالية سيسيليا سالا متفاعلة عند وصولها إلى منزلها في روما بعد إطلاق سراحها من الاحتجاز بإيران يوم 8 يناير 2025 (رويترز)

صحافية إيطالية كانت معتقلة بإيران تشيد بدور ماسك في إطلاق سراحها

قالت صحافية إيطالية، كانت محتجزة في إيران، إن اتصال صديقها بإيلون ماسك ربما كان عاملاً «جوهرياً» في إطلاق سراحها.

«الشرق الأوسط» (روما)
خاص مدير القنوات في «MBC» علي جابر يروي لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل عودته من المرض والغيبوبة (علي جابر)

خاص علي جابر «العائد من الموت» يروي ما رأى على «الضفة الأخرى»

جراحة فاشلة في العنق، ساقٌ مكسورة، نزيف في الأمعاء، ذبحات قلبيّة متتالية، ودخول في الغيبوبة... هكذا أمضى علي جابر عام 2024 ليختمه إنساناً جديداً عائداً من الموت

كريستين حبيب (بيروت)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

الإعلام الأميركي يستعد لـ«الجولة» الثانية من «النزال» مع ترمب

سيتوجّب على الإعلام الأميركي التعامل مجدّداً مع رئيس خارج عن المألوف ومثير للانقسام ساهم في توسيع جمهور الوسائل الإخبارية... وفي تنامي التهديدات لحرّية الإعلام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ 361 في نهاية عام 2024 (أرشيفية)

360 صحافياً مسجونون في العالم... والصين وإسرائيل في صدارة القائمة السوداء

أعلنت لجنة حماية الصحافيين، الخميس، أنّ عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ 361 في نهاية 2024، حيث احتلّت إسرائيل المرتبة الثانية في سجن الصحافيين، بعد الصين.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

سليمان: نوّعنا شراكاتنا دولياً للحد من التضليل والتزييف الإعلامي

من مشاهد المعاناة في السودان (رويترز)
من مشاهد المعاناة في السودان (رويترز)
TT

سليمان: نوّعنا شراكاتنا دولياً للحد من التضليل والتزييف الإعلامي

من مشاهد المعاناة في السودان (رويترز)
من مشاهد المعاناة في السودان (رويترز)

أعلن المهندس عبد الرحيم سليمان، مدير عام اتحاد إذاعات الدول العربية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «المؤتمر الرابع للإعلام العربي» سيُعقد في العاصمة العراقية، بغداد، خلال شهر أبريل (نيسان) المقبل، وستعنى فعالياته بقضايا الساعة، وبينها ملفات التنمية، والبيئة، وموضوعية وسائل الإعلام في تغطية العدوان على الشعبين الفلسطيني واللبناني، والمنطقة العربية.

سليمان نوّه بدعم هيئة الإعلام العراقية ورئيسها الوزير كريم حمادي لمشروع تنظيم المؤتمر المقبل في العراق، وسط تعقيدات الأوضاع الطبيعية والبيئية في العراق والمنطقة، خلال العقود الماضية لأسباب عدة، من بينها إلقاء مئات آلاف الأطنان من القنابل على مناطق عمرانية وسكنية وزراعية. وأوضح المهندس سليمان أنها المرة الأولى التي تستضيف فيها الجمهورية العراقية مؤتمراً إعلامياً عربياً دولياً بهذا الحجم، بدعم من مؤسسات جامعة الدول العربية، ومن مسؤولي هيئة الإعلام العراقية والقائمين عليها وخبرائها.

الإعلام... والعدوان على فلسطين ولبنان

المدير العام لاتحاد إذاعات الدول العربية كشف من ناحية ثانية، في كلامه لـ«الشرق الأوسط»، عن أن هذا المؤتمر العربي الكبير سينظَّم بالشراكة مع «شبكة الإعلام العراقي» بعد أسابيع قليلة من تنظيم الاتحاد مؤتمرات إعلامية وسياسية عربية كبيرة في تونس حول الحاجة إلى تطوير دعم «الإعلام المهني» لقضايا الشعبين الفلسطيني واللبناني، وللسلام في المنطقة، إلى جانب مواكبة التحديات الأمنية والجيو-استراتيجية الخطيرة التي تواجه كثيراً من الدول والشعوب العربية، وبينها الحرب المدمّرة الطويلة في السودان. وأوضح أن هذه الحرب تسببت حتى الآن في سقوط نحو 150 ألف قتيل ومئات الآلاف من الجرحى، وتشريد ملايين المواطنين وتهجيرهم.

المهندس عبد الرحيم سليمان (الشرق الأوسط)

حرب منسية

وأردف سليمان أن «انشغال الإعلام، سواء العربي أو الدولي، نسبياً بالحرب العدوانية على كل من فلسطين ولبنان همَّش إعلامياً ملفات خطيرة أخرى، من بينها معضلات التلوث، والبيئة، والتنمية، وحروب ونزاعات مسلحة خطيرة في المنطقة، بينها الحرب في السودان».

وتابع قائلاً: «الإعلام الدولي لا يواكب بالقدر الكافي محنة الشعب السوداني» حتى عدّ كثيرون الحرب المدمِّرة الحالية ضده «الحرب المنسية رغم الصبغة الجيو-استراتيجية المهمة جداً لهذا البلد العربي والأفريقي والإسلامي الكبير، الذي يتميّز بثروات بشرية ومادية هائلة، لكنه يعاني منذ عقود من التدخل الأجنبي، ومن أجندات محلية وإقليمية ودولية غير بريئة».

وعلى صعيد موازٍ، نفى سليمان أن تكون الأمانة العامة لاتحاد إذاعات الدول العربية «أهملت التحديات الأمنية الخطيرة جداً التي تواجه المنطقة؛ بسبب انحياز الإعلام الغربي إلى الروايات الإسرائيلية للتطورات في فلسطين ولبنان والمنطقة». وأفاد بأن مقر الاتحاد استضاف أخيراً في تونس تظاهرات إعلامية وعلمية، قدَّم خلالها مهنيون وخبراء دراسات وتقارير علمية حول قضايا التحرّر الوطني العربية، وعلى رأسها قضايا إنهاء الاحتلال في فلسطين ولبنان، والتعريف بتوظيف أطراف غربية الإعلام الغربي والدولي لتشويه صورة العرب والمسلمين والأفارقة، ومطالبهم المشروعة في التحرّر الوطني والتنمية والتقدم، والشراكة مع كبار الفاعلين دولياً بما في ذلك في قطاعات حوكمة الإدارة والاقتصاد والبحث العلمي والتكنولوجيا والبيئة والمحيط.

العراق استعاد مجده

من جانب آخر، ورداً على سؤالنا عن خلفيات قرار عقد «المؤتمر الرابع للإعلام العربي» في بغداد في هذه الظروف تحديداً؟ وهل لم تكن هناك تخوّفات من الاضطرابات التي تشهدها المنطقة؟ أوضح سليمان أن الأمانة العامة لاتحاد إذاعات الدول العربية «تتطلع إلى مؤتمر عربي ناجح ينظَّم الربيع المقبل في بغداد»، مضيفاً أن بغداد «عاصمة الحضارة والعروبة التي استردّت مجدها وألقها، واستحقت استضافة المؤتمر المقبل بعد نجاح مئات الخبراء خلال المؤتمرات الثلاثة الماضية في تونس في تقديم دراسات وتوصيات ومقررات مهنية نوعية بمشاركة خبراء من العالم أجمع». ومن ثم، أثنى على التطور الكبير الذي سُجِّل في قطاع الإعلام في العراق، وأورد أن «القفزات الإعلامية التي يشهدها العراق مكَّنته من حصد الجوائز الأوفر في المهرجانات والمسابقات الإذاعية والتلفزيونية التي ننظمها سنوياً».

استقلالية مالية

أيضاً، نوه المدير العام بانعقاد «الجمعية العامة» للاتحاد يومَي 15 و16 يناير (كانون الثاني) الحالي في المنطقة السياحية بالحمّامات، (60 كيلومتراً جنوب العاصمة تونس). وكان قد حضر هذه الفعالية إعلاميون ومسؤولون رسميون، ومشرفون على مراكز الأبحاث وتدريب الصحافيين وعن جامعات الأخبار والاتصال، ووسائل إعلام عربية ودولية، بجانب الاتحادات الإذاعية والتلفزيونية العربية والإسلامية والأوروبية والآسيوية والصينية والأفريقية، كما كان حاضراً الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية المكلف الإعلام، السفير المغربي أحمد رشيد الخطابي.

وقد انتظم على هامش هذا المؤتمر الإعلامي الكبير موكب رسمي تمَّ خلاله التوقيع على اتفاقية شراكة بين اتحاد إذاعات الدول العربية ومنظمة التحالف الإعلامي لدول أميركا اللاتينية.

وفي هذا الصدد، ثمَّن المهندس عبد الرحيم سليمان كون اتحاد إذاعات الدول العربية «نجح، بفضل شراكاته الدولية في القارات الخمس، والخدمات الاتصالية والتغطيات التلفزية والإذاعية عبر الأقمار الاصطناعية، في تلبية طلبات غالبية الدول ووسائل الإعلام العربية، وفي البلدان الشريكة للاتحاد في أوروبا وآسيا وأميركا، ما أسهم في مضاعفة موارده المالية». وذكر أن هذا «أسهم في الحد من تقديم إعلام عربي بديل عن مضامين إخبارية مكتوبة ومصوّرة عُرفت بالتزييف والتضليل».

وهنا يشار إلى أن الاتحاد هو المنظمة العربية الوحيدة التي تغطي، بفضل استثماراتها، حاجياتها المالية كلها، ولا تحتاج إلى دعم مالي من الدول العربية ومن مؤسسات الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.

الإعلام في مواجهة التزييف والتضليل

وعلى صعيد متّصل، عدّ جامعيون من كليات الإعلام التونسية والعربية والغربية شاركوا في الجلسات العلمية للمؤتمر أن من بين أولويات المرحلة المقبلة بعد تطورات في المشرق العربي «التصدي إعلامياً بأساليب مهنية» لما وصفه عدد من الخبراء العرب والأجانب بأنه «استفحال ظاهرة التزييف والتضليل» في نشر الأخبار والتقارير المصورة والتوثيقية عن النزاعات والحروب، وبينها الحرب في أوكرانيا، وفي فلسطين ولبنان خلال الفترة الماضية، وفي بلدان عربية وأفريقية وإسلامية عدة تفاقمت فيها معاناة الشعوب وملايين الفارين من القتال، من بينها السودان واليمن وسوريا وليبيا.

ولقد نُظّم على هامش هذا الحدث كذلك، ملتقى حواري حول «مستقبل الإذاعة والتلفزيون في عهد التقارب الرقمي والبث متعدد المنصات»، بمشاركة خبراء من فلسطين، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والصين، وفرنسا، وإسبانيا.