«فرانكنشتاين» في مئويته الثانية لا يزال مصدراً للصدمة والإلهام العلمي

«فرانكنشتاين» في مئويته الثانية لا يزال مصدراً للصدمة والإلهام العلمي
TT

«فرانكنشتاين» في مئويته الثانية لا يزال مصدراً للصدمة والإلهام العلمي

«فرانكنشتاين» في مئويته الثانية لا يزال مصدراً للصدمة والإلهام العلمي

في قصة «فرانكنشتاين» الشهيرة، قدّم الطالب النابغ «فيكتور فرانكنشتاين» في 1 أغسطس (آب)، طرحاً هو الأوّل من نوعه إلى لجنة متخصصة بأخلاقيات علوم الأحياء في جامعة «إنغُولشّتات» في بافاريا. وشرح في طرحه الذي يحمل عنوان: «آليات الإحياء الكهروكيميائي» كيف أراد أن «يلغي الموت» عبر جمع «مجموعة كبيرة من العينات البشرية التشريحية» ودمجها، في محاولة منه «لإعادة حياة الكائنات في النقطة التي فُقدت فيها».

في ذلك الوقت، طمأن الطالب مجلس المراجعة المؤسسي إلى أنه اعتمد أرقى المعايير الأخلاقية في تنفيذه طرحه هذا. وقال «فرانكنشتاين»: «في حال نجحت في إعادة بثّ الحياة في إنسان أو كائن يشبه البشر، فسأزود هذا المخلوق بمعلومات حول الدراسة، وسأتيح له، في حال كان قادراً، أن يختار المشاركة أو عدم المشاركة في المتابعة والدراسة المستمرتين». كما وعد «فرانكنشتاين» بأنّه في حال كان هذا المخلوق يعاني من «تضاؤل في القوة»، فإنه سيستعين بطرف ثالث يعمل في خدمته ويعامله بما يتوافق مع المعايير المعتمدة. وقد نوقش هذا الاقتراح فعلاً في ورقة بحثية قدمت عام 2014 تناولت احتمال انتهاء قصة «فرانكنشتاين» الخيالية بخاتمة أفضل لو كانت قوانين القرن الحادي والعشرين، التي تكفل حماية البشر من أي تأثيرات عنيفة للتطورات العلمية، موجودة قبل قرنين. وهذا النقاش كان واحداً من نقاشات كثيرة شهدها أدب طبّ الأحياء حول هذه الرواية. وخلال نسجها لقصتها، تأثّرت الكاتبة ماري شيلي بالعلم الطبي الناشئ وبأولى التجارب التي أجريت على الطاقة الكهربائية. إلا أنّ العلم أصبح ومنذ ذلك الحين مسكونا بروح «فرانكنشتاين». بعد نشرها لأول مرّة ودون اسم عام 1818، تحوّلت الرواية، والأفلام المتعاقبة، والمسرحيات، إلى ما سماه تون جورني، كاتب رواية «خطوات فرانكنشتاين: العلم، والجينات، والثقافة الشعبية»: «أسطورة علم الأحياء الحديث السائدة»: قصة تحذيرية حول الغطرسة العلمية. وكما هي الحال مع كلّ الأساطير التي لا تزال حيّة حتى يومنا هذا، توضح قاعدة بيانات «باب ميد» PubMed database، الفهرس الذي يضمّ جميع دراسات علوم الحياة البحثية، أنّ الأساطير التي تناولت شخصية «فرانكنشتاين» أو استلهمت منها، كثيرة جداً؛ إذ يعجّ الأدب العلمي، والوسائل الإعلامية المنتشرة، بالإشارات المستوحاة من «فرانكنشتاين» ومنها: «فرانكنفود»، «فرانكنسيلز»، «فرانكنلوز»، و«فرانكنشواين»، و«فرانكنشدراغز»، والتي تتمحور في غالبيتها حول شخصيات مبتكرة على هيئة وحوش. في المقابل، ذكرت كتابات أخرى وصل عددها إلى نحو الـ250، «فرانكنشتاين» بشكل واضح، وسعت إلى تحليل العلم القائم خلف الرواية، بلمسة غريبة جداً أحياناً، ونابعة من روح «فرانكنشتاين» الأصلي. يغوص كثير من التقارير المنشورة في المجلات المعنية بالصحة النفسية إلى عمق أفكار الكاتبة حين تخيّلت القصة للمرة الأولى في صيف 1816. في ذلك الوقت، كانت ماري وولستونكرافت غودوين تزور الشاعر لورد بايرون في «فيلا ديوداتي»، قصر استأجره على ضفاف بحيرة جنيف في سويسرا، وكانت حينها تبلغ 18 عاماً من العمر.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً