تبدأ في الأول من الشهر المقبل عروض الفيلم الروائي الأول للمخرج المسرحي المعروف لوسيان بورجيلي. وكان أهل الإعلام قد لبوا سابقاً دعوة المخرج اللبناني لمشاهدة عرض خاص لفيلمه «غداء العيد» في صالات سينما «متروبوليس» في الأشرفية.
الجميع كان متحمساً لمتابعة هذا العرض، لا سيما أنّه حصد أخيراً «جائزة لجنة التحكيم» في مهرجان دبي السينمائي. قصة الفيلم تقرأ من عنوانه، فهو يحكي قصة عائلة لبنانية تجتمع حول مائدة واحدة للاحتفال بالعيد. وينقل إلينا المخرج ضمن شريطه السينمائي هذا نموذجاً حياً عن الحوارات التي تجري عادة في هذا النوع من الاجتماعات العائلية التي يحرص الجميع على حضورها، كونها واحدة من عادات وتقاليد البيت اللبناني العريق. وفي هذا النوع من الجلسات، عادة ما يتشارك المدعوون في أحاديث مختلفة، يتناولون فيها مواضيع متنوعة ترتبط بأمورهم الحياتية، كما يتخلّلها حوارات حول مواضيع سياسية واقتصادية وطائفية تشغل البلد، وكذلك ثرثرات جانبية، وأخرى مشتركة تطالهم شخصياً لتأخذ منحى الحميمية أحياناً. وجميع تلك العناصر استخدمها لوسيان بورجيلي في هذا الفيلم الذي تدور مجمل أحداثه في موقع واحد، ألا وهو مائدة الغداء، مستخدماً كاميرا محمولة سريعة الحركة، يمر المشاهد عبرها على الشخصيات الموجودة حول هذه المائدة، كرب المنزل وزوجته وشقيقتها، إضافة إلى الأبناء الذي تخلوا عن أي انشغالات أخرى من أجل اكتمال المشهد العائلي الذي تفرضه مناسبات مماثلة.
وطيلة الـ30 دقيقة الأولى من الفيلم (كانت تحتمل الشد والاختصار في بعض مجرياتها)، يشغل المشاهد نفسه في التدقيق بوجوه الممثلين علّه يتعرف إلى أحد منهم، كون غالبيتهم غير معروفة، وتطل لأول مرة على الشاشة. ويستمتع المشاهد، في المقابل، بالتفاصيل الصغيرة التي أدرجها بورجيلي على هذا اللقاء، كونها تشبه المشاهد وتمثله بطابعها وبخطوطها العريضة والضيقة معاً، فالأحاديث التي تدور في هذا اللقاء، إضافة إلى أداء الممثلين، سادتهما العفوية بشكل لافت، فيخيل إليك أنّك حاضر بينهم، فتبتسم لتعليق ساخر، وتغضّ النظر عن كلمات تخرج عن إطار التهذيب، يتفوه بها هذا أو ذاك، ويسيل لعابك إثر الشهية المفتوحة التي تصاب بها أمام مائدة مزركشة الألوان بأصناف طعام تشكل المازة اللبنانية.
وانطلاقاً من تلك العناصر، وغيرها مما يتعلق بتقنية التصوير وحركة الكاميرا من زوايا لم نألفها سابقاً في أعمال مماثلة، ستدرك الحرفية التي يتمتع بها بورجيلي في عمله الذي استغرق منه سنوات طويلة لترجمته على الشاشة الذهبية. وضمن إيقاع الـ«كريشاندو» (تصاعدي) الذي يستخدمه مخرجون عالميون في أعمالهم السينمائية، سيتلمس المشاهد طريقه في النهاية (مدة الفيلم 90 دقيقة) إلى عنصري الإثارة والتشويق اللذين يركن إليهما المخرج في القسم الثاني (الأخير) من الفيلم. فتطغي على أحداثه، وتتحوّل رويداً من بطيئة (يتخللها مواضيع كليشيه) إلى ديناميكية تعززها مشاهد ساخرة وأخرى مضحكة.
مخرج الفيلم وكاتبه لوسيان بورجيلي، الذي ألقى كلمة قبيل بدء عرض الفيلم، أكد أنّه متحمس جداً لمشاهدة رد فعل الحضور تجاه العمل، لا سيما أنّه الأول له كفيلم روائي طويل. كما تأسّف للمقطع الذي اقتُطع من عمله هذا، من قبل مقص الرقابة اللبنانية (تردّد أنّه يرتبط بموضوع الطائفية).
ولم ينس لوسيان بورجيلي أياً من مكونات المجتمع اللبناني، ليكون فيلمه بمثابة مرآة تعكس حقيقة واقعه. فتطرّق إليها في عملية تشريح مفصلة، طالت علاقة الأهل بأولادهم، ومشكلات المتزوجين منهم، وثورة المراهقين بينهم. وتناول أيضاً مشكلات البلاد، من بيئية وسياسية واجتماعية وطائفية، والعنف الأسري، واضعاً الأصبع على الجرح في غالبيتها. كما وضع تحت المجهر مشكلة تطاول البعض على العاملة الأجنبية التي عادة ما تكون مصدر «فشة الخلق» عند حدوث أمر سلبي في البيت اللبناني.
تجدر الإشارة إلى أن فيلم «غداء العيد» ستبدأ عروضه في صالات السينما اللبنانية في 1 مارس (آذار) المقبل، وذلك بموازاة عرضه في بلدان عربية أخرى، كدولة الإمارات، وأجنبية، ككاليفورنيا وميامي وألمانيا.
ويتفاعل المشاهد مع مجريات فيلم «غداء العيد»، ويخرج منه معبراً عن سعادته بحضور عمل سينمائي يشبهه قلباً وقالباً، ولعلّ التلقائية والعفوية اللتين سادتا أداء الممثلين سميرة سركيس وليتسيا سمعان ونديم أبو سمرا وحسين حجازي وغسان شمالي وطوني حبيب ووسام بطرس وغيرهم، إضافة إلى الممثلة فرح شاعر، التي شاركت في إنتاج الفيلم مع مخرجه، ساهمت مع اللغة السينمائية البسيطة المستخدمة فيه إلى تقريبه من الناس بشكل ملحوظ، إذ وقف الحضور يصفّق طويلاً للمخرج في نهاية الفيلم تعبيراً عن إعجابه بالعمل.
8:2 دقيقة
«غداء العيد» تشريح صريح للمجتمع اللبناني على طاولة حوار سينمائي
https://aawsat.com/home/article/1178506/%C2%AB%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%8A%D8%AF%C2%BB-%D8%AA%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%AD-%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%AD-%D9%84%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B7%D8%A7%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7%D8%A6%D9%8A
«غداء العيد» تشريح صريح للمجتمع اللبناني على طاولة حوار سينمائي
«غداء العيد» تشريح صريح للمجتمع اللبناني على طاولة حوار سينمائي
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة