ينشغل الباحثون حول العالم الآن بالدراسات المتعلقة بوسائل التكيف مع المناخ في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خصوصاً في ظل وجود شواهد ملحوظة على التغيرات المناخية التي باتت تلمس حياة المواطن العادي، متجسدة في تغير الطقس، وارتفاع درجات الحرارة المعهودة في الفصول الأربعة، وتغير مواعيد «النوات» في الإسكندرية، وارتفاع منسوب مياه البحر المتوسط بشكل لافت مع غزارة الأمطار، مما يؤدي إلى غرق المدينة، وتعطل الحياة اليومية فيها، وعدد من محافظات الدلتا أيضاً.
و«النوات» تعبير شائع في مصر لوصف عواصف جوية تشبه بدرجة ما الأعاصير. وتتخذ الرياح الشكل الحلزوني، ومعظمها يأتي من الغرب والجنوب الغربي. وتتكرر هذه الظاهرة المناخية في الإسكندرية بالأخص والساحل الشمالي، وتعود تسميتها إلى الصيادين.
احترار الشرق الأوسط
ووفقاً لأحدث دراسات وكالة «ناسا» الأميركية، فإن متوسط درجة حرارة سطح كوكب الأرض ارتفع بنحو 1.1 درجة مئوية منذ أواخر القرن التاسع عشر. وقد حدث معظم الاحترار خلال السنوات الـ35 الماضية. وفي بيان حديث أصدره مركز ويسلون بواشنطن، في يناير (كانون الثاني) 2018، أكد أن «تغير المناخ من شأنه أن يقوض الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». ويقول نيك مابي، من مجموعة خبراء البيئة بمركز E3G: «مع ازدياد التأثيرات المناخية، سوف تتأثر القدرة على التكيف الاجتماعي والاقتصادي والمادي في تلك المنطقة. ومن المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة الصيفية في الشرق الأوسط بسرعة تصل إلى ضعفي المعدل العالمي، مما قد يهدد قابلية المنطقة للاستقرار في نهاية القرن».
وأشار إلى أن تلك التأثيرات المناخية سوف تظهر بشكل ملحوظ، مثل حالات الجفاف الشديد، وموجات الطقس الحار، بالتزامن مع النمو السكاني، وندرة المصادر الطبيعية، والهجرة التي تسبب مخاطر اجتماعية - اقتصادية كبيرة لبلدان المنطقة.
ويتوقع الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ أنه إذا استمرت انبعاثات الغازات في الارتفاع، فإن المناخ سيصبح أكثر سخونة وأكثر جفافاً، وأنه إذا كانت درجة الحرارة العالمية ستزيد في المتوسط بمقدار درجتين مئويتين فقط، مقارنة بأوقات ما قبل الثورة الصناعية، فإن درجات الحرارة الصيفية في منطقة الشرق الأوسط قد تبقى أعلى من 30 درجة مئوية في الليل، ويمكن أن ترتفع إلى 46 درجة مئوية خلال النهار. وبحلول نهاية القرن، يمكن لدرجات الحرارة في منتصف النهار في الأيام الحارة أن تتصاعد إلى 50 درجة مئوية.
ويؤكد علماء مركز «كليماساوث»: «نحن في عالم متغير المناخ، ومن المتوقع أن تكون الآثار الاجتماعية والاقتصادية والبيئية لتغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أعلى من أي مكان آخر. وستتعرض المناطق الساحلية المنخفضة في تونس وقطر وليبيا والإمارات العربية المتحدة والكويت، وخصوصاً مصر، لمخاطر خاصة».
ارتفاع البحر
ووفقاً لأحدث تقارير البنك الدولي، فإن ارتفاع مستوى سطح البحر يمكن أن يؤثر على 43 ميناء، و24 مدينة، في الشرق الأوسط، و19 في شمال أفريقيا. وفى حالة الإسكندرية بمصر، سيزيد ارتفاعه 0.5 متر، ما يؤدي إلى نزوح أكثر من مليوني شخص، وخسائر في الأراضي والممتلكات والبنية الأساسية.
يقول العالم المصري د. فاروق الباز، مدير مركز تطبيقات الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن، لـ«الشرق الأوسط»: «أثبتت الدراسات المناخية أن درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض تزداد بسبب انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون الناجم عن استهلاك الوقود في العالم، وينتج عن تلك الزيادة الحرارية ذوبان بعض الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي للأرض. وهذا الذوبان يزيد من ارتفاع سطح البحر بالعالم أجمع. وإذا استمر ذلك، فهو يؤثر على حدود اليابسة في العالم أجمع»، لكنه يؤكد: «علماً بأن هذا يحصل في كل المواقع الساحلية ببطء شديد. وذلك لا يعنى أن الدلتا والإسكندرية سوف تغرق، فهذا تهويل»، ويضيف: «لا بد أن ندرس أثر التغيير على منسوب البحر، وأن يكون لدينا مخطط لمعالجة ما يحصل من تغيرات على السواحل».
ويلفت الباز إلى أن «التغيرات التي نتجت عن إقامة السد العالي بجنوب مصر قللت من الطمي الذي كان يصل إلى مخرجي النيل، مع اندفاع المياه إلى البحر المتوسط عند مدينتي (رأس البر) و(رشيد)، ما أدى لنحت المخرجين بواسطة التيارات البحرية بشكل كبير، ولم ندرس هذا الوضع أو نخطط لحدوثه».
وحول ما يمكن فعله تحسباً لارتفاع منسوب البحر في منطقة الدلتا والإسكندرية، يقول الدكتور أحمد عبد العال، رئيس هيئة الأرصاد الجوية، لـ«الشرق الأوسط»: «إن التغيرات المناخية أثرت بشكل واضح على ارتفاع المد والجذر في البحار والمحيطات، وتظهر آثار تلك التغيرات بوضوح في مصر، لأنها من الدول المنخفضة جغرافياً، التي سوف تغمرها مياه البحر»، وحذر من أنه «لا بد من وضع المصدات أو ردم الشواطئ بمسافة 5 أمتار لحماية سواحل الدلتا والإسكندرية».
جنوب الاسكندرية مهدد بالغرق
يؤكد الدكتور صلاح سليمان، كبير خبراء مكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط» أن «تغير المناخ سوف يتجسد في تغيرات طويلة المدى. وقد كشف التقرير السادس للبرنامج الدولي لتغير المناخ، عن ارتفاع متوسط درجة الحرارة على مستوى العالم خلال الـ50 سنة الماضية بمقدار درجة كاملة، وتتمثل خطورة الأمر في أن ما يفصلنا عن العصور الجليدية 5 درجات حرارة فقط. أما عن الإسكندرية فهي عبارة عن سلسلة متوازية من المرتفعات أو الهضاب، مختلفة الارتفاعات يفصل بينها مناطق منخفضة وبعضها عند مستوى أقل من مستوي البحر الآن، وتحديداً جنوب الإسكندرية وربما تتسرب إليها المياه من البحر وتغرق، لكن هذا يتوقف على مدى استمرار تلك الظاهرة وكيفية الاستعداد لمواجهتها».