مقهى ثقافي ورصيف للكتب يعيدان الحياة الى الموصل

«رصيف الكتاب» واحد من أبرز الملامح الثقافية الجديدة في الموصل (أ.ف.ب)
«رصيف الكتاب» واحد من أبرز الملامح الثقافية الجديدة في الموصل (أ.ف.ب)
TT

مقهى ثقافي ورصيف للكتب يعيدان الحياة الى الموصل

«رصيف الكتاب» واحد من أبرز الملامح الثقافية الجديدة في الموصل (أ.ف.ب)
«رصيف الكتاب» واحد من أبرز الملامح الثقافية الجديدة في الموصل (أ.ف.ب)

ثلاث سنوات عجاف حكم خلالها تنظيم داعش مدينة الموصل بالعراق، حرم فيها السكان من الأنشطة الفنية والثقافية. ولكن مع تحريرها، بدأت المدينة العريقة في التنفس مرة أخرى، وباتت تضج اليوم بالأنشطة الثقافية، بدءا من المقاهي الأدبية والمعارض وصولاً إلى المهرجانات.
وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية رصد المشهد الثقافي في المدينة، يعج مقهى «ملتقى الكتاب» الثقافي في حي الأندلس شرق الموصل بالصغار والكبار، من رجال ونساء يتناقشون بشغف عن الأدب والموسيقى والسياسة والتاريخ.
يرتشف هؤلاء الشاي والقهوة والعصائر، فيما يتصاعد دخان النراجيل على أنغام موسيقى عازف عود يرافق شاعراً يلقي أبياته على منبر خشبي.
في المقابل، على الجدار الوحيد الذي لا تغطيه رفوف الكتب، معرض صور يجاور فيه شاعر القرن العاشر العراقي أبو الطيب المتنبي الشاعرَ الفلسطيني محمود درويش (1941 - 2008)، إلى جانب لوحات تجريدية.
قبل أشهر عدة، كانت فكرة افتتاح مقهى أدبي مختلط يسمح بالتدخين في ثاني أكبر مدن العراق التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم داعش ستؤدي بصاحبها إلى القتل، أو أقله إلى الجلد.
لكن رغم ذلك، حلم فهد صباح، أحد مؤسسي المشروع، بهذا المكان في تلك الحقبة.
ويقول صباح (30 عاماً)، وهو خريج هندسة ميكانيكية عاطل عن العمل، حاله حال كثير من أصحاب الشهادات في العراق: «خطرت لنا فكرة تأسيس هذا الملتقى عندما كنا محاصرين داخل الموصل من تنظيم داعش، لزيادة وعي الناس وتنويرهم».
بمجرد أن طرد التنظيم من المدينة، بدأ صباح بالبحث عن مكان، وتخيل تصميمه بنفسه. وخلال شهر واحد، تمكن من إيجاد محل صغير قرب جامعة الموصل، حيث استثمر كل مدخراته ومدخرات شريكه.
ويؤكد الشاب الثلاثيني أن الأمر يستحق التضحية، مشيراً إلى أنه يأمل من خلال هذا المشروع في «نشر الثقافة المعرفية ما بعد (داعش)، وصولاً إلى واقع جديد يتجاوز تلك الفترة المظلمة وآثار حربها».
وكانت المطالعة على مرّ الزمان رفيقة العراقيين. وتتفاخر الموصل التي كانت يوماً مركزاً تاريخياً للتجارة والثقافة في الشرق الأوسط بشارع النجيفي الذي يضم مكتبات غنية جداً، لكن التكفيريين دمروا وأحرقوا بشكل ممنهج كل الكتب والمكتبات.
أما اليوم، فهناك «رصيف الكتاب»، واحد من أبرز الملامح الثقافية الجديدة في الموصل، الذي اتفق عدد من الناشطين على تأسيسه قبل أسابيع عدة أمام جامعة المدينة.
واعتاد علي ثائر (23 عاماً) المجيء كل يوم جمعة للاطلاع على الجديد من الكتب أمام الجدران والأبنية المهدمة للجامعة جراء المعارك والقصف. في اليوم الذي التقته وكالة الصحافة الفرنسية، اختار ثائر نسخة إنجليزية من رواية «الحب في زمن الكوليرا»، للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز الحائز على جائزة نوبل للآداب.
ويقول الشاب للصحافة الفرنسية: «الناس بحاجة ماسة للوعي والثقافة بعد الظروف القاسية التي مروا بها»، ويؤكد أن «الرصيف ظاهرة ثقافية جديدة في الموصل، أثارت اهتمامنا وتشجيعنا، وهي مهمة جداً لإعادة بناء العقول بعد الفترة الماضية أكثر من بناء البيوت والشوارع» التي دمرها التنظيم المتطرف خلال ثلاث سنوات من سيطرته على ما يقارب ثلث مساحة العراق.
ويعتقد الباحث يونس محمد (33 عاماً) أن «الموصل ستنهض من جديد» بهمة شبابها ومثقفيها.
ويلفت رئيس اتحاد أدباء نينوى، عبد المنعم أمير، إلى أنه يجب «إبراز الوجه الإنساني والثقافي والعلمي للمدينة، بعدما شاهد العالم أجمع صور خرابها ودمارها».
ولكن حتى الآن، فإن كل ما يجري يتم بوسائل محدودة، في مدينة أنهكتها الحرب وتأكلها البطالة، ويزيد من عجزها البطء في إعادة الإعمار.
وبسبب انقطاعها عن الحكومة المركزية خلال سنوات سيطرة تنظيم داعش، حرمت الموصل من تخصيص ميزانيات لمؤسساتها وموظفيها.
ويشير الكاتب حامد الزبيدي إلى أنه «على الدوائر الحكومية والمدنية المعنية بأمر الثقافة القيام بواجبها».
وتمثل هذه المهمة الكثير بالنسبة إلى العراق الذي أعلن في ديسمبر (كانون الأول) الماضي «تحرير» البلاد و«انتهاء الحرب» ضد تنظيم داعش، بحسب ما تؤكده المهندسة هند أحمد (31 عاماً). وتقول أحمد التي وضعت حجاباً أبيض مزيناً بفراشات ملونة وسترة عاجية اللون: «للمرة الأولى، أرى مثل هذه المشاريع الثقافية في الموصل بعد (داعش)؛ مشاريع تعمل على تحرير العقل والفكر بعد تحرير الأرض، وتتيح المجال للحضور والمشاركة أمام الجنسين».


مقالات ذات صلة

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
كتب كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

يتناول كتاب «حكايات في تاريخ مصر الحديث» الصادر في القاهرة عن دار «الشروق» للباحث الأكاديمي، الدكتور أحمد عبد ربه، بعض الفصول والمحطات من تاريخ مصر الحديث

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.