أنقرة غاضبة من باريس وتهدئ مع واشنطن في منبج

أعلنت أن عملية «غصن الزيتون» تقتصر على عفرين

TT

أنقرة غاضبة من باريس وتهدئ مع واشنطن في منبج

أعلنت تركيا أن حدود عملية «غصن الزيتون» العسكرية تقتصر على مدينة عفرين شمال غربي سوريا، وستكون هناك عمليات جديدة في منبج، وشرق الفرات، وأنها لا ترغب في وقوع مواجهة بين قواتها والقوات الأميركية في منبج، وفي الوقت نفسه وقع تراشق بين أنقرة وباريس على خلفية تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بشأن العملية العسكرية حذر فيها من اتخاذها ذريعة لغزو سوريا.
وأعلن نائب رئيس الوزراء المتحدث باسم الحكومة التركية بكير بوزداغ أن حدود عملية غصن الزيتون تقتصر على عفرين، لكن تركيا لن تتوقف عند حدود تلك العملية، قائلاً: «لم نقل إن تركيا ستقف عندما تحقق العملية أهدافها، لكن العمليات التي ستجري في منبج وشرق نهر الفرات ستكون بمعزل عن تلك العملية... هدف (غصن الزيتون) هو تحرير منطقة عفرين من التنظيمات الإرهابية».
وفيما يتعلق بالتصريحات الأميركية حول عدم الانسحاب من منبج بريف محافظة حلب شمال سوريا، قال بوزداغ، في مقابلة تلفزيونية، إن بلاده تركز حالياً على تطهير منطقة عفرين من الإرهاب، وإنها لا يمكن أن تقبل أو تسمح بأي تهديد ضد حدودها ووحدة ترابها وسلامة أرواح مواطنيها وممتلكاتهم في المناطق الحدودية، أو تشكيل أو توجه يساعد حزب العمال الكردستاني على تأسيس «دولة إرهابية» على طول حدودها.
وأعرب بوزداغ عن ثقته بأن المجتمع الدولي، إضافة للولايات المتحدة، الذي اعتبر تدخل تركيا في منطقة عفرين حقّاً مشروعاً، سيعتبر تدخل تركيا في منبج وشرق نهر الفرات حقاً مشروعاً أيضاً، قائلاً إن بلاده تبذل جهودها لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، وتنتظر منها جهوداً مماثلة.
وتابع: «الولايات المتحدة خلال مكافحتها تنظيم داعش الإرهابي، فضَّلَت التعاون مع تنظيم إرهابي (في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية المستهدفة بعملية غصن الزيتون التركية في عفرين) بدلاً عن تركيا»، مشيراً إلى أنه من الخطأ الاعتماد على تنظيم إرهابي في مكافحة تنظيم إرهابي آخر.
وشدد على أن بلاده تبذل جهوداً حثيثة من أجل ألا تحدث مواجهة بينها وبين الولايات المتحدة في سوريا، قائلاً: «بالطبع يجب ألا تحدث مواجهة بين تركيا والولايات المتحدة، ونحن نبذل جهوداً كبيرة كي لا تحدث، لكن ذلك يحتاج أيضاً إلى بذل جهد من الجانب الأميركي».
في السياق ذاته، تلقى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو اتصالاً هاتفياً من نظير الأميركي ريكس تيلرسون أمس تناول التطورات الخاصة بالملفين السوري والعراقي.
وقالت مصادر دبلوماسية، إن الوزيرين تبادلا خلال الاتصال وجهات النظر بشأن الوضع في سوريا، ومؤتمر الحوار الوطني السوري في «سوتشي» الروسية، وعملية «غصن الزيتون» وقضايا أخرى تتعلق بالملف العراقي.
وبالتوازي، وردّاً على تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن عملية غصن الزيتون قال فيها إننا «نتمنى ألّا تكون عملية غصن الزيتون مبنية على أساس الاحتلال»، جدد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم تأكيده على أن عملية «غصن الزيتون» الحالية في الشمال السوري، لا تستهدف سوى أوكار الإرهابيين، وأنّ تركيا تحترم وحدة الأراضي السورية.
وقال يلدريم، في مؤتمر صحافي مع نظيره اللبناني سعد الحريري في أنقرة، أمس، إن الهدف من «غصن الزيتون» هو تطهير عفرين من التنظيمات الإرهابية، وحماية المواطنين الأتراك وممتلكاتهم من قذائف تلك التنظيمات، مضيفاً: «يمكنهم فهم ما نسعى لتحقيقه في عفرين بالنظر إلى ما تم إنجازه في المناطق المحررة بعملية درع الفرات».
وأضاف: «إذا كانت فرنسا تفسر الأمر على هذا النحو (عملية غزو) فعلينا تقييم ما فعلوه في سوريا وفقاً لذلك... إنها فكرة ملتوية من البداية. يعرف العالم أجمع أن تركيا لا تتحرك بعقل (غازي). عليهم أن يعلموا ذلك».
وأشار يلدريم إلى أنه زوّد نظيره اللبناني بمعلومات عن سير عملية «غصن الزيتون»، وناقش معه مستقبل سوريا ومسائل إقليمية أخرى.
وحذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تركيا من أن عمليتها ضد الفصائل الكردية في شمال سوريا ينبغي ألا تصبح ذريعة لغزو البلاد، وقال إنه يريد من أنقرة أن تنسق تحركاتها مع حلفائها.
وقال ماكرون في مقابلة مع صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية نشرت أمس: «إذا اتضح أن هذه العملية تتخذ منحى غير محاربة خطر الإرهاب المحتمل على الحدود التركية وتتحول إلى عملية غزو فسيمثل هذا مشكلة حقيقية بالنسبة لنا».
ودافع رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم عن العملية قائلا إنها تهدف فقط إلى ضمان أمن بلاده وحماية العرب والأكراد والتركمان من «التنظيمات الإرهابية».
وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية «تنظيما إرهابيا» وامتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور واشتركت الولايات المتحدة وفرنسا في تسليح وتدريب مقاتلين في تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تقودهم الوحدات في حربهم على تنظيم داعش افرهابي، في شمال سوريا.
وقال ماكرون إنه سيثير المسألة مجدداً مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لافتا إلى أن طبيعة العملية تعني ضرورة إجراء مناقشات بين الأوروبيين، وعلى نطاق أوسع أيضاً بين الحلفاء.
ميدانياً، سيطر الجيش التركي وقوات الجيش السوري الحر، أمس، على قمة جبل قورنة، شمال عفرين، في إطار عملية «غصن الزيتون» التي دخلت يومها الثاني عشر أمس.
وبحسب مصادر تركية أطلقت القوات التركية وعناصر الجيش السوري الحر، حملة عسكرية على محيط بلدة بلبل، واستطاعوا من خلالها السيطرة على جبل قورنة كما تمت السيطرة على قرية باك أوباسي ليرتفع عدد النقاط التي تم انتزاعها من سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكرية وحدات حماية الشعب الكردي، في إطار عملية «غصن الزيتون» التركية الحالية شمال سوريا، إلى 25 نقطة، بينها 19 قرية و5 تلال استراتيجية.
كما سيطر الجيشان التركي والسوري الحر، مساء أول من أمس، على قرية الكانا الواقعة غرب مدينة عفرين.
وواصل الجيش التركي الدفع بالمزيد من التعزيزات العسكرية إلى قواته المتمركزة على الحدود السورية، في ظل استمرار القصف الجوي والمدفعي على عفرين.
وعلى الجانب الآخر استهدفت الوحدات الكردية في منطقة عفرين بلدة ريحانلي في هطاي بأربع قذائف صاروخية أسفرت إحداها عن مقتل فتاة تركية، وإصابة آخر كما تم إطلاق قذيفة على مدينة كليس جنوبي تركيا لم تنفجر.
وردت المدفعية التابعة للقوات المسلحة التركية والمتمركزة على الحدود على القصف.
وقتل متعاقد مدني تركي وأصيب آخر، كما أصيب جندي تركي في هجوم بسيارة مفخخة على موكب عسكري تركي شمال سوريا.
وقال بيان لرئاسة أركان الجيش التركي، مساء أول من أمس، إن متعاقداً مدنياً تركياً قُتِل وأصيب اثنان آخران مدني وعسكري في هجوم نُفذ بسيارة مفخخة ضد موكب عسكري تركي كان يقوم بمهام في إطار إقامة مناطق خفض التصعيد في إدلب شمال سوريا، مشيراً إلى أن الهجوم نُفذ من قبل مسلحي الوحدات الكردية.
وقال وزير شؤون الغابات والمياه التركي ويسل أر أوغلو، إن الموظف المدني الذي قتل في الهجوم يدعى ياسين تانبوغا، كما أصيب موظف آخر يتبع الوزارة ويدعى محمود باك يورك، وأصيب أيضاً الرقيب أول عمر كونش بجروح طفيفة.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».