الأصولية النمساوية... فوز بطعم نهاية أوروبا الموحدة

زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان تتحدث إلى مجموعة من الصحافيين خلال زيارتها إلى مركز إيواء المهاجرين خارج العاصمة باريس يوم الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)
زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان تتحدث إلى مجموعة من الصحافيين خلال زيارتها إلى مركز إيواء المهاجرين خارج العاصمة باريس يوم الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)
TT

الأصولية النمساوية... فوز بطعم نهاية أوروبا الموحدة

زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان تتحدث إلى مجموعة من الصحافيين خلال زيارتها إلى مركز إيواء المهاجرين خارج العاصمة باريس يوم الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)
زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان تتحدث إلى مجموعة من الصحافيين خلال زيارتها إلى مركز إيواء المهاجرين خارج العاصمة باريس يوم الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)

خيل للعالم في نهايات 2016 أن النمسا قد استطاعت الفكاك من المصير الأصولي المتطرف الذي كان ينتظرها؛ وذلك بعد أن خسر هذا التيار المتشدد مقعد الرئاسة الذي كان يحلم به وكاد أن يقترب منه قولاً وفعلاً. لكن أحداً لم يكن يتوقع أن تلك الأصولية البغيضة ستعود وبقوة إلى هذه الدائرة بعد أقل من عامين لتضحى رسمياً أول دولة في أوروبا تُحكَم من قبل اليمين القومي المحافظ واليمين الشعبوي المتطرف من ناحية، وبعد أن بات سباستيان كورتز مستشاراً للبلاد من جهة ثانية.
يضعنا المشهد النمساوي الحالي أمام تساؤلات عدة، فبداية ما الذي حدث في جمهورية انقطعت صلتها بالحركات النازية واليمينية المتطرفة منذ عقود بعيدة وقادها إلى تلك النتيجة؟ ثم، وربما هذا هو الأخطر، ما تبعات وانعكاسات هذا الفوز على بقية أوضاع اليمين في أوروبا، سواء كان يمين وسط أو قومياً شعبوياً متطرفاً، وكلهم ربما يختلفون في الرتوش والتفاصيل الشكلية، لكن تجمعهم وحدة التوجه الراديكالي بالمعنى السلبي للكلمة، من رفض للآخر أول الأمر، وتالياً كراهيته، وصولاً إلى استهدافه معنوياً وجسمانياً.

اليمين النمساوي ونتيجة متوقعة
هل ما جرى في النمسا كان وعن حق مفاجأة، أم أن الأمر كان بالفعل متوقعاً؟
المؤكد أن نجاح حزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف لم يكن مفاجأة أبداً، على الأقل بالنسبة لأولئك الذين تابعوا تطورات الأحوال السياسية في البلاد عن كثب في الأعوام الأخيرة.
هنا يضحى التذرع بموضوع اللاجئين والمهاجرين تكئة غير مقبولة، ولا سيما أن النمسا كانت دائماً تميل إلى أحزاب مماثلة.
في تحليل لها تقدم صحيفة «الديلي تليغراف» البريطانية رؤية تقريبية لما حدث؛ إذ ترى أن الأحداث التي أعقبت عام 2015 قد أعطت حزب الحرية النمساوي دفعة، لكن «علاقة الحب» النمساوية باليمين المتطرف تتعدى هذا التاريخ وتذهب إلى أعمق من ذلك.... ماذا عن حزب الحرية هذا؟
يعد حزب الحرية أحد أقدم الحركات القومية الأوروبية، وقد أسسه نازيون سابقون، لكنه يقول إنه نبذ ماضيه وطرد الكثير من أعضائه في السنوات القليلة الماضية بسبب مزاعم تتعلق بالنازية، وقد تركزت حملته على خطاب مناهض للمهاجرين المسلمين، عطفاُ على امتلاكه هو وحزب المحافظين منطلقات تمجد العهد النازي المجرّم قانونياً في النمسا التي ولد بها هتلر وضمها للرايخ الثالث.
لا يستقيم الحديث عن حزب الحرية دون النظر إلى شخص سباستيان كورتز، وزير الخارجية الحالي، وزعيم حزب الشعب النمساوي، والمعروف بمواقفه اليمينية، سواء تجاه فكرة أوروبا الموحدة، أو بالنسبة للاجئين والمهاجرين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العامين الماضيين.
وفي الانتخابات الأخيرة رأيناه متحالفاً مع قوى اليمين المهيمنة على المشهد النمساوي، واضعاً نُصب عينيه قضايا من نوعية تعزيز النظام الاجتماعي والأمني، وضرورة تعزيز كل ذلك بمحاربة الهجرة غير الشرعية. كان من الطبيعي إذن أن يحصل حزب الشعب المحافظ على 31 في المائة، في حين حاز حزب الحرية القومي على 26 في المائة، أي معاً أكثر من نصف أصوات النمساويين الذين انتخبوا، وقبلها أكثر من 40 في المائة في انتخابات رئاسية 2016.

مظاهرات في الداخل وقلق أوروبي
هل جاءت النتيجة المتقدمة لتلقى هوى كبيراً عند عموم النمساويين؟
مؤكد للذين تابعوا أحوال الشارع النمساوي أن هناك حالة واسعة من الرفض لدى النمساويين؛ فقد خرج عشرات الآلاف إلى الشوارع في مظاهرات مناوئة للحكومة الجديدة أمام القصر تزامناً مع مراسم حفل التنصيب... لماذا؟
يدرك النمساويون أن النتائج الأخيرة تشعل النيران في الماضي المؤلم للبلاد، والجميع هناك يعلم أن حزب الحرية تم تأسيسه من قِبل ضباط نازيين سابقين؛ ولهذا فإننا نقرأ في نص الاتفاقية الموقعة بين أطراف الحكومة الجديدة: «إننا نريد حماية وطننا النمسا، لنحيا فيها بكل ميزاتها الثقافية، وهذا يشمل أن نقرر بأنفسنا من يمكنه الهجرة إلينا والعيش معنا، وإنهاء الهجرة غير الشرعية».
هل هناك شيء ما مصيري حدث على صعيد الحياة السياسية النمساوية منذ عام 2000؟ الشاهد أنه عام 2000 أدى دخول حزب الحرية النمساوي إلى حكومة المستشار المحافظ فولفغانغ شوسل إلى زلزال سياسي في أوروبا، وفرضت عقوبات من الاتحاد الأوروبي، وواجه عميد الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا أيضاً أزمة داخلية كبيرة بعد انضمامه إلى الحكومة إلى جانب المحافظين بزعامة شوسل، وقد تمكن هاينز – كريسيتان ستراكي من السيطرة بشكل وثيق منذ عام 2005 على الحزب الذي شهد مؤخراً تباينات سياسية مختلفة، لكن من دون انقسامات كبيرة، غير أن الأجواء تغيرت؛ إذ إن حزب الحرية هذب خطابه هو وبقية الأحزاب القومية؛ ولذا حققت تقدماً في كل مكان تقريبا بينما تواجه المفوضية الأوروبية أزمات أخطر.
ما يحدث يدلل على أن الأصولية الأوروبية ماضية قدماً وبشكل يدعو للخوف في أوروبا، خذ إليك على سبيل المثال ما غرد به السياسي البريطاني نايجل فاراج، زعيم حزب الاستقلال البريطاني على موقع «تويتر» قائلاً: «عام 2000 كنت أحضر جلسة في البرلمان الأوروبي، أرادات فرض عقوبات على النمسا؛ لأن حزب الحرية النمساوي كان ضمن ائتلاف الحكومة، والآن نحن في 2017 في الوضع نفسه، لكن ما من أحد يتفوه بكلمة لقد أضحت السياسة المتشككة بأوروبا هي التيار السائد».
هل يمكن أن تضحى النمسا إذن حصان طروادة الأصولي لبقية الدول الأوروبية؟
الثابت، أن ذلك ومن أسف يمكن أن يضحى كذلك، ولا سيما أن حزب الحرية النمساوي يدعو إلى تقارب مع مجموعة «فيزيغراد» التي تضم دولاً مثل بولندا والمجر والتي تخوض اختبار قوة مع المفوضية الأوروبية... هل يعني هذا الفوز أن وحدة أوروبا ذاتها يمكن أن تضحى في خطر؟

دعوة لتدمير الاتحاد الأوروبي
جاء فوز اليمين الأصولي في النمسا ليلقى هوى كبيراً عند بقية الأحزاب اليمينية في أوروبا؛ فقد رحب قادة أحزاب يمينية متطرفة أوروبية من بينهم الفرنسية مارين لوبان والهولندي غيرت فيلدرز خلال مؤتمر عقد في براغ منذ نحو أسبوعين بما وصفوه بـ«الحدث التاريخي» في النمسا، حيث يستعد زعيم «حزب الحرية» هاينز شتراخه لتسلم منصب نائب المستشار.
يعنّ لنا في هذا السياق التساؤل هل جاء فوز اليمين النمساوي ليعطي بقية أحزاب اليمين الأوروبي زخماً جديداً بعدما أخفقت غالبية، إن لم يكن كل تلك الحركات، في الوصول إلى مقاعد الحكم في العامين الماضيين؟
والمؤكد، أن ذلك الفوز أعطى دفعة قوية للأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا من أجل العودة إلى الواجهة، بعد الهزائم التي لقتها، جراء خطابها العنصري والمناهض للآخرين، ولا سيما من المسلمين في أوروبا.
عينة من تلك النتائج نجدها عند زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي ماريان لوبان، التي استغلت صعود حزب الحرية إلى الحكم في النمسا، من أجل الدعوة لتدمير الاتحاد الأوروبي، وقد تحدثت في مؤتمر براغ بالقول: «إن الاتحاد الأوروبي في النفس الأخير، وهناك أمل في أننا سنسقط هذه المنظمة غير الصحيحة من داخلها، وعلينا أن نتصرف كما يتصرف الفاتح».
ليس هذا فحسب، بل إن لوبان اعتبرت أن الأحزاب اليمينية قادرة على تحقيق الفوز في الانتخابات المقبلة للبرلمان الأوروبي، ومشددة، على أن هذه القوى تستطيع القضاء على الاتحاد الأوروبي.
تعلو اليوم صيحات التطرف اليميني في الداخل الأوروبي، تزخمها أوضاع اقتصادية غير منضبطة، ومشاعر كراهية متأججة؛ ولذلك يرى هؤلاء وأولئك أن: «الشعوب الأوروبية عليها تحرير نفسها من أغلال الاتحاد الأوروبي تلك المؤسسة التي يصفونها بالكارثية التي تقود القارة الأوروبية إلى الموت». لكن ما هو البديل الذي يفكر فيه التيار الشعبوي الأوروبي بديلاً عن الاتحاد الأوروبي؟
إنهم يروجون لطرح ما يعرف لـ«اتحاد الشعوب الأوروبية»، وهو مشروع ينص على التعاون الطوعي بين الدول، يقوم على الاحترام المتبادل ومراعاة مصالحها السياسية والاقتصادية.
والمقطوع به، أن حالة صحوة اليمين الأصولي بدأت تتجلى كذلك في جمهورية التشيك، والداعي للقاء براغ كان رجل الأعمال توميو أوكامورا، زعيم الحزب اليميني التشيكي المتطرف «الحرية والديمقراطية المباشرة»، الذي حصل مؤخراً على 10 في المائة من أصوات الناخبين في اقتراع تشريعي بفضل خطابه الصارم ضد الإسلام، وضد الاتحاد الأوروبي.
ولعل ما ساعد أوكامورا على هذا الفوز، وجود رئيس تشيكي، ميلوش زيمان، يساري النزعة معروف بخطابه المؤيد لروسيا وللصين والمعادي للإسلام.
زيمان هذا كان قد شبّه أزمة الهجرة «بالغزو المنظم» ويعتبر المسلمين أشخاصاً من المستحيل دمجهم، في المجتمع، وهو كذلك المرشح الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات الرئاسية يناير (كانون الثاني).
2018 لم يكن غيرت فيلدرز بدوره ليصمت وهو رمز التطرف الأصولي اليميني في هولندا، وقد ذهبت تصريحاته في مؤتمر براغ إلى طريقين، الأولى خاصة بأوروبا، والأخرى بالمسلمين من المهاجرين.
فقد شدد في كلمته خلال مؤتمر براغ على ضرورة «منع الهجرة الجماعية إلى أوروبا...»، مضيفاً: «حتى لو اضطرونا إلى إقامة حد»، ومشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يعد بإمكانه «إبقاء الأبواب والنوافذ مفتوحة أمام المهاجرين من العالم الإسلامي». وأضاف فيلدرز: إن «بروكسل تشكل تهديداً وجودياً لدولنا»، معبراً عن أمله في أن «يبقي التشيكيون أبوابهم مغلقة تماماً أمام الهجرة الجماعية».
تصويت النمسا الأخير إذن لا يعني فقط نهاية صورتها الليبرالية المتسامحة، وإنما أيضاً الوداع المؤقت لرؤية أوروبا موحدة» من جديد... هل سيدفع مسلمو النمسا، وبقية دول أوروبا ضريبة هذا الفوز؟

احتفال يذكر بالكراهية والعنصرية

هناك في عالم السياسة بعض المشاهد التي تتيح لناظرها قراءة ما وراء الأحداث، وتكشف عما يفكر فيه أو يتطلع إليه، وقد كان احتفال الحزب المحافظ واليمين القومي في النمسا، دليلاً على ما يمكن أن ينتظر المسلمين في النمسا، وتالياً عموم أوروبا... كيف ذلك؟
الشاهد، أن الحزبين قررا الاحتفال بالفوز في مكان له أهمية رمزية كبرى هو جبل كاهلنرغ، وهو المكان الذي شهد بدء عملية استعادة أوروبا الوسطى من القوات العثمانية عام 1683م.وللمكان «أهمية» ترتبط بمحاصرة العثمانيين لفيينا عام 1683، واستعادة القوات المسيحية المتحالفة بقيادة الملك البولندي جون سوبيسكي الثالث هذه التلة، ونهاية هذا الحصار وبداية انحسار الجيوش الإسلامية في أوروبا الوسطي.
هذا المكان تلجأ إليه مرة سنوياً الجماعات المتطرفة لإحياء ذكرى الانتصار على العثمانيين، وعند خبير الشؤون السياسية توماس هوفر: «أنه بعيداً عن المغالاة في أهمية الاحتفال إلا أن اختيار هذا المكان يحظى بالأهمية، على الأقل لدى حزب الحرية».
وإذا كان اليمين المتطرف في النمسا معادياً للمسلمين والهجرة واللاجئين، وتعمد على ما يبدو أن يختار مكان استعادة البلاد من المسلمين «عثمانيين أو أفارقة أو شرق أوسطيين، فهل ينذر ذلك بما ينتظر الجاليات التي عاد بعض غلاة اليمين الأوروبي اليوم يطلقون عليهم «المحمديين» في استرجاع سيئ للتاريخ؟
الشاهد، أن الأحكام المسبقة ضد الإسلام والمسلمين في أوروبا باتت وباءً مستفحلاً في أوروبا خلال 2017، وأضحت مسألة المسلمين محورية في كل النقاشات السياسية لليمين المتطرف الذي نجح في حصد الدعم الشعبي والتقدم في استطلاعات الرأي بشكل لم يحققه منذ الحرب العالمية الثانية، وبخاصة في فرنسا والتشيك والنمسا وألمانيا.
السؤال المهم هنا هو ما انعكاسات هذا الفور على نحو 700 ألف مسلم من أصول عرقية مختلفة يعيشون في النمسا، وكيف ستمضي بهم الأقدار هل للمواجهة أم للتعايش؟
الثابت، أنه لولا عزف تلك الجماعات على نبرة الكراهية ضد مواطنيهم من المسلمين لما قدر لهم الفوز في الحملة الانتخابية الأخيرة والفوز بالمركزين الأول والثالث معاً...هل في الأفق من غيوم تنذر بهبوب ريح عاصفة عاتية؟
البداية تجلت في قرار وزير التعليم النمساوي الذي أيد حظر الحجاب بالنسبة للمعلمات في المدارس النمساوية؛ ما يعني أن المواجهة الثقافية بدأت تأخذ سياقاتها المتوقعة، ومن بعد يمكن للمرء أن يتوقع الأسوأ الذي لم يأت بعد، وبخاصة في ظل الربط المغلوط بين الإرهاب من جهة واللاجئين والمهاجرين من جهة ثانية.
أوروبا اليوم في حالة صدمة، ستطول لبعض الوقت، ففي ألمانيا هناك 92 نائباً في البرلمان «البوندستاج» ينتمون إلى «حزب البديل من أجل ألمانيا» المعروف بمواقفه المتطرفة، وها هي النمسا تلحقه، وأغلب الظن أن غالبية دول أوروبا الشرقية ستلحق بهما عما قريب؛ ما سيجعل من شبه المقطوع به تسلل فيروس الأصولية إلى بقية دول أوروبا الغربية الكبرى، ولا سيما فرنسا وبريطانيا.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.


«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».


ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.