الجيش اللبناني نجم العام والغطاء الدولي يوازن هشاشة الداخل

رياض قهوجي باحث في الشؤون الاستراتيجية
رياض قهوجي باحث في الشؤون الاستراتيجية
TT

الجيش اللبناني نجم العام والغطاء الدولي يوازن هشاشة الداخل

رياض قهوجي باحث في الشؤون الاستراتيجية
رياض قهوجي باحث في الشؤون الاستراتيجية

شهد لبنان عدة تطورات أمنية خلال العام 2017، كان أهمها طرد مقاتلي «داعش» من جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع، على الحدود الشمالية - الشرقية مع سوريا. وأبرز ما في الأمر أن العملية أعدها ونفذها الجيش اللبناني بحرفية ومهارة كبيرة، وكادت تكون إنجازاً حصرياً له لولا تدخل حزب الله بغطاء سياسي لكسب بعض النقاط، وإن كانت خواتيمها مثيرة للتساؤلات.
فلقد بدأت قيادة الجيش التحضير لعملية «فجر الجرود» قبل بضعة أشهر مستفيدة من الدعم والهبات العسكرية من الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية. وتسلم الجيش خلال الأشهر التي سبقت العملية كميات كبيرة من الذخائر، وخصوصاً لمدفعية «155 - ملم» التي تم تزويد الجيش بالعشرات من هذه البطاريات طراز «إم - 198»، وبعضها كان ذاتي الحركة طراز «إم - 109»، كما تسلم الجيش كمية من الصواريخ جو - أرض الموجهة بالليزر من طراز «هيل فاير» كانت تستخدم لتسليح طائرات «السيسنا كرافان»، التي كانت تعمل ليلاً ونهاراً على رصد واستطلاع مواقع المسلحين، واستهدافهم، حين تسنح الفرصة بدقة متناهية. وعززت الطائرات دون طيار طراز «سكان إيغل» من قدرة قيادة الجيش على رصد تحركات المسلحين على مدار الساعة، ورؤية مسار العمليات ومجراها وإدارتها من غرفة العمليات في مبنى وزارة الدفاع.
وأنشأت قيادة الجيش مركزاً متقدماً لإدارة عمليات «فجر الجرود» بالقرب من بلدة القاع، نصبت قربه بطاريات المدفعية، وأعدت مهابط لطائرات الهليكوبتر المشاركة بالهجوم لتسريع آلية التنفيذ وجعلها أكثر فعالية. وأتم الجيش تقدمه السريع في المرحلتين الأولى والثانية خلال أسبوع واحد، متخطياً التوقعات كافة التي اعتقدت بأن المعركة لن تقل عن شهر، وبأنها ستخلف عدداً كبيراً من الضحايا. إلا أن العمل الاستخباراتي الدقيق، ورصد تحركات المقاتلين على مدار الساعة مكن الجيش من استهدافهم بدقة وبكثافة نيران كبيرة، منعتهم من إعادة تنظيم أنفسهم، وأجبرهم على الانكفاء باتجاه الحدود السورية. واستبق حزب الله عملية «فجر الجرود» بهجوم على مسلحي جبهة النصرة في جرود عرسال، وكانت موازين القوى واضحة من اليوم الأول لصالح الحزب. وانتهت المعركة التي أسفرت عن أكثر من 30 قتيلاً في صفوف الحزب باتفاق بين الطرفين سمح بموجبه لمقاتلي جبهة النصرة بالانسحاب اتجاه محافظة إدلب السورية. وبعد أن طهر الجيش القطاعين الشمالي والجنوبي من أرض العمليات من مقاتلي «داعش»، وبينما كان يستعد للانقضاض على من بقي من مسلحي التنظيم الإرهابي في جرود القاع، حتى أعلن حزب الله عن التوصل إلى اتفاق مع مقاتلي «داعش» أسفر عن انسحابهم باتجاه دير الزور في شرق سوريا، وتسليم جثث عناصر الجيش اللبناني الذين كانوا قد أسروا قبل أكثر من عامين في منطقة عرسال. وتشير كافة المعطيات إلى أن الجيش اللبناني كان قادراً على الإجهاز بشكل تام على من بقي من مسلحي «داعش» دون خسائر كبيرة، وبفترة وجيزة وتسجيل نصر كامل لصالحه، إنما الحزب ولحسابات سياسية آثر منع السماح بذلك دون قدرة للحكومة اللبنانية على مواجهة الحزب ومنعه. لكن قوات الجيش تمكنت وللمرة الأولى في تاريخ لبنان من الوصول إلى خط الحدود الشرقية مع سوريا والانتشار فيها، مما أعاد السيادة اللبنانية عليها بالكامل بعد عقود من الزمن سيطرت خلالها القوات السورية ومجموعات فلسطينية مسلحة حليفة لها على جرود القاع ورأس بعلبك اللبنانية، ومنعت خلالها المزارعين اللبنانيين من استصلاح أراضيهم واستخدامها بحرية.
إنجاز آخر لأجهزة استخبارات القوى الأمنية والعسكرية اللبنانية كان التمكن من القبض على عشرات الخلايا الإرهابية لـ«داعش» أو جبهة النصرة. وأدت هذه العمليات الاستباقية إلى إفشال عدة مخططات إرهابية كانت تستهدف شخصيات لبنانية وأماكن سكنية وقطاعات سياحية. ويعود هذا الإنجاز الاستخباراتي لتطور قدرات هذه الأجهزة من ناحية الرصد الإلكتروني، وتمكنها من التنصت على مراسلات ومحادثات عناصر هذه المجموعات التي كانت تستخدم شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت في تواصلها مع بعضها البعض، ومع قياداتها في الرقة أو دير الزور. كما مكنت أجهزة رصد الجيش والقوى الأمنية من الكشف عن عدة أجهزة تنصت إسرائيلية وبعض جواسيسها على الأراضي اللبنانية.
الاشتباكات المتكررة التي شهدها مخيم عين الحلوة في صيدا سلط الأضواء على وضعه ووضع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الأخرى. فلقد شكل لجوء عدد من المطلوبين، خصوصاً من المجموعات الإرهابية المسلحة، إلى عين الحلوة، حالة من القلق، خصوصاً مع استمرار النزاع بين الفصائل الفلسطينية فيه، الأمر الذي يحدث فراغاً أمنياً يسمح للمجموعات الإرهابية بأن تتموضع داخله.
يظهر المجتمع الدولي اهتماماً شديداً بمؤسستين تعتبران مصدر قوة لبنان اليوم، وهما المؤسسة العسكرية والقطاع المصرفي. وعليه، تستمر أميركا ببرنامج المساعدات للجيش ومن آخر إنجازاتها تسليم أول طائرتين من أصل ستة طراز «سوبر توكانو» للإسناد البري لسلاح الجو. ومن اللافت أيضاً أمنياً تحييد إسرائيل للساحة اللبنانية في تعاملها مع تعاظم قدرات حزب الله العسكرية. فلقد شنت إسرائيل خلال عام 2017 عدة غارات على مواقع للحرس الثوري الإيراني وحزب الله في جنوب وغرب دمشق وحمص، دون أي رد من الأخير. وتخشى جهات دولية عدة من إقدام إسرائيل على حملة عسكرية لطرد مقاتلي الحرس الثوري وحزب الله من جنوب دمشق وتدمير منشآتهم العسكرية في سوريا، مما قد يؤدي إلى امتداد المواجهة للساحة اللبنانية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».