خريطة التحالفات السياسية في العراق تعود إلى المربع الأول

السُنّة يطالبون بتأجيل الانتخابات والشيعة يصرون عليها

أطفال عراقيون لأسر لاجئة في الأردن في مدرستهم شرق عمان (أ.ف.ب)
أطفال عراقيون لأسر لاجئة في الأردن في مدرستهم شرق عمان (أ.ف.ب)
TT

خريطة التحالفات السياسية في العراق تعود إلى المربع الأول

أطفال عراقيون لأسر لاجئة في الأردن في مدرستهم شرق عمان (أ.ف.ب)
أطفال عراقيون لأسر لاجئة في الأردن في مدرستهم شرق عمان (أ.ف.ب)

لعب عاملان رئيسيان دوراً بارزاً في إحداث تغيير واسع النطاق في مسار العملية السياسية في العراق لا سيما لجهة الحديث عن تحالفات جديدة عابرة للقومية والطائفية لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة (2018). والعاملان هما: الأول، استفتاء إقليم كردستان في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي وما تلاه من تحركات عسكرية للحكومة العراقية في محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها، أدت إلى سيطرة بغداد على تلك المناطق، الأمر الذي قلب الموازين سواء داخل البيت الكردي أو على صعيد علاقة الأحزاب الكردية بالمركز وبباقي الأحزاب والقوى العراقية الشيعية منها والسُّنية.
أما العامل الآخر، فهو إعلان الانتصار على تنظيم داعش الأسبوع الماضي ونهايته عسكرياً في العراق، وهو ما أدى إلى تفاعلات سياسية سريعة، في المقدمة منها الإعلان عن إمكانية قيام تحالف جديد يضم الفصائل الشيعية المسلحة التي شاركت في القتال ضد «داعش» ضمن هيئة الحشد الشعبي، فضلاً عن دعوة المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني إلى حصر السلاح بيد الدولة، الأمر الذي أدى إلى مسارعة هذه الفصائل إلى فك أجنحتها العسكرية وتحويلها إلى منظمات مدنية وتسليم أسلحتها للحكومة. وفي هذا السياق أعلن رئيس الحكومة حيدر العبادي أنه بدأ بالفعل إجراءات حصر السلاح بيد الدولة.
وقبل تاريخ إجراء استفتاء استقلال إقليم كردستان، وفي ظل عدم معرفة إلى أي مدى يمكن أن تطول الحرب على تنظيم داعش، كان الحديث يجري عن تسوية تاريخية قوامها خريطة عابرة تضم أحزاباً شيعية - سُنية – كردية، وليست مكونات حتى لا تعود الاصطفافات من جديد. لكن عقب هذه الأحداث، حصلت متغيرات أعادت منطق التحالفات إلى المربع الأول، وهو ما قاله صلاح الجبوري، رئيس كتلة تحالف القوى العراقية، في حديثه لـ«الشرق الأوسط». فعند سؤاله عن الحراك باتجاه التحالفات الذي كان يجري الحديث عنها، قال إن «كل ما يجري الحديث عنه بشأن تحالفات عابرة هو مجرد كلام وشعارات ليس له من شيء على أرض الواقع»، مبيناً أن «أحداً لم يتحرك علينا نحن كتحالف قوى، ونحن بدورنا لم نتحرك على أحد بهدف تشكيل مثل هذه التحالفات، ربما باستثناء وجود نقاشات مع الدكتور إياد علاوي، زعيم ائتلاف الوطنية، ولم تتعدَّ حدود النقاشات حتى الآن».
وفي هذا السياق فإن ما هو موجود على الأرض حالياً بعد الاستفتاء ونتائجه الكارثية على الأكراد والانتصار على «داعش» ونتائجه، التي تختلف نسبة التعامل معها من طرف إلى طرف آخر، أنه في الوقت الذي انكفأ فيه الأكراد بأحزابهم وقوامهم في حدود إقليم كردستان متفرقين تماماً ما عدا موقفهم الموحد حيال موازنة الإقليم، وهو ما يستبعد إلى حد كبير إجراء حوارات بشأن تحالفات عابرة، انكفأ العرب السُّنة خلف خسارة مناطقهم بسبب النزوح الكبير (5 ملايين نازح، حسب آخر بيان لوزارة الهجرة والمهجّرين)، وبالتالي فإن همّ القيادات السُّنية، طبقاً لما قاله صلاح الجبوري، هو «كيف يمكن أن يعود النازحون إلى مناطقهم حتى نستطيع أن نجري انتخابات نزيهة أولاً، وليست خاضعة لهذا الطرف أو ذاك من أمراء حرب حتى داخل المكون السُّني (في إشارة إلى قيادات سُنية شاركت في الحشد الشعبي) وهو ما يعني عدم ضمان نزاهة الانتخابات، الأمر الذي يجعلنا نصر على تأجيل الانتخابات ولو على سبيل الضغط باتجاه إعادة جمهورنا من النازحين الذي قد لا يتأثر بالدعاية الانتخابية أو الضغط لهذا الطرف أو ذاك».
ومع أن إبراهيم الصميدعي، عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر الوطني العراقي الذي يتزعمه آراس حبيب كريم، يخالف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، ما يراه الجبوري بقوله إن «المتغير المهم في الانتخابات المقبلة هو أنها المرة الأولى التي ستجري فيها دون مخاوف لدى أهل السنة بسبب القضاء على (داعش) وعدم وجود فصائل وقوى مسلحة مثلما كان عليه الأمر في الانتخابات الماضية، حيث لم تكن تمر قائمة سُنية في كل المحافظات الغربية دون أن ترضى عنها الفصائل المسلحة السُّنية هناك». وبينما يميل الجبوري إلى تأجيل الانتخابات «بسبب عدم إمكانية إجرائها في ظل مستويات النزوح الواسعة بالإضافة إلى خضوعها لمنطق القوة حتى في الخيام إذا أُجريت فيها لأنه يتعذر على معظم ممثلي السنة الذهاب إلى النازحين في المخيمات لكي يعيدوا انتخابهم»، فإن الصميدعي يرى أن «الانتخابات قد لا تؤجل أكثر من شهرين بسبب عدم إقرار الموازنة المالية وبالتالي من غير الممكن على المفوضية المستقلة للانتخابات الانتهاء من استعداداتها خلال هذه الفترة»، مبيناً أن «بإمكان الحكومة تسليفها حتى تكمل إجراءاتها، لكن الحكومة تريد الضغط على شركائها من أجل إقرار الموازنة لأجل الانتخابات في موعدها أو بتأجيل بسيط».
في مقابل ذلك هناك الرؤية الشيعية الضاغطة على كل المسارات، بما فيها الكتل العابرة، التي يراها الجبوري مجرد كلام، بينما يرى الصميدعي أنها «قائمة وسوف تتغير الخريطة السياسية بموجبها إلى حد كبير». ويرى كريم النوري، القيادي في كتلة بدر، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك عوائق باتت تظهر أمام ما كان يجري الإعداد له، وهو تحالف (المجاهدين) وذلك بسبب القرار الذي اتخذه زعيم منظمة بدر هادي العامري دخول الانتخابات في قائمة منفردة». ويضيف النوري أن «هذا القرار جاء بعد بيان المرجعية الأخير وتحذيراتها من استغلال تضحيات المجاهدين لأسباب سياسية، وبالتالي أصبح من الصعب تشكيل مثل هذا التحالف الذي سيواجه تحديات حقيقية».



«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

غموض يكتنف مصير الهدنة في قطاع غزة مع انتهاء المرحلة الأولى دون أفق واضح للخطوة التالية، وسط تمسك كل طرف بموقفه، ومحاولات من الوسطاء، كان أحدثها جولة مفاوضات في القاهرة لإنقاذ الاتفاق، وحديث عن زيارة مرتقبة للمبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى إسرائيل ضمن مساعي الحلحلة، وسط مخاوف من عودة الأمور إلى «نقطة الصفر».

تلك التطورات تجعل مصير المفاوضات بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، في مهب الريح وتنتظر تواصل جهود الوسطاء وخصوصاً ضغوط أميركية حقيقية على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو؛ للوصول لصيغة مقبولة وتفاهمات بشأن مسار الاتفاق لاستكماله ومنع انهياره، وخصوصاً أن «حماس» لن تخسر ورقتها الرابحة (الرهائن) لتعود إسرائيل بعدها إلى الحرب دون ضمانات حقيقية.

وبعد 15 شهراً من الحرب المدمّرة، بدأت الهدنة في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وانتهت مرحلتها الأولى (42 يوماً)، السبت، وشملت إفراج «حماس» وفصائل أخرى عن 33 من الرهائن بينهم 8 متوفين، مقابل إطلاق سراح نحو 1700 فلسطيني من سجون إسرائيل، فيما لا يزال 58 محتجزين داخل قطاع غزة، بينهم 34 يؤكد الجيش الإسرائيلي أنهم قد تُوفوا، وسط انتظار لبدء المرحلة الثانية المعنية بانسحاب نهائي ووقف للحرب على مدار 42 يوماً، وأخرى ثالثة معنية بإعمار القطاع.

وأفادت صحيفة «تايمز أوف» إسرائيل، السبت، بأن نتنياهو أجرى، مساء الجمعة، مشاورات مطولة مع كبار الوزراء ومسؤولي الدفاع بشأن الهدنة، على غير العادة، في ظل رفض «حماس» تمديد المرحلة الأولى «ستة أسابيع إضافية» ومطالبتها بالتقدم إلى مرحلة ثانية.

وطرحت المشاورات بحسب ما أفادت به «القناة 12» الإسرائيلية، السبت، فكرة العودة إلى القتال في غزة، في حال انهيار الاتفاق، لافتة إلى أن الولايات المتحدة تضغط لتمديد المرحلة الأولى.

فلسطينيون نزحوا إلى الجنوب بأمر إسرائيل خلال الحرب يشقُّون طريقهم عائدين إلى منازلهم في شمال غزة (رويترز)

بينما نقلت «تايمز أوف إسرائيل»، السبت، عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي، أن وفد بلادها عاد من محادثات تستضيفها القاهرة منذ الخميس بشأن المراحل المقبلة وضمان تنفيذ التفاهمات، كما أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية الرسمية، لكن المحادثات «ستستأنف السبت»، وفق الصحيفة.

وأكدت متحدث «حماس»، حازم قاسم، السبت، أنه لا توجد حالياً أي «مفاوضات مع الحركة بشأن المرحلة الثانية»، وأن «تمديد المرحلة الأولى بالصيغة التي تطرحها إسرائيل مرفوض بالنسبة لنا»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز»، دون توضيح سبب الرفض.

ويرى الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أن مصير المفاوضات بات غامضاً مع تمسك إسرائيل بطلب تمديد المرحلة الأولى، ورفض «حماس» للتفريط في الرهائن أهم ورقة لديها عبر تمديد لن يحقق وقف الحرب.

ولا يمكن القول إن المفاوضات «فشلت»، وفق المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، الذي لفت إلى أن هناك إصراراً إسرائيلياً، على التمديد والبقاء في 3 بؤر عسكرية على الأقل في شمال وشرق القطاع و«محور فيلادليفيا»، بالمخالفة لبنود الاتفاق ورفض من «حماس».

لكنّ هناك جهوداً تبذل من الوسطاء، والوفد الإسرائيلي سيعود، وبالتالي سنكون أمام تمديد الاتفاق عدة أيام بشكل تلقائي دون صفقات لحين حسم الأزمة، بحسب الرقب.

ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مصادر، قولها إنه إذا وافقت «حماس» على تمديد المرحلة الأولى من خلال الاستمرار في تحرير دفعات من الرهائن، فإنها بذلك تخسر النفوذ الرئيسي الوحيد الذي تمتلكه حالياً. وذلك غداة حديث دبلوماسي غربي كبير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، أشار إلى أن نتنياهو يستعد للعودة إلى الحرب مع «حماس».

طفل يسير في حي دمرته الحرب تم وضع زينة شهر رمضان عليه في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووسط تلك الصعوبات، استعرض وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، بالقاهرة، مع رئيس وزراء فلسطين، محمد مصطفى مستجدات الجهود المصرية الهادفة لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ كل بنوده خلال مراحله الثلاث، وخطط إعادة الإعمار في قطاع غزة في وجود الفلسطينيين على أرضهم وترتيبات القمة العربية غير العادية المقرر عقدها يوم 4 مارس (آذار) الحالي بالقاهرة، مؤكداً دعم مصر للسلطة الفلسطينية ودورها في قطاع غزة.

ويعتقد فرج أن حل تلك الأزمة يتوقف على جدية الضغوط الأميركية تجاه إسرائيل للوصول إلى حل، مؤكداً أن التلويح الإسرائيلي بالحرب مجرد ضغوط لنيل مكاسب في ظل حاجة «حماس» لزيادة دخول المواد الإغاثية في شهر رمضان للقطاع.

وبعد تأجيل زيارته للمنطقة، ذكر ويتكوف، الأربعاء، خلال فعالية نظّمتها «اللجنة اليهودية-الأميركية»، إنه «ربّما» ينضمّ إلى المفاوضات يوم الأحد «إذا ما سارت الأمور على ما يرام».

ويرجح الرقب أن الأمور الأقرب ستكون تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق مع ضمانات واضحة لأن الوسطاء و«حماس» يدركون أن إسرائيل تريد أخذ باقي الرهائن والعودة للحرب، مشيراً إلى أن «الساعات المقبلة بمحادثات القاهرة ستكون أوضح لمسار المفاوضات وتجاوز الغموض والمخاوف الحالية».