سكان واحة سيوة يحتفلون بيوم السياحة والحصاد السنوي

عمره أكثر من 160 سنة ويشتهر بـ«الفتة» والأناشيد الدينية

احتفالات واحة سيوة بيوم السياحة تقليد سنوي ورثه السكان عن الأجداد
احتفالات واحة سيوة بيوم السياحة تقليد سنوي ورثه السكان عن الأجداد
TT

سكان واحة سيوة يحتفلون بيوم السياحة والحصاد السنوي

احتفالات واحة سيوة بيوم السياحة تقليد سنوي ورثه السكان عن الأجداد
احتفالات واحة سيوة بيوم السياحة تقليد سنوي ورثه السكان عن الأجداد

أسفل تلال جبل الدكرور، يحتفل سكان واحة سيوة، (750 كيلومتراً غرب القاهرة)، باليوم السنوي للسياحة وموسم الحصاد على مدار ثلاثة أيام كاملة، في مثل هذا الوقت من كل عام، حيث تتحول التربة الرملية الصفراء، التي تعالج أمراض العظام في الصيف، إلى واحة صاخبة، تعج بمئات الشيوخ والشباب والأطفال، الذين يحتفلون بعيدهم السنوي ذات الطابع الفلكلوري المميز من خلال تناول الطعام «الدسم» على مائدة واحدة، بعد ترديد الأناشيد الدينية الأثيرة التي يعشقها سكان «واحة الغروب».
تاريخ الاحتفال باليوم السنوي للسياحة وموسم الحصاد يعود إلى أكثر من 160 سنة، وتجري فعالياته خلال الليالي القمرية من شهري أكتوبر (تشرين الأول) أو نوفمبر (تشرين الثاني) سنوياً، ويطلق عليه باللغة الأمازيغية لأهالي سيوة «إسياحت»، ويقصد بها السياحة في حب الله، والمصالحة والمسامحة بين أهالي واحة سيوة، ويطلق على هذه الاحتفالات أيضاً، أعياد الحصاد، لأنّها تأتي عقب الانتهاء من حصاد محصولي التمر والزيتون بواحة سيوة.
ويحرص عدد كبير من القيادات الشعبية والتنفيذية بمحافظة مطروح، التي تتبعها الواحة، على مشاركة أهالي سيوة طقوس الاحتفالات الفريدة، بجانب بعض الإعلاميين والصحافيين، وعدد من السياح الأجانب. وينشد المنشدون ليلاً تحت ضوء القمر، الأذكار والأشعار التي تمدح الرسول الكريم. ويحرص الأطفال والشباب والرجال على المشاركة بالفعاليات التي يتميزون بها عن بقية أنحاء مصر، كما تتواجد الفتيات في منطقة الاحتفالات منذ الصباح، حتى بعد العصر ثم يغادرن ساحة الاحتفال، لكن النساء لا يتواجدن بساحة الاحتفالات بكثرة طبقا للأعراف السيوية، التي تحرص على إبقاء السيدات بالمنازل.
وعن أصل الاحتفال باليوم السنوي لواحة سيوة، التي تقع جنوب مدينة مطروح الساحلية بنحو 300 كيلومتر، على الحدود الليبية، يقول شريف السنوسي (66 سنة)، الذي يقيم على حافة جبل الدكرور، (شرق الواحة) حيث تُنظّم فعاليات اليوم السنوي بسيوة لـ«الشرق الأوسط»: «يرجع أصل الاحتفال إلى منتصف القرن التاسع عشر، عندما اشتدّت المعارك والحروب بين سكان الواحة الشرقيين من جانب، والسكان الغربيين من جانب آخر، بسبب نزاعهم على الأراضي وأمور أخرى، حتى تم الصلح بين الجانبين، قبل ما يزيد على 160 سنة».
وأضاف السنوسي قائلا: «يرجع الفضل في تحقيق المصالحة لأحد العارفين بالله وهو الشيخ محمد حسن المدني الظافر، كما قال لنا الأجداد، ووضع الظافر، نظاما لتجديد المصالحة سنويا، حيث كان يجتمع الرجال والشباب في سيوة من دون تمييز أو تفريق، بهدف (السياحة في حب الله وذكره)، وهذا هو سبب تسمية هذه الاحتفالات بعيد السياحة». ولفت إلى أنّ «الجميع كانوا يجلسون على الأرض، ويتناولون الطعام معاً، ويجددون المصالحة وحل المشاكل، وهو ما يحدث حتى الآن بشكل كامل». وتابع: «يوم السياحة هو مظاهرة جميلة في حب أهالي سيوة لبعضهم البعض، وإحياء لتراث رائع ومميز ورثناه عن الآباء، نحرص سنوياً على إقامته بالجهود الذاتية، حيث تعم البهجة أركان الواحة، خصوصاً بين الأطفال الذين ينتظرون قدومه من العام للعام».
وتقع واحة سيوة، في الصحراء الغربية، بالقرب من الحدود الليبية، وتبعد نحو 750 كيلومترا من مدينة القاهرة، وأقرب المدن إليها هي مدينة مرسى مطروح، التي تبعد عنها بنحو 300 كيلومتر، ويوجد بها بحيرات مالحة، وعيون كبريتية طبيعية، ومساحات خضراء كبيرة مزروعة بالنخيل والزيتون. وتضم عدداً من الأماكن الأثرية مثل معبد آمون، ومقابر جبل الموتى، ومدينة شالي القديمة، بوسط الواحة.
وأوضح محمد عمران جيري، عضو مجلس إدارة جمعية أبناء سيوة للخدمات السياحية والحفاظ على البيئة، أنّ احتفالات الحصاد تُنظّم في منطقة جبل الدكرور (شرق سيوة)، خلال الليالي القمرية، وتتضمن حلقات الذكر مع إقامة أكبر مأدبة غداء، يشارك فيها كل سكان وزوار الواحة، عندما يكتمل القمر خلال شهر أكتوبر، أو نوفمبر، ولمدة ثلاثة أيام أثناء حصاد البلح والزيتون، وتنتهي بمسيرة دينية بالأعلام مع الذكر والدعاء والابتهال وسط مزارع وطرقات واحة سيوة حتى الوصول إلى ميدان سيدي سليمان بجوار المسجد الكبير، حيث تقام آخر مراسم الاحتفال.
ويبدأ طقوس يوم «السياحة» قبيل العيد بأيام قليلة، وتُجمع التبرعات المالية من جميع الأسر، لشراء مستلزمات الطعام من لحوم وأرز وأواني طهي وإعداد مخبوز الرقاق «المجردق»، كما يتطوع الطباخون والشباب لخدمة الاحتفال بالطهي وتقديم الطعام. وخلال الثلاثة أيام يطهي الطباخون اللحم في المرق والأرز، ويُعدّون أطباق «الفتة»، وسط الابتهالات والأناشيد الدينية حتى أذان الظهر، ثم يوضع الطعام في الأواني، ويبدأ رئيس الطباخين في توزيعها على الأهالي بالساحة المواجهة لجبل الدكرور.
يجلس الأهالي في شكل حلقات دائرية تشمل الأطفال والكبار على حد سواء، وبطريقة عشوائية يختلط الناس بعضهم ببعضاً في جو تشمله الألفة، حتى يُنادي أحدهم «بسم الله»، ليبدأ الجميع في تناول الطعام في آن واحد. وينحصر دور المرأة في سيوة في إعداد رقائق الخبز لصنع «الفتة»، كما تعد أنواعاً من الكيك و«المنين» وهو نوع من المخبوزات التي تدخل في صناعتها العجوة، لتقديمها للأطفال والمعتكفين في جبل الدكرور.



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.