انخراط أميركي هادئ في الحرب ضد «داعش» في أفريقيا

جنود أميركيون ينقلون زميلاً مصاباً إلى مروحية (واشنطن بوست)
جنود أميركيون ينقلون زميلاً مصاباً إلى مروحية (واشنطن بوست)
TT

انخراط أميركي هادئ في الحرب ضد «داعش» في أفريقيا

جنود أميركيون ينقلون زميلاً مصاباً إلى مروحية (واشنطن بوست)
جنود أميركيون ينقلون زميلاً مصاباً إلى مروحية (واشنطن بوست)

منذ أقل من عام، بدا أن طموحات تنظيم «داعش» داخل أفريقيا قد تحطمت جميعًا. في ليبيا، نجحت ميليشيات مدعومة بجنود أميركيين من قوات العمليات الخاصة وضربات جوية في طرد مسلحي التنظيم من معقلهم في مدينة سرت. وأسفرت هذه الجهود عن مقتل المئات من مقاتلي «داعش»، بينما فر آخرون جنوبًا باتجاه مخابئ صحراوية.
من ناحيتها، أشارت كلوديا غزاني، المحللة البارزة لدى «مجموعة الأزمات الدولية»، إلى أنه: «لم تظهر أي رايات سوداء»، وذلك في وصفها للوضع عندما زارت جنوب ليبيا في أعقاب هزيمة التنظيم في ديسمبر (كانون الأول).
ومع هذا، تمكن الكثيرون من مقاتلي «داعش» المدربين على نحو جيد من اجتياز الصحراء إلى داخل المناطق الواسعة خارج سيطرة سلطات إنفاذ القانون داخل النيجر، وذلك تبعاً لما أفاده محللون ومسؤولون أمنيون إقليميون. بعد ذلك، تدفق بعضهم على المناطق التي نشط داخلها مسلحون في مالي ونيجيريا ودول أخرى.
وقد ساعد هؤلاء المقاتلون في ضخ حياة جديدة في الحركات المسلحة بالمنطقة، وكذلك خلق تحديات أمام القوات الأميركية المرابطة بالمنطقة. على الجانب الآخر، لم يعلم سوى القليل من الأميركيين أن جنودهم يشاركون في واحد من أكثر ميادين القتال تعقيداً على مستوى العالم سوى عندما قتل أربعة منهم الشهر الماضي على أيدي مسلحين في منطقة نائية في النيجر. الواضح أنه بدلاً عن الاحتفال بهزيمة جماعة مسلحة وخطيرة داخل أفريقيا، يواجه البنتاغون وحلفاؤه مجموعة من الجماعات المسلحة التي تزداد قوة يوماً بعد آخر في ظل تعمق العداء والتنافس بين «القاعدة» و«داعش» حول الاستئثار بالنفوذ والمجندين. في هذا الصدد، قال كالا موتاري، وزير دفاع النيجر، خلال مقابلة أجريت معه الأربعاء: «يكمن التحدي الأكبر في حالة غياب الاستقرار التي تعانيها ليبيا. ما يزال تدفق المقاتلين والأسلحة مستمراً من ليبيا باتجاه هذا الجزء من العالم نظراً لعدم وجود أي نمط من السيطرة عليه».
من ناحية أخرى، تمكن مسلحون، في خضم مساعيهم لحشد الدعم، من استغلال توترات عرقية وعشائرية، إضافة لمشاعر السخط إزاء الفقر والبطالة. وما يزيد تعقيد الجهود الرامية لهزيمة المسلحين، الضعف الذي تعانيه جيوش المنطقة أو الإجراءات القمعية التي تتخذها، وكذلك رداءة الحكم وافتقار الحدود إلى السيطرة المحكمة.
وجاء مقتل أربعة جنود أميركيين ليثير تساؤلات داخل واشنطن حول دور القوات الأميركية فيما يعرف باسم دول الساحل، في إشارة إلى حزام من مساحات قاحلة يمتد من غرب أفريقيا حتى شمال الوسط.
من جانبها، تشتبه إدارة ترمب في أن ثمة حليفا جديدا نسبياً لـ«داعش» يتحمل المسؤولية وراء مقتل الجنود الأميركيين. كانت الحكومة الأميركية قد عززت التزامها العسكري تجاه المنطقة، وجاء أحدث مؤشر على ذلك في تعهدها هذا الأسبوع بتقديم 60 مليون دولاراً لبناء قوة جديدة لمكافحة الإرهاب هناك.
ويخالج السلطات الأميركية القلق من أن يكون «داعش» الذي يواجه فقداناً لمساحات خاضعة لسيطرته داخل العراق وسوريا، قد بدأ يحول تركيزه نحو شمال وغرب أفريقيا. جدير بالذكر أن الآلاف من مقاتلي التنظيم الذين فروا من العراق وسوريا وليبيا ينتمون في الأصل لهذه المنطقة، خاصة تونس والمغرب.
من ناحيته، قال بروس هوفمان، مدير مركز الدراسات الأمنية التابعة لجامعة جورج تاون: «في الوقت الذي يجري الضغط عليهم، تزداد بالنسبة لهم أهمية الظهور وإبداء النشاط في منطقة أخرى، وبالتالي يحافظون على أهميتهم للقضية الكبرى. من وجهة نظرهم، فإنهم يرغبون في إظهار أنهم ما يزالون قادرين على التفوق على (القاعدة) في خضم المنافسة المحتدمة بين التنظيمين والتشاحن القائم بينهما».

التطلع نحو العودة
خلال الشهور الأخيرة، سعى «داعش» نحو العودة إلى ليبيا، وبالفعل دبر مجموعة من التفجيرات الانتحارية وأعمال العنف الأخرى. وقد أقدمت جماعة تابعة له في شمال سيناء بمصر إلى قتل عدة مئات من رجال الشرطة والجنود هذا العام، في الوقت الذي ظهرت جماعات وخلايا على صلة بـ«داعش» في الجزائر وتونس والمغرب.
من ناحية أخرى، تمكنت جماعة «بوكو حرام» في نيجيريا - التي أعلنت الولاء لـ«داعش» عام 2015 - من توسيع رقعة نفوذها وشن هجمات داخل الكاميرون وجنوب النيجر وتشاد. وأعلن قادة ميليشيات ومسؤولون ليبيون أن الكثير من أبناء غرب أفريقيا قاتلوا إلى جانب «داعش» في ليبيا قبل هزيمة التنظيم هناك.
من ناحيتهم، أعرب مسؤولون عسكريون أميركيون عن اعتقادهم بأن «داعش» داخل الصحراء الكبرى استهدف جنودا أميركيين والعديد من نظرائهم النيجيريين، رغم عدم إعلان أي جماعة مسؤوليتها عن ذلك. كانت الجماعة قد تأسست عام 2015 واعترف بها زعيم «داعش»، أبو بكر البغدادي في أكتوبر (تشرين الأول) 2016، في نفس الفترة تقريباً التي كان التنظيم على شفا الهزيمة داخل سيرت.
هذا العام، أعلن تنظيم «داعش في الصحراء الكبرى» مسؤوليته عن عدة هجمات في بوركينا فاسو وكذلك محاولة إطلاق سراح مسلحين إسلاميين من سجن في النيجر. في هذا الصدد، قال آرون زيلين، خبير بمثل هذه الجماعات لدى معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى: «ثمة بيئة أكبر الآن... أمام الجماعات المتطرفة لتنشط وتعمل فيها وتحاول بناء قدراتها».
عام 2007. بعد عامين من بدء وصول جنود أميركيين إلى شمال وغرب أفريقيا لتدريب جيوش محلية، تمثل التهديد الإرهابي الرئيسي في المنطقة في «القاعدة ببلاد المغرب»، وكانت جماعة ناشئة تضرب جذورها في الحرب الأهلية الجزائرية.
وبعد أربع سنوات، أسقطت ثورة «الربيع العربي» في ليبيا الديكتاتور العقيد معمر القذافي، لكن انهيار نظامه - بمعاونة ضربات جوية من حلف «الناتو» - خلف وراءه نتيجة غير متوقعة: إعادة بث الحياة في المسلحين المتطرفين بالمنطقة.
وتعرضت مخازن الأسلحة الخاصة بالقذافي للنهب وجرى تهريب الكثير من الأسلحة إلى دول أخرى. وساعدت هذه الأسلحة في تأجيج ثورة عام 2012 من جانب قبائل الطوارق البدو في شمال مالي سرعان ما اختطفتها «القاعدة في بلاد المغرب» وجماعات مسلحة أخرى. وعلى مدار عام تقريباً، سيطر متمردون على مساحات واسعة من المنطقة، حتى نجحت قوات فرنسية في طردهم.
ومع ذلك، استمرت «القاعدة في بلاد المغرب» وجماعات خرجت من عباءته في العمل داخل المنطقة، ومهاجمة قوات الأمن وإعلان المسؤولية عن هجمات مميتة ضد فنادق ومقاهٍ في مالي وساحل العاج وبوركينا فاسو. واليوم، تعتبر هذه الجماعة التابعة لـ«القاعدة» واحدة من أفضل الجماعات الإرهابية تسليحاً وتمويلاً على مستوى العالم، ذلك أنها تحصد عشرات الملايين من وراء تورطها في عمليات خطف أجانب غربيين.
هذا العام، تمكنت الجماعة من توسيع رقعة وجودها داخل ليبيا، وسعت للاستفادة من النكسات التي مني بها تنظيم داعش هناك ومحاولة اجتذاب مقاتلي التنظيم، حسبما أفاد محللون إقليميون.

هوة آيديولوجية
على خلاف الحال داخل سوريا، فإن مقاتلي «القاعدة» و«داعش» نادراً ما يتورطون في قتال بعضهم البعض، خاصة في ظل الكثير من الأفراد الذين انتقلوا من إحداهما إلى أحضان الأخرى، والكثير من مقاتلي الجماعتين على معرفة ببعضهم البعض منذ سنوات. وغالباً ما تعمل الجماعتان داخل ذات المنطقة. أما الخلافات بينهما فإنها لا ترتبط بالدين أو الفلسفة بقدر ارتباطها بأجندات القيادات أو المجموعات التي تمثلها الجماعتان.
وفي هذا الصدد، علق أندرو ليبوفيتش، الباحث المعني بالقضايا السياسية والأمنية الإقليمية والزميل الزائر لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، بقوله: «لا يعني ذلك أنه ليس ثمة توتر بين الجانبين، لكنه ليس نمط الهوة الآيديولوجية التي كثيراً ما يظن الناس بوجودها بين (داعش) و(القاعدة)».
في نهاية الأمر، سلطت الأضواء على جماعة «المرابطون»، التابعة لتنظيم «القاعدة» ويتزعمها جزائري يدعى مختار بلمختار. عام 2015. وقع خلاف بين بلمختار وآخر يدعى الشعراوي وينتمي إلى منتصف الأربعينات من العمر، وقد نشأ ضمن «داعش» داخل الصحراء الكبرى, والتي تقع القاعدة الرئيسية لعملياتها على جانبي الحدود بين النيجر ومالي، المنطقة التي شهدت مقتل الجنود الأميركيين.
من ناحيته، قال موتاري، وزير دفاع النيجر، إنه من المعتقد أن الشعرواي يعتمد على أسلحة حصل عليها من ليبيا ومقاتلين كانوا جزءًا من «داعش» عندما سيطر على سيرت. وأضاف: «هناك الكثير من المقاتلين في ليبيا، وكذلك آخرون قاتلوا في سوريا والعراق وجاءوا لاحقاً إلى ليبيا وانضموا إلى هذه الجماعة».

استمرار الهجمات
داخل النيجر، واحدة من أكثر دول العالم فقراً، هناك قرابة 800 جندي أميركي - كجزء من 6.000 جندي أميركي يرابطون داخل القارة الأفريقية ككل. وتتضمن القوات جنودا من القوات الخاصة بدأوا في الوصول هنا عام 2012 لتوفير تدريب بمجال مكافحة الإرهاب. كما أن هناك ما يقرب من 4.000 جندي فرنسي متمركزين في المنطقة.
وعلى امتداد الحدود الطويلة التي يغيب عنها القانون حيث قتل الجنود الأميركيون، وثقت الأمم المتحدة 46 هجوماً على الأقل منذ فبراير (شباط) 2016. استهدفت في معظمها قوات أمنية محلية.
ونجح المتطرفون في بناء روابط لهم داخل مجتمعات لطالما عانت الإهمال من جانب الحكومات المركزية الضعيفة بالمنطقة. وسمح فراغ السلطة لجماعات مسلحة باستغلال مشاعر السخط تجاه فساد الحكومة وتفشي الجريمة وغياب الفرص. وداخل الكثير من القرى، ألقى مسلحون إسلاميون القبض على لصوص ونجحوا في تسوية خلافات زوجية ونزاعات عائلية، ليحلوا بذلك فعلياً محل الحكومة.
داخل مالي، استغل «القاعدة داخل المغرب» ومسلحون متشددون آخرون التوترات العرقية والقبلية بين الطوارق والعرب في الشمال والجماعات العرقية المهيمنة على الجنوب. كما استغلوا التوترات بين الرعاة والمزارعين حول الأرض والعشب.
وعن ذلك، قال هوفمان: «بالنسبة لهذه المجتمعات، فإن وجود حركة سياسية، خاصة إذا كانت تعد بتقديم حلول فورية من خلال العنف، يعتبر عامل جذب هائل».
* خدمة «واشنطن بوست»
- خاص بـ»الشرق الأوسط»


مقالات ذات صلة

آسيا مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مرة أخرى وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام».

«الشرق الأوسط» (باراشينار (باكستان))
المشرق العربي إردوغان وإلى جانبه وزير الخارجية هاكان فيدان خلال المباحثات مع بيلنكن مساء الخميس (الرئاسة التركية)

إردوغان أبلغ بلينكن باستمرار العمليات ضد «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا أنها ستتخذ إجراءات وقائية لحماية أمنها القومي ولن تسمح بالإضرار بعمليات التحالف الدولي ضد «داعش» في سوريا. وأعلنت تعيين قائم بالأعمال مؤقت في دمشق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

قال رئيس هيئة أركان وزارة الدفاع النيجيرية الجنرال كريستوفر موسى، في مؤتمر عسكري، الخميس، إن نحو 130 ألف عضو من جماعة «بوكو حرام» الإرهابية ألقوا أسلحتهم.

«الشرق الأوسط» (لاغوس)
المشرق العربي مئات السوريين حول كالين والوفد التركي لدى دخوله المسجد الأموي في دمشق الخميس (من البثّ الحرّ للقنوات التركية)

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

قام رئيس المخابرات التركية، إبراهيم فيدان، على رأس وفد تركي، بأول زيارة لدمشق بعد تشكيل الحكومة السورية، برئاسة محمد البشير.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

حالة تأهب مع وصول الإعصار «شيدو» إلى أرخبيل مايوت الفرنسي

بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
TT

حالة تأهب مع وصول الإعصار «شيدو» إلى أرخبيل مايوت الفرنسي

بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)

ضرب الإعصار «شيدو» صباح اليوم السبت أرخبيل مايوت الفرنسي في المحيط الهندي حيث أُعلنت حالة التأهب القصوى مع توقع اشتداد الرياح المصاحبة له والتي تجاوزت سرعتها 180 كيلومترا في الساعة.

وضرب الإعصار جزيرة بوتيت تير في شرق الأرخبيل حيث يخشى أن تصل سرعة الرياح «إلى 200 و230 كلم/ساعة»، بحسب آخر نشرة للأرصاد الجوية الفرنسية، متوقعة رياحا مدمرة أشد من تلك التي صاحبت الإعصار «كاميسي» عام 1984.

وتسببت الرياح بانقطاع الكهرباء مع سقوط أعمدة كهرباء واقتلاع أشجار وتطاير أسقف منازل مصنوعة من الصفيح.

غيوم في سماء مايوت (أ.ف.ب)

وفي مدينة أوانغاني، قال رئيس البلدية يوسف أمبدي إنه يخشى «الأسوأ... لا يمكننا الخروج ولكن ما نشاهده يفوق الوصف».

ومنذ الصباح الباكر، أصدرت السلطات تحذيرا أرجوانيا وهو ما يعني لزوم جميع السكان منازلهم وعدم الخروج بما يشمل أجهزة الطوارئ والأمن وجميع عناصر الإنقاذ.

وقالت فاطمة التي تعيش في ماجيكافو-كوروبا وما زالت تذكر الإعصار الذي ضرب جزر القمر المجاورة عندما كانت طفلة «نحن خائفون جدا».

وتوقعت هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية أمطارا شديدة الغزارة مع خطر تشكل السيول والفيضانات وارتفاع أمواج البحر التي يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على الساحل.

وحُظرت حركة المرور على الطرق العامة في جزيرتي غراند تير وبوتيت تير، وأغلق مطار دزاوودزي منذ مساء الجمعة.

ويتوقع خبراء الأرصاد الجوية الفرنسية تحسنا في الأحوال الجوية خلال اليوم، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.